السيد فضل الله: لبنان أصبح ساحةً للصّراعات الدولية والإقليمية في المشاريع التي تخطط لها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها

السيد فضل الله: لبنان أصبح ساحةً للصّراعات الدولية والإقليمية في المشاريع التي تخطط لها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها

السيد فضل الله: لبنان أصبح ساحةً للصّراعات الدولية والإقليمية في المشاريع التي تخطط لها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها


موقف بعض الأنظمة العربية من حرب تموز، والتغيرات التي طرأت على الساحة العربية والإسلامية عقب الانتصار الذي حقَّقته المقاومة على العدوّ الإسرائيلي في هذه الحرب والإثارات المذهبية والطائفية التي تضجُّ بها ساحة المسلمين... مجموعة من الهواجس حملتها صحيفة "إيلاف" السعودية إلى المرجع العلاّمة، السيد محمد حسين فضل الله، لاستشراف ما يمكن أن يختـزنه المستقبل.

وقد جاء في الأسئلة:


التناقض بين الأنظمة العربية وشعوبها

س: لماذا ترفض الأنظمة العربيَّة الاعتراف بالانتصار الذي تحقق خلال حرب تموز؟

ج- الأنظمة العربية ترفض الاعتراف بهذا الانتصار، لأنها في غالبيتها ترفض أيَّة مقاومة تواجه العدوَّ الإسرائيلي الذي تلتزم أمنه وتعارض أيّ حرب ضده، بعدما التزمت في قراراتها الخاصة والعامة إنهاء حال الحرب معه، ذلك أنّ أيّة مواجهة مع هذا العدو تربك مخطَّطاتها في مشاريع السَّلام وفق الخطَّة الأمريكيَّة التي تتناسب مع الاستراتيجية الإسرائيلية، والّتي تمنح الواقع العربيَّ بعض المكاسب الهزيلة في لعبة الدولة الفلسطينية التي لن تحقِّق للشعب الفلسطيني أيّ حق في الحياة الحرّة الكريمة... لذلك هم يرفضون أية مقاومة وممانعة لهذا الكيان الصهيوني سواء كانت هذه المقاومة في لبنان أو في فلسطين، وهو ما جعلهم يتحدّثون عن هذه الحرب التحريرية بطريقة سلبية، تحت عنوان المغامرة غير المحسوبة أو المواجهة المثيرة المعقَّدة هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّهم يخشون من فكرة المقاومة كحركة تحريرية تدفع بالأمة إلى التفكير في مستقبل هذه القوة الضاربة، بحيث تقترب من أنظمتهم الضاغطة على شعوبها، عندما تعيش هذه الشعوب الروح الجديدة المتحركة في خطِّ الحرية.

ولعلنا، في متابعتنا للموقف الأمريكي الذي كان شريكاً لإسرائيل في هذا العدوان على لبنان، نجد في مواقف هذه الأنظمة الخاضعة للسياسة الأمريكية، دعماً للعدوّ الذي كانت هذه الأنظمة تريد منه أن يتابع حربه على المقاومة من أجل القضاء عليها ونزع سلاحها، وهذا ما تمثَّل في كلِّ الخطوات والحركات والمؤتمرات التي شاركت فيها، والهادفة إلى إرباك هذا النصر الكبير، وتحويله إلى هزيمة.

س: ماذا تغيَّر على صعيد الشُّعوب العربيَّة والإسلاميَّة بعد حرب تموز 2006م؟

ج: إنّنا وجدنا في المواقف المؤيِّدة في ساحات الشعوب العربية والإسلامية، ما يشبه حركة الثورة ضد إسرائيل وأمريكا والأنظمة المؤيِّدة لهما، من خلال التاريخ الجديد الذي صنعته المقاومة للأمَّة في تأكيد الانتصار الّذي أسقط العنفوان الصّهيوني الذي كان يتحدَّى العرب في الهزائم المتتالية التي أوقعهم بها، حتى اعتبرت الأنظمة أنَّ الضعف العربي الذي يتمثّل في التنازلات الكثيرة هو القضاء والقدر الذي يفرض عليها إنهاء الصراع، بما يحقق لإسرائيل موقع القوة في المنطقة، ولا سيما في الحلف المعقود بينها وبين أميركا. إن الشعوب العربية والإسلامية دخلت في تجربة جديدة من خلال انتصار المقاومة، الأمر الذي يجعلها تفكر في مستقبل الانتصار في كلِّ قضاياها على أنقاض ماضي الهزيمة.

س: وهل أدى هذا الانتصار إلى تغيير المعادلات في المنطقة؟

ج: من الصعب القول إنّ الانتصار استطاع تغيير المعادلات في المنطقة في شكل واقعي، ولكن من الممكن التأكيد أنّ هناك حركة جديدة بدأت تؤثر في أكثر من محور دولي أو عربي في المشاريع المطروحة لتنظيم المنطقة، بحيث أصبحت المحاور السياسية تحسب حسابها في الخطط الموضوعة في قضايا المنطقة، ما أدى إلى ولادة أكثر من مقاومة سياسية أو عسكرية ضد الاستكبار العالمي، والاحتلال الأمريكي والأطلسي.

حرب تموز وأثره على الواقع الشيعي والإسلامي:

س: هل أصيب الشّيعة في لبنان والعالم بالغرور نتيجة الثقة الزائدة والإفراط بالتفاؤل بمستقبل أفضل نتيجة ما حققته المقاومة من نصر في حرب تموز؟
         

ج: إننا لا نتصوّر أنَّ الشيعة قد أصيبوا بالغرور نتيجة انتصارهم على العدوّ الصهيوني، فقد عاشوا المعاناة الصعبة في هذه التجربة، من خلال التَّدمير الذي حلّ ببلادهم، والضَّحايا التي فقدوها نتيجة وحشيَّة القصف الإسرائيلي، والشُّهداء والجرحى الذين سقطوا في المعركة، الأمر الَّذي أحدث الكثير من الآلام الخاصة والعامة في تضحياتهم الكبيرة، ولكنَّهم شعروا بالاعتزاز الجهادي والعنفوان الروحي، لأنّهم استطاعوا القيام بالمسؤوليَّة الكبيرة التي حمَّلهم الله إيَّاها في جهادهم ضد أعداء الله والإنسانية، كما أن مسألة الدفاع لديهم لم تكن مسألة طموح شخصي أو انطلاقة حزبية، بل كانت مسألة التزام شرعي تجاه الأمة، وتخطيط للمستقبل من داخل دروس المعركة، من خلال ما اختبروه من مواقف كشفت لهم عن نقاط الضعف والقوة، ما جعلهم في موقع المتواضعين أمام الله والأمة، لا في موقع المغرورين.
   

الشيعة شعروا بالاعتزاز الجهادي والعنفوان الروحي لأنهم استطاعوا القيام بالمسؤولية التي حمّلهم الله إياها في جهادهم


س: هل ساهم النَّصر الذي تحقَّق في حرب تموز في خلق توجّهٍ لدى الأحزاب والتيارات اللّبنانية لرفع وتيرة الاستعداد العسكري وتخزين العتاد، لإيمان هؤلاء بأنَّ الحسم الداخلي سيكون من صالح القوة العسكرية؟

ج: ربما يتحدَّث البعض عن مثل هذا التطوّر السلبي، الذي قد يُخطّط فيه البعض للاستعداد لجولة عسكرية قد يفكّرون فيها في احتمالات حرب فئوية في نطاق الصراع الداخلي بين الأحزاب والطوائف، ولكن هذا الأمر لم يبلغ درجة الخطورة حتى الآن.

لبنان ساحة الصراعات الدولية

س: إلى أين يتَّجه لبنان في ظلِّ الظروف الحالية؟
         

ج: إنَّ لبنان أصبح ساحةً للصّراعات الدولية والإقليمية في المشاريع التي تخطط لها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها، كمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأميركية ودور لبنان فيه، ولهذا من الصعب الحديث عن الاستقرار في لبنان ما دامت المنطقة تهتزُّ بالعنف المتحرّك في أكثر من جانب، وبالاحتلال الذي يطبق على العراق وأفغانستان، وبالفوضى التي بشَّر بها الرئيس الأمريكي في أكثر من بلد في المنطقة، وبالقلق المدمِّر الذي أصاب الكثير من الأنظمة من خلال الطريقة الأمريكية السياسية والأمنية التي تعمل على إثارة الخوف في الواقع العربي من الخطر الإيراني وغير ذلك، الأمر الذي لا يمكن للبنان أن يكون في معزل عنه، لأنه الساحة التي تنطلق فيها كل قضايا الحرية والمشاكل الطائفية والحساسيات المذهبية، الأمر الذي قد تستغلُّه المحاور الدولية والإقليمية بطريقة سلبية.
   

لبنان يمثل الساحة التي تنطلق فيها كل قضايا الحرية والمشاكل الطائفية والحساسيات المذهبية


س: كيف تقرأون الوضع اللبناني الحالي في ظلِّ المواجهة بين الجيش وفتح الإسلام، والتفجيرات في بيروت، والتدخُّل الأمريكي في الشأن اللبناني المحلي عبر تقديم السلاح؟

ج: إننا نعتقد أنَّ الأوضاع الأمنية المعقَّدة، والأجواء المذهبية الباحثة عن موقع للتحرُّك ضدّ بعض الجهات، والخطوط المتطرفة الباحثة بدورها عن موقع في أكثر من بلد، ولا سيما في لبنان الذي حاول البعض تحريك التطرف المذهبي في ساحاته... إن هذه الأوضاع، استطاعت أن تورِّط الجيش اللبناني في هذه الحرب التي نخشى أن تتحوّل إلى أكثر من حالة للعنف والصراع. أما دخول أمريكا على خطِّ الأزمة المحلية عبر تقديم السلاح، فإنّنا نتصوّر أنها دخلت قبل ذلك من خلال الفريق الذي يلتزم سياستها وتلتزم تأييده.

أما السلاح، فإنّ أمريكا لن تمنح لبنان السلاح الذي يستطيع من خلاله أن يواجه القوة العسكرية الإسرائيلية، أو يحمي أرضه وحدوده، بل إنها تتصدق عليه بسلاح قديم لا يغني في شيء.

لا حرب طائفية لبنانية

س: هناك عدد من الدول العربية وغيرها أبدت استعدادها لإرسال أسلحة ودعم للحكومة اللبنانية. ألا يشكل ذلك خطراً على التوازن المحلي؟

ج: إننا نرحِّب بإرسال الأسلحة إلى الجيش اللبناني ليحصل على موقع القوة في حماية وطنه، ولكننا نعتقد أن الدول العربية تبقى خاضعةً للتعليمات الأمريكية في حجم السلاح وفي نوعيته... ولا أتصور أن ذلك يمكن أن يشكِّل خطراً على التوازن المحلي إذا كان المقصود الخطر على المقاومة، لأنّ الجميع يعرف أن هناك تنسيقاً وتكاملاً بين الجيش اللبناني والمقاومة الوطنية التي لا تمانع من تقوية الجيش بالعدَّة والعديد.

س: هل يمكن أن تتَّسع المواجهة وتتحوَّل إلى شرارة لحرب طائفية؟

ج: إننا نعتقد أنه ليست هناك أية ظروف طائفية أو مذهبية قد تسمح باندلاع حرب طائفية، لأنّ اللبنانيين متَّفقون بجميع فئاتهم على رفض ذلك.

س: هل دخول الجيش في المواجهة وعدم حسمها بالسرعة المطلوبة توريط للجيش؟

ج: إننا نأمل أن لا تكون المسألة بهذا المستوى من تطور الأحداث، لأننا نرفض توريط الجيش في الخلافات السياسية، ونرى في ذلك خيانة للوطن كله، وسقوطاً للوحدة الوطنية الشاملة.

س: هل يمكن أن تكون هذه المواجهة بدايةً لنـزع أسلحة الفئات الداخلية ولو بالاصطدام المسلَّح؟

ج: إنّنا لا نجد في الأفق ما يشير إلى هذا الوضع السلبي، سواء من خلال سحب الأسلحة أو الاصطدام المسلَّح. ونأمل أن يملك الجميع ـ بمن فيهم فريق السلطة ـ العقل الواعي المنفتح الذي يفرض الأخذ بالحلول السلمية التي تحل للبلد أزمته ومشكلته وتمنحه السلام الشامل.

س: من صالح مَنْ عدم استقرار الوضع في لبنان، وما هو الحل؟

ج: إنّ عدم الاستقرار في لبنان يخدم مصلحة إسرائيل التي تخشى من تعاظم قوَّة المقاومة فيه، كما يخدم مصلحة أمريكا التي تخطِّط للحصول من لبنان على بعض ما يخدم مشاريعها في المنطقة.

س: هل حقاً أن اللبنانيين لا يملكون مفاتيح القرار والحسم في لبنان، وإنما هي في الخارج؟ ومن المسؤول عن ذلك؟
         

ج: إنّ المشكلة هي أنّ الأزمة اللبنانية بكلِّ امتداداتها وخلفياتها، أصبحت مشكلة دولية وإقليمية، وأصبح اللبنانيون خاضعين لاهتزازاتها، ولا يملك أحد مفاتيح الحلّ أو قرار الحسم... أما المسؤول عن ذلك، فهم السياسيون اللبنانيون الذي يتحركون من خلال تعقيدات النظام الطائفي أو الارتباطات الخارجية أو الطموحات الشخصية، فهم يفكّرون في الحصول على مواقع القوّة من خلال الاستعانة بالآخرين، ولا يفكرون ـ لحظةً ـ في وطنهم لبنان.
   

المحكمة الدولية كانت قراراً أمريكياً متحركاً على أساس الأوضاع اللبنانية


أمركة المحكمة الدولية

س: هل ترى أن الأحداث الأخيرة تصبُّ في صالح قرار المحكمة الدولية؟ وهل حلُّ مشكلة لبنان يتوقَّف على صدور قرار المحكمة الدَّوليَّة؟

ج: إنَّ المحكمة الدولية كانت قراراً أمريكياً متحركاً على أساس تعقيدات لبنانية وأوضاع متطّرفة، لذلك فقد صدر القرار الأمريكي في تشريع المحكمة الدولية في مجلس الأمن بعيداً من الإجماع اللبناني، ولم يعد للبنانيين دور في حركية المحكمة ونتائجها.

ونحن لا نرى أن هناك علاقة لمشكلة لبنان السياسية بقرار المحكمة الدولية، بل قد تدخل بعض مفرداتها، وبشكل جزئي، في نطاق الصراع الأمريكي مع بعض دول المنطقة.

س: في ظلِّ التّوتّر السّائد إعلاميّاً في المنطقة بين الشيعة والسنة، هل ترون أن لبنان سيدخل في حرب أهلية مذهبية؟
         

ج: لقد حاول البعض إيجاد فتنة سنية شيعية تؤدِّي إلى حرب مذهبية، ولكن اللّبنانيين تجاوزوا ذلك، وأصبحت هذه القضيَّة بعيدةً من الواقع، لأنّ المسلمين يعرفون جيداً خطورة الحرب على كل أوضاعهم الدينية والسياسية، وليس هناك من يفكر منهم في مثل هذه الأمور السلبية.
   

المقاومة سوف تمتد إلى أكثر من موقع ضد سياسة الاستكبار العالمي


تأصيل المقاومة


س: لقد حاولت بعض الجهات في الحكومة اللُّبنانية مؤخَّراً تذويب عيد الانتصار والتحرير في 25 أيار، ما يؤسس لحالة جديدة، وهي عدم الاعتراف بالمقاومة؟

ج: سوف تبقى المقاومة في ضمير اللبنانيين الذين ساندوها ووقفوا معها واحتفلوا بانتصارها، كما ستبقى في وجدان كلِّ الأحرار في العالم العربي والإسلامي، ولن تستطيع أيّة قوة نزع الاعتراف بالمقاومة التي سوف تمتدُّ إلى أكثر من موقع ضدّ سياسة الاستكبار العالمي.

س: كيف ترى مستقبل المنطقة في ظلِّ بروز الطَّائفية البغيضة والتقارب العربي والإسلامي مع إسرائيل، والتباعد مع إيران، وجعلها العدوّ الأخطر على الدول العربية؟

ج: إنّنا نرى أنَّ مستقبل الواقع العربي يعيش حال الاهتزاز السياسي والاقتصادي، وربما الأمني، أمام الخطَّة الأمريكية التي تخضع لها اللّجنة الرباعية العربية، إضافةً إلى اللّجنة الرباعية الدولية، فضلاً عن محاولات إثارة التعقيدات بين العرب وإيران من خلال الإيحاء إليهم بأنّها هي الخطر وليست إسرائيل، وأنّ إسرائيل هي الصديق الحليف، بينما تمثِّل إيران العدوَّ والخصم... إنَّ هذه التطورات قد تهدد مستقبل المنطقة، بفعل الفوضى السياسية التي تديرها أمريكا في الواقع العربي، لا لحساب المصالح العربية، بل لحساب مصالحها الاستراتيجية ضد مصلحة العرب والمسلمين.

س: هل صحيحٌ أنَّ الفتنة الطَّائفية ظهرت على السطح بسبب بروز الشيعة في المنطقة بشكلٍ واضح ومثير في السنوات الأخيرة؟

ج: ربما أثار البعض هذه المسألة من ناحية التراكمات التاريخية ضد المذهب الشيعي والمسلمين الشيعة، انطلاقاً من العصبية المذهبية المتخلّفة، في الوقت الذي تتحرك بعض الأنظمة لتخلق لمواطنيها مشاكل أمنية وسياسية ودينية صعبة، ولا سيّما الشّيعة الّذين لا يفكرون في الإساءة إلى وطنهم، ولكنَّهم يواجهون السياسة الخرقاء التي يتّبعها الحكام الخاضعون للسياسة الأمريكية في إثارة المشاكل هناك.

توجيه الإعلام

س: هل من دورٍ للإعلام وللعلماء في إثارة الفتنة الطَّائفية؟ وما هي أفضل السبل لمعالجة الطائفية؟
         

ج: إننا نعتقد أنَّ الإعلام العربي الموجّه طائفياً، ولا سيما بعض الفضائيات التي تدعمها بعض الأنظمة المتعصّبة، والتخلّف الفكري الديني لبعض العلماء والقادة والمتدينين، هو الَّذي ساهم في هذه الإثارة الطائفية، إضافةً إلى الخضوع للتَّعليمات الخفيَّة للاستخبارات الأمريكية المركزية.
   

التخلف الفكري الديني لبعض العلماء والقادة المدنيين، ساهم في الإثارة الطائفية


أما أفضل السبل لمعالجة ذلك، فهو الالتفات إلى الأخطار الهائلة التي قد تصيب الواقع الإسلامي عقيدةً وحركةً وسياسةً وأمناً واقتصاداً. فإذا امتدت الفتنة الطائفية إلى الواقع الإسلامي كلّه، فقد يسقط الهيكل على رؤوس الجميع من السنة والشيعة والشعب والأنظمة.

س: هل صحيحٌ أن الشِّيعة في العالم العربي لم يستغلوا الأجواء التي أعقبت أحداث 11 أيلول بشكل مناسب، وذلك بسبب افتقادهم للخبرة الحاكمية؟

ج: لقد كان الشّيعة أول الجهات التي استنكرت أحداث 11 أيلول ولم يشاركوا فيها، بل انطلقوا لمواجهتها بالفتاوى الدينية الرافضة لذلك، ولذلك فإن الفرضية التي طرحها السؤال خاطئة.

مستقبل العراق

س: إلى أين يتجه العراق في ظلّ التطورات الأخيرة؟ وهل أخطأ الشيعة عندما تعاملوا مع أمريكا بثقةٍ كبيرة بأنها دخلت لتخلِّصهم من صدام، ومن ثم انقلبت عليهم لعدم التوافق في المصالح؟
         

ج: إنَّ العراق يتّجه إلى الانهيار بفعل الاحتلال الأمريكي من جهة، ووحشية التكفيريين من جهة أخرى، ولا نعتقد أن الشيعة تعاملوا مع أمريكا بثقة كبيرة، بل إن أمريكا استغلَّت الوضع الظالم الذي مارسه النظام الطاغي قبل احتلالها للعراق، وقد ساهم في تأزيم الوضع السياسي السياسيون من السنّة والشّيعة معاً بفعل الخداع المفروض عليهم.
   

إيران لا تمثل أي خطر على المذهب الشيعي أو التشيّع في المستقبل


س: هل تشكِّل السياسة الإيرانيَّة الخارجيَّة خطراً على المذهب الشيعي والتشيُّع في المستقبل؟

ج: لا أعتقد أنّ إيران تمثّل خطراً على المذهب الشيعي والتشيّع في المستقبل، لأنه ليست هناك أية ظروف واقعية لهذه الفرضية.

س: هل تدعم الانخراط الاجتماعي والسياسي الوطني بين جميع أبناء الطوائف؟

ج: إننا ندعم الانخراط الاجتماعي والسياسي الوطني بين جميع أبناء الطوائف، مع محافظتهم على هويتهم الثقافية والدينية، ونرفض النظام الطائفي، وندعو إلى المواطنة في القانون العام.

س: الإسلام المنفتح والداعية المعاصر من متطلبات العصر، كيف يتحقق ذلك في ظلِّ التشدد الديني؟

ج: إننا ندعو المرجعيات الدينية إلى الانفتاح على قضايا العصر، وإلى تطوير الذهنية الثقافية للشباب المسلم في الكثير من علامات الاستفهام التي لا بد من الإجابة عنها، والتعامل مع الواقع بحركية وجدية وشمولية.

بين المواطنية والمذهبية

س: هناك تشكيك دائم في وطنية أبناء الشيعة العرب، بسبب ارتباطهم بالمرجعية الدينية الخارجية، ما هو ردّك على ذلك؟
         

ج: إنّ المرجعية الدينية تمثّل التزاماً فقهياً ولا تمثل التزاماً سياسياً، وإذا كنا نجد أن الالتزام بالمرجعية يوجب الشكّ في الوطنية، فماذا نقول عن السنّة الذين يرتبطون بمرجعيات دينية خارج وطنهم، سواء كانوا من العرب أو من غير العرب، وهل تشكك أوطانهم في وطنيتهم نتيجة هذا الارتباط؟!
   

المرجعية الدينية تمثل التزاماً فقهياً ولا تمثل التزاماً سياسياً


س: هل الوقت مناسب ليتحرك الشيعة العرب في الخليج للمطالبة بمساحة أكبر في المشاركة؟

ج: إنّنا نعتقد أن على أنظمة الخليج أن تنظر إلى مواطنيها نظرة المساواة في الحقوق والواجبات، بعيداً من التمييز المذهبي الذي قد يحرم المسلمين الشيعة من حقوق المواطنة، وقد يفسح في المجال لاجتذاب بعض السلبيات الاجتماعية.

س: هل تدعو الشيعة العرب إلى الاندماج بشكل أفضل في النسيج الاجتماعي في أوطانهم؟

ج: إنَّ الشيعة العرب مندمجون في أوطانهم بأفضل شكل، وإنّنا نعتقد أن الحديث عن ضرورة نصح الشيعة بالاندماج في أوطانهم هو كلام لا يرتكز إلى أيَّة واقعية، وندعو الذين يفكِّرون بهذه الطريقة، أن يقوموا بعمليات إحصائية ليعرفوا أنَّ مشكلة ظلامة الشيعة في أكثر من بلد عربي، هي أنّهم يعيشون هذه ظلامةً تهدر حقوقهم الوطنية، ولكنهم ـ مع ذلك كلّه ـ لا يتحركون ضد أوطانهم وكياناتهم.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 07 رجب 1428 هـ  الموافق: 06/01/2007 م

السيد فضل الله: لبنان أصبح ساحةً للصّراعات الدولية والإقليمية في المشاريع التي تخطط لها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها


موقف بعض الأنظمة العربية من حرب تموز، والتغيرات التي طرأت على الساحة العربية والإسلامية عقب الانتصار الذي حقَّقته المقاومة على العدوّ الإسرائيلي في هذه الحرب والإثارات المذهبية والطائفية التي تضجُّ بها ساحة المسلمين... مجموعة من الهواجس حملتها صحيفة "إيلاف" السعودية إلى المرجع العلاّمة، السيد محمد حسين فضل الله، لاستشراف ما يمكن أن يختـزنه المستقبل.

وقد جاء في الأسئلة:


التناقض بين الأنظمة العربية وشعوبها

س: لماذا ترفض الأنظمة العربيَّة الاعتراف بالانتصار الذي تحقق خلال حرب تموز؟

ج- الأنظمة العربية ترفض الاعتراف بهذا الانتصار، لأنها في غالبيتها ترفض أيَّة مقاومة تواجه العدوَّ الإسرائيلي الذي تلتزم أمنه وتعارض أيّ حرب ضده، بعدما التزمت في قراراتها الخاصة والعامة إنهاء حال الحرب معه، ذلك أنّ أيّة مواجهة مع هذا العدو تربك مخطَّطاتها في مشاريع السَّلام وفق الخطَّة الأمريكيَّة التي تتناسب مع الاستراتيجية الإسرائيلية، والّتي تمنح الواقع العربيَّ بعض المكاسب الهزيلة في لعبة الدولة الفلسطينية التي لن تحقِّق للشعب الفلسطيني أيّ حق في الحياة الحرّة الكريمة... لذلك هم يرفضون أية مقاومة وممانعة لهذا الكيان الصهيوني سواء كانت هذه المقاومة في لبنان أو في فلسطين، وهو ما جعلهم يتحدّثون عن هذه الحرب التحريرية بطريقة سلبية، تحت عنوان المغامرة غير المحسوبة أو المواجهة المثيرة المعقَّدة هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّهم يخشون من فكرة المقاومة كحركة تحريرية تدفع بالأمة إلى التفكير في مستقبل هذه القوة الضاربة، بحيث تقترب من أنظمتهم الضاغطة على شعوبها، عندما تعيش هذه الشعوب الروح الجديدة المتحركة في خطِّ الحرية.

ولعلنا، في متابعتنا للموقف الأمريكي الذي كان شريكاً لإسرائيل في هذا العدوان على لبنان، نجد في مواقف هذه الأنظمة الخاضعة للسياسة الأمريكية، دعماً للعدوّ الذي كانت هذه الأنظمة تريد منه أن يتابع حربه على المقاومة من أجل القضاء عليها ونزع سلاحها، وهذا ما تمثَّل في كلِّ الخطوات والحركات والمؤتمرات التي شاركت فيها، والهادفة إلى إرباك هذا النصر الكبير، وتحويله إلى هزيمة.

س: ماذا تغيَّر على صعيد الشُّعوب العربيَّة والإسلاميَّة بعد حرب تموز 2006م؟

ج: إنّنا وجدنا في المواقف المؤيِّدة في ساحات الشعوب العربية والإسلامية، ما يشبه حركة الثورة ضد إسرائيل وأمريكا والأنظمة المؤيِّدة لهما، من خلال التاريخ الجديد الذي صنعته المقاومة للأمَّة في تأكيد الانتصار الّذي أسقط العنفوان الصّهيوني الذي كان يتحدَّى العرب في الهزائم المتتالية التي أوقعهم بها، حتى اعتبرت الأنظمة أنَّ الضعف العربي الذي يتمثّل في التنازلات الكثيرة هو القضاء والقدر الذي يفرض عليها إنهاء الصراع، بما يحقق لإسرائيل موقع القوة في المنطقة، ولا سيما في الحلف المعقود بينها وبين أميركا. إن الشعوب العربية والإسلامية دخلت في تجربة جديدة من خلال انتصار المقاومة، الأمر الذي يجعلها تفكر في مستقبل الانتصار في كلِّ قضاياها على أنقاض ماضي الهزيمة.

س: وهل أدى هذا الانتصار إلى تغيير المعادلات في المنطقة؟

ج: من الصعب القول إنّ الانتصار استطاع تغيير المعادلات في المنطقة في شكل واقعي، ولكن من الممكن التأكيد أنّ هناك حركة جديدة بدأت تؤثر في أكثر من محور دولي أو عربي في المشاريع المطروحة لتنظيم المنطقة، بحيث أصبحت المحاور السياسية تحسب حسابها في الخطط الموضوعة في قضايا المنطقة، ما أدى إلى ولادة أكثر من مقاومة سياسية أو عسكرية ضد الاستكبار العالمي، والاحتلال الأمريكي والأطلسي.

حرب تموز وأثره على الواقع الشيعي والإسلامي:

س: هل أصيب الشّيعة في لبنان والعالم بالغرور نتيجة الثقة الزائدة والإفراط بالتفاؤل بمستقبل أفضل نتيجة ما حققته المقاومة من نصر في حرب تموز؟
         

ج: إننا لا نتصوّر أنَّ الشيعة قد أصيبوا بالغرور نتيجة انتصارهم على العدوّ الصهيوني، فقد عاشوا المعاناة الصعبة في هذه التجربة، من خلال التَّدمير الذي حلّ ببلادهم، والضَّحايا التي فقدوها نتيجة وحشيَّة القصف الإسرائيلي، والشُّهداء والجرحى الذين سقطوا في المعركة، الأمر الَّذي أحدث الكثير من الآلام الخاصة والعامة في تضحياتهم الكبيرة، ولكنَّهم شعروا بالاعتزاز الجهادي والعنفوان الروحي، لأنّهم استطاعوا القيام بالمسؤوليَّة الكبيرة التي حمَّلهم الله إيَّاها في جهادهم ضد أعداء الله والإنسانية، كما أن مسألة الدفاع لديهم لم تكن مسألة طموح شخصي أو انطلاقة حزبية، بل كانت مسألة التزام شرعي تجاه الأمة، وتخطيط للمستقبل من داخل دروس المعركة، من خلال ما اختبروه من مواقف كشفت لهم عن نقاط الضعف والقوة، ما جعلهم في موقع المتواضعين أمام الله والأمة، لا في موقع المغرورين.
   

الشيعة شعروا بالاعتزاز الجهادي والعنفوان الروحي لأنهم استطاعوا القيام بالمسؤولية التي حمّلهم الله إياها في جهادهم


س: هل ساهم النَّصر الذي تحقَّق في حرب تموز في خلق توجّهٍ لدى الأحزاب والتيارات اللّبنانية لرفع وتيرة الاستعداد العسكري وتخزين العتاد، لإيمان هؤلاء بأنَّ الحسم الداخلي سيكون من صالح القوة العسكرية؟

ج: ربما يتحدَّث البعض عن مثل هذا التطوّر السلبي، الذي قد يُخطّط فيه البعض للاستعداد لجولة عسكرية قد يفكّرون فيها في احتمالات حرب فئوية في نطاق الصراع الداخلي بين الأحزاب والطوائف، ولكن هذا الأمر لم يبلغ درجة الخطورة حتى الآن.

لبنان ساحة الصراعات الدولية

س: إلى أين يتَّجه لبنان في ظلِّ الظروف الحالية؟
         

ج: إنَّ لبنان أصبح ساحةً للصّراعات الدولية والإقليمية في المشاريع التي تخطط لها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها، كمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأميركية ودور لبنان فيه، ولهذا من الصعب الحديث عن الاستقرار في لبنان ما دامت المنطقة تهتزُّ بالعنف المتحرّك في أكثر من جانب، وبالاحتلال الذي يطبق على العراق وأفغانستان، وبالفوضى التي بشَّر بها الرئيس الأمريكي في أكثر من بلد في المنطقة، وبالقلق المدمِّر الذي أصاب الكثير من الأنظمة من خلال الطريقة الأمريكية السياسية والأمنية التي تعمل على إثارة الخوف في الواقع العربي من الخطر الإيراني وغير ذلك، الأمر الذي لا يمكن للبنان أن يكون في معزل عنه، لأنه الساحة التي تنطلق فيها كل قضايا الحرية والمشاكل الطائفية والحساسيات المذهبية، الأمر الذي قد تستغلُّه المحاور الدولية والإقليمية بطريقة سلبية.
   

لبنان يمثل الساحة التي تنطلق فيها كل قضايا الحرية والمشاكل الطائفية والحساسيات المذهبية


س: كيف تقرأون الوضع اللبناني الحالي في ظلِّ المواجهة بين الجيش وفتح الإسلام، والتفجيرات في بيروت، والتدخُّل الأمريكي في الشأن اللبناني المحلي عبر تقديم السلاح؟

ج: إننا نعتقد أنَّ الأوضاع الأمنية المعقَّدة، والأجواء المذهبية الباحثة عن موقع للتحرُّك ضدّ بعض الجهات، والخطوط المتطرفة الباحثة بدورها عن موقع في أكثر من بلد، ولا سيما في لبنان الذي حاول البعض تحريك التطرف المذهبي في ساحاته... إن هذه الأوضاع، استطاعت أن تورِّط الجيش اللبناني في هذه الحرب التي نخشى أن تتحوّل إلى أكثر من حالة للعنف والصراع. أما دخول أمريكا على خطِّ الأزمة المحلية عبر تقديم السلاح، فإنّنا نتصوّر أنها دخلت قبل ذلك من خلال الفريق الذي يلتزم سياستها وتلتزم تأييده.

أما السلاح، فإنّ أمريكا لن تمنح لبنان السلاح الذي يستطيع من خلاله أن يواجه القوة العسكرية الإسرائيلية، أو يحمي أرضه وحدوده، بل إنها تتصدق عليه بسلاح قديم لا يغني في شيء.

لا حرب طائفية لبنانية

س: هناك عدد من الدول العربية وغيرها أبدت استعدادها لإرسال أسلحة ودعم للحكومة اللبنانية. ألا يشكل ذلك خطراً على التوازن المحلي؟

ج: إننا نرحِّب بإرسال الأسلحة إلى الجيش اللبناني ليحصل على موقع القوة في حماية وطنه، ولكننا نعتقد أن الدول العربية تبقى خاضعةً للتعليمات الأمريكية في حجم السلاح وفي نوعيته... ولا أتصور أن ذلك يمكن أن يشكِّل خطراً على التوازن المحلي إذا كان المقصود الخطر على المقاومة، لأنّ الجميع يعرف أن هناك تنسيقاً وتكاملاً بين الجيش اللبناني والمقاومة الوطنية التي لا تمانع من تقوية الجيش بالعدَّة والعديد.

س: هل يمكن أن تتَّسع المواجهة وتتحوَّل إلى شرارة لحرب طائفية؟

ج: إننا نعتقد أنه ليست هناك أية ظروف طائفية أو مذهبية قد تسمح باندلاع حرب طائفية، لأنّ اللبنانيين متَّفقون بجميع فئاتهم على رفض ذلك.

س: هل دخول الجيش في المواجهة وعدم حسمها بالسرعة المطلوبة توريط للجيش؟

ج: إننا نأمل أن لا تكون المسألة بهذا المستوى من تطور الأحداث، لأننا نرفض توريط الجيش في الخلافات السياسية، ونرى في ذلك خيانة للوطن كله، وسقوطاً للوحدة الوطنية الشاملة.

س: هل يمكن أن تكون هذه المواجهة بدايةً لنـزع أسلحة الفئات الداخلية ولو بالاصطدام المسلَّح؟

ج: إنّنا لا نجد في الأفق ما يشير إلى هذا الوضع السلبي، سواء من خلال سحب الأسلحة أو الاصطدام المسلَّح. ونأمل أن يملك الجميع ـ بمن فيهم فريق السلطة ـ العقل الواعي المنفتح الذي يفرض الأخذ بالحلول السلمية التي تحل للبلد أزمته ومشكلته وتمنحه السلام الشامل.

س: من صالح مَنْ عدم استقرار الوضع في لبنان، وما هو الحل؟

ج: إنّ عدم الاستقرار في لبنان يخدم مصلحة إسرائيل التي تخشى من تعاظم قوَّة المقاومة فيه، كما يخدم مصلحة أمريكا التي تخطِّط للحصول من لبنان على بعض ما يخدم مشاريعها في المنطقة.

س: هل حقاً أن اللبنانيين لا يملكون مفاتيح القرار والحسم في لبنان، وإنما هي في الخارج؟ ومن المسؤول عن ذلك؟
         

ج: إنّ المشكلة هي أنّ الأزمة اللبنانية بكلِّ امتداداتها وخلفياتها، أصبحت مشكلة دولية وإقليمية، وأصبح اللبنانيون خاضعين لاهتزازاتها، ولا يملك أحد مفاتيح الحلّ أو قرار الحسم... أما المسؤول عن ذلك، فهم السياسيون اللبنانيون الذي يتحركون من خلال تعقيدات النظام الطائفي أو الارتباطات الخارجية أو الطموحات الشخصية، فهم يفكّرون في الحصول على مواقع القوّة من خلال الاستعانة بالآخرين، ولا يفكرون ـ لحظةً ـ في وطنهم لبنان.
   

المحكمة الدولية كانت قراراً أمريكياً متحركاً على أساس الأوضاع اللبنانية


أمركة المحكمة الدولية

س: هل ترى أن الأحداث الأخيرة تصبُّ في صالح قرار المحكمة الدولية؟ وهل حلُّ مشكلة لبنان يتوقَّف على صدور قرار المحكمة الدَّوليَّة؟

ج: إنَّ المحكمة الدولية كانت قراراً أمريكياً متحركاً على أساس تعقيدات لبنانية وأوضاع متطّرفة، لذلك فقد صدر القرار الأمريكي في تشريع المحكمة الدولية في مجلس الأمن بعيداً من الإجماع اللبناني، ولم يعد للبنانيين دور في حركية المحكمة ونتائجها.

ونحن لا نرى أن هناك علاقة لمشكلة لبنان السياسية بقرار المحكمة الدولية، بل قد تدخل بعض مفرداتها، وبشكل جزئي، في نطاق الصراع الأمريكي مع بعض دول المنطقة.

س: في ظلِّ التّوتّر السّائد إعلاميّاً في المنطقة بين الشيعة والسنة، هل ترون أن لبنان سيدخل في حرب أهلية مذهبية؟
         

ج: لقد حاول البعض إيجاد فتنة سنية شيعية تؤدِّي إلى حرب مذهبية، ولكن اللّبنانيين تجاوزوا ذلك، وأصبحت هذه القضيَّة بعيدةً من الواقع، لأنّ المسلمين يعرفون جيداً خطورة الحرب على كل أوضاعهم الدينية والسياسية، وليس هناك من يفكر منهم في مثل هذه الأمور السلبية.
   

المقاومة سوف تمتد إلى أكثر من موقع ضد سياسة الاستكبار العالمي


تأصيل المقاومة


س: لقد حاولت بعض الجهات في الحكومة اللُّبنانية مؤخَّراً تذويب عيد الانتصار والتحرير في 25 أيار، ما يؤسس لحالة جديدة، وهي عدم الاعتراف بالمقاومة؟

ج: سوف تبقى المقاومة في ضمير اللبنانيين الذين ساندوها ووقفوا معها واحتفلوا بانتصارها، كما ستبقى في وجدان كلِّ الأحرار في العالم العربي والإسلامي، ولن تستطيع أيّة قوة نزع الاعتراف بالمقاومة التي سوف تمتدُّ إلى أكثر من موقع ضدّ سياسة الاستكبار العالمي.

س: كيف ترى مستقبل المنطقة في ظلِّ بروز الطَّائفية البغيضة والتقارب العربي والإسلامي مع إسرائيل، والتباعد مع إيران، وجعلها العدوّ الأخطر على الدول العربية؟

ج: إنّنا نرى أنَّ مستقبل الواقع العربي يعيش حال الاهتزاز السياسي والاقتصادي، وربما الأمني، أمام الخطَّة الأمريكية التي تخضع لها اللّجنة الرباعية العربية، إضافةً إلى اللّجنة الرباعية الدولية، فضلاً عن محاولات إثارة التعقيدات بين العرب وإيران من خلال الإيحاء إليهم بأنّها هي الخطر وليست إسرائيل، وأنّ إسرائيل هي الصديق الحليف، بينما تمثِّل إيران العدوَّ والخصم... إنَّ هذه التطورات قد تهدد مستقبل المنطقة، بفعل الفوضى السياسية التي تديرها أمريكا في الواقع العربي، لا لحساب المصالح العربية، بل لحساب مصالحها الاستراتيجية ضد مصلحة العرب والمسلمين.

س: هل صحيحٌ أنَّ الفتنة الطَّائفية ظهرت على السطح بسبب بروز الشيعة في المنطقة بشكلٍ واضح ومثير في السنوات الأخيرة؟

ج: ربما أثار البعض هذه المسألة من ناحية التراكمات التاريخية ضد المذهب الشيعي والمسلمين الشيعة، انطلاقاً من العصبية المذهبية المتخلّفة، في الوقت الذي تتحرك بعض الأنظمة لتخلق لمواطنيها مشاكل أمنية وسياسية ودينية صعبة، ولا سيّما الشّيعة الّذين لا يفكرون في الإساءة إلى وطنهم، ولكنَّهم يواجهون السياسة الخرقاء التي يتّبعها الحكام الخاضعون للسياسة الأمريكية في إثارة المشاكل هناك.

توجيه الإعلام

س: هل من دورٍ للإعلام وللعلماء في إثارة الفتنة الطَّائفية؟ وما هي أفضل السبل لمعالجة الطائفية؟
         

ج: إننا نعتقد أنَّ الإعلام العربي الموجّه طائفياً، ولا سيما بعض الفضائيات التي تدعمها بعض الأنظمة المتعصّبة، والتخلّف الفكري الديني لبعض العلماء والقادة والمتدينين، هو الَّذي ساهم في هذه الإثارة الطائفية، إضافةً إلى الخضوع للتَّعليمات الخفيَّة للاستخبارات الأمريكية المركزية.
   

التخلف الفكري الديني لبعض العلماء والقادة المدنيين، ساهم في الإثارة الطائفية


أما أفضل السبل لمعالجة ذلك، فهو الالتفات إلى الأخطار الهائلة التي قد تصيب الواقع الإسلامي عقيدةً وحركةً وسياسةً وأمناً واقتصاداً. فإذا امتدت الفتنة الطائفية إلى الواقع الإسلامي كلّه، فقد يسقط الهيكل على رؤوس الجميع من السنة والشيعة والشعب والأنظمة.

س: هل صحيحٌ أن الشِّيعة في العالم العربي لم يستغلوا الأجواء التي أعقبت أحداث 11 أيلول بشكل مناسب، وذلك بسبب افتقادهم للخبرة الحاكمية؟

ج: لقد كان الشّيعة أول الجهات التي استنكرت أحداث 11 أيلول ولم يشاركوا فيها، بل انطلقوا لمواجهتها بالفتاوى الدينية الرافضة لذلك، ولذلك فإن الفرضية التي طرحها السؤال خاطئة.

مستقبل العراق

س: إلى أين يتجه العراق في ظلّ التطورات الأخيرة؟ وهل أخطأ الشيعة عندما تعاملوا مع أمريكا بثقةٍ كبيرة بأنها دخلت لتخلِّصهم من صدام، ومن ثم انقلبت عليهم لعدم التوافق في المصالح؟
         

ج: إنَّ العراق يتّجه إلى الانهيار بفعل الاحتلال الأمريكي من جهة، ووحشية التكفيريين من جهة أخرى، ولا نعتقد أن الشيعة تعاملوا مع أمريكا بثقة كبيرة، بل إن أمريكا استغلَّت الوضع الظالم الذي مارسه النظام الطاغي قبل احتلالها للعراق، وقد ساهم في تأزيم الوضع السياسي السياسيون من السنّة والشّيعة معاً بفعل الخداع المفروض عليهم.
   

إيران لا تمثل أي خطر على المذهب الشيعي أو التشيّع في المستقبل


س: هل تشكِّل السياسة الإيرانيَّة الخارجيَّة خطراً على المذهب الشيعي والتشيُّع في المستقبل؟

ج: لا أعتقد أنّ إيران تمثّل خطراً على المذهب الشيعي والتشيّع في المستقبل، لأنه ليست هناك أية ظروف واقعية لهذه الفرضية.

س: هل تدعم الانخراط الاجتماعي والسياسي الوطني بين جميع أبناء الطوائف؟

ج: إننا ندعم الانخراط الاجتماعي والسياسي الوطني بين جميع أبناء الطوائف، مع محافظتهم على هويتهم الثقافية والدينية، ونرفض النظام الطائفي، وندعو إلى المواطنة في القانون العام.

س: الإسلام المنفتح والداعية المعاصر من متطلبات العصر، كيف يتحقق ذلك في ظلِّ التشدد الديني؟

ج: إننا ندعو المرجعيات الدينية إلى الانفتاح على قضايا العصر، وإلى تطوير الذهنية الثقافية للشباب المسلم في الكثير من علامات الاستفهام التي لا بد من الإجابة عنها، والتعامل مع الواقع بحركية وجدية وشمولية.

بين المواطنية والمذهبية

س: هناك تشكيك دائم في وطنية أبناء الشيعة العرب، بسبب ارتباطهم بالمرجعية الدينية الخارجية، ما هو ردّك على ذلك؟
         

ج: إنّ المرجعية الدينية تمثّل التزاماً فقهياً ولا تمثل التزاماً سياسياً، وإذا كنا نجد أن الالتزام بالمرجعية يوجب الشكّ في الوطنية، فماذا نقول عن السنّة الذين يرتبطون بمرجعيات دينية خارج وطنهم، سواء كانوا من العرب أو من غير العرب، وهل تشكك أوطانهم في وطنيتهم نتيجة هذا الارتباط؟!
   

المرجعية الدينية تمثل التزاماً فقهياً ولا تمثل التزاماً سياسياً


س: هل الوقت مناسب ليتحرك الشيعة العرب في الخليج للمطالبة بمساحة أكبر في المشاركة؟

ج: إنّنا نعتقد أن على أنظمة الخليج أن تنظر إلى مواطنيها نظرة المساواة في الحقوق والواجبات، بعيداً من التمييز المذهبي الذي قد يحرم المسلمين الشيعة من حقوق المواطنة، وقد يفسح في المجال لاجتذاب بعض السلبيات الاجتماعية.

س: هل تدعو الشيعة العرب إلى الاندماج بشكل أفضل في النسيج الاجتماعي في أوطانهم؟

ج: إنَّ الشيعة العرب مندمجون في أوطانهم بأفضل شكل، وإنّنا نعتقد أن الحديث عن ضرورة نصح الشيعة بالاندماج في أوطانهم هو كلام لا يرتكز إلى أيَّة واقعية، وندعو الذين يفكِّرون بهذه الطريقة، أن يقوموا بعمليات إحصائية ليعرفوا أنَّ مشكلة ظلامة الشيعة في أكثر من بلد عربي، هي أنّهم يعيشون هذه ظلامةً تهدر حقوقهم الوطنية، ولكنهم ـ مع ذلك كلّه ـ لا يتحركون ضد أوطانهم وكياناتهم.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 07 رجب 1428 هـ  الموافق: 06/01/2007 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية