الإسلام دين رفق ورحمة وسلام، ولا يجوز القيام
بأية عملية انتحارية إلا في خطوط الجهاد الشرعي الإسلامي
أجرت صحيفة "الشروق الجزائرية" حواراً مع سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تناولت فيه نشأة بعض الحركات الإسلامية والأوضاع العامة في لبنان والمنطقة، وهذا نصّ الحوار:
س: في المأثور: "إذا رأيت العلماء على أبواب الملوك، فبئس العلماء وبئس الملوك، وإذا رأيت الملوك على أبواب العلماء، فنعم العلماء ونعم الملوك". هل تعتمد سماحتكم على هذا المأثور للتمييز بين العلماء؟
ج: لعلّ المقصود من وقوف العلماء على أبواب الملوك كموقف سلبي، يقصد منه ـ على سبيل الكناية ـ الطمع في أموالهم وسلطانهم بالطريقة التي يقدمون فيها التنازلات لهم على حساب التزاماتهم الدينية، أو تأييدهم للظالم الذي يمارسونه ضد الناس من دون إنكار. ومن الطبيعي أن يكون مثل هؤلاء العلماء من المنحرفين عن خط الإسلام.
س: هل تتوقّع أن توجه أمريكا ضربةً عسكريةً إلى إيران على خلفية برنامجها النووي، أم أن التحذيرات التي تطلقها هي من قبيل الحرب النفسية حتى تتراجع إيران؟
ج: ليس هناك في الواقع السياسي أيّ شيء مطلق في السلب والإيجاب، فقد نلاحظ أنّه سيكون هناك صعوبات وأخطار كبيرة على الوجود الأمريكي في المنطقة في حال شنّت الحرب ضد إيران، التي تملك ـ حسب المعلومات ـ القدرة على إيقاع الضرر بالوجود الأمريكي وبدول الخليج مما تملكه من الأسلحة الضاربة، وربما يؤدي ذلك إلى إحراق المنطقة. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإنّ صقور الإدارة الأمريكية من المحافظين الجدد والفريق الصهيوني وإسرائيل، يشجعون هذه الحرب لتأكيد القوة العسكرية الأمريكية التي اهتزّت في حربها على العراق. وإنني لا أزال أتصور أن المسألة أقرب إلى الحرب النفسية إعلامياً منها إلى الحرب العسكرية الواقعية.
مسألة ضرب إيران أقرب إلى الحرب النفسية إعلامياً
منها إلى الحرب العسكرية الواقعية
س: اعتبرت الطائفية أساس المشكلة في لبنان، ودعوت إلى المواطنة، بينما يدعو بعض العلمانيين إلى العلمانية الجزئية لرأب الصدع في المجتمعات العربية والإسلامية دون الإساءة إلى الإسلام. فأيهما أقدر على هذه المهمة؛ المواطنة أم العلمانية الجزئية؟
ج: إنني أؤكِّد على المواطنة في لبنان كبديل عن النظام الطائفي الذي هو سرّ المشاكل والأزمات والاهتزازات السياسية والتدخلات الخارجية الدولية والإقليمية التي تستغلّ التعقيدات الطائفية للنفاذ إلى الواقع السياسي من أكثر من ثغرة، ما حوّل لبنان إلى ساحة للصراعات بين الدول، في استغلال الحرية التي يتمتع بها هذا البلد في المنطقة، ممّا هو غير متيسّر في الدول الأخرى.
ومن الطبيعي، أننا عندما نؤكد المواطنة في لبنان المتعدد الطوائف، فإننا نؤكد الرفض للإساءة إلى الإسلام الذي نلتزمه ديناً وحركةً وانفتاحاً. أما في المجتمعات العربية والإسلامية التي يمتد فيها الانتماء الإسلامي، بحيث يشمل الشعب كله أو أكثريته، فإننا نختار الإسلام كنظامٍ للعقيدة والشريعة والحياة، بالطريقة الحضارية المدروسة المنفتحة على الواقع المعاصر.
س: دعوت الشارع العربي إلى أن يكفّ عن تقديس من لا يملكون القداسة، هل هي دعوة إلى العصيان والتمرّد على ولاة الأمور؟
ج: إنها دعوة إلى الارتباط بالأشخاص بما هم بشرٌ يخطئون ويصيبون، ورفض التقديس لهم فيما يندمج فيه الناس، من التسليم لهم، والاستغراق في تأييدهم، والالتزام بأفكارهم وانتماءاتهم من دون نقد أو مناقشة، بحيث يرون أنهم في موقع القداسة وفوق النقد. إنها ليست دعوةً إلى العصيان والتمرّد، ولكنها دعوة إلى النقد والمحاسبة والرفض للخطأ والانحراف الثقافي والسياسي، وإلى الالتزام بحرية الموقف في رصد مواقع المسؤولية بالطرق السليمة.
أرفض التقديس الذي يستغرق فيه الناس في الشخص فيرونه فوق النقد
س: مع أن صدام كان يمتلك نظاماً استخباراتياً قوياً وجيشاً على قدر كبير من الكفاءة، إلا أن بغداد سقطت من أول وهلة في يد الاحتلال الأمريكي، ما هي قراءتك لهذا المشهد؟
ج: لقد كان هذا الرجل يمثّل الطاغية الذي يظلم شعبه، وأثار أكثر من حرب في الواقع العربي والإسلامي، وأربك السياسة العربية، وسخّر جيشه وقوى أمنه وثروة بلده لحساب زعامته وامتدادات سلطته، تنفيذاً للسياسة الأمريكية التي كان موظفاً في مخابراتها، بحيث استطاع أن يخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة بفعل التأييد الكبير الذي حصل عليه في تدمير امتدادات الثورة الإسلامية في إيران، وفي احتلال الكويت خدمةً للخطة الأمريكية في إقامة القواعد العسكرية، وفي تصفية أحرار بلده ـ بمن فيهم رفاقه في حزب البعث ـ إلى غير ذلك من الجرائم الإنسانية. ولمّا انتهت وظيفته عندهم، قاموا باحتلال العراق من دون أن يحرك قواته العسكرية في مواجهتهم.
س: هل هناك يد أجنبية فتحت الطريق لأمريكا لكي تكون وصيةً على لبنان؟
ج: لقد استطاع النظام الطائفي أن يجمع بعض الشخصيات السياسية المرتبطة بالخارج، وأن يفسح في المجال للسياسة الأمريكية أن تنفذ إلى لبنان من أجل خدمة مصالحها وتحريك مشاريعها لحماية إسرائيل ومواجهة المقاومة التي منحت البلد القوة ضد العدو وضد سياسة أمريكا، وعملت من خلال هذا الفريق على تعقيد الأزمات وتقسيم البلد سياسياً وإيجاد التعقيدات السياسية في صراعها مع معارضيها من دول المنطقة ومنظماتها. ولعلّ الجميع قرأوا تصريح وزيرة خارجية أمريكا، أن لبنان هو أفضل الساحات لتحريك مشروع الشرق الأوسط الجديد، وتصريح الرئيس بوش أن لبنان يدخل في نطاق الأمن القومي الأمريكي. إن مشكلة لبنان هي أن هناك بعض السياسيين موظفون لدى الاستخبارات الدولية، وذلك لخدمة الخارج على حساب مصالح الوطن الصغير.
مشكلة لبنان هي أن هناك بعض السياسيين
موظفون لدى الاستخبارات الدولية
س: في رأيك، من يقف وراء حركة فتح الإسلام؟ ولماذا ظهرت في هذا التوقيت بالذات الذي أعقب العدوان الإسرائيلي على لبنان؟
ج: ليست لديّ معلومات عن الجهات التي تقف خلف هذه الجماعة، ولكننا نتصور أن حركة العنف والتطرف من جهة، ووقوف بعض الدول العربية مع بعض المنظمات من خلال بعض الخطوط المذهبية، وأوضاع التخلف التي تهيمن على بعض المفاهيم القلقة التي تدفع إلى العنف من دون دراسة الأهداف المنفتحة على مصلحة الإسلام والمسلمين، هي المسؤولة عن هذه الظاهرة السلبية، إضافةً إلى بعض الأوضاع المحلية اللبنانية التي أرادت توظيف هؤلاء في بعض الصراعات الداخلية من الناحية الأمنية المعقدة في الواقع اللبناني، من جهة أخرى.
س: بعد 11سبتمبر، ظهر بن لادن كخصم عنيد لأمريكا، وهو يقود تنظيماً زئبقياً لا يترك خلفه إلا بصمات القاعدة. خلف هذه الصورة، ألا ترى أن بن لادن هذا هو مجرد شخصية هوليودية صنعتها أمريكا لخلق عدوّ في الواجهة تخوض بسببه كل الحروب لتحقيق مصالحها؟
ج: لقد كان الجميع يتابع الخطة الأمريكية في مواجهة احتلال الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، من خلال التشجيع الأمريكي لبعض الشخصيات والمنظمات في الواقع الإسلامي، بحيث أفسحت أمريكا في المجال لتجميع كل العناصر المقاتلة على أساس الفكرة الجهادية وتمويلها من قِبَل بعض الدول العربية والإسلامية، حتى إن الإعلام الأمريكي كان يعبّر عن هؤلاء بالمجاهدين، ولكن السحر انقلب على الساحر بعد أن سقط الاحتلال السوفياتي، وأصبحت هذه المجموعات قوّةً سياسيةً منفتحةً على عناوين الجهاد وعلى أفكار التطرّف والفهم المتخلّف للقيم والمفاهيم الإسلامية، الأمر الذي جعل هذه المجموعات تتطلع إلى المواقع الأمريكية التي ترى فيها عدواناً على الإسلام والمسلمين، على أساس ما تمثله هذه المواقع من سيطرة الكفار على المسلمين وعداوتهم لهم، ولاسيما في التأييد الأمريكي المطلق لإسرائيل، في اضطهادها للشعب الفلسطيني، وسيطرتها على مقدّرات البلاد الإسلامية، ولاسيما في بلاد الحرمين الشريفين.
وهكذا تحولت المفاهيم التي تحركت ضد الاحتلال السوفياتي في أفغانستان، إلى مفاهيم ضد السياسة الأمريكية، ولكن بطريقة معقَّدة تمثّلت بالهجوم الذي قاده بعض شباب هذه الجماعات بقيادة أسامة بن لادن وأعوانه ضد الولايات المتحدة الأمريكية. وإنني لا أتصور أن هذا الرجل وجماعته يمثل حالةً أمريكية في الحاضر، ولكن أمريكا استطاعت الاستفادة من أحداث 11أيلول في اجتذاب العاطفة العالمية، وخططت للسيطرة على مقدرات العالم الإسلامي بملاحقة المعارضين للسياسة الأمريكية تحت عنوان الحرب على الإرهاب، لتؤكد، من خلال ذلك، التدخل في كل الأوضاع السياسية في بلاد المسلمين. ولا تزال المؤامرة مستمرة بعد احتلال العراق وأفغانستان، وإدارة الفتن والأزمات في أكثر من بلد عربي وإسلامي، ما جعل تنظيم القاعدة مكسباً لأمريكا من أكثر من جهة.
أحداث 11أيلول جعلت تنظيم القاعدة مكسباً لأمريكا من أكثر من جهة
س: يتهم الشيعة في العراق بارتكاب مجازر في حقّ السنة، هل هناك يد خارجية أذكت الصراع بينهما؟ وإلى أي مدى ترى الموساد ضالعاً في التفجيرات التي تحدث في العراق؟
ج: إن هذا الاتهام اتهام ظالم، لأننا لو درسنا الإحصاءات الدقيقة، لرأينا أنّ القتلى من المسلمين الشيعة يزيدون أضعافاً عن القتلى من المسلمين السنّة، لأن تنظيم القاعدة والسائرين معه من بقايا النظام السابق، أعلن بالصوت العالي، وأكد الفتوى الشرعية باستحلال دماء الشيعة، باعتبار أنهم كفرة ومرتدون ومشركون، بينما كانت فتاوى مراجع المسلمين الشيعة، ولا تزال، تحرِّم قتل المسلم السنّي وقتل المسالم. وإذا كانت قد حدثت بعض الأوضاع من قتل بعض المسلمين السنّة، فقد كان ذلك منطلقاً من ردود فعل أنكرها علماء الشيعة، لأن المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. ونحن نعرف ـ من خلال المعلومات الدقيقة ـ أن الاحتلال الأمريكي وحلفاءه من الموساد، كانوا يحرّكون هذه المأساة المتحركة في المجازر الواقعة على الشيعة والسنة، لإثارة الفتنة الطائفية التي تفسح في المجال للعبث بالعراق ولبقاء أمريكا طويلاً فيه.
تنظيم القاعدة وبقايا النظام السابق في العراق أكد الفتوى الشرعية باستحلال دماء الشيعة باعتبار أنهم كفرة ومرتدّون ومشركون
س: مع أنك أحد مؤسسي (حزب الله)، إلا أنك لم تتقلّد أي منصب تنظيمي، هل هو من باب زهد العلماء في الدنيا والمناصب؟
ج: لم أكن من المؤسسين لحزب الله، ولكني كنت أنطلق ـ منذ الخمسينات ـ بثقافة إسلامية وحدوية حضارية بعيداً عن أية خطة تنظيمية، وذلك من خلال نشر الثقافة الإسلامية المنفتحة على الواقع كله في العراق ولبنان، في خطاباتي ومؤلفاتي وندواتي، ما جعل الشباب ينفتحون على الفكر الإسلامي الذي كنت أتابعه من ناحية خاصة وعامة. ولذلك، فإني لم أشارك في تأسيس هذا الحزب من قريب أو بعيد، على الرغم من أن أغلب جماهيره قد استفادت من مواقفي الثقافية والسياسية الإسلامية.
س: كيف تنظر إلى "البابية" التي بدأت في الانتشار في بعض البلدان العربية، وخصوصاً أنها وليدة الوسط الشيعي؟
ج: إننا نرفض "البابية" جملةً وتفصيلاً، لأنها منحرفة عن الإسلام فكراً وعقيدةً وشريعةً وحركةً، وليس لها أية قاعدة في المواقع الشيعية، بل إن علماء الشيعة يفتون بكفر هؤلاء وانحرافهم عن الخط الإسلامي الأصيل في خط أهل البيت(ع)، ولا أظنّ أن هناك انتشاراً لها في البلاد العربية، بل إن بعضهم يرتبط بإسرائيل وأمريكا وغيرهما من أعداء الإسلام.
"البابية" منحرفة عن الإسلام فكراً وعقيدةً وشريعةً وحركةً
س: لو فسح لك الانتحاريون الذين يعملون في الجزائر تحت لواء "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" المجال لتخاطبهم، فماذا تقول لهم؟
ج: إنني أقول لهم، إن الإسلام دين رفق ورحمة وسلام، ولا يجوز القيام بأية عملية انتحارية إلا في خطوط الجهاد الشرعي الإسلامي، إذا توقف انتصار المعركة على ذلك، ولا يجوز بأي وجه من الوجوه، وتحت تأثير أي عنوان شرعي، القيام بمثل هذه العمليات التي تؤدي إلى قتل المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ والشباب، كما أننا نرفض كل العمليات التي تستهدف الأبرياء من كل دين.
إننا ننصحهم بأن يأخذوا بالمنهج الإسلامي في كتاب الله وسنّة نبيّه، باحترام دماء المسلمين والمسالمين، فذلك هو ما تفرضه المصلحة الإسلامية العليا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أنصح الانتحاريين بأن يأخذوا بالمنهج الإسلامي في كتاب الله وسنّة نبيّه واحترام دماء المسلمين والمسالمين
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 03 رمضان 1428 هـ الموافق: 15/09/2007 م