فضل الله: هناك تحالف عالمي بين الصهيونية العالمية وشخصيات وإدارات غربية يستهدف تشويه الإسلام |
أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً أشار فيه إلى المؤتمر الذي عُقد مؤخراً في كيان العدو في سياق تصاعد الهجمة العالمية ضد الإسلام، وجاء فيه:
يتعرض الإسلام في هذه المرحلة إلى واحدة من أخطر الحملات التي تشن ضده، وعلى نطاق واسع، وخصوصاً في البلدان الغربية التي يتحدث بعض المسؤولين فيها عن التفريق بين ما يسمّونه المجموعات الإسلامية المتطرفة وبين بقية المسلمين، ولكنهم في الوقت عينه يتعاملون مع الإسلام ككيان سياسي وثقافي وعقيدي وبشري مثير للقلق، وباعث على الارتياب، أو كما يعبّر بعض الكتّاب الأوروبيين، بأن بلدان الاتحاد الأوروبي استمرت في التعاطي مع الإسلام كعدو وكجار مخيف.
وثمة مسألة جديدة برزت في السنوات الأخيرة من خلال دخول الكيان الصهيوني والصهيونية العالمية على الخط، تارةً من خلال تغذية العناصر المتطرفة والمعقدة من الإسلام والمتواجدة في كثير من الدول الغربية، ورفدها بالمادة الإعلامية والسياسية التحريضية، وطوراً من خلال السعي للاستفادة من هذه الشخصية أو تلك، والتي كرّست حركتها السياسية والثقافية للهجوم على الإسلام، وصولاً إلى استخدامها من طريق المؤتمرات والمهرجانات الثقافية للترويج لسياسة التحذير من الإسلام، لا بل التحذير من الخطر الإسلامي الداهم على أوروبا والقادم من خلال ازياد أعداد المسلمين في البلدان الأوروبية. وقد لاحظنا في السنوات السالفة، كيف أن هذه البدع التي يخترعها الصهاينة، سواء أكانت فكريةً أم سياسيةً تجد أرضاً خصبةً لها في كثير من الدول الغربية، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، التي كان رئيسها السابق يتحدث على أساس أنه منتدب من الله لخلاص العالم، كما قرأنا مؤخّراً أن رئيس الوزراء البريطاني السابق، طوني بلير، أخذ القرار بالمشاركة في الحرب على العراق وفي كوسوفو، بحجة أن الله طلب منه خوض الحرب، ولاعتقاده أن قوى الخير ينبغي أن تنتصر على قوى الشر.
إننا نلاحظ أن الغرب ـ في العديد من إداراته التي أوحت بأنها باتت أقرب إلى الحوار بعد المتغيرات العالمية الاقتصادية والمالية ـ لا يزال يتبنّى نظرية "الردع الاستباقي"، ليس على مستوى الحروب الاستباقية فحسب، بل على مستوى الردع الثقافي الاستباقي الذي تستخدم فيه كل الأسلحة الثقافية والإعلامية التشويهية ضد الإسلام، وقد رأينا شخصيات رسمية دينية تتبنى ما ذهب إلى الترويج إليه بعض المفكرين الأميركيين من أنّ الإسلام هو دين عنف.
إنّ الخطورة تكمن في وجود تعاون وتحالف خفي وعلني بين الصهيونية العالمية وبعض الإدارات الغربية، وكثير من الشخصيات الأوروبية والأميركية لتشويه صورة الإسلام، سواء تجلى ذلك في الرسوم المسيئة أو فيما تنتجه الأفلام ووسائل الإعلام المتعددة من معطيات تشويهية، وصولاً إلى الدخول الإسرائيلي المباشر على الخط لتبني نظرية محاربة الإسلام خارج قواعده الجغرافية ومنعه من الامتداد في الغرب، وصولاً إلى حصاره ومحاربته في مواقعه الجغرافية في الدول العربية والإسلامية.
ولعل من اللافت ما نلاحظه من صمت عربي وإسلامي تجاه هذه الحرب التي تتبناها جهات غربية، وتنسّق فيها مع الصهيونية، بما في ذلك الأحزاب اليهودية المتطرفة داخل كيان العدو، حيث عقد في الآونة الأخيرة داخل هذا الكيان مؤتمر حذّر من خطورة انتشار الإسلام في القارة الأوروبية تحديداً، وفي العالم بعامة، وحضرته شخصيات غربية، كالكاتب الأميركي "دانيال بايبس"، والبرلماني الهولندي فيلدرز صاحب فيلم "فتنة". وقد حذّر المؤتمر من ارتفاع عدد المسلمين في العالم، ورأى في ذلك ظاهرةً خطيرةً، ودعا إلى العمل على الحد من أعداد المعتنقين للإسلام من أتباع الديانات الأخرى، والسعي لمنع امتداد المسلمين من خلال هجرتهم إلى أوروبا، واعتبر أن المسلمين المعتدلين هم الأخطر، لأنهم يحظون بثقة العديد من الأوروبيين، ويؤدون بصورة غير مباشرة إلى اعتناق البعض من الأوروبيين الإسلام... كما جاء في الإعلام الصهيوني الذي أكد أن "المؤتمر نقل رسالةً مفادها أن إسرائيل لا تقف وحدها في مواجهة الإسلام، وأن لها أعواناً وشركاء في أوروبا".
إن ذلك كله يحدث بعد أشهر من انعقاد مؤتمر الأديان الذي مهّد لمصافحة بين مرجعية دينية إسلامية رسمية ورئيس كيان العدو، والذي أريد له أن يفسح في المجال للتطبيع مع العدو في الوقت الذي تستمر الهجمة الغربية على الإسلام، كما أنه يحدث في الوقت الذي تتحدث شخصيات عربية من أرض الحجاز ومن مهد الإسلام بصوتٍ عالٍ، عن أن "إسرائيل والعرب يمكن أن يتعاونا في كثير من المجالات، بينها المياه والزراعة والعلوم والتعليم"، قائلين: "ستكون هناك زيارات متبادلة بين شعب إسرائيل وباقي الدول العربية".
إننا نلحظ زيادةً في الهجمة الإسرائيلية ضدّ العرب والمسلمين وضد الإسلام نفسه، في الوقت الذي يقدم العرب المزيد من التنازلات إلى عدوهم، وينسحقون أكثر أمامه. ونحن نتساءل عن الدور الحقيقي للجامعة العربية حيال ذلك، كما نتساءل عن منظمة المؤتمر الإسلامي التي نخشى أن تكون حركتها الشكلية في بعض مؤتمراتها تمهيداً لمحاكاة بعض المشاريع التي لا تريد خيراً للأمة، وخصوصاً أننا بدأنا نلحظ اهتماماً أميركياً بارزاً للضغط على العرب الممانعين من خلال الإيحاء بأن الدول الإسلامية لا مانع عندها من الذهاب بعيداً إلى حد الاعتراف بإسرائيل إذا أفسحت هذه الأخيرة في المجال لهذه الدول لكي تحتفظ بماء وجهها أمام شعوبها.
إننا نعتقد أن الظروف الدولية الجديدة التي نشأت في أعقاب الأزمة الاقتصادية الأخيرة، وتولي إدارة جديدة زمام الأمور في الولايات المتحدة الأميركية، وغيرها من المتغيرات العالمية، لم تكن حائلاً دون اتساع حدّة الهجمة العالمية المبرمجة والمدروسة ضد الإسلام، والتي تتوزع فيها إدارات وشخصيات غربية الأدوار مع الصهيونية العالمية، ولذلك فإن المسلمين والعرب مطالبون بالعمل لمواجهة هذه الهجمة بموازاة العمل لتحرير أرضهم وبلادهم، وعلى الشعوب أن تنهض بالحمل الكبير لتنجح في الامتحان الذي سقطت فيه الأنظمة والمنظمات الإقليمية وغير الإقليمية.
ونريد للشعوب الغربية أن تنفتح على الإسلام وتتعرف إليه من مصادره الحقيقية، لا من خلال من تكتبه عنه شخصيات وجهات معادية، كما نؤكد للعالم كله، أن الإرهاب يمثل ظاهرة عالميةً لها أسبابها وخلفياتها، وهي ظاهرة موجودة في الشرق والغرب وفي هذا الشعب وذاك، ولذلك فإن على الجميع أن يتصدى لهذه الظاهرة من خلال مواجهة أسبابها ومعطياتها، بعيداً من وصم الإسلام أو أي فكر أو جهة أخرى به.
|