السيد فضل الله لـ «الأنباء»: لبنان ساحة وليس دولةً، وولايات طائفية غير متحدة

السيد فضل الله لـ «الأنباء»: لبنان ساحة وليس دولةً، وولايات طائفية غير متحدة

السيد فضل الله لـ «الأنباء»: لبنان ساحة وليس دولةً، وولايات طائفية غير متحدة


في خضمّ التجاذبات وتباين المصالح والمواقع والأفكار، التي هي حالة لبنانية غالبة الديمومة إجمالاً، يشعر اللبنانيون أو المهتمون باستقرار لبنان من عرب ومسلمين، بالحاجة إلى سماع صوت آخر، صوت له رنين خاص في آذان اللبنانيين، يهدِّئ من الروع، ويقلِّص من مساحات القلق، من خلال التذكير بالخلفية السياسية الخارجية للصراع في لبنان، والإصرار على أنه ما من مسألة إلاّ ويمكن حلّها بالحوار، شرط اعتماد منهج

الحوار في الإسلام الّذي يعتبر أنّ هناك مصيباً ومخطئاً، بل إنّ هناك حقيقةً ضائعةً والمطلوب التعاون من أجل اكتشافها.


صحيفة الأنباء الكويتية حاورت العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله. واستهل سماحته الحوار بعرض حول الأوضاع الفكرية والسياسية في العالم الإسلامي:

الواقع الإسلامي ليس حوارياً:

نحن نؤمن بحرّية الفكر وحرية أن يكون للإنسان التّوجّه الّذي يرتضيه لنفسه، وهو ما يجعل المجتمع يحترم الناس فيه بعضهم بعضاً، ويعترف فيه كلٌّ بالآخر، لكنّ مشكلة الشرق القائم على العصبية، ومشكلة المسلمين بشكلٍ عام، هي عدم الاعتراف بالآخر، واعتبار أنَّ الاختلاف في الفكر أو في المذهب، يمثّل حالة خصومة وعداوة، إلى درجة أنّ ذلك وصل إلى مستوى التّكفير، كما نسمعه في أيّامنا.

    الحوار هو أن تعيش إنسانيتك في إنسانية الآخر


وأنا أعتقد أن كل إنسان يملك وجهة نظر حيال قضايا الدين والسياسة، علينا أن نحترم وجهة نظره، وإن كنّا لا نوافق عليها، لأنّ الله سبحانه علَّمنا أن ننطلق من أجل حل مشاكلنا في الدائرة الإسلامية بالحوار {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}(النساء:59)، وهناك آية أخرى تؤكّد منهج الحوار في الإسلام الذي لم يقترب منه أيّ منهج حواري حتى في العالم المعاصر، لأنّ المنهج الموجود في العالم ينطلق من مبدأ: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، أمّا في الإسلام، فيقول القرآن الكريم على لسان الرّسول(ص) في حواره مع الآخرين: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}(سبأ:24)، ما يعني أني قد أكون على هدى أو على ضلال، وقد تكون أنت على هدى أو على ضلال، أي أن هناك حقيقةً ضائعةً بيننا، وعلينا أن نترافق في الحوار لاكتشافها. لكن مع الأسف، نحن نرى أنّ الواقع الإسلامي ليس واقعاً حوارياً، لأن معنى أن تكون إنساناً حوارياً، هو أن تعيش إنسانيتك في إنسانية الآخر، وأن يكون هناك حالة إنسانية تتكامل فيها مع الآخر؛ قد تختلف معي بنسبة عشرين في المئة، لكنك تتفق معي بنسبة ثمانين في المئة، فلنتحاور حول العشرين في المئة، وهذا هو الجوّ الّذي يركّز عليه القرآن الكريم {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ الله}(آل عمران:64).

علينا أن نعرف أن هناك هجمةً على الإسلام من خلال أمريكا والغرب، لم يعرفها في كلّ تاريخه... وكما هو معروف، فإنّ أميركا لا تعترف بالصّداقة مع الشعوب، وصداقتها الوحيدة هي مع إسرائيل. وكما نلاحظ الآن، ليس هناك حروب إلاّ في بلاد المسلمين؛ في العراق، في أفغانستان، الصّومال، السودان، فلسطين، ثمّ القتال السياسيّ في لبنان... فهم يريدون أن يشغلونا بأنفسنا، ليظل المسلم يقتل بيد المسلم. لقد شغلونا بالتاريخ، فنسينا الحاضر...

نص الحوار:

التبني الأمريكي لإسرائيل

س: سماحة السيد، الأخطر، كما يبدو، هو أن التّبنّي الأميركي والغربي لإسرائيل، لم يعد يثير حتى الاحتجاج لدى العرب، على الأقل؟

ج: إنّهم يريدون من الدول العربية الخضوع لإسرائيل، لا مصادقتها فحسب، وكلما أتت رايس إلى المنطقة، تصدر مذكرات جلب لدول الاعتدال العربي كما يسمّونها، أي دول الاعتدال لمصلحة إسرائيل وليس لمصلحة العرب.

وهذا ما نلاحظه الآن من أن الطروحات العربية إلى مؤتمرات القمة من أجل حلّ مشكلة الصّراع العربي ـ الإسرائيلي، رفضتها إسرائيل، على لسان رئيس وزرائها "شارون"، الذي قال: إنَّ ما صدر عن قمة بيروت لا قيمة له، إلاّ قيمة الورق الذي طبع عليه. نحن نقدِّم التنازلات وهم على مواقفهم الثابتة، بل يريدون أن نقدم لهم المزيد.

مرارة الواقع

س: لاحظنا في الآونة الأخيرة، وجود الكثير من المرارة في تصريحاتكم عن الوضع اللبناني الداخلي، فهل يعود ذلك إلى أنّكم ترون أنّ الأمور خارج أيدي اللبنانيين أو ماذا؟


    أراد رسول الله(ص) للأمة الإسلامية أن تتكامل وتتواصل وتتعاون فيما بينها


ج: لعلَّ هذه المرارة تتصل بواقع الأمة كلّها، لأن الرسول(ص) أراد لنا أن نكون أمةً تتكامل وتتواصل وتتعاون، وتؤكّد وجودها في العالم كلّه، وأن نكون أمة القيم التوحيدية في العبادة والطاعة، وأمة القيم في الأخلاق والعلاقات الإنسانية التي تجعل الإنسان يعيش إنسانيته في إنسانية الآخر، وتؤكد معنى الحرية في إحساسها بوجودها، ورفضها كلّ الذين يخطِّطون لاستعبادها سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وأن تكون أمة العزّة، لأنّ الله سبحانه وتعالى جعل عزّة المؤمنين  إلى جانب عزّته وعزّة رسوله.

إنّني أعيش هذه المرارة لما أراه من واقع الأمّة الإسلاميّة، لأنّ هذه الأمّة، إن لم يكن لها أن تقرر مصير الإنسان في العالم، فعلى الأقل أن تشارك في تقرير مصيره، لأنّ الأمة إذا انطلقت في مسألة تقرير مصير الإنسان من خلال قيمها الروحية والأخلاقية، فإنّها تستطيع أن تعطيه ارتفاعاً وعنفواناً وتقدماً وتطوراً وسلاماً.

لكن ما نعيشه في هذه المرحلة، وما عشناه في المراحل التي سبقتها، منذ أوائل القرن الماضي، هو أنّنا ما زلنا تحت تأثير السيطرة الاستكبارية المتمثلّة بهجوم الغرب المستعمر بحسب تنوعاته على أمتنا، والّذي كانت بدايته مع بريطانيا وفرنسا، من خلال العمل على العبث بأمن العالم العربي والإسلامي، للاستيلاء على مقدّراته وكلّ مواقعه الاستراتيجية وثرواته في باطن الأرض وظاهرها، ولمنعه من أن يأخذ بأسباب القوّة ليحقق الاكتفاء الذاتي، ثم خلفتهما بعد ذلك أميركا التي كان العالم العربي يتطلَّع إليها باعتبار أنّها الدولة التي تمثّل الانفتاح على حرية الشعوب من خلال ما تتحدث عنه من مبادئ في هذا المجال، ولكنّها عندما أبعدت بريطانيا وفرنسا عن الساحة السياسية، نظرت إلى العالم، فرأت أنَّ بإمكانها أن تكون الإمبراطورية الكونية التي تحكم العالم كلّه، ومن هنا رأينا كيف أنّها سحقت كلَّ القيم الإنسانية والأخلاقية بأقدامها، وبدأت تعمل على أساس احتلال الشعوب المستضعفة، ولا سيما الإسلامية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، واستغلَّت ما حدث في 11 سبتمبر لتطرح مسألة الحرب ضد الإرهاب، وكانت تشير إلى العالم الإسلامي، باعتبار أن الذين قاموا بعملية 11 سبتمبر كانوا من المسلمين.   

 الإدارة الأمريكية سحقت كلَّ القيم الإنسانية والأخلاقية وعملت على احتلال الشعوب المستضعفة


ولهذا، فإنّها انطلقت على أساس أن تحوِّل العالم الإسلامي إلى فوضى سياسية وثقافية واقتصادية وأمنية، واعتبرت كلّ الذين يطالبون بالحرية من الاحتلال، كالشعب الفلسطيني، والعراقي، والأفغاني، والسوداني، والصومالي، وهكذا بالنسبة إلى لبنان وإيران وسوريا، اعتبرتهم إرهابيّين.

إنّني أعيش هذه المرارة النفسية، ليس بشكل سلبي، ولكن بشكل إيجابي، باعتبار أنني أدعو العالم الإسلامي الذي يبلغ المليار والنصف تقريباً في قوته العددية، وفي الوقت نفسه يملك الثروات المختلفة والمواقع الاستراتيجية المهمة وما إلى ذلك، أدعوه إلى أن يواجه الواقع العالمي من خلال الأخذ بأسباب القوّة ومواجهة نقاط الضعف، لنحارب الأقوياء في نقاط ضعفهم بنقاط قوتنا، ولنصنع قوّةً إسلاميةً لا طائفيةً وبعيدةً عن العصبية، تحتضن الإنسان كلّه، وتنفتح على المستقبل الذي يرفع مستوى الأمة.

إنّني أعيش هذه المرارة، لأنّني أجد أن الواقع الإسلاميّ يعبث به الاستكبار العالمي، وفي مقدمته أميركا التي انطلق إعلامها وإعلامنا المرتبط بإعلامها ليغسل أدمغتنا بالوحل.

 

لبنان ساحة لا دولة!

س: هل ترى أن ساحتنا في لبنان تمتلك قرارها بيدها اليوم؟

    إن الاستكبار العالمي، وفي مقدمته أمريكا، انطلق في إعلامه ليغسل أدمغتنا بالوحل

  

ج: عندما انطلق لبنان، انطلق ليكون ساحةً للمخابرات الإقليمية والدولية، لأن لبنان يتميَّز بنظامه الّذي يتسم بالحرية الدينية والثقافية والسياسية، وربما الأمنية أيضاً... ولذلك فإنّ لبنان لم يكن دولةً، بل كان مجرَّد ساحةٍ تتحرك فيها كل المحاور التي تتصارع فيما بينها لتحقيق بعض النّتائج على حساب هذا البلد أو ذاك، ولكن على أساس أن يكون الشعب اللبناني فقط هو المحرقة.

ونحن عندما ندرس التاريخ السياسي في لبنان، نجد أنّ هذا التاريخ لم يتحرّك على أساس أن لبنان وطن، وإنّما على أساس أن لبنان طائفة، وأن سياسيي هذه الطائفة أو تلك لا بد من أن يحافظوا على مصالح طائفتهم.

وقد كنت أقرأ قبل أيام كتاباً يتحدَّث عن تاريخ الفتنة في لبنان، والتي أنتجت الحرب الأهلية، حيث ذكر أن السياسيين الكبار في لبنان وبعض الأحزاب الكبيرة فيه، كانت تتحرك في السبعينات وما بعدها على أساس الاستعانة بإسرائيل تحت عنوان حماية المسيحيين في لبنان، باعتبار أن هناك نوعاً من المصلحة المشتركة بين إسرائيل وبينهم، وكانوا يستقبلون الإسرائيليين قبل اجتياح سنة 1982، وعلى رأسهم شارون، وكانوا يأخذونه إلى المواقع الاستراتيجية التي كان يخطّط لاجتياحها. كما أنّ الكثير من السياسيين اللبنانيين الكبار والصغار والعسكريين والحزبيين كانوا يذهبون إلى إسرائيل ويستقبلون هناك، وكانوا يستدعون الإسرائيليين ويقيمون لهم المآدب، حتى كان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 بمساعدة من اللّبنانيين الذين يتحدثون عن لبنان الوطن، ويقصدون بذلك لبنان الطائفة.

وهكذا احتدَّت المسألة من خلال التطوّرات التي حصلت في واقع المنطقة، فاختزنت الأفكار التي انفتحت على إسرائيل، وبدأت لعبة إبعاد الشعب اللبناني عن القضية الفلسطينية والعربية والإسلاميّة، ليغرق في وحول الفتنة الطائفية والمذهبية والحساسيات الحزبية التي تسقط المواطنية اللبنانية عملياً.

إنّني أتصوّر أن المشكلة في لبنان هي النظام الطائفي، لأنّ كل طائفة تحاول أن تأخذ القوّة لنفسها من خلال ارتباطها بدولة إقليمية أو أجنبية خارجية، حتى إن لبنان لم يعد دولةً لبنانية، بالرغم من أنّه ليس مقسَّماً بالمعنى الرسمي، ولكنه يمثل ولايات غير متحدة، لأن كل طائفة تمثل ولايةً لها سياسيوها ومناطقها وجمهورها وارتباطها.

تحالف أمريكي مع الأقليات في العالم

س: يقال إن هناك تحالفاً بين الأقلّيات في العالم العربي والإسلامي، وإن في لبنان انعكاساً لمصلحة الأقليات المتحالفة، فما رأيكم في ذلك؟
 

ج: أنا لا أتصوّر أن هناك تحالفاً بين الأقليات، لأنّها لا تملك الاستقلال في إدارة الظروف السياسية، لأنّ لكلّ أقلية من هذه الأقليات أوضاعها الخاصة التي قد لا تلتقي فيها مع الأقلية الأخرى.

من الممكن جداً أن تلتقي بعض الأقليات في مواجهة الضغوط التي تطبق عليها من خلال بعض الدول الغربية أو الإقليمية، ولكن المشكلة هي أننا نواجه في العالم العربي والإسلامي حالتين:

نحن لا نؤمن بأكثرية أو أقلية، إنما نؤمن بالقضية الإنسانية والقيم الروحية والأخلاقية في عالم الإنسان

- فهناك أقلية تُحكَم بأكثرية.

- وهناك أكثرية تجتاح الأقلية.

لذلك علينا أن لا ندرس المسألة على أساس أن ندخل الأقليات في داخل زنزانة تغلق أبوابها ويمنع عنها الهواء، بل إنّ الجوانب الإنسانية هي التي لا بد للإنسان من أن يأخذ بها، بصرف النظر عن الجانب العددي، لذلك نحن لا نؤمن بأكثرية وأقلية، وإنّما نؤمن بالقضية الإنسانية، وبالقيم الروحية والأخلاقية في عالم الإنسان كله، ونؤمن أيضاً بالوحدة الإسلامية في العالم الإسلامي كلّه، وكما نؤمن بالوحدة الوطنية في بلد يحتضن الأقلية والأكثرية.

ولقد سمعت قبل فترة في بعض التصريحات: "إنّ الأكثرية تحكم والأقلية تعارض"، باعبتار أن ما يحصل في العالم كلّه، هو أن الحكم يكون للأكثرية، فقلت: نحن لا نمانع في ذلك، لكن العالم قد تلتقي فيه الأقلية والأكثرية في حكومة ائتلافية إذا كانت مصلحة الوطن تقتضي ذلك، ليتعاون الجميع معاً على خدمة المصالح الاستراتيجية للوطن، وتساءلت: هل يقبل هؤلاء أن تحكم الأكثرية الأقلية السياسية في لبنان، إذا كانت الأكثرية العددية اللبنانية هي التي تمثّل القوة الحاكمة في مقابل الأقلية الأخرى، سواء كانت دينيةً أو غير دينيةً؟

إنّهم يرفضون الديمقراطية العددية، ويحدثونك عن الديمقراطية التوافقية، لكنّهم عندما تتحرّك القضايا في بعض المصالح الطائفية، يتحدثون عن الأكثرية والأقلية!.

س: لكن الملاحظ أن الأكثرية والأقلية شهدت صفوفهما ملامح اعتراض عندما تمَّ توزير شخص ليس من الأكثرية ولا من الأقلّية، فكيف تقرأ ذلك؟

ج: نحن نتصوَّر أن هذا الشخص الذي قد يوزَّر أو ينوَّب أو يزعَّم، لم يختر اللبنانيون دوره، ولم يختر هو دوره، ولكن اختير له دوره من خلال الخلفيات والسياسيات الإقليمية والعربية والأجنبية.

الحوار يجعل المسلمين قوةً عالميةً

    لقد انطلقت الخطة الأمريكية المتحالفة مع الخطة الأوروبية لتفتيت الواقع الإسلامي، وإثارة الفتن بين السنة والشيعة


س: بالنسبة إلى المعطيات المتوافرة في لبنان والمنطقة، هل ترى أنَّ مشروع تفتيت العالم الإسلامي الذي يعزى إلى هنري كسنجر، ما زال قائماً، وكيف يمكن مواجهته؟

ج: لقد انطلقت الخطَّة الأميركية المتحالفة مع الخطة الأوروبية لتفتيت الواقع الإسلامي عبر إثارة الفتنة بين السنة والشيعة، من خلال استعادة التاريخ، ودفع المسلمين إلى العيش في الماضي ونسيان الحاضر وما يحتويه من سيطرة أميركية متمثلة باحتلال بعض بلدان المسلمين، وبالمشاكل الاقتصادية التي تعصف باقتصاد العالم الإسلامي، وبالمشاكل الاجتماعية التي تفتك بالمجتمعات الإسلامية، وبالأمية الثقافية والتعليمية والحضارية الموجودة بنسبة هائلة في العالم الإسلامي، وما إلى ذلك من المشاكل التي تجعل هذا العالم مشغولاً بنفسه، وتجعل الكثيرين من هذا العالم الإسلامي، الذي ينبع البترول في عمق أراضيه، يعيشون تحت خط الفقر بسبب توزيع الثروات بطريقة غير عادلة، بل ربما كانت ثروات المسلمين تستخدم لمصلحة اقتصاد الغرب كلّه، الذي يرى أنَّ هذه الثروات يجب أن تخدم مصالحه لا مصالح المسلمين، ولذا نرى هذه الثروات تتكدَّس في المخازن الغربية دون أن تستفيد منها الأمَّة في تحقيق نهضتها وتنميتها وتحويلها من مجتمعات استهلاكية إلى مجتمعات إنتاجية.   

 الحوار يجعل من المسلمين قوةً عالميةً يمكن لها أن تحكم الواقع السياسي والأمني والاقتصادي في العالم


إنّهم يشغلوننا بما يسجله السنة على الشيعة، أو الشيعة على السنّة، حتى إننا نلاحظ كيف نشأت الحركة التكفيرية التي يستحلُّ فيها المسلم دم المسلم الآخر، على أساس إنّ هناك بعض الخلافات التي يمكن أن تحلَّ بالحوار العلمي الموضوعي، حتى إنَّ البعض بات يفكر في الحوار مع اليهود، لكنّه لا يفكر في إقامة حوار بين المسلمين من سنّة وشيعة، مع أنّ الحوار يجعل من المسلمين قوةً عالميةً يمكن لها أن تحكم الواقع السياسي والأمني والاقتصادي في العالم.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 08 شعبان 1429 هـ  الموافق: 10/08/2008 م

السيد فضل الله لـ «الأنباء»: لبنان ساحة وليس دولةً، وولايات طائفية غير متحدة


في خضمّ التجاذبات وتباين المصالح والمواقع والأفكار، التي هي حالة لبنانية غالبة الديمومة إجمالاً، يشعر اللبنانيون أو المهتمون باستقرار لبنان من عرب ومسلمين، بالحاجة إلى سماع صوت آخر، صوت له رنين خاص في آذان اللبنانيين، يهدِّئ من الروع، ويقلِّص من مساحات القلق، من خلال التذكير بالخلفية السياسية الخارجية للصراع في لبنان، والإصرار على أنه ما من مسألة إلاّ ويمكن حلّها بالحوار، شرط اعتماد منهج

الحوار في الإسلام الّذي يعتبر أنّ هناك مصيباً ومخطئاً، بل إنّ هناك حقيقةً ضائعةً والمطلوب التعاون من أجل اكتشافها.


صحيفة الأنباء الكويتية حاورت العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله. واستهل سماحته الحوار بعرض حول الأوضاع الفكرية والسياسية في العالم الإسلامي:

الواقع الإسلامي ليس حوارياً:

نحن نؤمن بحرّية الفكر وحرية أن يكون للإنسان التّوجّه الّذي يرتضيه لنفسه، وهو ما يجعل المجتمع يحترم الناس فيه بعضهم بعضاً، ويعترف فيه كلٌّ بالآخر، لكنّ مشكلة الشرق القائم على العصبية، ومشكلة المسلمين بشكلٍ عام، هي عدم الاعتراف بالآخر، واعتبار أنَّ الاختلاف في الفكر أو في المذهب، يمثّل حالة خصومة وعداوة، إلى درجة أنّ ذلك وصل إلى مستوى التّكفير، كما نسمعه في أيّامنا.

    الحوار هو أن تعيش إنسانيتك في إنسانية الآخر


وأنا أعتقد أن كل إنسان يملك وجهة نظر حيال قضايا الدين والسياسة، علينا أن نحترم وجهة نظره، وإن كنّا لا نوافق عليها، لأنّ الله سبحانه علَّمنا أن ننطلق من أجل حل مشاكلنا في الدائرة الإسلامية بالحوار {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}(النساء:59)، وهناك آية أخرى تؤكّد منهج الحوار في الإسلام الذي لم يقترب منه أيّ منهج حواري حتى في العالم المعاصر، لأنّ المنهج الموجود في العالم ينطلق من مبدأ: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، أمّا في الإسلام، فيقول القرآن الكريم على لسان الرّسول(ص) في حواره مع الآخرين: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}(سبأ:24)، ما يعني أني قد أكون على هدى أو على ضلال، وقد تكون أنت على هدى أو على ضلال، أي أن هناك حقيقةً ضائعةً بيننا، وعلينا أن نترافق في الحوار لاكتشافها. لكن مع الأسف، نحن نرى أنّ الواقع الإسلامي ليس واقعاً حوارياً، لأن معنى أن تكون إنساناً حوارياً، هو أن تعيش إنسانيتك في إنسانية الآخر، وأن يكون هناك حالة إنسانية تتكامل فيها مع الآخر؛ قد تختلف معي بنسبة عشرين في المئة، لكنك تتفق معي بنسبة ثمانين في المئة، فلنتحاور حول العشرين في المئة، وهذا هو الجوّ الّذي يركّز عليه القرآن الكريم {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ الله}(آل عمران:64).

علينا أن نعرف أن هناك هجمةً على الإسلام من خلال أمريكا والغرب، لم يعرفها في كلّ تاريخه... وكما هو معروف، فإنّ أميركا لا تعترف بالصّداقة مع الشعوب، وصداقتها الوحيدة هي مع إسرائيل. وكما نلاحظ الآن، ليس هناك حروب إلاّ في بلاد المسلمين؛ في العراق، في أفغانستان، الصّومال، السودان، فلسطين، ثمّ القتال السياسيّ في لبنان... فهم يريدون أن يشغلونا بأنفسنا، ليظل المسلم يقتل بيد المسلم. لقد شغلونا بالتاريخ، فنسينا الحاضر...

نص الحوار:

التبني الأمريكي لإسرائيل

س: سماحة السيد، الأخطر، كما يبدو، هو أن التّبنّي الأميركي والغربي لإسرائيل، لم يعد يثير حتى الاحتجاج لدى العرب، على الأقل؟

ج: إنّهم يريدون من الدول العربية الخضوع لإسرائيل، لا مصادقتها فحسب، وكلما أتت رايس إلى المنطقة، تصدر مذكرات جلب لدول الاعتدال العربي كما يسمّونها، أي دول الاعتدال لمصلحة إسرائيل وليس لمصلحة العرب.

وهذا ما نلاحظه الآن من أن الطروحات العربية إلى مؤتمرات القمة من أجل حلّ مشكلة الصّراع العربي ـ الإسرائيلي، رفضتها إسرائيل، على لسان رئيس وزرائها "شارون"، الذي قال: إنَّ ما صدر عن قمة بيروت لا قيمة له، إلاّ قيمة الورق الذي طبع عليه. نحن نقدِّم التنازلات وهم على مواقفهم الثابتة، بل يريدون أن نقدم لهم المزيد.

مرارة الواقع

س: لاحظنا في الآونة الأخيرة، وجود الكثير من المرارة في تصريحاتكم عن الوضع اللبناني الداخلي، فهل يعود ذلك إلى أنّكم ترون أنّ الأمور خارج أيدي اللبنانيين أو ماذا؟


    أراد رسول الله(ص) للأمة الإسلامية أن تتكامل وتتواصل وتتعاون فيما بينها


ج: لعلَّ هذه المرارة تتصل بواقع الأمة كلّها، لأن الرسول(ص) أراد لنا أن نكون أمةً تتكامل وتتواصل وتتعاون، وتؤكّد وجودها في العالم كلّه، وأن نكون أمة القيم التوحيدية في العبادة والطاعة، وأمة القيم في الأخلاق والعلاقات الإنسانية التي تجعل الإنسان يعيش إنسانيته في إنسانية الآخر، وتؤكد معنى الحرية في إحساسها بوجودها، ورفضها كلّ الذين يخطِّطون لاستعبادها سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وأن تكون أمة العزّة، لأنّ الله سبحانه وتعالى جعل عزّة المؤمنين  إلى جانب عزّته وعزّة رسوله.

إنّني أعيش هذه المرارة لما أراه من واقع الأمّة الإسلاميّة، لأنّ هذه الأمّة، إن لم يكن لها أن تقرر مصير الإنسان في العالم، فعلى الأقل أن تشارك في تقرير مصيره، لأنّ الأمة إذا انطلقت في مسألة تقرير مصير الإنسان من خلال قيمها الروحية والأخلاقية، فإنّها تستطيع أن تعطيه ارتفاعاً وعنفواناً وتقدماً وتطوراً وسلاماً.

لكن ما نعيشه في هذه المرحلة، وما عشناه في المراحل التي سبقتها، منذ أوائل القرن الماضي، هو أنّنا ما زلنا تحت تأثير السيطرة الاستكبارية المتمثلّة بهجوم الغرب المستعمر بحسب تنوعاته على أمتنا، والّذي كانت بدايته مع بريطانيا وفرنسا، من خلال العمل على العبث بأمن العالم العربي والإسلامي، للاستيلاء على مقدّراته وكلّ مواقعه الاستراتيجية وثرواته في باطن الأرض وظاهرها، ولمنعه من أن يأخذ بأسباب القوّة ليحقق الاكتفاء الذاتي، ثم خلفتهما بعد ذلك أميركا التي كان العالم العربي يتطلَّع إليها باعتبار أنّها الدولة التي تمثّل الانفتاح على حرية الشعوب من خلال ما تتحدث عنه من مبادئ في هذا المجال، ولكنّها عندما أبعدت بريطانيا وفرنسا عن الساحة السياسية، نظرت إلى العالم، فرأت أنَّ بإمكانها أن تكون الإمبراطورية الكونية التي تحكم العالم كلّه، ومن هنا رأينا كيف أنّها سحقت كلَّ القيم الإنسانية والأخلاقية بأقدامها، وبدأت تعمل على أساس احتلال الشعوب المستضعفة، ولا سيما الإسلامية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، واستغلَّت ما حدث في 11 سبتمبر لتطرح مسألة الحرب ضد الإرهاب، وكانت تشير إلى العالم الإسلامي، باعتبار أن الذين قاموا بعملية 11 سبتمبر كانوا من المسلمين.   

 الإدارة الأمريكية سحقت كلَّ القيم الإنسانية والأخلاقية وعملت على احتلال الشعوب المستضعفة


ولهذا، فإنّها انطلقت على أساس أن تحوِّل العالم الإسلامي إلى فوضى سياسية وثقافية واقتصادية وأمنية، واعتبرت كلّ الذين يطالبون بالحرية من الاحتلال، كالشعب الفلسطيني، والعراقي، والأفغاني، والسوداني، والصومالي، وهكذا بالنسبة إلى لبنان وإيران وسوريا، اعتبرتهم إرهابيّين.

إنّني أعيش هذه المرارة النفسية، ليس بشكل سلبي، ولكن بشكل إيجابي، باعتبار أنني أدعو العالم الإسلامي الذي يبلغ المليار والنصف تقريباً في قوته العددية، وفي الوقت نفسه يملك الثروات المختلفة والمواقع الاستراتيجية المهمة وما إلى ذلك، أدعوه إلى أن يواجه الواقع العالمي من خلال الأخذ بأسباب القوّة ومواجهة نقاط الضعف، لنحارب الأقوياء في نقاط ضعفهم بنقاط قوتنا، ولنصنع قوّةً إسلاميةً لا طائفيةً وبعيدةً عن العصبية، تحتضن الإنسان كلّه، وتنفتح على المستقبل الذي يرفع مستوى الأمة.

إنّني أعيش هذه المرارة، لأنّني أجد أن الواقع الإسلاميّ يعبث به الاستكبار العالمي، وفي مقدمته أميركا التي انطلق إعلامها وإعلامنا المرتبط بإعلامها ليغسل أدمغتنا بالوحل.

 

لبنان ساحة لا دولة!

س: هل ترى أن ساحتنا في لبنان تمتلك قرارها بيدها اليوم؟

    إن الاستكبار العالمي، وفي مقدمته أمريكا، انطلق في إعلامه ليغسل أدمغتنا بالوحل

  

ج: عندما انطلق لبنان، انطلق ليكون ساحةً للمخابرات الإقليمية والدولية، لأن لبنان يتميَّز بنظامه الّذي يتسم بالحرية الدينية والثقافية والسياسية، وربما الأمنية أيضاً... ولذلك فإنّ لبنان لم يكن دولةً، بل كان مجرَّد ساحةٍ تتحرك فيها كل المحاور التي تتصارع فيما بينها لتحقيق بعض النّتائج على حساب هذا البلد أو ذاك، ولكن على أساس أن يكون الشعب اللبناني فقط هو المحرقة.

ونحن عندما ندرس التاريخ السياسي في لبنان، نجد أنّ هذا التاريخ لم يتحرّك على أساس أن لبنان وطن، وإنّما على أساس أن لبنان طائفة، وأن سياسيي هذه الطائفة أو تلك لا بد من أن يحافظوا على مصالح طائفتهم.

وقد كنت أقرأ قبل أيام كتاباً يتحدَّث عن تاريخ الفتنة في لبنان، والتي أنتجت الحرب الأهلية، حيث ذكر أن السياسيين الكبار في لبنان وبعض الأحزاب الكبيرة فيه، كانت تتحرك في السبعينات وما بعدها على أساس الاستعانة بإسرائيل تحت عنوان حماية المسيحيين في لبنان، باعتبار أن هناك نوعاً من المصلحة المشتركة بين إسرائيل وبينهم، وكانوا يستقبلون الإسرائيليين قبل اجتياح سنة 1982، وعلى رأسهم شارون، وكانوا يأخذونه إلى المواقع الاستراتيجية التي كان يخطّط لاجتياحها. كما أنّ الكثير من السياسيين اللبنانيين الكبار والصغار والعسكريين والحزبيين كانوا يذهبون إلى إسرائيل ويستقبلون هناك، وكانوا يستدعون الإسرائيليين ويقيمون لهم المآدب، حتى كان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 بمساعدة من اللّبنانيين الذين يتحدثون عن لبنان الوطن، ويقصدون بذلك لبنان الطائفة.

وهكذا احتدَّت المسألة من خلال التطوّرات التي حصلت في واقع المنطقة، فاختزنت الأفكار التي انفتحت على إسرائيل، وبدأت لعبة إبعاد الشعب اللبناني عن القضية الفلسطينية والعربية والإسلاميّة، ليغرق في وحول الفتنة الطائفية والمذهبية والحساسيات الحزبية التي تسقط المواطنية اللبنانية عملياً.

إنّني أتصوّر أن المشكلة في لبنان هي النظام الطائفي، لأنّ كل طائفة تحاول أن تأخذ القوّة لنفسها من خلال ارتباطها بدولة إقليمية أو أجنبية خارجية، حتى إن لبنان لم يعد دولةً لبنانية، بالرغم من أنّه ليس مقسَّماً بالمعنى الرسمي، ولكنه يمثل ولايات غير متحدة، لأن كل طائفة تمثل ولايةً لها سياسيوها ومناطقها وجمهورها وارتباطها.

تحالف أمريكي مع الأقليات في العالم

س: يقال إن هناك تحالفاً بين الأقلّيات في العالم العربي والإسلامي، وإن في لبنان انعكاساً لمصلحة الأقليات المتحالفة، فما رأيكم في ذلك؟
 

ج: أنا لا أتصوّر أن هناك تحالفاً بين الأقليات، لأنّها لا تملك الاستقلال في إدارة الظروف السياسية، لأنّ لكلّ أقلية من هذه الأقليات أوضاعها الخاصة التي قد لا تلتقي فيها مع الأقلية الأخرى.

من الممكن جداً أن تلتقي بعض الأقليات في مواجهة الضغوط التي تطبق عليها من خلال بعض الدول الغربية أو الإقليمية، ولكن المشكلة هي أننا نواجه في العالم العربي والإسلامي حالتين:

نحن لا نؤمن بأكثرية أو أقلية، إنما نؤمن بالقضية الإنسانية والقيم الروحية والأخلاقية في عالم الإنسان

- فهناك أقلية تُحكَم بأكثرية.

- وهناك أكثرية تجتاح الأقلية.

لذلك علينا أن لا ندرس المسألة على أساس أن ندخل الأقليات في داخل زنزانة تغلق أبوابها ويمنع عنها الهواء، بل إنّ الجوانب الإنسانية هي التي لا بد للإنسان من أن يأخذ بها، بصرف النظر عن الجانب العددي، لذلك نحن لا نؤمن بأكثرية وأقلية، وإنّما نؤمن بالقضية الإنسانية، وبالقيم الروحية والأخلاقية في عالم الإنسان كله، ونؤمن أيضاً بالوحدة الإسلامية في العالم الإسلامي كلّه، وكما نؤمن بالوحدة الوطنية في بلد يحتضن الأقلية والأكثرية.

ولقد سمعت قبل فترة في بعض التصريحات: "إنّ الأكثرية تحكم والأقلية تعارض"، باعبتار أن ما يحصل في العالم كلّه، هو أن الحكم يكون للأكثرية، فقلت: نحن لا نمانع في ذلك، لكن العالم قد تلتقي فيه الأقلية والأكثرية في حكومة ائتلافية إذا كانت مصلحة الوطن تقتضي ذلك، ليتعاون الجميع معاً على خدمة المصالح الاستراتيجية للوطن، وتساءلت: هل يقبل هؤلاء أن تحكم الأكثرية الأقلية السياسية في لبنان، إذا كانت الأكثرية العددية اللبنانية هي التي تمثّل القوة الحاكمة في مقابل الأقلية الأخرى، سواء كانت دينيةً أو غير دينيةً؟

إنّهم يرفضون الديمقراطية العددية، ويحدثونك عن الديمقراطية التوافقية، لكنّهم عندما تتحرّك القضايا في بعض المصالح الطائفية، يتحدثون عن الأكثرية والأقلية!.

س: لكن الملاحظ أن الأكثرية والأقلية شهدت صفوفهما ملامح اعتراض عندما تمَّ توزير شخص ليس من الأكثرية ولا من الأقلّية، فكيف تقرأ ذلك؟

ج: نحن نتصوَّر أن هذا الشخص الذي قد يوزَّر أو ينوَّب أو يزعَّم، لم يختر اللبنانيون دوره، ولم يختر هو دوره، ولكن اختير له دوره من خلال الخلفيات والسياسيات الإقليمية والعربية والأجنبية.

الحوار يجعل المسلمين قوةً عالميةً

    لقد انطلقت الخطة الأمريكية المتحالفة مع الخطة الأوروبية لتفتيت الواقع الإسلامي، وإثارة الفتن بين السنة والشيعة


س: بالنسبة إلى المعطيات المتوافرة في لبنان والمنطقة، هل ترى أنَّ مشروع تفتيت العالم الإسلامي الذي يعزى إلى هنري كسنجر، ما زال قائماً، وكيف يمكن مواجهته؟

ج: لقد انطلقت الخطَّة الأميركية المتحالفة مع الخطة الأوروبية لتفتيت الواقع الإسلامي عبر إثارة الفتنة بين السنة والشيعة، من خلال استعادة التاريخ، ودفع المسلمين إلى العيش في الماضي ونسيان الحاضر وما يحتويه من سيطرة أميركية متمثلة باحتلال بعض بلدان المسلمين، وبالمشاكل الاقتصادية التي تعصف باقتصاد العالم الإسلامي، وبالمشاكل الاجتماعية التي تفتك بالمجتمعات الإسلامية، وبالأمية الثقافية والتعليمية والحضارية الموجودة بنسبة هائلة في العالم الإسلامي، وما إلى ذلك من المشاكل التي تجعل هذا العالم مشغولاً بنفسه، وتجعل الكثيرين من هذا العالم الإسلامي، الذي ينبع البترول في عمق أراضيه، يعيشون تحت خط الفقر بسبب توزيع الثروات بطريقة غير عادلة، بل ربما كانت ثروات المسلمين تستخدم لمصلحة اقتصاد الغرب كلّه، الذي يرى أنَّ هذه الثروات يجب أن تخدم مصالحه لا مصالح المسلمين، ولذا نرى هذه الثروات تتكدَّس في المخازن الغربية دون أن تستفيد منها الأمَّة في تحقيق نهضتها وتنميتها وتحويلها من مجتمعات استهلاكية إلى مجتمعات إنتاجية.   

 الحوار يجعل من المسلمين قوةً عالميةً يمكن لها أن تحكم الواقع السياسي والأمني والاقتصادي في العالم


إنّهم يشغلوننا بما يسجله السنة على الشيعة، أو الشيعة على السنّة، حتى إننا نلاحظ كيف نشأت الحركة التكفيرية التي يستحلُّ فيها المسلم دم المسلم الآخر، على أساس إنّ هناك بعض الخلافات التي يمكن أن تحلَّ بالحوار العلمي الموضوعي، حتى إنَّ البعض بات يفكر في الحوار مع اليهود، لكنّه لا يفكر في إقامة حوار بين المسلمين من سنّة وشيعة، مع أنّ الحوار يجعل من المسلمين قوةً عالميةً يمكن لها أن تحكم الواقع السياسي والأمني والاقتصادي في العالم.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 08 شعبان 1429 هـ  الموافق: 10/08/2008 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية