الإسلام لا يتبنّى ولا يوافق على العنف ضد الآخر فضل الله: الاختلاف المذهبي في الدائرة العلمية الثقافية يمثل غنىً للإسلام

الإسلام لا يتبنّى ولا يوافق على العنف ضد الآخر فضل الله: الاختلاف المذهبي في الدائرة العلمية الثقافية يمثل غنىً للإسلام

الإسلام لا يتبنّى ولا يوافق على العنف ضد الآخر

فضل الله: الاختلاف المذهبي في الدائرة العلمية الثقافية يمثل غنىً للإسلام


أجرت وكالة "رويترز" الإخبارية حواراً مع العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تناولت فيه الأوضاع الراهنة في لبنان، في ظلّ وصول بعض الحركات الأصولية السلفية إلى داخل الساحة اللبنانية. وهذا نصّ الحوار:

س: بالأمس، أكدت قيادة الجيش أنّ لفتح الإسلام ارتباطاً مباشراً بتنظيم القاعدة، كيف ترون انتشار هذه الأصولية السنيّة عبر التيارات السلفية الجهادية وخطورتها على الواقع اللبناني؟ وما هو تفسيركم لوصول القاعدة إلى لبنان في هذا التوقيت؟

ج: نحن منذ انطلقنا في العمل الإسلامي، أكدنا أن الإسلام لا يتبنى ولا يوافق على استخدام العنف ضد الآخر، إلا في حالة الدفاع عن النفس أو الدفاع عن الوطن والمستضعفين في المواجهة الشرعية. ولذلك، فإنّ أي عنف يوجّه إلى أي إنسان، نتيجة اختلاف في الخط الفكري أو في الانتماء الديني أو في الخط السياسي، هو أمرٌ مرفوض إسلامياً، ولاسيما إذا أصاب المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة. لذلك أعلنّا أن الإسلام ليس ديناً للعنف، بل هو دين يتحرك في الحياة بطريقة إنسانية حضارية، فالعنف لا يبرَّر إلا في مواجهة الذين يفرضون العنف على الإنسان أو على الحياة.

وعلى ضوء ذلك، رفضنا كل اتجاه يجعل الإسلام عنواناً لحركته عندما يتحرك بالعنف ضد الذين يختلفون معه في الدين أو في المذهب أو في الشأن السياسي، ولاسيما إذا كان هذا السلوك يطاول المدنيين، كما حدث في مركزي التجارة العالمي في أمريكا، وكما حدث في إسبانيا في مدريد، وفي بريطانيا، والدار البيضاء والسعودية، وكما يحدث الآن في العراق وفي أفغانستان، عندما يوجّه العنف ضد المدنيين، سواء كان ذلك من خلال قوى الاحتلال التي تريد أن تعتقل شخصاً فتقتل عدة أشخاص، أو من خلال المنظمات الأخرى التي تحاول أن تطاول المدنيين بطريقة وبأخرى.

ومن هذا المنطلق استنكرنا كل ما حدث ضد الجيش اللبناني من قِبَل بعض المنظمات التي اعتبرت الإسلام عنواناً لها، وقتلت الكثير من الجنود من دون أن يقابلوهم بقتال.

ولذلك، نحن أدنّا كل أعمال العنف هذه، وطلبنا من هذه المنظمات أن تحل مشاكلها بالطرق القانونية، ولكن المشكلة في هذه المسألة، هي أنه اختلط فيها الجانب السياسي المحلي وبالجانب الأمني، ما أوجد بعض الخلفيات التي لا يزال يكثر الجدل حولها. وعلى كل حال، فإننا رحَّبنا بانتهاء هذه المسألة التي أدّت إلى سقوط الكثير من الناس، سواء من الجيش اللبناني أو من غيره.

س: هل ترون أنه يوجد نموّ في حركة التيار السلفي؟

ج: إننا نتصور أن ساحة الحرية في لبنان من جهة، والتعقيدات الطائفية والمذهبية في المنطقة من جهة أخرى، ربما شجّعت فريقاً من اللبنانيين على إدخال بعض التيارات التي تتبنى العنف للاستفادة منها في إثارة المسائل الخلافية بين اللبنانيين، ولاسيما في الدائرة الإسلامية على أساس مذهبي، أو في الدائرة الوطنية على أساس ديني أو سياسي. ونحن نرفض أن يكون لبنان ساحةً للعنف لأيّ جهة كان؛ فكما نرفض العنف الخارجي المفروض على لبنان من خلال العدوان الإسرائيلي، نرفض العنف الداخلي من خلال الجهات التي تحاول أن تحرّكه بناءً على حساسيات دينية طائفية، أو حساسيات مذهبية، ممن قد يستعينون ببعض الجهات المتطرفة من الخارج لتحريك أوضاعهم الخاصة في الداخل.

س: الشيعة هم من بين الأهداف الأساسية المستهدفة من قِبَل تنظيم القاعدة في العراق، من موقعكم كمرجع شيعي، إلى أي مدى يقلقكم وصول هذه الظاهرة إلى لبنان؟

ج: لقد واجه الشيعة الكثير من حالات العنف التي مارسها التكفيريون ضدهم باعتبارهم فرقة غير إسلامية، فهم يكفِّرون الشيعة في بعض عقائدهم ومفاهيمهم، ولذلك أعلنوا منذ البداية أنهم يستهدفون الوجود الشيعي في العراق، وهذا ما لاحظناه في الكثير من الهجمات التي سقط فيها المدنيون من الشيعة في أكثر من مكان، وفي الاستهدافات المتكررة ضد المقدسات الشيعية في أكثر من موقع، وإذا كان بعض الناس يتحدثون عما يقوم به بعض الشيعة ضد السنّة، فإن المسألة ليست منطلقةً من إرادة مذهبية، بل هي نوع من أنواع ردّ الفعل لما يحدث.

لذلك، لو فرضنا أننا قمنا بإحصائيات حول عدد القتلى من الطرفين، لرأينا اختلالاً بالتوازن لحساب قتلى الشيعة في الأحداث المؤسفة.

ونحن كنا ولا نزال ندعو إلى وحدة إسلامية في كل العالم الإسلامي، ولاسيما في العراق، باعتبار أن المشكلة في الاحتلال، وليست مشكلة السنة عند الشيعة أو العكس.

فنحن نرفض هذه الفوضى الأمنية التكفيرية في العراق التي توجّه ضد العراقيين أنفسهم لا ضد الاحتلال بشكل أساسي، ونرفض أن تنتقل إلى لبنان. ولهذا دعونا، وندعو اللبنانيين، إلى رفض أية معركة أو أي حرب أهلية في الداخل، سواء كانت بين السنة والشيعة، أو بين المسيحيين والمسلمين. وقد عملنا مع الكثير من العقلاء؛ عقلاء السنّة والشيعة، على مواجهة الفتنة السنية الشيعية التي أريد لها أن تتحرك في لبنان لتصل إلى وضعٍ يشبه وضع الحرب الأهلية.

وأعتقد أننا نجحنا في إسقاط هذه الفتنة، ولم يبقَ هناك سوى بعض الحساسيات التي تثيرها بعض الأوضاع السياسية في هذه الدائرة أو تلك، باعتبار أن الشيعة يتمثّلون في هذه المقاومة، مع أنّ المقاومة أعلنت مراراً أن السلاح الذي تملكه لا يمكن، ولو بنسبة واحد في المئة، أن يوجَّه إلى الداخل اللبناني، لأن المسألة عندهم هي مواجهة العدوان الإسرائيلي فيما إذا اعتدت إسرائيل على لبنان، تماماً كما حدث في سنة 2006م.

س: هل تخافون من تكرار ظاهرة فتح الإسلام في مخيمات أخرى؟

ج: أنا لا أتصور أن هذه المسألة سوف تتكرّر في لبنان، لأن مسألة مخيم نهر البارد قد أكدت لكل الأفرقاء في لبنان، على المستوى السياسي أو المذهبي، أو على المستوى الفلسطيني، أنه لن يربح أحد من أي حرب يمكن أن تنطلق في المخيمات، باعتبار أن الشعب اللبناني بأجمعه وقف صفاً واحداً ضد هذه الحرب وضد هذه الفتنة، وهذا ما لاحظناه في مخيم عين الحلوة الذي وقف فيه الجميع، ولاسيما الفلسطينيون، ضد أي تحرك لإيجاد بعض الحالات السلبية المماثلة للحالات التي حدثت في مخيم نهر البارد.

س: أعتقد أنكم دعوتم إلى الحوار بين التيارات السلفية والشيعة؟

ج: نحن منذ أكثر من نصف قرن، ندعو إلى الوحدة الإسلامية التي لا تعني أن يصبح السنيّ شيعياً أو أن يصبح الشيعي سنياً، ولكن أن نتحاور لنصحّح ما يحمله كل فريق عن الآخر، ولندخل في حوار حول القضايا الخلافية التي تنشأ من اجتهادات فقهية أو كلامية في فهم الكتاب والسنّة، والتي قد يخطىء البعض فيرى، في بعض اجتهاداته، تكفير بعض المسلمين فيما يجتهد فيه في فهمه لقضايا الكفر والإيمان.

ولذلك، كنا ولا نزال ندعو المسلمين في العالم بشكل عام، سواء كانوا سنّةً أو شيعةً، وسواء كانوا من السلفيين الوهابيين أو من السلفيين المعتدلين، إلى إدارة الحوار فيما بينهم، ليطرح كل واحد وجهة نظره بطريقة موضوعية، ولينطلق الجدل العلمي لتصحيح ما أخطأ فيه هذا أو ذاك، أو لتوضيح ما أساء هذا أو ذاك فهمه.

س: هل ترون أن سوء الفهم بين السنّة والشيعة في المنطقة أسوأ مما كان عليه؟

ج: أنا أعتقد أن ما يحدث الآن يمثِّل امتداداً لكلّ تاريخ الخلاف المذهبي الحاد بين السنّة والشيعة، نتيجة ما يحمله كل طرف من وجهة نظر تجاه الآخر، وليس شيئاً جديداً، ولكن الجديد هو أن الخلفيات السياسية، ولاسيما المخابراتية التي تنطلق من مخابرات الدول الغربية، هي التي تحاول أن تعطي المسألة بعداً للعنف كما نراه في أكثر من بلد إسلامي.

س: الإشكالية السنية الشيعية، خصوصاً في العراق، ما مدى خطورتها؟

ج: إن الإشكالية السنية الشيعية عندما تكون في الدائرة العلمية والثقافية، فإنها قد تكون غنى للإسلام، باعتبار أن كل فريق يطرح الخط الذي يلتزم به في فهمه للكتاب والسنّة، ما يجعل المسألة تعيش في هذا التنوّع الاجتهادي الذي يمكن أن ينفتح على الكثير من الخطوط الثقافية في فهم الإسلام. ولكن المشكلة عندما تتدخل المخابرات الدولية، ويتدخل التخلّف الإسلامي الداخلي، وأيضاً التعقيدات السياسية في الواقع الإسلامي بين دولة ودولة، عند ذلك تتحوّل مسألة الخلاف السني الشيعي إلى خطر على الواقع الإسلامي كله، لأنها تتحول إلى فتنة تنطلق في الاتجاه الأمني الذي يقتل فيه المسلم أخاه، كما يحدث في العراق الآن.

س: في الشأن العراقي، بعد يوم من إعلان الرئيس بوش تفاؤله لما تحقق في العراق، جاء تقرير أمريكي ليقول، إن كل ما تحقق ليس سوى شيء ضئيل. كيف تقيّمون الموقف الأمريكي؟

ج: أعتقد أنّ أمريكا عندما دخلت العراق، كانت تتصور أن القوة التي تملكها ويملكها حلفاؤها، ولاسيما بريطانيا، كافية للسيطرة على الوضع كله في العراق، فلم تخطط لعملية إدارة احتلالها فيه، ولهذا غرقت في الرمال المتحركة العراقية، من خلال طبيعة الوضع العراقي المتنوّع، ومن خلال الدول المجاورة للعراق التي تعيش نوعاً من أنواع الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار أنّ أمريكا قد أصبحت على حدودها، وأنها تحوّلت إلى خطر على أمنها وسياستها واقتصادها.

لذلك، فإن أمريكا قد فشلت في احتلالها للعراق، لأنها فشلت في إدارتها لهذا الاحتلال، وهذا ما أدّى إلى كلّ هذا الجدل من خلال الرأي العام الأمريكي من جهة، أو من خلال الحزبين الأمريكيين من جهة أخرى، لأنهم واجهوا الكثير من الخسائر في الأرواح (من الجنود الأمريكيين)، سواء من خلال القتلى أو الجرحى، كما واجهوا الكثير من الخسائر الاقتصادية في الأموال التي صُرفت في العراق على الاحتلال بعشرات المليارات من الدولارات، ولم تستطيع أمريكا حلّ هذه المشكلة، بل إننا لاحظنا تساقط الكثير من أعضاء هذه الإدارة الذين شاركوا في التخطيط لحرب العراق، نتيجة الفساد الذي اتهموا به، أو من خلال بعض التعقيدات الموجودة في الداخل، وهذا ما نلاحظه في الاستقالات المتتالية والصادرة من وزير هنا أو من مسؤول هناك وما إلى ذلك.

س: بالنسبة إلى الواقع السياسي اللبناني، هل ترى خطورةً ما على الوضع اللبناني؟

ج: أنا لا أرى خطورةً في الوضع الأمني، بمعنى أن يتحول هذا الجدل السياسي وهذه الأزمة المستحكمة إلى حرب أهلية، لأن اللبنانيين بأجمعهم لا يريدون الدخول في حرب أهلية بعد التجربة التي خاضوها في الحرب الأهلية الماضية. كما أنني لا أجد أن هناك مصلحة أمريكية وأوروبية بشكل عام لأية فوضى أمنية في لبنان، باعتبار أن أي فوضى سوف تخلط الأوراق بشكل فوق العادة، فقد تترك تأثيرها على القوات الدولية التي قد تسحبها دولها، أو على الصراع ضد إسرائيل، باعتبار أن الأمور سوف تتحوّل إلى فوضى في الحرب الإسرائيلية اللبنانية العربية أو الفلسطينية. لذلك فإني أتصور أن أمريكا التي تحركت من أجل إيجاد الفوضى السياسية في لبنان، ليس من مصلحتها أن تتحوّل الفوضى السياسية فيه إلى فوضى أمنية.

مقابلة وكالة "رويترز"، 3/9/2007

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 21 شعبان 1428 هـ  الموافق: 03/09/2007 م

الإسلام لا يتبنّى ولا يوافق على العنف ضد الآخر

فضل الله: الاختلاف المذهبي في الدائرة العلمية الثقافية يمثل غنىً للإسلام


أجرت وكالة "رويترز" الإخبارية حواراً مع العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تناولت فيه الأوضاع الراهنة في لبنان، في ظلّ وصول بعض الحركات الأصولية السلفية إلى داخل الساحة اللبنانية. وهذا نصّ الحوار:

س: بالأمس، أكدت قيادة الجيش أنّ لفتح الإسلام ارتباطاً مباشراً بتنظيم القاعدة، كيف ترون انتشار هذه الأصولية السنيّة عبر التيارات السلفية الجهادية وخطورتها على الواقع اللبناني؟ وما هو تفسيركم لوصول القاعدة إلى لبنان في هذا التوقيت؟

ج: نحن منذ انطلقنا في العمل الإسلامي، أكدنا أن الإسلام لا يتبنى ولا يوافق على استخدام العنف ضد الآخر، إلا في حالة الدفاع عن النفس أو الدفاع عن الوطن والمستضعفين في المواجهة الشرعية. ولذلك، فإنّ أي عنف يوجّه إلى أي إنسان، نتيجة اختلاف في الخط الفكري أو في الانتماء الديني أو في الخط السياسي، هو أمرٌ مرفوض إسلامياً، ولاسيما إذا أصاب المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة. لذلك أعلنّا أن الإسلام ليس ديناً للعنف، بل هو دين يتحرك في الحياة بطريقة إنسانية حضارية، فالعنف لا يبرَّر إلا في مواجهة الذين يفرضون العنف على الإنسان أو على الحياة.

وعلى ضوء ذلك، رفضنا كل اتجاه يجعل الإسلام عنواناً لحركته عندما يتحرك بالعنف ضد الذين يختلفون معه في الدين أو في المذهب أو في الشأن السياسي، ولاسيما إذا كان هذا السلوك يطاول المدنيين، كما حدث في مركزي التجارة العالمي في أمريكا، وكما حدث في إسبانيا في مدريد، وفي بريطانيا، والدار البيضاء والسعودية، وكما يحدث الآن في العراق وفي أفغانستان، عندما يوجّه العنف ضد المدنيين، سواء كان ذلك من خلال قوى الاحتلال التي تريد أن تعتقل شخصاً فتقتل عدة أشخاص، أو من خلال المنظمات الأخرى التي تحاول أن تطاول المدنيين بطريقة وبأخرى.

ومن هذا المنطلق استنكرنا كل ما حدث ضد الجيش اللبناني من قِبَل بعض المنظمات التي اعتبرت الإسلام عنواناً لها، وقتلت الكثير من الجنود من دون أن يقابلوهم بقتال.

ولذلك، نحن أدنّا كل أعمال العنف هذه، وطلبنا من هذه المنظمات أن تحل مشاكلها بالطرق القانونية، ولكن المشكلة في هذه المسألة، هي أنه اختلط فيها الجانب السياسي المحلي وبالجانب الأمني، ما أوجد بعض الخلفيات التي لا يزال يكثر الجدل حولها. وعلى كل حال، فإننا رحَّبنا بانتهاء هذه المسألة التي أدّت إلى سقوط الكثير من الناس، سواء من الجيش اللبناني أو من غيره.

س: هل ترون أنه يوجد نموّ في حركة التيار السلفي؟

ج: إننا نتصور أن ساحة الحرية في لبنان من جهة، والتعقيدات الطائفية والمذهبية في المنطقة من جهة أخرى، ربما شجّعت فريقاً من اللبنانيين على إدخال بعض التيارات التي تتبنى العنف للاستفادة منها في إثارة المسائل الخلافية بين اللبنانيين، ولاسيما في الدائرة الإسلامية على أساس مذهبي، أو في الدائرة الوطنية على أساس ديني أو سياسي. ونحن نرفض أن يكون لبنان ساحةً للعنف لأيّ جهة كان؛ فكما نرفض العنف الخارجي المفروض على لبنان من خلال العدوان الإسرائيلي، نرفض العنف الداخلي من خلال الجهات التي تحاول أن تحرّكه بناءً على حساسيات دينية طائفية، أو حساسيات مذهبية، ممن قد يستعينون ببعض الجهات المتطرفة من الخارج لتحريك أوضاعهم الخاصة في الداخل.

س: الشيعة هم من بين الأهداف الأساسية المستهدفة من قِبَل تنظيم القاعدة في العراق، من موقعكم كمرجع شيعي، إلى أي مدى يقلقكم وصول هذه الظاهرة إلى لبنان؟

ج: لقد واجه الشيعة الكثير من حالات العنف التي مارسها التكفيريون ضدهم باعتبارهم فرقة غير إسلامية، فهم يكفِّرون الشيعة في بعض عقائدهم ومفاهيمهم، ولذلك أعلنوا منذ البداية أنهم يستهدفون الوجود الشيعي في العراق، وهذا ما لاحظناه في الكثير من الهجمات التي سقط فيها المدنيون من الشيعة في أكثر من مكان، وفي الاستهدافات المتكررة ضد المقدسات الشيعية في أكثر من موقع، وإذا كان بعض الناس يتحدثون عما يقوم به بعض الشيعة ضد السنّة، فإن المسألة ليست منطلقةً من إرادة مذهبية، بل هي نوع من أنواع ردّ الفعل لما يحدث.

لذلك، لو فرضنا أننا قمنا بإحصائيات حول عدد القتلى من الطرفين، لرأينا اختلالاً بالتوازن لحساب قتلى الشيعة في الأحداث المؤسفة.

ونحن كنا ولا نزال ندعو إلى وحدة إسلامية في كل العالم الإسلامي، ولاسيما في العراق، باعتبار أن المشكلة في الاحتلال، وليست مشكلة السنة عند الشيعة أو العكس.

فنحن نرفض هذه الفوضى الأمنية التكفيرية في العراق التي توجّه ضد العراقيين أنفسهم لا ضد الاحتلال بشكل أساسي، ونرفض أن تنتقل إلى لبنان. ولهذا دعونا، وندعو اللبنانيين، إلى رفض أية معركة أو أي حرب أهلية في الداخل، سواء كانت بين السنة والشيعة، أو بين المسيحيين والمسلمين. وقد عملنا مع الكثير من العقلاء؛ عقلاء السنّة والشيعة، على مواجهة الفتنة السنية الشيعية التي أريد لها أن تتحرك في لبنان لتصل إلى وضعٍ يشبه وضع الحرب الأهلية.

وأعتقد أننا نجحنا في إسقاط هذه الفتنة، ولم يبقَ هناك سوى بعض الحساسيات التي تثيرها بعض الأوضاع السياسية في هذه الدائرة أو تلك، باعتبار أن الشيعة يتمثّلون في هذه المقاومة، مع أنّ المقاومة أعلنت مراراً أن السلاح الذي تملكه لا يمكن، ولو بنسبة واحد في المئة، أن يوجَّه إلى الداخل اللبناني، لأن المسألة عندهم هي مواجهة العدوان الإسرائيلي فيما إذا اعتدت إسرائيل على لبنان، تماماً كما حدث في سنة 2006م.

س: هل تخافون من تكرار ظاهرة فتح الإسلام في مخيمات أخرى؟

ج: أنا لا أتصور أن هذه المسألة سوف تتكرّر في لبنان، لأن مسألة مخيم نهر البارد قد أكدت لكل الأفرقاء في لبنان، على المستوى السياسي أو المذهبي، أو على المستوى الفلسطيني، أنه لن يربح أحد من أي حرب يمكن أن تنطلق في المخيمات، باعتبار أن الشعب اللبناني بأجمعه وقف صفاً واحداً ضد هذه الحرب وضد هذه الفتنة، وهذا ما لاحظناه في مخيم عين الحلوة الذي وقف فيه الجميع، ولاسيما الفلسطينيون، ضد أي تحرك لإيجاد بعض الحالات السلبية المماثلة للحالات التي حدثت في مخيم نهر البارد.

س: أعتقد أنكم دعوتم إلى الحوار بين التيارات السلفية والشيعة؟

ج: نحن منذ أكثر من نصف قرن، ندعو إلى الوحدة الإسلامية التي لا تعني أن يصبح السنيّ شيعياً أو أن يصبح الشيعي سنياً، ولكن أن نتحاور لنصحّح ما يحمله كل فريق عن الآخر، ولندخل في حوار حول القضايا الخلافية التي تنشأ من اجتهادات فقهية أو كلامية في فهم الكتاب والسنّة، والتي قد يخطىء البعض فيرى، في بعض اجتهاداته، تكفير بعض المسلمين فيما يجتهد فيه في فهمه لقضايا الكفر والإيمان.

ولذلك، كنا ولا نزال ندعو المسلمين في العالم بشكل عام، سواء كانوا سنّةً أو شيعةً، وسواء كانوا من السلفيين الوهابيين أو من السلفيين المعتدلين، إلى إدارة الحوار فيما بينهم، ليطرح كل واحد وجهة نظره بطريقة موضوعية، ولينطلق الجدل العلمي لتصحيح ما أخطأ فيه هذا أو ذاك، أو لتوضيح ما أساء هذا أو ذاك فهمه.

س: هل ترون أن سوء الفهم بين السنّة والشيعة في المنطقة أسوأ مما كان عليه؟

ج: أنا أعتقد أن ما يحدث الآن يمثِّل امتداداً لكلّ تاريخ الخلاف المذهبي الحاد بين السنّة والشيعة، نتيجة ما يحمله كل طرف من وجهة نظر تجاه الآخر، وليس شيئاً جديداً، ولكن الجديد هو أن الخلفيات السياسية، ولاسيما المخابراتية التي تنطلق من مخابرات الدول الغربية، هي التي تحاول أن تعطي المسألة بعداً للعنف كما نراه في أكثر من بلد إسلامي.

س: الإشكالية السنية الشيعية، خصوصاً في العراق، ما مدى خطورتها؟

ج: إن الإشكالية السنية الشيعية عندما تكون في الدائرة العلمية والثقافية، فإنها قد تكون غنى للإسلام، باعتبار أن كل فريق يطرح الخط الذي يلتزم به في فهمه للكتاب والسنّة، ما يجعل المسألة تعيش في هذا التنوّع الاجتهادي الذي يمكن أن ينفتح على الكثير من الخطوط الثقافية في فهم الإسلام. ولكن المشكلة عندما تتدخل المخابرات الدولية، ويتدخل التخلّف الإسلامي الداخلي، وأيضاً التعقيدات السياسية في الواقع الإسلامي بين دولة ودولة، عند ذلك تتحوّل مسألة الخلاف السني الشيعي إلى خطر على الواقع الإسلامي كله، لأنها تتحول إلى فتنة تنطلق في الاتجاه الأمني الذي يقتل فيه المسلم أخاه، كما يحدث في العراق الآن.

س: في الشأن العراقي، بعد يوم من إعلان الرئيس بوش تفاؤله لما تحقق في العراق، جاء تقرير أمريكي ليقول، إن كل ما تحقق ليس سوى شيء ضئيل. كيف تقيّمون الموقف الأمريكي؟

ج: أعتقد أنّ أمريكا عندما دخلت العراق، كانت تتصور أن القوة التي تملكها ويملكها حلفاؤها، ولاسيما بريطانيا، كافية للسيطرة على الوضع كله في العراق، فلم تخطط لعملية إدارة احتلالها فيه، ولهذا غرقت في الرمال المتحركة العراقية، من خلال طبيعة الوضع العراقي المتنوّع، ومن خلال الدول المجاورة للعراق التي تعيش نوعاً من أنواع الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار أنّ أمريكا قد أصبحت على حدودها، وأنها تحوّلت إلى خطر على أمنها وسياستها واقتصادها.

لذلك، فإن أمريكا قد فشلت في احتلالها للعراق، لأنها فشلت في إدارتها لهذا الاحتلال، وهذا ما أدّى إلى كلّ هذا الجدل من خلال الرأي العام الأمريكي من جهة، أو من خلال الحزبين الأمريكيين من جهة أخرى، لأنهم واجهوا الكثير من الخسائر في الأرواح (من الجنود الأمريكيين)، سواء من خلال القتلى أو الجرحى، كما واجهوا الكثير من الخسائر الاقتصادية في الأموال التي صُرفت في العراق على الاحتلال بعشرات المليارات من الدولارات، ولم تستطيع أمريكا حلّ هذه المشكلة، بل إننا لاحظنا تساقط الكثير من أعضاء هذه الإدارة الذين شاركوا في التخطيط لحرب العراق، نتيجة الفساد الذي اتهموا به، أو من خلال بعض التعقيدات الموجودة في الداخل، وهذا ما نلاحظه في الاستقالات المتتالية والصادرة من وزير هنا أو من مسؤول هناك وما إلى ذلك.

س: بالنسبة إلى الواقع السياسي اللبناني، هل ترى خطورةً ما على الوضع اللبناني؟

ج: أنا لا أرى خطورةً في الوضع الأمني، بمعنى أن يتحول هذا الجدل السياسي وهذه الأزمة المستحكمة إلى حرب أهلية، لأن اللبنانيين بأجمعهم لا يريدون الدخول في حرب أهلية بعد التجربة التي خاضوها في الحرب الأهلية الماضية. كما أنني لا أجد أن هناك مصلحة أمريكية وأوروبية بشكل عام لأية فوضى أمنية في لبنان، باعتبار أن أي فوضى سوف تخلط الأوراق بشكل فوق العادة، فقد تترك تأثيرها على القوات الدولية التي قد تسحبها دولها، أو على الصراع ضد إسرائيل، باعتبار أن الأمور سوف تتحوّل إلى فوضى في الحرب الإسرائيلية اللبنانية العربية أو الفلسطينية. لذلك فإني أتصور أن أمريكا التي تحركت من أجل إيجاد الفوضى السياسية في لبنان، ليس من مصلحتها أن تتحوّل الفوضى السياسية فيه إلى فوضى أمنية.

مقابلة وكالة "رويترز"، 3/9/2007

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 21 شعبان 1428 هـ  الموافق: 03/09/2007 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية