قال المرجع الإسلامي الشيعي آية الله محمد حسين فضل الله «إننا مع المقاومة ضد الاحتلال الأميركي للعراق، سواء كان هذا الاحتلال علنياً أو مغطى بغطاء عراقي، وسواء كانت المقاومة سلمية أو عسكرية»، مؤكداً الحاجة إلى هذين النوعين من المقاومة معاً»، لأنه في كل موقع احتلال، من الصعب جداً أن ينسحب المحتل من البلد الذي يحتله بسياسة اللاعنف التي لا تخرج عن كونها خطاباً استهلاكياً»، ومشدداً في الوقت نفسه على أن «المقاومة السلمية لا تقتصر على الخطابات والتصريحات برفض الاحتلال، ولكنها تتحرك في دائرة المقاطعة المدنية السلمية الشاملة، وهو ما لم نجده لدى كل الذين يتحدثون عن المقاومة السلمية».
وأضاف فضل الله في حديث إلى صحيفة «الحياة»، أن العملية السياسية «التي يشرف عليها المحتلّ تضع القوة كلها في يديه»، ولا تترك للحكومة المؤقتة إلا «النـزر اليسير»، معتبراً أن الذين يريدون أن يقاوموا بالسياسة «لا سياسة مستقلة لهم حتى لو أُعطوا عنوان السيادة»، مجدِّداً أن «لا شرعية للحكومة العراقية المؤقتة».
ورأى أن أزمة النجف «انتهت بعدما وصلت الأمور إلى طريق مسدود»، وأن إعلان «جيش المهدي» وقف العمليات العسكرية في كل المحافظات، «يعني أن المسألة ربما انتقلت من الجانب العسكري إلى الجانب السياسي، وهذا أمر إيجابي، إلا إذا كانت مصلحة قوات الاحتلال تكمن في الاستفزاز من جديد». ونفى أن تكون له علاقة بتيار السيد مقتدى الصدر، «لكنني أسمع أن هناك احتراماً لي من كثيرين منهم، خصوصاً أن الكثير من المشايخ الذين أصبح لهم دور قيادي ضمن هذا التيار الآن كانوا يدرِّسون في حوزتنا في الشام وكانوا يتردّدون عليّ».
وفي ما يأتي نص الحديث:
شرعية مقاومة الاحتلال:
س: كيف تنظرون إلى حركة السيد مقتدى الصدر، وما هو تقويمكم لهذه الحركة؟
ج: ليس لديّ إطّلاع واسع على مفردات وتفاصيل هذه الحركة حتى أستطيع أن أحكم عليها سلباً أو إيجاباً، لأن الناس اختلفوا في تقويمهم لها، بين من يتحدث عنها بسلبية مطلقة، ومن يرى فيها إيجابية مطلقة. لكنني في الاستراتيجية التي أتبعها منذ أكثر من ربع قرن، أقف مع أيِّ جهد في مواجهة الاحتلال، لذلك كنا مع القضية الفلسطينية في كل خطوطها وبكل فصائلها، على الرغم من أن المرء قد يتحفّظ عن بعض السلوكيات والأخطاء. وهكذا كان موقفنا من السياسة الأميركية على مستوى شعوب العالم الثالث. لذلك فإنني مع المقاومة ضد الاحتلال الأميركي، سواء كان هذا الاحتلال احتلالاً رسمياً أو مغطى بغطاء عراقي، وسواء كانت المقاومة سلمية أو عسكرية. ونحن مع كل جهد شعبي عراقي من أجل إخراج قوات الاحتلال من العراق، لأن الاحتلال هو الذي أربك الساحة العراقية في كلِّ مفاصلها الأمنية والاقتصادية والسياسية، خصوصاً أننا سمعنا من الأميركيين قبل الاحتلال وبعده، أن هذا الاحتلال كان من أجل حماية المصالح الأميركية الاستراتيجية في العراق، ومن خلال العراق في المنطقة كلها، ما يعني أن الاحتلال يمثل سياسة أميركية خاصة قد تتفق معها بعض الدول الخاضعة للأميركيين أو المتحالفة مع أميركا. لذلك أيَّدنا خطوات المقاومة، مع استنكارنا الشديد للأعمال العسكرية التي توجه ضد المدنيين أو أجهزة الأمم المتحدة أو تلك الموجّهة إلى دور العبادة والكنائس وللزائرين في المقامات، وللاغتيالات التي قد تأخذ طابعاً مذهبياً يستغلّه الطائفيون في سبيل إثارة موقع إسلامي ضد موقع إسلامي آخر، ما يوجد نوعاً من الإثارة الطائفية التي ليست في مصلحة العراقيين، بل هي في مصلحة الأميركيين. ولذلك وقفنا مع هذه الحركة (حركة مقتدى الصدر) في عناوينها في مواجهة المحتلّ، وفي الدفاع عن المقدسات وما إلى ذلك، بقطع النظر عن السلبيات التي قد تحدث، لأننا لسنا في موقع تقويم للحركة، ولكننا في موقع تأكيد مواجهة الاحتلال.
س: هناك من يحسب تيار مقتدى الصدر عليكم؟
ج: ليست لديَّ أي علاقة بالقاعدة القيادية للتيار الصدري، ولكنني أسمع أن هناك احتراماً لي من كثيرين منهم، خصوصاً أن الكثير من المشايخ الذين أصبح لهم دور قيادي ضمن هذا التيار الآن، كانوا يدرّسون في حوزتنا في الشام، وكانوا يتردّدون عليّ.
أنا أعمل على المستوى الإسلامي العام، وليس في الدائرة الشيعية فقط، وأنفتح على كل التيارات والخطوط، مع التزامي بما أؤمن به من الخط الإسلامي.
التّكامل بين المقاومتين العسكرية والسلمية:
س: من الواضح أن هناك نظرتين على المستوى الشيعي في العراق إلى الاحتلال؛ إحداهما ترى أن الخيارات السلمية لم تستنفد بعد، والثانية تؤمن بأولوية العمل العسكري، أي النظرتين تحبّذون؟
ج: أعتقد أننا في حاجة إلى الخطين معاً، لأنه في كل موقع احتلال، من الصعب جداً أن ينسحب المحتل من البلد الذي يحتله بسياسة اللاعنف، وذلك لا يخرج عن كونه خطاباً استهلاكياً يمكن أن يتبخَّر في الهواء ويشعر الناس بأنهم قد أدوا قسطهم للعلى وتكلّموا. المقاومة السلمية لا تقتصر على الخطابات والتصريحات التي تتحدث عن رفض الاحتلال، ولكنها تتحرك في المقاطعة المدنية السلمية في كل شيء يرتبط بالمحتلّ: كأن تقاطع المحتلّ في مساعدته في كل حاجاته الغذائية والأمنية وما إلى ذلك، وأن يتحرك الشعب كلّه بحيث لا تجد شخصاً يمكن أن يكون مترجماً للاحتلال أو مساعداً له في نقل التموين أو في توفير الخدمات لجنوده أو ما إلى ذلك.
لم نجد هذا النوع من المقاومة السلمية لدى كل الذين يتحدثون عن المقاومة السلمية، ولهذا شعرنا بأن الأميركيين عملوا على التمدد في العراق، وعلى التعسف في استعمال القوة في شكل عشوائي سقط فيه من المدنيين ما لم يسقط حتى من الذين يقاومون عسكرياً أو من الجنود الأميركيين، ما يعني أن الأميركيين يشعرون براحة. ربما يقول بعضهم إن الناس شعروا بنوع من الأمن في المناطق التي لم تقاوم عسكرياً، لكن هذا الأمن يسهِّل للمحتلّ البقاء طويلاً، لأنه لا يجد أي ممانعة، بل ربما يجد من يردّد الشعارات عن أنهم جاؤوا محررين وليسوا محتلين.
إن دراستنا للتصريحات الأميركية من خلال ما يصدر عن الرئيس جورج بوش أو عن معاونيه من العسكريين والسياسيين، تدلّ على أن المقاومة العسكرية استطاعت أن تدخل الأميركيين في مأزق، وباتت التحليلات السياسية في العالم تعتبر أن أميركا فشلت في العراق، حتى أن بوش نفسه أقرَّ هذا الأسبوع بأنه أخطأ في حساباته لما بعد الاحتلال، بعدما كان يعتقد بأن العراقيين بفعل طغيان نظام صدام حسين وأعوانه سيتلّقون الجيش الأميركي بالورود. لكن المسألة هي أن الجيش الأميركي الذي جاء بحسب ادّعاءات واشنطن من أجل إقرار الديمقراطية وحقوق الإنسان وجعل العراق نموذجاً تحتذيه دول المنطقة أو يفرض على المنطقة، إذا به يصرف كل جهده وكل سلاحه وقواته وسياسته في الدفاع عن جنوده وليس في الدفاع عن الشعب العراقي.
س: المقصود بالسؤال تحديداً أنَّ هناك من يدعو إلى المقاومة العسكرية ومن يرى الانخراط في عملية سياسية تنتهي بإخراج المحتلّ من دون مقاومة ولو حتى سلميّة؟
ج: عندما ندرس العملية السياسية التي يشرف عليها المحتلّ، نرى أنه يضع القوة كلّها في يديه، وأنه لا يترك لهذا الفريق السياسي إلا النـزر اليسير. حتى أن النـزر اليسير يراد له أن يستخدم في فرض الأمن وفي تأكيد الخطوط السياسية وتحت إشراف قوّات الاحتلال، وهذا ما لاحظناه في مسألة النجف كعنوان كبير هزّ العالم الإسلامي، إذ إن العنف الذي فرض على النجف هو عنف قوات الاحتلال، ولم يكن لقوات الدفاع المدني أو قوات الشرطة العراقية أي دور. الدور الوحيد الذي أريد لها كان يتمثل في الدخول إلى الصحن الحيدري. كذلك الأمر بالنسبة إلى مدينة الصدر، إذ إن الجيش الأميركي وحلفاءه كانوا هم الذين يديرون المعركة، وهم الذين يراد لهم أن يفرضوا الأمن وليس الحكومة العراقية المؤقّتة. وهكذا بالنسبة إلى الفلّوجة أو البصرة أو العمارة أو غيرها. لذلك، فإن الذين يريدون أن يقاوموا بالسياسة أو يؤكدوا السياسة، لا سياسة مستقلة لهم حتى لو أُعطوا عنوان السيادة، لأن أي سياسة لن تكون في مركز أصالة القرار إلا إذا كانت تملك القوة والامتداد الشعبي بالطريقة التي يشعر بها الشعب بأن هناك حكومة وطنية ترعى أموره. ربما أصبح الشعب العراقي، نتيجة هذا التعب الذي أجهده وأجهد كل حياته، يريد الحلّ كيفما كان وبأي وسيلة، ولكن هذا لا يعني أن هناك عراقاً حراً مستقلاً. الوضع تماماً كمن يرضى بالتعايش مع المرض الذي لا دواء له.
س: انطلاقاً من ذلك إذاً، أنتم لا تجوّزون شرعاً الانخراط في عملية سياسية في وجود المحتل؟
ج: عندما انطلق مشروع مجلس الحكم الانتقالي قلت أن لا شرعية له، وعندما انطلق مشروع الحكومة المؤقتة قلت أن لا شرعية لها، لأن هاتين التجربتين كانتا بقرار من المحتل، حتى ولو أعطيتا غطاءً من الأمم المتحدة. وبفعل الضغط الذي يعيشه الواقع العراقي من خلال فشل مجلس الحكم الانتقالي ومن خلال السيادة السطحية الصورية للحكومة، نرى ضرورة أن تكون هناك حكومة وطنية سيادية يمكنها أن ترتب العلاقات الدولية، سواء كانت اقتصادية أو أمنية أو سياسية.
أزمة النجف ونهاية النفق:
س: الوضع كما انتهى عليه في النجف في رأيكم، هل وضع حداً للأزمة أم إن هذه مجرد هدنة هشّة يمكن أن تسقط في أي لحظة؟
ج: لعلَّ الأغلب أن الأمور وصلت إلى مستوى الطريق المسدود في عملية العنف العسكري، لهذا أعتقد أن المسألة ربما بلغت النقطة الأخيرة.
س: إذاً، تعتقدون أن الأزمة انتهت؟
ج: من خلال المعطيات التي نتابعها، ومن خلال الخلفيات التي تكمن وراء ضغوط هنا وضغوط هناك، ولا سيّما أن التصعيد الأمني لا شعبية له بسبب الظروف التي يعيشها العراقيون، وبعد التعب الذي وصل إلى حد السقوط النفسي والأمني والغذائي وما إلى ذلك، لذلك لعل المسألة وصلت إلى حد النهاية، خصوصاً بعد إعلان جيش المهدي وقف العمليات العسكرية في كل المحافظات، والإعلان عن أن هناك مشـروعاً سياسياً، وهذا يعني أن المسألة ربما انتقلت من الجانب العسكري إلى الجانب السياسي، وهذا أمر إيجابي، إلا إذا كانت مصلحة قوات الاحتلال تكمن في الاستفزاز من جديد بالطريقة التي تخطط فيها لإسقاط كل قوة ولو مستقبلية، لأننا لا نثق بمخطّطات الاحتلال الأميركي للعراق.
س: كيف يكون الانتقال من الجانب العسكري إلى الجانب السياسي إيجابياً وأنتم تدعون إلى مقاومة الاحتلال؟
ج: يكون إيجابياً بحسب الطبيعة الواقعية للمسألة في هذه المرحلة على الأقلّ.
س: لوحظ أثناء الأزمة الأخيرة غياب تامّ، بخاصة في الأسابيع الأولى، لكل المرجعيات ولكل الأحزاب الإسلامية عن أحداث النجف، سوى ما صدر عنكم. إلى ماذا تردّون ذلك؟
ج: لا أحب الخوض في هذه التفاصيل، لكني أعتقد أنّه ربما حتّمت ذلك عوامل أمنية من خلال الفوضى التي حصلت في النجف، وربما كانت هناك بعض العوامل الصحية. وهناك بعض التحليلات السياسية التي قد تفسر المسألة لتجعلها في دائرة الصراع.
مستقبل العراق:
س: كيف تستشرفون مستقبل العراق في هذه المرحلة؟
ج: ما نراه هو أنّ الأميركيّين لن يستطيعوا البقاء طويلاً في العراق، لأن العراق أصبح الساحة المفضَّلة للحرب على أميركا، وساحة لكلِّ الذين يعارضون السياسة الأميركية ممن يطلق عليهم «عناصر إرهابية» بحسب المصطلح الأميركي، سواء من «القاعدة» أو من جماعة الزرقاوي أو غيرهم، إضافةً إلى أن هناك فريقاً عراقياً مارس المقاومة العسكرية ومستمر في ممارستها، وربما اتّجه هذا الخط إلى مزيد من الاتساع. كما ينبغي أن نلاحظ أن أميركا أصبحت على حدود إيران وعلى حدود سورية، ومن الطبيعي أن تقابل هذا الوجود الأميركي الضاغط حركة ضاغطة من أي جهة من الجهات التي يمكن أن تضغط على الداخل، ولذلك يتهم السياسيون الأميركيون سورية بفتح حدودها أمام دخول الإرهابيين إلى العراق، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إيران، وإن كانت تنبغي هنا الإشارة إلى أن الحدود كبيرة جداً وتصعب السيطرة عليها. كما إن دولاً إقليمية أخرى تعتبر من خلال حدودها، ومن دون أن يكون لها خيار في ذلك، مصدراً لتدفق من يسمّون الإرهابيين والمتطرفين الذين أثقلوا على دولهم بإرهابهم. كما أن لتركيا أيضاً هامشها انطلاقاً من المشكلة الكردية التي عادت إلى التحرك الآن بعد انتهاء الهدنة مع حزب العمال الكردستاني، بخاصة أن كردستان العراق، التي تمثل الولد المدلَّل للأميركيين وللاحتلال الأميركي، باتت موقعاً متقدّماً لمساعدة هذه الفئات. عندما ندرس كلّ هذه المفرداتـ نجد أن هناك أخطبوطاً تمتدّ أذرعه ضد الوجود الأميركي في العراق، وبالتالي ضد الحكومة العراقية أياً كانت، ولا أستبعد أن يؤدي هذا الواقع الأمني إلى إلغاء الانتخابات المقررة في العراق مطلع السنة المقبلة.
س: كيف ترون مستقبل الحالة الإسلامية، السنّية والشيعية، في العراق؟
ج: هناك قرار أميركي بمنع الإسلاميين الذين يفكرون بالإسلام السياسي على مستوى الدولة، سواء كانوا سنّة أو شيعة، من أن تكون لهم مواقع القوة على مستوى القرار، لأن أميركا تعمل على أساس أن يكون العراق دولة علمانية ذات نكهة إسلامية. ولذلك بعدما أعطت أميركا الإسلاميين في مجلس الحكم الانتقالي الكثير من المراكز والمواقع، حتى خيّل للناس أن العراق سيتحوَّل إلى دولة إسلامية على طريقة إيران أو غيرها، لاحظنا أن غالبية وزراء الحكومة الحالية المؤقتة ليسوا إسلاميين، بل إن الإسلاميين أبعدوا إلا في شكل بسيط جداً. ولهذا أشكّ في أن يأخذ الإسلاميون موقعاً كبيراً جداً، إلا إذا استطاعوا أن يأخذوا بأسباب الوحدة الإسلامية الحركية من السنّة والشيعة وأن يفرضوا وجودهم.
س: هناك من الحركات الإسلامية من يريد تحويل العراق إلى فيتنام إسلامية. هل ذلك في مصلحة العراق ودول المنطقة؟
ج: اعتقد أنّ هذا ليس واقعياً، لأن طبيعة فيتنام والشعب الفيتنامي والظروف التي أحاطت بالحرب الفيتنامية - الأميركية وطبيعة الأوضاع الدولية، ولا ننسى أن الاتحاد السوفياتي كان يمثِّل دولة كبرى آنذاك، تختلف اختلافاً كلياً عن الظروف العراقية. ومن الصعب جداً أن يتحول العراق إلى فيتنام.
س: إذاً، لن تغرق أميركا في مستنقع العراق؟
ج: قد تغرق أميركا في وحول العراق لا في مستنقع.
س: ما الفارق بين الاثنين؟
ج: المستنقعات تملك امتداداً في المياه، أما الوحول فتربك الحركة ولكنها لا تغرق.
س: إذا لم تغرق فهذا يعني أنها لن تخرج؟
ج: من الطبيعي إن الإرباك قد يخرجها. فأميركا خرجت من لبنان الضعيف بعد تفجيري المارينـز ومقر المظليين الفرنسيين في الثمانينات، علماً أن أميركا جاءت آنذاك بأساطيلها ومع غالبية حلفائها الأوروبيين لتحوِّل لبنان إلى قاعدة عسكرية.
الإستراتجية الإيرانية
س: يتردد كلام كثير عن دور إيراني خفي في العراق، وعن سعي من قبل طهران للعب دور في عراق ما بعد صدام حسين؟!
ج: من الطبيعي أن أيِّ دولة مجاورة لأيِّ دولة، لا بد لها من أن تعمل على أن تحافظ على مصالحها في هذه الدولة، وعلى أن تحمي نفسها أيضاً في هذا المجال، وهذا موجود في العالم كله. وإلا كيف نفهم علاقات أميركا بالمكسيك أو بدول أخرى قريبة منها؟ إلا أن ما يتردَّد عن سعي إيران للسيطرة على العراق أمر غير واقعي. أعتقد أن إيران يمكن أن يكون لها دور إلى جانب الأدوار الأخرى العربية.
س: ما حدود هذا الدور؟
ج: إيران دولة لها مصالح اقتصادية في العراق، وهي دولة صناعية، بما يلبي كثيراً من الحاجات التي يحتاج إليها الشعب العراقي. فمن المهم أن تفكر إيران بأن ينفتح لها السوق العراقي.
س: وعلى المستوى السياسي؟
ج: أما على المستوى السياسي، فإن إيران تعمل على أن لا يكون العراق البلد الذي يربك الواقع الإيراني على الطريقة التي كان يتحرك فيها صدام حسين.
س: ما رأيكم في السياسة الخارجية التي تنتهجها الحكومة العراقية تجاه دول الجوار، خصوصاً إيران وسورية؟
ج: في تصوّري أن هناك خلفيات خفيّة في سياسة الحكومة العراقية المؤقتة التي ربما تمتصّ الكثير من المشاعر والأحاسيس الشعبية السلبية ضد دول الجوار التي تعتبر أن هذه الدول كانت مع صدام ولم تساعد العراق، حتى ّننا نجد أن هناك تياراً في العراق يقول إن علينا أن نتخفَّف من القضية الفلسطينية وأن نهتم بأمورنا، أو كما كان خطاب بعضهم في بداية الاحتلال بضرورة أن يتخفف العراق من كل العلاقات العربية. أعتقد أن أميركا تعمل على أساس أن تكون العلاقات العراقية - العربية، أو العراقية - الإيرانية، أو العراقية - التركية دائماً في دائرة الاهتزاز، بمعنى أن تكون هناك علاقات ديبلوماسية أو اقتصادية، ولكن من خلال البرنامج الأميركي، وبحسب المصالح الأميركية في المنطقة، وهذا ما لاحظناه في طريقة إدارة تصريحات الحكومة العراقية المؤقتة ضد إيران، وحتى في الحديث عن إرسال دول الجوار جنوداً، ما يدل على أن المطلوب هو علاقات في السطح وليست في العمق.
س: في المقابل، ما هو المطلوب من هذه الدول أن تعتمده تجاه العراق في الوقت الحالي؟
ج: إن المطلوب من هذه الدول هو ألا تحاول أن تربك الواقع العراقي في القضايا الحيوية في العراق.
س: بمعنى تشديد الأمن على الحدود مثلاً؟
ج: أنا لا أدخل في هذه الأمور، لكنني أعتقد أن عليها أن تلاحظ الشعب العراقي لا الحكومة الأميركية أو الحكومة العراقية، وما دامت تتحدث في العروبة وفي الإسلام، فلا بد من التحرك على أساس القيم العربية والقيم الإسلامية في علاقة بلد عربي ببلد عربي، آخر أو بلد إسلامي ببلد إسلامي آخر.
بيروت-وفيق قانصوه- الحياة