المرجع السيد محمد حسين فضل الله في ثاني مكاشفاته: مؤتمرات التقارب بين الطائفتين محل للكذب... والحلّ بتقوى الله

المرجع السيد محمد حسين فضل الله في ثاني مكاشفاته: مؤتمرات التقارب بين الطائفتين محل للكذب... والحلّ بتقوى الله

المرجع السيد محمد حسين فضل الله في ثاني مكاشفاته:

مؤتمرات التقارب بين الطائفتين محل للكذب... والحلّ بتقوى الله


س: أبدأ حديثي معك، سماحة السيد، حول مكاشفة أجريتها قبل أربع سنوات مع الشيخ حسن الصفار، حيث طرح الرجل رؤية لحل الإشكالية بين الشيعة وأهل السنة عموماً، وقال إن من المفترض على عقلاء المذهبين أن يتحاوروا ليصلوا إلى حل، وذلك يكون بأن يوقف السلفيون وأهل السُنة تكفير الشيعة، فيما يقوم علماء الشيعة بردع وإزالة ثقافة شتم الصحابة، ما رأيكم في ذلك؟

ج: نحن نقوم بهذه الدعوة منذ عشرات السنين، لأننا نعتقد أن مسألة تكفير المسلم أمر غير جائز شرعاً، وأنّ بعض الاجتهادات التي يراها المسلمون كفراً هي ليست كذلك، بل هي اجتهادات قابلة للنقاش والجدل. وقد تحدّث أنّ السيد علي الخامنئي أيضاً إضافةً إلى علماء شيعة آخرين، عن عدم جواز سبّ الصحابة، وقد كنت ممّن أطلقوا مشروع الوحدة الإسلامية بين السنة والشيعة، حتى نتعاون في معالجة الأوضاع الموجودة في الشارع، والتي تتحرك بطريقة سلبية ضد الشيعة وضدّ السُنة.    

المشكلة في الواقع الإسلامي صارت مشكلتين: التخلف الذهني، ودخول الأزمة في خطط الأجهزة المخابراتية في العالم


س: ولكن، بعد هذه السنوات من إطلاق هذه الدعوة، أريد تقويمكم الموضوعي والعادل لمسألة التقارب؟

ج: إنّ المشكلة في الواقع الإسلامي صارت مشكلتين؛ الأولى، تتمثل بالتخلف الذهني في عدم الانفتاح على الرأي الآخر، وعدم التحرّك في الأفق الواسع. والثانية، هي أن مشكلة السُنة والشيعة دخلت في خطط الأجهزة المخابراتية الموجودة في العالم الإسلامي، وذلك من خلال المخابرات الأمريكية والأوروبية وغيرها، لأن الطريقة التي تمكّنهم من السيطرة على المسلمين وإشغالهم بجزئيات خلافاتهم عن قضاياهم المصيرية الكبرى، تتم عن طريق استغلال هذه الخلافات.

أحداث العراق وظلالها السوداء

س: في مقابل ذلك، هناك من يقول إن الغزو الأمريكي للعراق وما حدث من حال تصادم بين السُنة والشيعة في العراق، ألقى بظلاله على هذا المشروع وأوقفه؟

ج: عندما ندرس هذه المسألة، نجد أنه لم تكن في العراق ـ وأنا عشت هناك أغلب شبابي ـ مشكلة سنية شيعية، لكن دخول القاعدة إلى العراق، وتصريح قادتها بأن هناك هدفين؛ الأول هو محاربة الاحتلال، والثاني هو محاربة الشيعة وقتلهم، عطّل مشروع الوحدة. والمعروف أن الشيعة لم يبدأوا بأي عمل سلبي ضد السُنة، بل إن علماء الشيعة ومراجعهم أفتوا بكل صراحة بأنه يحرم على المسلم أن يقتل المسلم الآخر...  


  ما يحصل الآن في العراق ليس فتنةً سنيةً شيعية، بل هو مشكلة سياسية


س: لكن هذا كان عند بداية الأحداث، وما لبثت الأمور أن انقلبت وشهدنا المجازر ضد أهل السنة؟

ج: هذا كان منذ البداية وما زال إلى الآن، وقبل أيام اطلعت على فتوى السيد السيستاني في صحيفة الحياة، وهو يؤكد هذا المعنى. غاية ما هناك، أن امتداد هذا الموضوع إلى المستوى الذي هُدمت فيه قبة الإمامين العسكريين، أوجد حال جنون عاطفي، وانطلقت المسألة كرد فعل لدى بعض الشيعة. إلا أنّ ما يحصل الآن في العراق ليس فتنة سنية شيعية، بل هو مشكلة سياسية، فهناك صراع الآن بين السنة أنفسهم، كما هو الحال بين تنظيمي القاعدة وحزب الصحوة، وأيضاً هناك مشاكل بين الشيعة أنفسهم...

الجعفرية مذهب خامس

س: ولكن، ألم تلقِ أحداث العراق بظلالها على التقارب بين الطائفتين، وقد كنتم قطعتم شوطاً كبيراً قبل ذلك؟

ج: بعض الدول تشجّع المسألة المذهبية في العراق، وبعضها دول إسلامية.

س: سأنتقل إلى محور آخر رئيس بين السنة والشيعة، وسؤالي هو: هل إنّ الشيعة يقدِّمون مذهبهم على أنه مذهب خامس إضافةً إلى المذاهب السنية الأربعة، أم يقدمونه على أنه البديل الصحيح؟

ج: هناك حديث يرويه الشيعة عن الإمام جعفر الصادق في هذا الشأن، وهو قوله: "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله(ص)، وحديث رسول الله قول الله عزّ وجلّ"، فهم يعتبرون أن الأئمة لا ينطلقون كمجتهدين، بل إنهم يأخذون الخطوط الشرعية من خلال رواياتهم عن رسول الله(ص). ولكن عندما نتجاوز مسألة الأئمة إلى المجتهدين الشيعة، فهناك اختلافات اجتهادية حتى في ما يستفاد من كلمات الأئمة أو من أحاديث الرسول(ص)، فمثلاً في النظرية الشيعية، يؤخذ بخبر الثقة حتى ولو لم يكن شيعياً، فإذا جاء الخبر من ثقة سني يروي عن رسول الله(ص) فإننا نأخذ به، فهم من حيث النتيجة يمثلون مذهباً إسلامياً، ولكن من حيث العمق، نجد أنّ الأئمة(ع) ينطلقون بشكل مباشر عن رسول الله.    

إنّ مسألة وثاقة الخبر تنطلق من دراسة السند في وثاقة الراوي ودراسة المضمون في طبيعة الرواية


س: إذا كانت النظرية الشيعية تقبل خبر الثقة أياً كان مذهبه، فما سبب خلو كتب الرواية لدى الشيعة (تقريباً) من أحاديث النبي(ص) التي يرويها أمثال أبي بكر أو عمر أو عثمان أو عائشة أو أبي هريرة رضوان الله عليهم جميعاً؟

ج: لقد قلنا إنّنا نؤكد الخبر الموثوق به نوعاً، وقد يأخذ البعض بخبر الثقة، وربّما كان بعض العلماء يشكّكون في وثاقة بعض الأخبار، أو في بعض الأشخاص، كأن يكون الشخص ثقةً عند البعض وغير ثقة عند آخرين، كما أن الشخص الذي هو ثقة عند السنّة قد لا يكون ثقة عند الشيعة؛ لأنّ مسألة الوثاقة قضيّة تنطلق من خلال دراسة الشخصيّة أو دراسة المضمون نفسه المتعلّق بالخبر؛ لأنّنا نعتقد أنّه لا بد من دراسة السند في وثاقة الراوي، ودراسة المضمون في طبيعة الرواية. وعلى كلّ حال، فالمسألة ليست بالنحو الذي يطرحه السؤال.

الشيعة والمرويات

س: طالما الأمر كما ذكرت، دعني أعيد طرح السؤال بصراحة أكثر: هل إن الشيعة يقبلون مرويات هؤلاء الصحابة الذين ذكرتهم في السؤال السابق عن النبي(ص) ويعملون بها؟

ج: قلت إنّ المسألة خاضعة للدراسة التفصيليّة، وليست منطلقةً من ضابطة عامّة؛ فقد لا يقبل الشيعة بعض مرويّاتهم، وخصوصاً في مسألة الجدل الذي دار بين أبي بكر والسيّدة فاطمة الزهراء(ع) حول قضيّة فدك، حيث روى أبو بكر عن النبيّ(ص): «إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث؛ ما تركناه صدقة»، وأنكرت السيدة الزهراء(ع) عليه ذلك، ولم يتقبّل الشيعة ذلك انطلاقاً من مخالفته للقرآن، لأنّهم يستفيدون أوّلاً من عموم آية الإرث للنبيّ وغيره، كما يستفيدون من قوله تعالى على لسان زكريّا(ع): {فهب لي من لدنك ولياً* يرثني ويرث من آل يعقوب} [مريم:6-7] أنّها وراثة عامّة للجانب المادّي أيضاً. فالقضيّة قضيّة اجتهادية، فهم ينكرون عليه ذلك، وخصوصاً أنّ الرواية إذا كانت تتصل بالسيدة الزهراء(ع) وحدها، فليس من الطبيعي أن لا تعرفها هي، وأن لا يخبرها النبيّ(ص) بذلك وهي بضعته، أو لا يعرفها عليّ(ع)، أو لا يعرفها سائر المسلمين سوى أبي بكر.

ثمّ إنّك عندما تدخل في الجانب التفصيلي للمسألة، تجد أنّ بعض المسائل الشرعية قد استدلّ لها بحديث مرويّ عن السيّدة عائشة، كما في مسألة بطلان الصوم بالبقاء على الجنابة حتّى طلوع الفجر أو عدم بطلانه، فنحن عندنا رواية يرويها أحد أئمة أهل البيت(ع) عن عائشة أنّه لا يبطل، في مقابل روايات توافق ما يرويه أبو هريرة، فهذه مسألة تخضع للاجتهاد في قبول هذا الرأي أو ذاك، انطلاقاً من قواعد قبول النص في مضمونه حين التعارض.

وعلى كلّ حال، فإنّنا نقول إنّ على الآخرين أن لا يشعروا بعقدة من ذلك، لأنّهم يرفضون أيضاً أغلب رواة الشيعة، فكيف يشعرون بالعقدة من رفض بعض روايات السنّة لعدم الوثاقة في الراوي أو في مضمون الرواية، أو لكون النص معارضاً بغيره...

س: هل هذه الإجابة تعبّر عن رأي المذهب الشيعي؟

ج: أنا أتحدّث عن رأي المذهب بعامّة؛ لأنّهم قسّموا الحديث إلى صحيح وحسن وموثّق وغيره، وأرادوا بالموثّق المروي من غير الشيعي إذا كان ثقةً في نفسه؛ وهذا موجود في ما ألّفوه في علمي الحديث والرجال.

حول التعبد بالمذاهب الأربعة

س: سامحني، فمع كل آرائك الانفتاحية، إلا أنني ذهلت وأنا أقرأ فتواك في كتابك: مسائل عقدية ص110، حيث أجبت عن سؤال يقول: هل يجوز التعبد في فروع الدين بالمذاهب السنية الأربعة وكذلك بقية المذاهب غير الشيعية؟ وأنت قلت جواباً عن ذلك وبالنص: لا يجوز التعبد بأي مذهب إسلامي غير مذهب أهل البيت(ع)، لأنه المذهب الذي قامت عليه الحجة القاطعة. أليس ثمة تناقض بين إجابتك لي وبين هذه الإجابة؟

ج: تفسير هذه المسألة، هو أن المذاهب الفقهية قد تنطلق من قواعد أصولية يختلف فيها الفقهاء، فنحن نرى أن هناك خلافاً في بعض قواعد الاستنباط حتى فيما بين السنة أنفسهم، كما في نظرية القياس التي لا يراها ابن حزم ويراها بقية علماء السنة، وكما في مسألة المصالح المرسلة والاستحسان وغيرها. لذلك، فإن قضية الحجية تنطلق من الأساس الذي ترتكز عليه الفتوى، فمثلاً، في مسألة التقليد الموجودة عند الشيعة، قد نجد اختلافاً في الاجتهادات بين هذا المرجع أو ذاك، فقد نجد أن بعض المراجع لا يجيز مثلاً الرجوع إلى المرجع الآخر مع كونه شيعياً، وهناك مسألة حدثت هذه السنة في مسألة الوقوف في عرفة ويوم العيد، فهناك من يرى أنه يجوز ويصحّ السير مع المسلمين الآخرين في قضية الوقوف في عرفة ومزدلفة، حتى لو كان هناك قطع بالخطأ في مسألة أوّل شهر ذي الحجّة، بينما يرى بعضٌ آخر أنه لا يصح، لأننا مكلفون بالوقوف في يوم عرفة، وهذا اليوم ليس يوم عرفة مثلاً أو يوم المزدلفة.    

الحجية تنطلق من الأساس الذي ترتكز عليه الفتوى

  

فهذه المسألة لا تنطلق من حالٍ مذهبية جامدة ومنغلقة، وإنما من دراسة أسس الحجية في هذه الفتوى حتى في داخل المذهب الشيعي. فالقضية لم تنطلق من إصدار حكم بحجية هذا المذهب أو ذاك، بل من خلال أن يكون لدى الإنسان قناعة بالأسس التي ترتكز عليها الحجية، فنحن لا نجد أن القياس حجة، ولا نجد أن المصالح المرسلة أو الاستحسان حجة، كما أن هناك بعض السنة ممّن لا يجدون القياس حجةً مثلاً. لذلك نحن في خطابنا العام نقول إن هناك بين السنة والشيعة لقاءً فقهياً على مستوى ثمانين في المائة، بحيث إننا إذا اختلفنا مع الحنابلة قد نلتقي مع الحنفية، وإذا اختلفنا مع الحنفية قد نلتقي مع الشافعية، لكن أن نأخذ المذهب جملة وتفصيلاً لنعطي فتوى بالتعبّد به بشكل مطلق، فهذا يحتاج إلى دراسة علمية أصولية.    

هناك لقاء فقهي بين السنة والشيعة بنسبة ثمانين في المائة ولكنّنا لا نفتي بالتعبّد بمذهب بشكلٍ مطلق، لأن ذلك يحتاج إلى دراسة علمية أصولية


هل السبب في القياس والاستحسان؟

س: أتوقف معك هنا، فأنت ترجع تلك الفتوى إلى عدم موافقتك على الأسس التي ينطلق منها الأئمة الأربعة ويبنون عليها فروعهم الفقهية كالقياس والاستحسان، ولكن السؤال: هل المشكلة فقط في القياس والاستحسان ونحو ذلك من قواعد أصول الفقه، أو أن السبب يرجع إلى وجوب اتباع مذهب أهل البيت دون غيرهم؟

ج: المسألة هي أن الشيعة يعتبرون أنّ الأساس في الحجّة في الخط الإسلامي هو من خلال أهل البيت(ع) الذين يروون عن الرسول(ص)، الذي يتحدث عن الله عزّ وجل، وقد قلت إنّ الأئمّة عند الشيعة ليسوا مجتهدين، بل إنّهم ينطلقون من خلال أحاديث الرسول في كلّ ما قالوه وقرّروه.

فالمسألة هي: من هو الحجّة الذي نأخذ منه الإسلام بشكل عام، ولاسيّما أنّ هناك أموراً كانت موضع اختلاف حتّى بين الصحابة الأوائل، كما في تحريم عمر للمتعة، سواء في متعة الحجّ أو النساء، أو في مسألة إرث النبي، أو في بعض تفاصيل الإرث، كالعول والتعصيب وغيرها...

وليس الشيعة بدعاً في هذا المجال، فنحن نعلم أنّ ابن حزم الظاهري لا يقول بحجيّة القياس، ونعرف أنّ بعض السنّة يختلف مع البعض الآخر في بعض تفاصيل هذه الأصول، فالقضيّة قضيّة علمية وليست قضيّة عاطفيّة أو عصبيّة. ونحن نروي عن بعض مراجع الشيعة الكبار، وهو السيد حسين البروجردي، أستاذ الإمام الخميني والكثيرين من علماء قمّ السابقين، أنّه قال: "ليست المسألة بيننا وبين السنة هي قضية الخلافة، لأنّ عليّاً وأبا بكر قد انتقلا إلى رحاب الله، فليست هناك ثمرة من هذا الخلاف، ولكن القضية هي قضيّة من هو الحجّة الذي نأخذ عنه معالم ديننا".    

المسألة المذهبية يمكن حلها بالحوار العلمي الكلامي الأصولي الفقهي الذي ينطلق به العلماء في المواقع المغلقة


وهناك ملاحظة على الهامش حول هذا الموضوع، فنحن نعرف أنّه مرّ زمن كان الأحناف لا يرون شرعية المذهب الشافعي، وكان الشافعية لا يرون شرعية التعبد بالمذهب المالكي أو الحنبلي، وقد سوّيَ الأمر بأن اتفق السنة بعد ذلك على الأخذ بأيّ مذهب من المذاهب في بعض الاجتهادات المتأخّرة، ولكنهم كانوا يرفضون التعبّد بهذا المذهب أو ذاك إذا كانوا على مذهب آخر، حتّى إنّهم كانوا في تلك الأزمنة لا يتزاوجون مع اختلاف المذاهب. فهذه التعقيدات الموجودة بين السنة والشيعة كانت موجودة بين السنة أنفسهم، وربّما نرى ذلك داخل المذهب الشيعي من خلال الاختلاف بين المدرسة الأصولية والمدرسة الأخبارية، حيث لا يجيز البعض من هذه المدرسة الرجوع إلى تلك. ولعلّ حلّ هذه المسألة يكون بالحوار العلمي الكلامي الأصولي الفقهي الذي ينطلق به العلماء في المواقع المغلقة، لا عبر الإعلام الذي يحاول التحرّك من خلال عناصر الإثارة.

إنّ إثارة المسألة على أساس أن يسجّل كل فريق نقطةً على الآخر، ليحاول إيجاد عقدة ضدّه، وهي أمر غير علمي، والأصل العلمي في ذلك هو أن ننطلق من وحي قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول} [النساء:59].    

المشكلة بين السنة أنفسهم والشيعة أنفسهم، هي أنّ الأمور تتحرّك في دائرة العصبية لا في دائرة العلم


ابن حزم والمرويات

س: أشكر لك هذا التوجيه، ولكنني لا زلت مصراً على التوقف معك في هذه النقطة، لأنها إحدى المفاصل العالقة بيننا وبينكم. هناك من أهل السنة كابن حزم ـ مثلاً ـ لا يقول بالاستحسان ولا القياس، وكل اعتماده على المرويات عن النبي(ص)، فهل هذا يسوغ التعبد بمذهبه عندك، وعند الشيعة عموماً؟

ج: نحن نختلف مع ابن حزم، كما نختلف مع الآخرين، ولا نعتقد بأنه على المجتهد، سنياً كان أو شيعياً، أن يأخذ بكل آراء المجتهد الآخر، لأن طبيعة الاجتهادات تجعل الآراء مختلفةً في هذا المجال. ونحن نعرف جيداً أنّ مذاهب أهل السنة ليست أربعة فقط، بل هناك المذهب الأوزاعي والظاهري وغيرهما، وهناك الكثير من مجتهدي السنّة الذين لم تُذكر أسماؤهم في التاريخ الفقهي، كما أنّنا في المذهب الشيعي نجد أن هناك الإمامية الإثني عشرية والزيدية والإسماعيلية، وهناك المجتهدون الذين يجتهدون في المسائل الفقهية ويختلف بعضهم مع البعض الآخر؛ فالمشكلة بين السنة والشيعة، كما هي المشكلة بين السنة أنفسهم والشيعة أنفسهم، هي أن الأمور تتحرّك دائماً في دائرة العصبيّة لا في دائرة العلم، ولذلك يحاول كلّ فريق ـ كظاهرة وليس كوضع شامل ـ أن يسجّل نقطة على الفريق الآخر من أجل إثارة الأجواء العامّة، ولاسيّما الشعبية، ضدّ هذا أو ذاك.

تراجم الصحابة في الموقع الإلكتروني

س: تقبل مني هذا السؤال الخاص بك أيضا، فكتب الشيعة، كـ"معرفة الرجال"، و"الاختصار" للشيخ المفيد، تروي عن الإمام جعفر الصادق(ع) أن الصحابة ارتدوا بعد وفاة النبي(ص) ما عدا ثلاثة نفر، هم سلمان والمقداد وأبو ذر، ويروى أن عمار بن ياسر كان قد ارتدّ ثم رجع. فهل من المناسب أن نجد أن موقع السيد فضل الله الإلكتروني يضع عنواناً لتراجم الصحابة، فلا يذكر فيه سوى هؤلاء الأربعة؟

ج: نحن لا نعتقد بارتداد صحابة رسول الله(ص) عن الإسلام، فنحن نتبع الإمام علياً(ع) في علاقته مع الصحابة وتعاونه معهم، وهو الذي شارك في تأبين بعضهم، وفي النصح لآخرين على أساس أنهم مسلمون، حتى إنه قال للخليفة عمر: "كن قطباً واستدر الرحى بالعرب"، وذلك عندما استشاره بالشخوص بنفسه لقتال الفرس.

وهكذا رأينا كيف وقف(ع) على جثمان الزبير وقال: "القاتل في النار"، ووقف على جثمان طلحة وابنه. هناك بعض العلماء الشيعة يقولون إنّهم ارتدوا عن ولاية علي(ع) ولم يرتدوا عن الإسلام.   


 نحن لا نعتبر أن الإمامة أصل يخرج الإنسان بإنكاره من الإسلام


س: سماحة السيد، التعبير بكلمة (بعض) هنا، هل نفهم منه أن هناك خلافاً معتبراً بين علماء الشيعة في ردة الصحابة عن الدين. مع ملاحظة أننا هنا لا نتحدث عن شباب مندفعين، وإنما عن علماء الشيعة الكبار؟

ج: نحن لا نعتبر أن الإمامة أصل يخرج الإنسان بإنكاره من الإسلام، فقد أكّدتُ أن أسس الإسلام ثلاثة: التوحيد، والنبوة والمعاد؛ ولذلك فإن علماء الشيعة يعتبرون أن السنّي مسلم يزوّجونه ويتزوّجون منه، ويعتبرون ذبيحته شرعية، وما إلى ذلك من آثار، ولهذا فإنّ أحداً من المسلمين لا يرى أنّ الصحابة ارتدوا بعد رسول الله عن الإسلام، ولكن إذا صحّت هذه النسبة، فإنّ المقصود منها هو الارتداد عن ولاية عليّ(ع) بعد الالتزام بها، باعتبار أن عقيدة الشيعة هي أنّ النبي(ص) قد أقام الحجّة على المسلمين، من خلال كثرة الأحاديث التي لفت فيها إلى كفاءة عليّ(ع) بالنسبة إلى غيره في تبوّؤ منصب الخلافة، وكذلك في حديث الغدير الذي يُعتبر كالنص في هذا المجال.

س: البعض يقول، إن هناك شبه عقيدة في هذا الحديث، ألا ترى أن الشك في الإمامة، كما يقول الشيعة، يدفع إلى اتخاذ موقف سلبي؟

ج: نحن أكدنا بالصوت العالي أن أصول الدين ثلاثة، وهي: التوحيد والنبوة والمعاد، وأن من آمن بها كان مسلماً، ومن أنكر واحدةً منها كان كافراً، أما بالنسبة إلى الإمامة وكذلك العدل، فهي من أصول المذهب وليست من أصول الدين، ولذلك من ثبتت عنده الإمامة بشكل قطعي، فيجب عليه أن يعتقد بها، ومن لم تثبت عنده وبشكل قطعي، فإنه إذا لم يعتقد بها لا يكون منحرفاً عن الالتزام بالإسلام، وإنما يراه الشيعة مخطئاً في هذا الاتجاه.

س: الشيعة لا يختلفون في تكفير من يتجرأ على تكفير علي، كما هو مذهب الخوارج. فهل يلام أهل السنة لو سحبوا هذا الحكم على من يكفر أبا بكر وعمر؟

ج: إنّ تكفير الصحابة هو أمر غير واقعي وغير صحيح، ولهذا فإنّنا نقول دائماً في خطاباتنا وكتاباتنا، إنّ الإمام عليّاً(ع) تعامل مع الخلفاء كما يتعامل المسلم مع القيادة الإسلاميّة، بقطع النظر عمّا إذ كان يراها شرعية أو غير شرعية؛ ونحن نروي عن الإمام جعفر الصادق(ع) قوله: «ولدني أبو بكر مرّتين»؛ لأنّ أمّه هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأم أم فروة هي أسماء بنت أبي بكر؛ ولذلك فإن القول بتكفير الصحابة هو أمر غير موافق للخط الإسلامي.

التطبير مرفوض ومحرم

س: مرّت علينا عاشوراء قبل أسابيع. أود سماع رأيك في مسألة ضرب الصدور والندب وإدماء الرؤوس، في ما تسمونه التطبير ؟

ج: لقد أصدرت منذ سنين فتوى بأن التطبير محرم، لأن الإضرار بالجسد محرم، سواء كان في حال التعبير عن الحزن أو في أي حال أخرى. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن هذا يشوه صورة الإسلام، ولذلك نحن نرفضه جملة وتفصيلاً، وأنا عبرت عن هذا المظهر في بعض أحاديثي بأنه يمثّل نوعاً من أنواع التخلّف، كذلك أصدرت فتوى بتحريم ضرب السلاسل على الظهر، ولاسيما الذين يضعون بعض السكاكين في داخلها، بحيث يسيل الدم بسببها.

ولا أزال أتابع كل العادات الجديدة التي ربما يعتبرها البعض وسيلةً للتعبير عن الحزن، وقلت إن قضية الثورة الحسينية هي قضية إسلامية، وقد أصدرت كتابين في هذا المجال، وهما: "من وحي عاشوراء" و"حديث عاشوراء"، ودعوت إلى أن تكون عاشوراء إسلامية تنطلق من خلال العناوين الكبرى التي أطلقها الإمام الحسين(ع) في كلماته التي تحدث عنها في عاشوراء.  

 

لتكن عاشوراء إسلامية تنطلق من خلال العناوين الكبرى التي أطلقها الإمام الحسين(ع) في كلماته التي تحدّث عنها في عاشوراء


س: لكن هناك من ردّ عليك بكلام للإمام الخميني، قاله في صحيفة النور ص69: "لو كان الأمر منحصراً بشخص مقدِّس جالس في الغرفة أو البيت، يقرأ لنفسه زيارة عاشوراء ويسبّح، لَمَا بقي شيء. كل مدرسة تحتاج إلى الضجيج، يجب أن تضرب عندها الصدور. وكل مدرسة لا يوجد عندها لاطِمو الصدور، ولا يوجد عندها البكاؤون، ولا يوجد عندها الضاربون على الرأس والصدر، فإنها لا تُحفظ". بماذا تعلق؟

ج: كما قلت، إن المسألة تنطلق من رأي فقهي، هو حرمة الإضرار بالجسد بالعنوان الأولي، ومن حيث إنها تمثل التخلف الذي يشوه صورة الإسلام والمسلمين بالعنوان الثانوي، حتى بالنسبة إلى اللطم الذي يعتبر وسيلة من وسائل التعبير عن الحزن، فإنّنا نقول إنه لا بد من أن يكون لطماً هادئاً يعبر عن الحزن، ولا يكون لطماً بالطريقة الاستعراضية التي تسيء إلى الصدر، بحيث تؤدي إلى احمراره والإضرار به.    

حرمة ضرب الرؤوس تنطلق من حرمة الإضرار بالجسد من جهة، وأنها تمثل التخلف الذي يشوّه صورة الإسلام والمسلمين من جهة أخرى


طالبت الشيعة بالتبرع بالدم بدلاً من الإدماء


س: الشيخ حسن الصفار طرح حلاً عصرياً قبل أعوام حيال التطبير، وقال إنّه يمكن التبرع بالدم عوضاً عن ذلك المشهد المؤلم والمنفر، وحذّر من أن وسائل الإعلام الغربية تحرص على هذه المناظر وتقدمها على أنه الإسلام.

ج: أنا دعوت إلى أن تدخل قضية عاشوراء في مجال الإنتاج الفني بطريقة فنية تنفتح على المفاهيم الإسلامية المتمثلة بسيرة الإمام الحسين(ع) والثلة الطيبة من أهل بيته وأصحابه... وكنت أيضاً أتحدث منذ سنين وأتوجّه إلى كل الذين يقولون بأنهم يريدون مواساة الإمام الحسين(ع)، أنكم إذا أردتم أن تقدِّموا للحسين(ع) تضحيةً، فتبرّعوا بالدم لخدمة الجرحى والمقاومين الذين يسقطون في مواجهة إسرائيل، فالحسين جرح وهو يجاهد، فإذا أردتم مواساته، فانطلقوا في مواجهة إسرائيل؛ فإذا جرحتم في خط المواجهة فإنكم تقدّمون المواساة بأبهى معانيها؛ لأن المواساة تعني أن نجرح في الموقع الذي جرح فيه، وهذا ما تحدثت عنه خلال زيارتي للهند بشكل صريح جداً.  

  مواساة الإمام الحسين(ع) تكون بأن تُجرح في الموقع الذي جُرح فيه


س: يتردد بأن أتباعكم الذين تحدثهم أيام عاشوراء في مسجدك، يقومون بضرب صدورهم بمجرد أن تخرج من المسجد. سامحني، ولكن هذا ما يروَّج في الأوساط اللبنانية.

ج: هذا صحيح، ولكنّه اللطم الهادئ الحزين ولا مشكلة فيه، وإنّما المشكلة هي عندما يؤدّي اللطم إلى إيذاء الجسد وما إلى ذلك.

مكاشفات أجراها: عبدالعزيز محمد قاسم

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 21 صفر 1429 هـ  الموافق: 28/02/2008 م

المرجع السيد محمد حسين فضل الله في ثاني مكاشفاته:

مؤتمرات التقارب بين الطائفتين محل للكذب... والحلّ بتقوى الله


س: أبدأ حديثي معك، سماحة السيد، حول مكاشفة أجريتها قبل أربع سنوات مع الشيخ حسن الصفار، حيث طرح الرجل رؤية لحل الإشكالية بين الشيعة وأهل السنة عموماً، وقال إن من المفترض على عقلاء المذهبين أن يتحاوروا ليصلوا إلى حل، وذلك يكون بأن يوقف السلفيون وأهل السُنة تكفير الشيعة، فيما يقوم علماء الشيعة بردع وإزالة ثقافة شتم الصحابة، ما رأيكم في ذلك؟

ج: نحن نقوم بهذه الدعوة منذ عشرات السنين، لأننا نعتقد أن مسألة تكفير المسلم أمر غير جائز شرعاً، وأنّ بعض الاجتهادات التي يراها المسلمون كفراً هي ليست كذلك، بل هي اجتهادات قابلة للنقاش والجدل. وقد تحدّث أنّ السيد علي الخامنئي أيضاً إضافةً إلى علماء شيعة آخرين، عن عدم جواز سبّ الصحابة، وقد كنت ممّن أطلقوا مشروع الوحدة الإسلامية بين السنة والشيعة، حتى نتعاون في معالجة الأوضاع الموجودة في الشارع، والتي تتحرك بطريقة سلبية ضد الشيعة وضدّ السُنة.    

المشكلة في الواقع الإسلامي صارت مشكلتين: التخلف الذهني، ودخول الأزمة في خطط الأجهزة المخابراتية في العالم


س: ولكن، بعد هذه السنوات من إطلاق هذه الدعوة، أريد تقويمكم الموضوعي والعادل لمسألة التقارب؟

ج: إنّ المشكلة في الواقع الإسلامي صارت مشكلتين؛ الأولى، تتمثل بالتخلف الذهني في عدم الانفتاح على الرأي الآخر، وعدم التحرّك في الأفق الواسع. والثانية، هي أن مشكلة السُنة والشيعة دخلت في خطط الأجهزة المخابراتية الموجودة في العالم الإسلامي، وذلك من خلال المخابرات الأمريكية والأوروبية وغيرها، لأن الطريقة التي تمكّنهم من السيطرة على المسلمين وإشغالهم بجزئيات خلافاتهم عن قضاياهم المصيرية الكبرى، تتم عن طريق استغلال هذه الخلافات.

أحداث العراق وظلالها السوداء

س: في مقابل ذلك، هناك من يقول إن الغزو الأمريكي للعراق وما حدث من حال تصادم بين السُنة والشيعة في العراق، ألقى بظلاله على هذا المشروع وأوقفه؟

ج: عندما ندرس هذه المسألة، نجد أنه لم تكن في العراق ـ وأنا عشت هناك أغلب شبابي ـ مشكلة سنية شيعية، لكن دخول القاعدة إلى العراق، وتصريح قادتها بأن هناك هدفين؛ الأول هو محاربة الاحتلال، والثاني هو محاربة الشيعة وقتلهم، عطّل مشروع الوحدة. والمعروف أن الشيعة لم يبدأوا بأي عمل سلبي ضد السُنة، بل إن علماء الشيعة ومراجعهم أفتوا بكل صراحة بأنه يحرم على المسلم أن يقتل المسلم الآخر...  


  ما يحصل الآن في العراق ليس فتنةً سنيةً شيعية، بل هو مشكلة سياسية


س: لكن هذا كان عند بداية الأحداث، وما لبثت الأمور أن انقلبت وشهدنا المجازر ضد أهل السنة؟

ج: هذا كان منذ البداية وما زال إلى الآن، وقبل أيام اطلعت على فتوى السيد السيستاني في صحيفة الحياة، وهو يؤكد هذا المعنى. غاية ما هناك، أن امتداد هذا الموضوع إلى المستوى الذي هُدمت فيه قبة الإمامين العسكريين، أوجد حال جنون عاطفي، وانطلقت المسألة كرد فعل لدى بعض الشيعة. إلا أنّ ما يحصل الآن في العراق ليس فتنة سنية شيعية، بل هو مشكلة سياسية، فهناك صراع الآن بين السنة أنفسهم، كما هو الحال بين تنظيمي القاعدة وحزب الصحوة، وأيضاً هناك مشاكل بين الشيعة أنفسهم...

الجعفرية مذهب خامس

س: ولكن، ألم تلقِ أحداث العراق بظلالها على التقارب بين الطائفتين، وقد كنتم قطعتم شوطاً كبيراً قبل ذلك؟

ج: بعض الدول تشجّع المسألة المذهبية في العراق، وبعضها دول إسلامية.

س: سأنتقل إلى محور آخر رئيس بين السنة والشيعة، وسؤالي هو: هل إنّ الشيعة يقدِّمون مذهبهم على أنه مذهب خامس إضافةً إلى المذاهب السنية الأربعة، أم يقدمونه على أنه البديل الصحيح؟

ج: هناك حديث يرويه الشيعة عن الإمام جعفر الصادق في هذا الشأن، وهو قوله: "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله(ص)، وحديث رسول الله قول الله عزّ وجلّ"، فهم يعتبرون أن الأئمة لا ينطلقون كمجتهدين، بل إنهم يأخذون الخطوط الشرعية من خلال رواياتهم عن رسول الله(ص). ولكن عندما نتجاوز مسألة الأئمة إلى المجتهدين الشيعة، فهناك اختلافات اجتهادية حتى في ما يستفاد من كلمات الأئمة أو من أحاديث الرسول(ص)، فمثلاً في النظرية الشيعية، يؤخذ بخبر الثقة حتى ولو لم يكن شيعياً، فإذا جاء الخبر من ثقة سني يروي عن رسول الله(ص) فإننا نأخذ به، فهم من حيث النتيجة يمثلون مذهباً إسلامياً، ولكن من حيث العمق، نجد أنّ الأئمة(ع) ينطلقون بشكل مباشر عن رسول الله.    

إنّ مسألة وثاقة الخبر تنطلق من دراسة السند في وثاقة الراوي ودراسة المضمون في طبيعة الرواية


س: إذا كانت النظرية الشيعية تقبل خبر الثقة أياً كان مذهبه، فما سبب خلو كتب الرواية لدى الشيعة (تقريباً) من أحاديث النبي(ص) التي يرويها أمثال أبي بكر أو عمر أو عثمان أو عائشة أو أبي هريرة رضوان الله عليهم جميعاً؟

ج: لقد قلنا إنّنا نؤكد الخبر الموثوق به نوعاً، وقد يأخذ البعض بخبر الثقة، وربّما كان بعض العلماء يشكّكون في وثاقة بعض الأخبار، أو في بعض الأشخاص، كأن يكون الشخص ثقةً عند البعض وغير ثقة عند آخرين، كما أن الشخص الذي هو ثقة عند السنّة قد لا يكون ثقة عند الشيعة؛ لأنّ مسألة الوثاقة قضيّة تنطلق من خلال دراسة الشخصيّة أو دراسة المضمون نفسه المتعلّق بالخبر؛ لأنّنا نعتقد أنّه لا بد من دراسة السند في وثاقة الراوي، ودراسة المضمون في طبيعة الرواية. وعلى كلّ حال، فالمسألة ليست بالنحو الذي يطرحه السؤال.

الشيعة والمرويات

س: طالما الأمر كما ذكرت، دعني أعيد طرح السؤال بصراحة أكثر: هل إن الشيعة يقبلون مرويات هؤلاء الصحابة الذين ذكرتهم في السؤال السابق عن النبي(ص) ويعملون بها؟

ج: قلت إنّ المسألة خاضعة للدراسة التفصيليّة، وليست منطلقةً من ضابطة عامّة؛ فقد لا يقبل الشيعة بعض مرويّاتهم، وخصوصاً في مسألة الجدل الذي دار بين أبي بكر والسيّدة فاطمة الزهراء(ع) حول قضيّة فدك، حيث روى أبو بكر عن النبيّ(ص): «إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث؛ ما تركناه صدقة»، وأنكرت السيدة الزهراء(ع) عليه ذلك، ولم يتقبّل الشيعة ذلك انطلاقاً من مخالفته للقرآن، لأنّهم يستفيدون أوّلاً من عموم آية الإرث للنبيّ وغيره، كما يستفيدون من قوله تعالى على لسان زكريّا(ع): {فهب لي من لدنك ولياً* يرثني ويرث من آل يعقوب} [مريم:6-7] أنّها وراثة عامّة للجانب المادّي أيضاً. فالقضيّة قضيّة اجتهادية، فهم ينكرون عليه ذلك، وخصوصاً أنّ الرواية إذا كانت تتصل بالسيدة الزهراء(ع) وحدها، فليس من الطبيعي أن لا تعرفها هي، وأن لا يخبرها النبيّ(ص) بذلك وهي بضعته، أو لا يعرفها عليّ(ع)، أو لا يعرفها سائر المسلمين سوى أبي بكر.

ثمّ إنّك عندما تدخل في الجانب التفصيلي للمسألة، تجد أنّ بعض المسائل الشرعية قد استدلّ لها بحديث مرويّ عن السيّدة عائشة، كما في مسألة بطلان الصوم بالبقاء على الجنابة حتّى طلوع الفجر أو عدم بطلانه، فنحن عندنا رواية يرويها أحد أئمة أهل البيت(ع) عن عائشة أنّه لا يبطل، في مقابل روايات توافق ما يرويه أبو هريرة، فهذه مسألة تخضع للاجتهاد في قبول هذا الرأي أو ذاك، انطلاقاً من قواعد قبول النص في مضمونه حين التعارض.

وعلى كلّ حال، فإنّنا نقول إنّ على الآخرين أن لا يشعروا بعقدة من ذلك، لأنّهم يرفضون أيضاً أغلب رواة الشيعة، فكيف يشعرون بالعقدة من رفض بعض روايات السنّة لعدم الوثاقة في الراوي أو في مضمون الرواية، أو لكون النص معارضاً بغيره...

س: هل هذه الإجابة تعبّر عن رأي المذهب الشيعي؟

ج: أنا أتحدّث عن رأي المذهب بعامّة؛ لأنّهم قسّموا الحديث إلى صحيح وحسن وموثّق وغيره، وأرادوا بالموثّق المروي من غير الشيعي إذا كان ثقةً في نفسه؛ وهذا موجود في ما ألّفوه في علمي الحديث والرجال.

حول التعبد بالمذاهب الأربعة

س: سامحني، فمع كل آرائك الانفتاحية، إلا أنني ذهلت وأنا أقرأ فتواك في كتابك: مسائل عقدية ص110، حيث أجبت عن سؤال يقول: هل يجوز التعبد في فروع الدين بالمذاهب السنية الأربعة وكذلك بقية المذاهب غير الشيعية؟ وأنت قلت جواباً عن ذلك وبالنص: لا يجوز التعبد بأي مذهب إسلامي غير مذهب أهل البيت(ع)، لأنه المذهب الذي قامت عليه الحجة القاطعة. أليس ثمة تناقض بين إجابتك لي وبين هذه الإجابة؟

ج: تفسير هذه المسألة، هو أن المذاهب الفقهية قد تنطلق من قواعد أصولية يختلف فيها الفقهاء، فنحن نرى أن هناك خلافاً في بعض قواعد الاستنباط حتى فيما بين السنة أنفسهم، كما في نظرية القياس التي لا يراها ابن حزم ويراها بقية علماء السنة، وكما في مسألة المصالح المرسلة والاستحسان وغيرها. لذلك، فإن قضية الحجية تنطلق من الأساس الذي ترتكز عليه الفتوى، فمثلاً، في مسألة التقليد الموجودة عند الشيعة، قد نجد اختلافاً في الاجتهادات بين هذا المرجع أو ذاك، فقد نجد أن بعض المراجع لا يجيز مثلاً الرجوع إلى المرجع الآخر مع كونه شيعياً، وهناك مسألة حدثت هذه السنة في مسألة الوقوف في عرفة ويوم العيد، فهناك من يرى أنه يجوز ويصحّ السير مع المسلمين الآخرين في قضية الوقوف في عرفة ومزدلفة، حتى لو كان هناك قطع بالخطأ في مسألة أوّل شهر ذي الحجّة، بينما يرى بعضٌ آخر أنه لا يصح، لأننا مكلفون بالوقوف في يوم عرفة، وهذا اليوم ليس يوم عرفة مثلاً أو يوم المزدلفة.    

الحجية تنطلق من الأساس الذي ترتكز عليه الفتوى

  

فهذه المسألة لا تنطلق من حالٍ مذهبية جامدة ومنغلقة، وإنما من دراسة أسس الحجية في هذه الفتوى حتى في داخل المذهب الشيعي. فالقضية لم تنطلق من إصدار حكم بحجية هذا المذهب أو ذاك، بل من خلال أن يكون لدى الإنسان قناعة بالأسس التي ترتكز عليها الحجية، فنحن لا نجد أن القياس حجة، ولا نجد أن المصالح المرسلة أو الاستحسان حجة، كما أن هناك بعض السنة ممّن لا يجدون القياس حجةً مثلاً. لذلك نحن في خطابنا العام نقول إن هناك بين السنة والشيعة لقاءً فقهياً على مستوى ثمانين في المائة، بحيث إننا إذا اختلفنا مع الحنابلة قد نلتقي مع الحنفية، وإذا اختلفنا مع الحنفية قد نلتقي مع الشافعية، لكن أن نأخذ المذهب جملة وتفصيلاً لنعطي فتوى بالتعبّد به بشكل مطلق، فهذا يحتاج إلى دراسة علمية أصولية.    

هناك لقاء فقهي بين السنة والشيعة بنسبة ثمانين في المائة ولكنّنا لا نفتي بالتعبّد بمذهب بشكلٍ مطلق، لأن ذلك يحتاج إلى دراسة علمية أصولية


هل السبب في القياس والاستحسان؟

س: أتوقف معك هنا، فأنت ترجع تلك الفتوى إلى عدم موافقتك على الأسس التي ينطلق منها الأئمة الأربعة ويبنون عليها فروعهم الفقهية كالقياس والاستحسان، ولكن السؤال: هل المشكلة فقط في القياس والاستحسان ونحو ذلك من قواعد أصول الفقه، أو أن السبب يرجع إلى وجوب اتباع مذهب أهل البيت دون غيرهم؟

ج: المسألة هي أن الشيعة يعتبرون أنّ الأساس في الحجّة في الخط الإسلامي هو من خلال أهل البيت(ع) الذين يروون عن الرسول(ص)، الذي يتحدث عن الله عزّ وجل، وقد قلت إنّ الأئمّة عند الشيعة ليسوا مجتهدين، بل إنّهم ينطلقون من خلال أحاديث الرسول في كلّ ما قالوه وقرّروه.

فالمسألة هي: من هو الحجّة الذي نأخذ منه الإسلام بشكل عام، ولاسيّما أنّ هناك أموراً كانت موضع اختلاف حتّى بين الصحابة الأوائل، كما في تحريم عمر للمتعة، سواء في متعة الحجّ أو النساء، أو في مسألة إرث النبي، أو في بعض تفاصيل الإرث، كالعول والتعصيب وغيرها...

وليس الشيعة بدعاً في هذا المجال، فنحن نعلم أنّ ابن حزم الظاهري لا يقول بحجيّة القياس، ونعرف أنّ بعض السنّة يختلف مع البعض الآخر في بعض تفاصيل هذه الأصول، فالقضيّة قضيّة علمية وليست قضيّة عاطفيّة أو عصبيّة. ونحن نروي عن بعض مراجع الشيعة الكبار، وهو السيد حسين البروجردي، أستاذ الإمام الخميني والكثيرين من علماء قمّ السابقين، أنّه قال: "ليست المسألة بيننا وبين السنة هي قضية الخلافة، لأنّ عليّاً وأبا بكر قد انتقلا إلى رحاب الله، فليست هناك ثمرة من هذا الخلاف، ولكن القضية هي قضيّة من هو الحجّة الذي نأخذ عنه معالم ديننا".    

المسألة المذهبية يمكن حلها بالحوار العلمي الكلامي الأصولي الفقهي الذي ينطلق به العلماء في المواقع المغلقة


وهناك ملاحظة على الهامش حول هذا الموضوع، فنحن نعرف أنّه مرّ زمن كان الأحناف لا يرون شرعية المذهب الشافعي، وكان الشافعية لا يرون شرعية التعبد بالمذهب المالكي أو الحنبلي، وقد سوّيَ الأمر بأن اتفق السنة بعد ذلك على الأخذ بأيّ مذهب من المذاهب في بعض الاجتهادات المتأخّرة، ولكنهم كانوا يرفضون التعبّد بهذا المذهب أو ذاك إذا كانوا على مذهب آخر، حتّى إنّهم كانوا في تلك الأزمنة لا يتزاوجون مع اختلاف المذاهب. فهذه التعقيدات الموجودة بين السنة والشيعة كانت موجودة بين السنة أنفسهم، وربّما نرى ذلك داخل المذهب الشيعي من خلال الاختلاف بين المدرسة الأصولية والمدرسة الأخبارية، حيث لا يجيز البعض من هذه المدرسة الرجوع إلى تلك. ولعلّ حلّ هذه المسألة يكون بالحوار العلمي الكلامي الأصولي الفقهي الذي ينطلق به العلماء في المواقع المغلقة، لا عبر الإعلام الذي يحاول التحرّك من خلال عناصر الإثارة.

إنّ إثارة المسألة على أساس أن يسجّل كل فريق نقطةً على الآخر، ليحاول إيجاد عقدة ضدّه، وهي أمر غير علمي، والأصل العلمي في ذلك هو أن ننطلق من وحي قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول} [النساء:59].    

المشكلة بين السنة أنفسهم والشيعة أنفسهم، هي أنّ الأمور تتحرّك في دائرة العصبية لا في دائرة العلم


ابن حزم والمرويات

س: أشكر لك هذا التوجيه، ولكنني لا زلت مصراً على التوقف معك في هذه النقطة، لأنها إحدى المفاصل العالقة بيننا وبينكم. هناك من أهل السنة كابن حزم ـ مثلاً ـ لا يقول بالاستحسان ولا القياس، وكل اعتماده على المرويات عن النبي(ص)، فهل هذا يسوغ التعبد بمذهبه عندك، وعند الشيعة عموماً؟

ج: نحن نختلف مع ابن حزم، كما نختلف مع الآخرين، ولا نعتقد بأنه على المجتهد، سنياً كان أو شيعياً، أن يأخذ بكل آراء المجتهد الآخر، لأن طبيعة الاجتهادات تجعل الآراء مختلفةً في هذا المجال. ونحن نعرف جيداً أنّ مذاهب أهل السنة ليست أربعة فقط، بل هناك المذهب الأوزاعي والظاهري وغيرهما، وهناك الكثير من مجتهدي السنّة الذين لم تُذكر أسماؤهم في التاريخ الفقهي، كما أنّنا في المذهب الشيعي نجد أن هناك الإمامية الإثني عشرية والزيدية والإسماعيلية، وهناك المجتهدون الذين يجتهدون في المسائل الفقهية ويختلف بعضهم مع البعض الآخر؛ فالمشكلة بين السنة والشيعة، كما هي المشكلة بين السنة أنفسهم والشيعة أنفسهم، هي أن الأمور تتحرّك دائماً في دائرة العصبيّة لا في دائرة العلم، ولذلك يحاول كلّ فريق ـ كظاهرة وليس كوضع شامل ـ أن يسجّل نقطة على الفريق الآخر من أجل إثارة الأجواء العامّة، ولاسيّما الشعبية، ضدّ هذا أو ذاك.

تراجم الصحابة في الموقع الإلكتروني

س: تقبل مني هذا السؤال الخاص بك أيضا، فكتب الشيعة، كـ"معرفة الرجال"، و"الاختصار" للشيخ المفيد، تروي عن الإمام جعفر الصادق(ع) أن الصحابة ارتدوا بعد وفاة النبي(ص) ما عدا ثلاثة نفر، هم سلمان والمقداد وأبو ذر، ويروى أن عمار بن ياسر كان قد ارتدّ ثم رجع. فهل من المناسب أن نجد أن موقع السيد فضل الله الإلكتروني يضع عنواناً لتراجم الصحابة، فلا يذكر فيه سوى هؤلاء الأربعة؟

ج: نحن لا نعتقد بارتداد صحابة رسول الله(ص) عن الإسلام، فنحن نتبع الإمام علياً(ع) في علاقته مع الصحابة وتعاونه معهم، وهو الذي شارك في تأبين بعضهم، وفي النصح لآخرين على أساس أنهم مسلمون، حتى إنه قال للخليفة عمر: "كن قطباً واستدر الرحى بالعرب"، وذلك عندما استشاره بالشخوص بنفسه لقتال الفرس.

وهكذا رأينا كيف وقف(ع) على جثمان الزبير وقال: "القاتل في النار"، ووقف على جثمان طلحة وابنه. هناك بعض العلماء الشيعة يقولون إنّهم ارتدوا عن ولاية علي(ع) ولم يرتدوا عن الإسلام.   


 نحن لا نعتبر أن الإمامة أصل يخرج الإنسان بإنكاره من الإسلام


س: سماحة السيد، التعبير بكلمة (بعض) هنا، هل نفهم منه أن هناك خلافاً معتبراً بين علماء الشيعة في ردة الصحابة عن الدين. مع ملاحظة أننا هنا لا نتحدث عن شباب مندفعين، وإنما عن علماء الشيعة الكبار؟

ج: نحن لا نعتبر أن الإمامة أصل يخرج الإنسان بإنكاره من الإسلام، فقد أكّدتُ أن أسس الإسلام ثلاثة: التوحيد، والنبوة والمعاد؛ ولذلك فإن علماء الشيعة يعتبرون أن السنّي مسلم يزوّجونه ويتزوّجون منه، ويعتبرون ذبيحته شرعية، وما إلى ذلك من آثار، ولهذا فإنّ أحداً من المسلمين لا يرى أنّ الصحابة ارتدوا بعد رسول الله عن الإسلام، ولكن إذا صحّت هذه النسبة، فإنّ المقصود منها هو الارتداد عن ولاية عليّ(ع) بعد الالتزام بها، باعتبار أن عقيدة الشيعة هي أنّ النبي(ص) قد أقام الحجّة على المسلمين، من خلال كثرة الأحاديث التي لفت فيها إلى كفاءة عليّ(ع) بالنسبة إلى غيره في تبوّؤ منصب الخلافة، وكذلك في حديث الغدير الذي يُعتبر كالنص في هذا المجال.

س: البعض يقول، إن هناك شبه عقيدة في هذا الحديث، ألا ترى أن الشك في الإمامة، كما يقول الشيعة، يدفع إلى اتخاذ موقف سلبي؟

ج: نحن أكدنا بالصوت العالي أن أصول الدين ثلاثة، وهي: التوحيد والنبوة والمعاد، وأن من آمن بها كان مسلماً، ومن أنكر واحدةً منها كان كافراً، أما بالنسبة إلى الإمامة وكذلك العدل، فهي من أصول المذهب وليست من أصول الدين، ولذلك من ثبتت عنده الإمامة بشكل قطعي، فيجب عليه أن يعتقد بها، ومن لم تثبت عنده وبشكل قطعي، فإنه إذا لم يعتقد بها لا يكون منحرفاً عن الالتزام بالإسلام، وإنما يراه الشيعة مخطئاً في هذا الاتجاه.

س: الشيعة لا يختلفون في تكفير من يتجرأ على تكفير علي، كما هو مذهب الخوارج. فهل يلام أهل السنة لو سحبوا هذا الحكم على من يكفر أبا بكر وعمر؟

ج: إنّ تكفير الصحابة هو أمر غير واقعي وغير صحيح، ولهذا فإنّنا نقول دائماً في خطاباتنا وكتاباتنا، إنّ الإمام عليّاً(ع) تعامل مع الخلفاء كما يتعامل المسلم مع القيادة الإسلاميّة، بقطع النظر عمّا إذ كان يراها شرعية أو غير شرعية؛ ونحن نروي عن الإمام جعفر الصادق(ع) قوله: «ولدني أبو بكر مرّتين»؛ لأنّ أمّه هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأم أم فروة هي أسماء بنت أبي بكر؛ ولذلك فإن القول بتكفير الصحابة هو أمر غير موافق للخط الإسلامي.

التطبير مرفوض ومحرم

س: مرّت علينا عاشوراء قبل أسابيع. أود سماع رأيك في مسألة ضرب الصدور والندب وإدماء الرؤوس، في ما تسمونه التطبير ؟

ج: لقد أصدرت منذ سنين فتوى بأن التطبير محرم، لأن الإضرار بالجسد محرم، سواء كان في حال التعبير عن الحزن أو في أي حال أخرى. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن هذا يشوه صورة الإسلام، ولذلك نحن نرفضه جملة وتفصيلاً، وأنا عبرت عن هذا المظهر في بعض أحاديثي بأنه يمثّل نوعاً من أنواع التخلّف، كذلك أصدرت فتوى بتحريم ضرب السلاسل على الظهر، ولاسيما الذين يضعون بعض السكاكين في داخلها، بحيث يسيل الدم بسببها.

ولا أزال أتابع كل العادات الجديدة التي ربما يعتبرها البعض وسيلةً للتعبير عن الحزن، وقلت إن قضية الثورة الحسينية هي قضية إسلامية، وقد أصدرت كتابين في هذا المجال، وهما: "من وحي عاشوراء" و"حديث عاشوراء"، ودعوت إلى أن تكون عاشوراء إسلامية تنطلق من خلال العناوين الكبرى التي أطلقها الإمام الحسين(ع) في كلماته التي تحدث عنها في عاشوراء.  

 

لتكن عاشوراء إسلامية تنطلق من خلال العناوين الكبرى التي أطلقها الإمام الحسين(ع) في كلماته التي تحدّث عنها في عاشوراء


س: لكن هناك من ردّ عليك بكلام للإمام الخميني، قاله في صحيفة النور ص69: "لو كان الأمر منحصراً بشخص مقدِّس جالس في الغرفة أو البيت، يقرأ لنفسه زيارة عاشوراء ويسبّح، لَمَا بقي شيء. كل مدرسة تحتاج إلى الضجيج، يجب أن تضرب عندها الصدور. وكل مدرسة لا يوجد عندها لاطِمو الصدور، ولا يوجد عندها البكاؤون، ولا يوجد عندها الضاربون على الرأس والصدر، فإنها لا تُحفظ". بماذا تعلق؟

ج: كما قلت، إن المسألة تنطلق من رأي فقهي، هو حرمة الإضرار بالجسد بالعنوان الأولي، ومن حيث إنها تمثل التخلف الذي يشوه صورة الإسلام والمسلمين بالعنوان الثانوي، حتى بالنسبة إلى اللطم الذي يعتبر وسيلة من وسائل التعبير عن الحزن، فإنّنا نقول إنه لا بد من أن يكون لطماً هادئاً يعبر عن الحزن، ولا يكون لطماً بالطريقة الاستعراضية التي تسيء إلى الصدر، بحيث تؤدي إلى احمراره والإضرار به.    

حرمة ضرب الرؤوس تنطلق من حرمة الإضرار بالجسد من جهة، وأنها تمثل التخلف الذي يشوّه صورة الإسلام والمسلمين من جهة أخرى


طالبت الشيعة بالتبرع بالدم بدلاً من الإدماء


س: الشيخ حسن الصفار طرح حلاً عصرياً قبل أعوام حيال التطبير، وقال إنّه يمكن التبرع بالدم عوضاً عن ذلك المشهد المؤلم والمنفر، وحذّر من أن وسائل الإعلام الغربية تحرص على هذه المناظر وتقدمها على أنه الإسلام.

ج: أنا دعوت إلى أن تدخل قضية عاشوراء في مجال الإنتاج الفني بطريقة فنية تنفتح على المفاهيم الإسلامية المتمثلة بسيرة الإمام الحسين(ع) والثلة الطيبة من أهل بيته وأصحابه... وكنت أيضاً أتحدث منذ سنين وأتوجّه إلى كل الذين يقولون بأنهم يريدون مواساة الإمام الحسين(ع)، أنكم إذا أردتم أن تقدِّموا للحسين(ع) تضحيةً، فتبرّعوا بالدم لخدمة الجرحى والمقاومين الذين يسقطون في مواجهة إسرائيل، فالحسين جرح وهو يجاهد، فإذا أردتم مواساته، فانطلقوا في مواجهة إسرائيل؛ فإذا جرحتم في خط المواجهة فإنكم تقدّمون المواساة بأبهى معانيها؛ لأن المواساة تعني أن نجرح في الموقع الذي جرح فيه، وهذا ما تحدثت عنه خلال زيارتي للهند بشكل صريح جداً.  

  مواساة الإمام الحسين(ع) تكون بأن تُجرح في الموقع الذي جُرح فيه


س: يتردد بأن أتباعكم الذين تحدثهم أيام عاشوراء في مسجدك، يقومون بضرب صدورهم بمجرد أن تخرج من المسجد. سامحني، ولكن هذا ما يروَّج في الأوساط اللبنانية.

ج: هذا صحيح، ولكنّه اللطم الهادئ الحزين ولا مشكلة فيه، وإنّما المشكلة هي عندما يؤدّي اللطم إلى إيذاء الجسد وما إلى ذلك.

مكاشفات أجراها: عبدالعزيز محمد قاسم

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 21 صفر 1429 هـ  الموافق: 28/02/2008 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية