الدين والحياة«مكاشفات...»
محمد حسين فضل الله في أولى مكاشفاته
ولاية الفقيه نظرية لا يراها أكثر فقهاء الشيعة
م
كاشفات في أمور الدين والحياة، أجرتها صحيفة (عكاظ) السعودية، مع العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله.وهذا نصّ المكاشفة:
مكانة جبل عامل العلمية
س: ما سبب جمود الحركة العلمية الدينية في جبل عامل، وانتقال مراكزها إلى النجف وقم؟
ولكن الظروف الاقتصادية وغيرها أثّرت وساهمت في هجرة الكثير من علماء جبل عامل، فبرزت حوزة النجف، ولم يكن العلماء الشيعة يسافرون إلى قمّ، وإنما كانوا يسافرون إلى النجف، وكانوا يتتلمذون على علمائها، ولكن بعد أن حصل ما حصل من مصادرة صدام حسين للحوزة العلمية في النجف، ذهب الطلاب إلى قم.
ومن الطبيعي أنّ ذلك أعطى الحوزة العلمية في قم الدفع الكثير، إضافةً إلى الإمكانات الكبيرة التي كانت تملكها. ولذلك، فإن الاتجاه كان بالهجرة إلى قم، ومن ثم العودة إلى جبل عامل لأداء مهمة التبليغ. إلا أن من علماء جبل عامل من لم يتتلمذ في قم، كالسيد محسن الأمين مثلاً، والشيخ محمد جواد مغنية، والشيخ هاشم معروف، والشيخ عبد الله نعمة، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، هؤلاء جميعاً تعلموا في النجف، وقد تركوا الأثر الكبير على المستوى الثقافي والفقهي في حوزة النجف، ولكن عندما صودرت النجف في العهد السابق، انفتحت حينها أبواب قمّ لطلاب العلم الديني.
المرجعيات العربية
س: عندما أستعرض أسماء المرجعيات الشيعية الحالية، لا أجد سوى مرجعية أو اثنتين فقط من أصل عربي في مقابل المرجعيات من ذوي الأصول غير العربية، فهل يعود ذلك إلى وجود الحوزة العلمية في قم؟
ج: لقد أشرت فيما سبق، إلى أن علماء جبل عامل في امتداد التاريخ، شكَّلوا نوعاً من القيادة الدينية الثقافية الفكرية لكل الواقع الإسلامي، حتّى في إيران، ولا تزال الكثير من كتبهم تدرّس في الحوزات. أمّا المرجعية، فإنها بشكل عام لا تتأثر بقومية معينة، سواء عند السنة أو عند الشيعة، لذا فإنّ القضية لها بعدها التاريخي، بحيث إنها لم تنطلق في الواقع الشيعي، وخصوصاً العربي، من عقدة ضد الذين ليسوا عرباً من المراجع، ولكن الكفاءة العلمية عند هؤلاء المراجع هي الأساس الذي يجعل الناس تلتزم فتاواهم.
المرجعية الدينية لا تتأثر بقومية معينة، سواء عند السنة أو عند الشيعة
س: سامحني بأن أتوقف عند هذه النقطة، فبعيداً عن الشعوبية التي ليست من الإسلام، غير أنني إزاء أعداد الشيعة العرب، لم أفهم لماذا لا توجد سوى مرجعية عربية واحدة شهيرة، وهي أنت، بل حتى أنت نازعتك مرجعيات قم والنجف وشككوا في مرجعيتك؟
ج: كانت هناك مرجعية عربية، ولكن ليست واسعة، وهي مرجعية السيد محسن الأمين الذي كان يقيم في الشام، وتوفي في القرن الرابع عشر الهجري، فقد كان عضواً في المجمع العلمي العربي في دمشق، وصاحب مؤلفات كبيرة جداً.
المسألة هي أن المرجعية تحتاج إلى كثير من الإمكانات؛ ولهذا فقد اتجهت المرجعية إلى واقعها التاريخي السابق بالمعنى الممتد في العالم الإسلامي الشيعي إلى النجف وقم، وقد كنت من الذين عاشوا وزاملوا المراجع الحاليين في النجف، حيث استطاعت الظروف النجفية التي عشتها أن تهيئ لموقعي وامتدادي المرجعي؛ هذا الامتداد الإسلامي بشكل عام الذي لم يقتصر على العالم العربي، بل امتد إلى باكستان وإلى الهند، وحتى في إيران هناك من يرجع إليَّ في التقليد.
ا
لعقدة من المرجعية
س: لقد سمعت من بعض الشيعة من يقول، إن السيد محمد حسين فضل الله بسبب أصوله العربية، واجه هذه الممانعة من قبل الملالي الإيرانية تحديداً؟
ج: عندما نريد أن ندرس المسألة بدقة، فإنّنا نقول إنّه ليست كل المرجعيات الإيرانية وقفت موقفاً سلبياً مني، بل هناك بعض المرجعيات العربية في النجف وقفت هذا الموقف السلبي. المسألة قد يكون لها جانب يتصل بمسألة العقدة من حركة المرجعية في بعض الجوانب، لأنّني انطلقت في اجتهاداتي التاريخية والفقهية والكلامية من بعض الأفكار والمفاهيم والمواقف التي قد لا يرتاح إليها بعض الناس، وقد يعتبرونها خروجاً على المذهب أو ما أشبه ذلك.
التشيع الصفوي
س: يقول المفكر الشيعي الإيراني، الدكتور علي شريعتي في كتابه "التشيع العلوي والتشيع الصفوي"، إن الدولة الصفوية قامت على مزيج من القومية الفارسية والمذهب الشيعي، وعلى الامتزاج بالهوية الإيرانية، وتفضيل العجم على العرب"، هل إن قلة المراجع الشيعية العرب مقابل المراجع الشيعة الإيرانيين، ساهم في امتداد هذا الفكر واتّساعه؟
ج: أنا لا أتصور أنّ مسألة الوضع الصفوي قد ساعدت على انتشار هذا الفكر، ولكن هناك بعض القضايا الشخصية، كالمنافسة الشخصية التي تحكم مسألة الصراع بين المرجعيات. وهذا ليس بدعاً من الواقع، فنحن نجد منافسات حتى بين المرجعيات العلمانية أو المرجعيات السنية عندما كانت تمثل نوعاً من أنواع الامتداد في هذا الجانب، ونحن نعرف حدة الصراع التاريخي، الذي كان قائماً بين أتباع المذاهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي، حيث كان بعض الفقهاء يحرمون زواج الحنفي من الشافعية أو غير ذلك.
لا أعتقد أن للصفوية بالمعنى السياسي أي تأثير في الواقع الشيعي على المستوى العام
فهذه مسألة عامّة، ربما تساعد عليها بعض الخلفيات الفكرية التي قد تكون شعورية من جهة، وقد لا تكون شعورية من جهة أخرى. ولكن لا أعتقد أن للصفوية بالمعنى السياسي أي تأثير في الواقع الشيعي على المستوى العام، فإيران، مثلاً، دولة فيها أكثرية فارسية وأقلية عربية إلى جانب أقلية كردية، وربما يعيد البعض أيّ لون من ألوان الصراع فيها إلى العنصر القومي الفارسي، استناداً إلى حساسيات بين الأتراك والفرس، كما الحساسيات في المنطقة العربية، لكن أعتقد أن التراكمات النفسية تأخذ جانباً قومياً من جهة، أو جانباً مذهبياً من جهة أخرى، وهي التي تعقِّد الواقع هنا وهناك.
اشتراط الأعلمية
س: نسمع بصراحة عن تنافس في موضوع المرجعية، ونعلم بالتأكيد دور إيران في مسألة تثبيت المرجعية، والذي حسم إيرانياً للسيد السيستاني، وسؤالي هو: لماذا حسمت الأعلمية للسيد السيستاني، وذلك على حسابكم؟
ج: أولاً، أنا لا أقول باشتراط الأعلمية في المجتهد الذي يرجع الناس إليه في التقليد، لأنني أرى أنّه لا دليل على اعتبار الأعلميّة، بل صحَّ عندي أن الشرط هو الاجتهاد والخبرة المنطلقة من الممارسة الطويلة، فليس هناك في العالم كله في أي علم من العلوم، من يُمكن أن يُشار إليه بأنّه أعلم الناس جميعاً في هذا المجال أو ذاك، وربما يجري التفاضل بين مجتهد ومجتهد آخر في بعض العناصر والخصائص التي يتميز بها في اجتهاده أو ما إلى ذلك.
فضل الله وإيران
س: سماحة السيد، أشعر بأن ثمة جفاء بينكم وبين إيران، فبعد وفاة الإمام الخميني انقطعت بصورة كبيرة عن زيارة إيران بعدما كنت تزورها بكثرة، فهل ثمة جفاء حاليّ مع إيران؟
ج: ظروفي المرجعية والصحية لا تساعدني على التحرك كما كنتُ في السابق، إلا أن الأوضاع جيدة مع الأخوة في إيران.
س: هل إنّ الوضع جيد إلى مستوى أن يأتي السيد محمد خاتمي، رئيس الجمهورية الإيرانية، لزيارة لبنان، فيزور القادة المسيحيين ولا يزورك؟
ج: ربما لأنّ زيارته كانت محكومةً بالبروتوكولات الرسمية، وأنا لا أملك صفةً رسميةً، ولكنه رجل صديق، وقد زارني عدة مرات في زياراته غير الرسمية إلى لبنان.
ولاية الفقيه
س: ولاية الفقيه التي أتى بها الإمام الخميني، كانت اجتهاداً في الفقه الشيعي جاءت بالعلماء المعممين ليخوضوا في السياسة بعد قرون طويلة من الابتعاد عنها. هلاَّ حدثتنا بصورة موجزة عنها، ورؤيتك لها؟
ج: ولاية الفقيه نظرية فقهية لا يراها أكثر فقهاء الشيعة... لكن في المقابل، هي نظرية اجتهادية فقهية كأية نظرية اجتهادية، وهي لا تتنافى مع إخلاص الشيعة لأوطانهم، لأنها تمثل الالتزام بالفقيه في الجانب الشرعي، كما إننا نقول إن إخلاص السنة لمذاهبهم والتزامهم بالنظريات الصادرة عن إمام هذا المذهب أو ذاك أيضاً، لا يعني عدم التزامهم بأوطانهم في هذا المقام.
ولاية الفقيه هي نظرية اجتهادية يقول البعض إنها تمثل ولاية المجتهد العادل على المنطقة التي يحكم فيها
إن المسألة هي أن الشيعة والسنة لا بد أن يلتزموا بأوطانهم، لا على أساس أن يكون الوطن صنماً يعبد من دون الله، ولكن على أساس أن ينشر فيه العدل من قبل الذين يحكمونه، وأن يقفوا ضد المستكبرين الذين يريدون مصادرة ثرواته وإسقاط حريته وكرامته وعزته، لأن الله سبحانه وتعالى يريد للناس أن يرفضوا الظلم من كل أحد، حتى من المسلمين، وأن يأخذوا بأسباب العدل حتى مع الكافرين. لذلك فإن الحديث عن مسألة إخلاص الشيعة أو السنة لأوطانهم، لا يمليها الوضع المذهبي، وإنما هي قضية سياسية تنطلق من العصبيات هنا وهناك. أما مسألة ولاية الفقيه، فهي نظرية اجتهادية قد يقول البعض إنها تمثل ولاية المجتهد العادل على المنطقة التي يحكم فيها، كما يبايع السنّة بعض أمرائهم بيعة مطلقة، فهل تكون بيعتهم هذه ممّا تقتضي أن يبتعدوا عن إخلاصهم للبلدان الأخرى التي تلتقي معهم في الدين، وتلتقي معهم في المذهب؟!
س: بعض شباب الشيعة يقرنون الاحتجاج في مظاهراتهم بالقيام بأعمال عنف وحرق، كما حدث في البحرين مؤخراً؟
ج: هذا الأسلوب موجود في كل مكان، ولكنني كنت ضد هذه الأساليب في استخدام العنف وقد حرّمته، حتى إنني حرَّمت الكتابة على الجدران، لأن صاحب هذا البيت قد لا يقبل بالكتابة على جدران منزله، كما إنني أصدرت قبل فترة فتوى بحرمة إحراق الدواليب، باعتبار أنه يسيء إلى البيئة ويؤذي الناس.
الشيعة في سلوكهم الوطني أثبتوا أنهم من أخلص الناس لأوطانهم
س: ما هي نصيحتك للشباب العربي الشيعي؟
ج: أنا أقول لكل من يأخذ برأيي، إنّ الوضع السياسي ينذر بإقبال المنطقة على هزّات، فعلينا أن لا نصوّر أن القضية سنّية شيعية، بل هي في كثير من أوجهها سياسية، وعلينا أن نرصد حركة الاستكبار العالمي في واقعنا، لنعرف كيف نواجه مسؤوليّاتنا في هذا المجال، وأعتقد أننا لو درسنا سلوك الشيعة تجاه أوطانهم، لوجدنا أنّهم من أخلص الناس لها.
س: سماحة السيد، قلت إنك لا تقول بولاية الفقيه، ألا ترى أنك تخالف بذلك دولةً كبرى تقوم على هذا الأساس؟
ج: أقول إنه لا يتحتّم أن تكون الولاية للفقيه بمعنى السلطة التنفيذية، فالسيد أبو القاسم الخوئي(ره) لا يرى ولاية الفقيه، وكذلك السيد محسن الحكيم(ره)؛ لكن نفي ولاية الفقيه من ناحية النظريّة الاجتهادية، ينطلق من عدم ضرورة أن يكون الولي فقيهاً، ولا يعني ذلك عدم إسلاميّة النظام. وبتعبير آخر: إنّنا نقول إن الفقه بما هو حالة ثقافية اجتهادية، لا يلازم الولاية التي ترتبط بالجانب التنفيذي، ولكن قد يجتمعان في شخص. ولكن الأساس في ذلك أمران: الأوّل الكفاءة القيادية والخبرة والفضيلة، والثاني هو أن يرتكز إلى الشرع الإسلامي في إدارة الحكم.
فضل الله وموسى الصدر
س: بالعودة إلى لبنان، لماذا لم نجد للسيد فضل الله دوراً في حركة الإمام موسى الصدر باعث الحركة الشيعية في لبنان، ولا في كيان المجلس الشيعي الأعلى؟
ج: كانت هناك علاقة حميمة وعميقة مع السيد موسى الصدر منذ كان يدرس في النجف، فكان زميلاً مقرباً، وكذلك الأمر عندما جئت إلى لبنان، ولذلك فإن علاقتي معه كانت علاقة جيدة جداً مع بعض الاختلافات في بعض وجهات النظر. أما بالنسبة إلى مسألة انضمامي إلى المجلس الإسلامي الشيعي، فأنا قلت إنني لن أنتخِب ولن أُنتخَب، لأنني أؤمن بضرورة وجود مجلس إسلامي عام بين السنة والشيعة، وقد اقترحت ذلك على السيد موسى الصدر، وقال لي إن بعض السنة الكبار في المواقع الرسمية لم يقبلوا بهذا الأمر.
س: سأنتقل بالحديث إلى علاقتكم بحزب الله، أطلق عليكم في مرحلة من المراحل لقب المرشد الروحي لحزب الله؟
ج: لم تكن لي أي صفة تنظيمية رسمية في حزب الله أو في أي حزب آخر، ولكنّي كنت أطلّ من موقعي على الحالة الإسلامية العامّة، والتي كان الحزب جزءاً منها، وخصوصاً أنّه تحرّك في خط المقاومة ضد إسرائيل، والمقاومة تشكل أحد الثوابت في فكري.
س: قلت عن حزب الله إنه يؤمن بولاية الفقيه، لكنه يعمل لمصلحة لبنان؟
ج: فليُسأل حزب الله. أنا لا أجيب عن الآخرين.
ما هو الرأي من موقف الشيعة في حربهم ضد إسرائيل التي أنزلوا بها الهزائم في سنة 2000 وسنة 2006م؟!
حزب الله وإيران
س: سأورد لك تصريحات علي أكبر محتشمي بور، وزير الداخلية الإيراني الأسبق، لصحيفة شرق الإيرانية في (3-8-2006)، حيث ذكر أن كوادر حزب الله كانوا يقاتلون إلى جانب الإيرانيين أيام حربهم مع العراق.
وقريب من هذا، تلك الرسالة التي وجهها الحزب الوطني العربستاني إلى السيد حسن نصر الله، يطالبه فيها بوقف مشاركة أعضاء حزبه في قمع انتفاضة الأهواز ضد النظام الإيراني. وهي رسالة نشرها الحزب في موقعه على شبكة الإنترنت.أليس هذا دليلاً على أن حزب الله يستقي توجيهاته من إيران؟
ج: ما رأيك في الذين كانوا يقاتلون من السنة إلى جانب النظام العراقي السابق ضد المسلمين في إيران؟ فهل نقول إنّنا نسجل نقطة على السنة كما يُراد التسجيل على الشيعة؟! ثمّ ما هو الرأي من موقف الشيعة في الحرب ضد إسرائيل، والتي استطاعوا فيها أن ينـزلوا الهزائم بها في سنة2000 و2006م وباعتراف إسرائيل نفسها، ثم ما هو الرأي في كبار أهل السنة الذين يعترفون بإسرائيل التي اغتصبت فلسطين كلّها؟! وفي هذا السياق، هناك كلام كثير لا نريد الحديث فيه، باعتباره يُدخل القضية السياسية في التفاصيل المذهبية، وهو ما يندرج في إطار تسجيل النقاط.
س: طالما أنّك تصرّ على أن حزب الله هو حزب لبناني، فهل توجد شخصيات سنية بارزة في الحزب؟ وما سبب الطبيعة المذهبية له، إذا كان حزباً لبنانياً وطنياً؟
ج: هناك علاقات جيدة بين حزب الله وبين جهات سنية، سواء كانت مذهبيةً أو سياسيةً؛ ولهذا فقد تجد أن هناك تحالفات بين حزب الله والكثير من اللبنانيين، سواء على مستوى الحركات الإسلامية أو العلماء المسلمين أو السياسيين المسلمين. ومن المشروع التساؤل أيضاً: لماذا لا يكون في حزب الإخوان المسلمين أو غيره مسلمون شيعة؟ هذه أمور تنطلق من تعقيدات الواقع السياسي في البلاد العربية والإسلامية.
التفاعل بين المذاهب والأديان في لبنان استطاع أن يعطي المثقفين انفتاحاً يختلف عما هو في المناطق الأخرى
س: سماحة السيد، عندما يقارن الباحث الحالة الشيعية اللبنانية بمثيلتها العراقية أو حتى الخليجية، يتلمس فرقاً كبيراً، وبوناً شاسعاً في التعاطي المذهبي، وسؤالي: هل للجغرافيا دور في ذلك؟
ج: هناك فرق كبير، لأن لبنان هو البلد المنفتح على كل الاتجاهات الطائفية المسيحية والإسلامية في تنوعاتها، كما إن لبنان يمثل ساحة الحرية التي ربما تتحول في بعض الحالات إلى فوضى، فهناك حرية ثقافية، وحرية سياسية، وحرية دينية، كما إن لبنان يعتبر نافذة الغرب على الشرق، ونافذة الشرق على الغرب، ما يجعله مميزاً عن كل العالم العربي والعالم الإسلامي. ومن الطبيعي أن هذا التفاعل والتداخل بين اللبنانيين، الذين لا يتحركون على أساس العزلة نتيجة وضع طائفي أو مذهبي، ساهم في انفتاح المسيحيين على المسلمين، وانفتاح المسلمين على المسيحيين، كما نجد أن المصاهرة بين السنة والشيعة في لبنان قد تصل إلى مستوى الـ40 أو50%، وقد أوجد هذا النوع من التداخل حالاً من التفاعل. ومن الطبيعي أن هذا التفاعل استطاع أن يعطي الناس المثقفين، حتى من المتخصصين دينياً، انفتاحاً يختلف عما هو في المناطق الأخرى، سواء في الجانب المذهبي الشيعي والسني، أو في الجانب الثقافي. فنحن نعرف أن هناك نوعاً من الجمود موجوداً لدى الكثير من المسلمين في أكثر من بلد إسلامي أو عربي، سواء كانوا متمذهبين بمذاهب أهل السنة أو بمذاهب أهل الشيعة.
س: ولكن ألا تعتقد معي أن للجغرافيا أيضاً دوراً، فالعراق من أيام الحجاج يتميز ناسه بالقسوة والصلابة، بل أكثر من ذلك، ما يتردد في الأوساط السياسية قديماً وحديثاً، أن العراق لا يستطيع حكمه إلا من قِبَل دكتاتور؟
الشيعة يعتبرون أمريكا عدوّهم الأول
ج: هذه قد تكون خصوصية جغرافية، فنحن نلاحظ مثلاً حتى في الخليج، أن هذا البلد يختلف في انفتاحه وسماحته وقبوله للآخر عن ذاك البلد الخليجي الآخر نتيجة بعض العوامل التي تترك تأثيرها على الشخصية من خلال الهجرات التي يتحرك فيها الشباب نحو أمريكا وأوروبا للتخصص فيها مثلاً. وربما أن هناك جانباً تاريخياً، فعندما ندرس مسألة البحرين، على الرغم من التعقيدات الموجودة فيها الآن وسابقاً، نجد أنها تتميز عن بقية المناطق الخليجية من خلال الحركة العلمانية التي انطلقت فيها منذ الخمسينات من القرن الماضي. والبحرين كانت أول بلد خليجي ينتخب مجلساً نيابياً ألغي بعد ذلك، هذا إضافةً إلى كونها بلداً علمياً وثقافياً على المستوى الأدبي والشعري. لهذا، فإننا نجد أنّ مسألة التنوعات التي قد تحصل، قد تتصل بالتراكمات النفسية من جهة، أو بالتراكمات التاريخية وبالمؤثرات السياسية والمذهبية من جهة أخرى، وهذا ما قد يختلف فيه بلد عن بلد آخر.
الشيعة يقاومون الاحتلال الأمريكي في العراق
س: ما تقوم به الولايات المتحدة في العراق، من لعب بالورقة الشيعية لابتزاز المجتمعات الخليجية، انطلى على كثير من الشيعة، وظنوا أن الذئب الأمريكي أدركته الرحمة، وهو قادر على تحقيق طموحات الشيعة؟
ج: الشيعة يعتبرون أمريكا عدوَّهم الأول.
س: عفواً سماحة السيد، هل كل الشيعة على هذا الرأي؟
ج: أغلبهم، رغم أن أمريكا قد أقنعت شيعة العراق بأنها قادرة على أن تخلصهم من صدام. ولو قرأنا تاريخ صدام، فإننا نجد أنه قد خنق الشيعة. وأنا صرّحت في مقابلة مع قناة الجزيرة الفضائيّة، بأن هناك مقاومة شيعية للاحتلال الأمريكي في العراق.
اتهام الشيعة بالخضوع لإيران اتّهام ظالم
س: أحد الإشكالات التي نعيشها في منطقتنا العربية، وتتأكد في هذه الفترة التي تخيم فيها أجواء الحرب، هي قضية ولاء الشيعة؛ ولاء الشيعة لمن، للمرجعية أم للدولة؟
ج: بالنسبة إلى الشيعة، لا يوجد عندهم أي ولاء بالمعنى الديني والمذهبي لأية دولة، ولا حتى لإيران، لأنّ الشيعة يختلفون على إيران، فهناك من يؤيدها وهناك من يعارضها. واتهام الشيعة بأنهم يخضعون لإيران هو اتهام ظالم جملةً وتفصيلاً، لأنّ الشيعة هم الذين أخلصوا لأوطانهم، وهم من الذين وقفوا ضد إسرائيل وانتصروا عليها في حربها الأخيرة على لبنان. اتهام الشيعة بأنهم يخضعون لإيران هو اتهام ظالم جملةً وتفصيلاً
س: يقول قادة حزب الله إنهم يتبعون لإيران، وذلك باعتراف أمينه العام السابق الشيخ صبحي الطفيلي؟
ج: حزب الله هو حزب يؤمن بولاية الفقيه، لكنه يعمل لمصلحة لبنان، كثير من الدول العربية والإسلامية لها تحالف مع أمريكا، هل نقول إن السُنة مع أمريكا؟ هذا شيء غير طبيعي، اللعبة السياسية هي التي تقول إن الشيعة مع إيران، ولكن هذا غير صحيح، فحزب الله هو حزب لبناني وليس فيه شخص غير لبناني قد تساعده إيران وسورية، ولكنه هو الذي حرّر لبنان، كما إننا نرى أنّ هناك شيعة في العراق ليسوا منفتحين على إيران.
عملية التقليد مسألة فقهية شرعية وليست عمليةً سياسيةً
س: هنا نقف أمام ولاءين: لإيران من جهة، وللمرجعيات من جهة أخرى، أسأل بصراحة ومباشرة: الشيعة في الخليج وفي لبنان، التابعون لمرجعية السيد علي خامنئي الذي يتبنى القول بالولاية العامة للفقيه، ولاؤهم لمن؟
ج: أنا أقول: هل لديك إحصائية عن شيعة لبنان أو شيعة الخليج؟ أنا أعرف أن أغلب شيعة الخليج يقلّدون مرجعية النجف، وأن الكثير من شيعة لبنان يقلدون مرجعية النجف وبعض مراجع قم، وحتّى لو كان الأمر كما يذكره السؤال، فإن عملية التقليد مسألة فقهية شرعية، وليست عملية سياسية.
أجرى الحوار: عبدالعزيز محمد قاسم
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 14 صفر 1429 هـ الموافق: 21/02/2008 م