رأى أنّه من المعيب حضور الرموز الإسلامية مؤتمرات حوار الأديان مع الصّهاينة فيما يرفضون العمل لمنع الفتنة المذهبية فضل الله: نخشى أن يُمهّد مؤتمر "زعماء الأديان" للتّطبيع الديني مع العدوّ |
حذّر العلامة المرجع، السيّد محمد حسين فضل الله، في بيان له، من تحويل مؤتمرات "حوار الأديان"، وآخرها المؤتمر الذي عقد في العاصمة الكازاخية، إلى محطات للتطبيع مع كيان العدو، مشيراً إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن عناوين تجميلية دينية تعيدها إلى قلب العالم الإسلامي، محذّراً من أنّ لقاء الرموز الإسلامية الرسمية مع رئيس كيان العدوّ بعد أشهر من العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، يمثل رسالةً سلبيةً حاسمةً للشعب الفلسطيني، بأنه لا مانع لدى هؤلاء من الاقتراب أكثر من العدوّ حتى وهو يصادر أكبر مساحة من الأرض منذ العام 1967م لحساب مشاريعه الاستيطانية.
وأشار سماحته في بيانه، إلى أنّه من المعيب ألا تتحرك الرموز الدينية الإسلامية لقطع الطريق على الفتنة المذهبية في الواقع الإسلامي، بينما تكون في المقابل على أتم الاستعداد للقاء الصهاينة ومحاورتهم ومصافحتهم والاستماع إلى خطاباتهم. وأبدى خشيته من أن تمثل هذه المؤتمرات الخطوة الأولى على طريق التطبيع الديني مع كيان العدو وحاخاماته الذين يعتبرون العرب "حشرات وأفاعي"، داعياً الشعوب العربية والإسلامية والحركات الإسلامية السنية والشيعية إلى التوحّد في مواجهة ذلك.
وفيما يلي نصّ البيان حول مؤتمر "زعماء الأديان في العالم":
تصاعدت في الآونة الأخيرة الدعوات إلى مؤتمرات عالمية تحت عنوان "حوار الأديان" أو "زعماء الأديان في العالم" , بعدما أدمن العالم مصطلحات "صدام الحضارات" و"صراع الأمم"، وما إلى ذلك من المفردات والعناوين التي غالباً ما كانت تسير جنباً إلى جنب مع الخطوط السياسية للدول الكبرى أو التي كان يُطلق عليها "دول القرار"، إلى أن دخل العالم تحت مظلّة "القطب الواحد" في أعقاب سقوط المنظومة السوفياتية، ولكنّ هذا القطب الذي بدأت ملامح سيطرته وهيمنته العالمية تتداعى بعد غزو أفغانستان والعراق، بات يبحث في هذه الأيام عن عناوين تجميلية تعيده إلى قلب الساحة الإسلامية والعربية، ولا مشكلة لديه في أن يُصار إلى استغلال العنوان الديني إلى أبعد الحدود، كما أنه يرى للكيان الصهيوني فرصة الدخول معه إلى هذه الساحة، بعد أشهر معدودة من حربه الوحشية على غزّة، وفي الوقت عينه الذي تجزم منظّمة العفو الدولية بأنّ هذا الكيان ارتكب جرائم حرب مهولة في غزة.
إنّنا في الوقت الذي نرحّب بحوار الأديان وحوار الجماعات الإنسانية المتعددة، انطلاقاً من مفهومنا الإسلامي، ومن القرآن الكريم الذي يمثّل أنصع كتابٍ للحوار واحترام القيم عبر التاريخ، ومن خلال السنّة النبوية الشريفة التي جزمت بأنّ الناس يتفاضلون بالتّقوى بعيداً عن كلّ العناوين العرقية أو القومية أو ما إلى ذلك , إلا أنّنا، وأمام عجقة المؤتمرات هذه، وآخرها المؤتمر الذي حمل عنوان: "زعماء الأديان في العالم"، والذي عقد في العاصمة الكازاخية، نضع عدداً من المعطيات أمام شعوبنا وأمام الأمّة، حتى تكون على بيّنة ممّا يجري حولها.
أوّلاً: إنّ هذا المؤتمر يأتي في أعقاب مؤتمر "حوار الأديان" الذي عقد في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وكان يستهدف إدخال الكيان الصهيوني إلى قلب العالم الإسلامي، وإسقاط حساسية الشعوب العربية والإسلامية تجاه هذا الكيان ورموزه، ومن هنا برز حرص المؤسسة السياسية الأمريكية التي هيّأت كلّ الظروف والمناخات والإمكانات لهذا المؤتمر، على أن يدخل كيان العدو إلى هذا العالم عبر مصافحة رئيسه لشيخ الأزهر، وعبر التواجد تحت سقف واحد مع رئيسٍ لدولةٍ عربية وإسلامية تمثل مهد الإسلام، وتحمل العناوين الإسلامية الكبرى التي انطلقت المسيرة الإسلامية عبرها من مكة المكرمة إلى العالم كله.
ثانياً: يجيء مؤتمر "زعماء الأديان في العالم"، بعد دعوة صريحة من إحدى الشخصيات العربية الرسمية بالعمل على تطبيع العلاقات بين كيان العدوّ وبين 57 دولة إسلامية، وهو المدخل الرئيس الذي تبحث عنه الإدارة الأمريكية للتأكيد على أنّ الدول العربية والإسلامية جاهزة للذهاب بعيداً في علاقاتها مع كيان العدو على حساب الفلسطينيين، وقد استطاعت الرموز السياسية والدينية والعربية والإسلامية التي حضرت المؤتمر إلى جانب رئيس كيان العدوّ، أن تبعث برسالة حاسمة إلى الشّعب الفلسطيني، مفادها: أنّه لا مانع من أن يكون هؤلاء على مسافة قريبة جداً من الجزّار شمعون بيريز، قاتل الأطفال في قانا وكذلك في فلسطين المحتلّة، في الوقت الذي يعلن العدو عن الاستعداد لضمّ أكبر مساحة من الأرض الفلسطينية في نطاق زحفه الاستيطاني منذ العام 1967م.
ثالثاً: لقد كان واضحاً أن الهدف من هذه المؤتمرات لا يتصل بالحوار بين الأديان من قريب أو بعيد، وإلا فما معنى أن تكون شخصية سياسية صهيونية هي الأساس في هذا الحوار، وهي التي تتولّى مخاطبة الزعامات الدينية العربية والإسلامية في هذا المؤتمر، وتضحك على العرب في حديثها عن إسقاط "اللاءات الثلاث" التي صدرت عن قمة الخرطوم بعد حرب حزيران عام 1976م؟! ولهذا نريد لشعوبنا أن تعرف، أنّ العدو الذي لم يكن يطمح بأكثر من أن يلتقط حاخاماته ـ الذين يعتبرون العرب حشرات وأفاعي ـ الصورة إلى جانب الرموز الدينية الإسلامية الرسمية، باتوا يفكّرون في اقتحام المعاقل الإسلامية والمواقع العلمية العربية والإسلامية في مكّة المكرّمة والأزهر الشريف وغيرهما.
رابعاً: إنّه لمن المخجل حقاً أن تتداعى شخصيات إسلامية للقاء الصهاينة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وألا تبدي رفضها للتطبيع المباشر أو غير المباشر مع العدو المغتصب الذي يعلن في هذه الأيام عن عزمه إقامة "الدولة اليهودية" لما يسمونه الشعب اليهودي في فلسطين العربية والإسلامية على حساب الشعب الفلسطيني الذي يُراد طرد ما تبقّى منه من داخل أرضه ومنع عودة اللاجئين , ومن المعيب ألا تتحرك هذه الشخصيات لردم الهوّة داخل الواقع الإسلامي، ولمنع الفتنة المذهبية وقطع الطريق على الدوائر التي تروّج لها داخل بلدانها، بينما تكون على أتمّ الاستعداد للقاء الصهاينة ومحاورتهم ومصافحتهم والاستماع إلى كلماتهم وخطاباتهم التي يسخرون فيها من الواقع العربي والإسلامي بطريقة أو بأخرى.
إنّني أتوجه بالنداء إلى الشعوب العربية والإسلامية، وإلى الحركات الإسلامية السنية والشيعية، وخصوصاً تلك التي تحمل همّ الإسلام، وتجعله على رأس أولويّاتها الحركية والجهادية، أن تتنبّه إلى أنّ الخطّة التي يسير الكثيرون في نطاقها عن دراية أو غير دراية، تستهدف تحصيل الاعتراف الأوّلي بكيان العدوّ، وبناء خطوة التطبيع الديني معه، لتكون خطوةً حاسمةً في تحقيق التطبيع السياسي، حتى وإن انطلقت الخطوة الأولى هذه من المواقع الدينية الرسمية. ولذلك فإنّ المرحلة قد تكون أخطر بكثير من المراحل السابقة، وهي تستدعي العمل على خطّين: الاستمرار في مواجهة العدوّ والعمل الميداني لمنع إقفال ملفّ المواجهة مع هذا الكيان الغاصب، والسعي الحثيث لتوحيد صفوف الأمّة من الداخل ونبذ الفتنة المذهبية التي تسعى أجهزة عميلة من داخل ساحاتنا لجعلها الجسر الذي تَعبر عليه لتفرض على الأمّة التطبيع الممهّد للهزيمة والاستسلام، وهو ما ينبغي للأحرار في الأمّة أن يعملوا جاهدين لمنعه بكلّ الوسائل والإمكانات المتاحة.
|