في برنامج "صالون السبت" بتاريخ 3/1/2004
عقلٌ منفتحٌ، وقلبٌ يشعُّ بالأمل والإيمان، مرجعٌ في الفكر والفلسفة والفقه، هو العلاّمة المرجع الذي أغنى المكتبة العربية والإسلامية بنتاجه، وأثرى الحياة السياسية بمواقفه وآرائه. لا يعرف المسايرة أو المواربة، والموقف عند سماحة السيد المرجع نابع من قناعات وطنية راسخة، لا يعرف التعصُّب أو الطائفية، ولا يتدخل في حسابات اللعبة السياسية ومراكز السلطة والقرار.
المرجع الشيعيّ السيد العلامة محمد حسين فضل الله، في حوارٍ نأمل منه كالعادة أن يحمل جديداً من مخزونه الفكري ومن مواقفه وآرائه الغنية بالعبر والرؤى. معه نقف على أبرز التحوّلات السياسية ومحطّاتها ومنعطفاتها، ونرسم آفاق التحديات وما تستدعيه من خططٍ وتحرّكات.
في مسألة طائرة الموت
س: بدايةً، نتقدم منكم بالتعازي على ضحايا الطائرة المشؤومة، ونسألك عن سرّ هذه الطائرة حسب متابعتك واهتمامك بالناس والإنسان كافةً. هناك زيادة في الغموض، والجميع بانتظار التحقيق، وكلام خطير عن ظروف الطائرة، فماذا تقولون؟
لعلّ المشكلة في أمثال هذه الأحداث، أنّ طبيعة المناخ المأساوي الحادّ الذي يحيط بها، يجعل هناك نوعاً من إلحاح الناس على أنّ هناك جريمة، لأنّ المأساة تجتذب ما ينفّس عنها.
إن هناك كلاماً كثيراً في أوضاع قانونية وفنية في مسألة هذه الطائرة، ولكننا مع غياب وجود خللٍ هناك، لا نستطيع أن نصدر حكماً سلبياً أو إيجابياً في هذه المسألة قبل انكشاف التحقيق، إلاّ أنّنا نحب أن نشير أمام علامات الاستفهام التي تحيط بهذا الحدث وبهذه الطائرة، أن الحكومة اللبنانية من خلال طيران الشرق الأوسط كانت ولا تزال مقصّرة بالنسبة إلى المغتربين اللبنانيين الذين اغتربوا لأنهم لم يجدوا العيش الكريم في بلادهم، حتى إنهم اغتربوا في بلدان أفريقية فقيرة جداً ك"بنين"، لأنهم احترموا كرامتهم في أن تكون لهم الفرصة في العيش الكريم.
إنني أعتقد أن مسؤولية الحكومة اللبنانية هي أن تهيئ لهؤلاء المغتربين وسائل النقل الموثوقة التي يمكن لها أن تنقلهم بين لبنان ومغترباتهم.
س: ولكن ماذا بعد؟ بعد الكارثة حصل كلامٌ عن تيسير أمر رحلات وغير ذلك؟ فالحلول جاءت متأخرة؟
ج: لعلّ المشكلة في لبنان - ونحن نحترم كثيراً من الشخصيّات السياسية - أن لبنان ليس دولةً، بل هو مجرَّدُ كيانٍ يتحرك على أساس ردود الفعل، وربما لا تكون ردود الفعل جادةً، لأن المطلوب هو الخروج من المأزق الذي يعيشون فيه في اللحظة الحاضرة، لأنّ مشكلتنا في هذا البلد، وربّما في كثير من مواقع العالم العربي، هي أنّنا أمّة اللحظة ولسنا أمَّة المستقبل، على طريقة قول الشاعر:
ما مضى فات والمؤمّلُ غيب ولك الساعة التي أنت فيها
شخصانية السلطة
س: قلتم إنّ لبنان ليس دولة. ما هي الصورة التي تركها العام المنصرم في نفسك بعيداً عن مأساة الطائرة، ولو في الخطوط الكبيرة داخلياً وإقليمياً، مع أبرز العناوين التي استوقفتك على الصعيدين السياسي والوطني؟
ج: لعلّ الصورة التي مرّت على العالم، وعالمنا بالذات، هي أنّ إنساننا اللبناني والعربي لا يزال يعيش في الضباب، الذي لا يحجب الرؤية، ولكنّه يصنع للإنسان الجراحات النفسية والروحية والعملية..
إنّنا عشنا هذا العام، لبنان على مستوى الاهتزاز الذي يصيب الفكر، لأنه ليس هناك فكرٌ ممنهج يضع الخطوط الواضحة لبناء المستقبل، وصنع الأمل في نفوس اللبنانيين بأنّ هناك شيئاً ما من وعي الأزمات لدى المسؤولين للتخطيط لحلها... وهكذا رأينا كيف أنّ لبنان يخضع لأشخاص ولا يخضع الأشخاص للبنان. وتلك هي المشكلة.
س: لمن يخضع هؤلاء الأشخاص؟
ج: إنهم يخضعون لذاتيّاتهم ولمحاسيبهم، وبعضهم للخلفيات الإقليمية والدولية التي لا يحسبون من خلالها حساب البلد في حريته وكرامته وقوته، وإنما يحسبون حسابات العلاقة بهذه الجهات، تماماً كما لو كانت من ذاتياتهم، لا من خلال مصلحة بلدهم.
أمّا في العالم العربي، فإنَّنا نلاحظ أن هناك سقوطاً مريعاً يتمظهر بهذا العجز والفشل الناشئين من الضعف الذي أدمنه أصحابه من المسؤولين، لأنهم لا يريدون تعقيد أوضاعهم في مراكزهم أمام صنع بعض القوّة أو استنفار بعض القوة، لأنهم أصبحوا يخافون من أن يكونوا أقوياء، لأن الآخرين، ولا سيّما أمريكا، لا تريد للعرب كلّهم أن يكونوا أقوياء اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وإنما يريدون لهم أن يكونوا مجرّد هامش من هوامشهم. ولهذا، فإن هذا النوع من الضعف هو الذي يفسِّر كثيراً، ما يهرولون وراءه من محاولة إصلاحٍ أعرج، ومشاريع عوجاء يعرضها عليهم "المعلّم" أو "الخواجة". لهذا فإنّ ما يتحدَّث عنه العالم العربي في أدبياته، وفي تصريحات مسؤوليه عن عملية التغيير والإصلاح، لم ينطلق من الداخل، وإنما انطلق من الخارج، ليكون الإصلاح لو حَدَثَ هو صورة للخارج لا الداخل، لأنّ الذين يصنعون التغيير حتى على هذا المستوى، يصنعونه على طريقة «مكرهٌ أخوك لا بطل».
إنّ العالم العربي عاش في تاريخه معنى البطولة للأبطال الذين يصنعون التاريخ، وهم يبحثون عن البطل فلا يجدونه.
س: سماحة العلاّمة تقول: لبنان يخضع لأشخاص والأشخاص لا يخضعون للبنان. بالعودة إلى الداخل، وانطلاقاً من لبنان الوطن والمواطن، كيف بإمكاننا تقييم وصف العلاقة بين الوطن والمواطن، ونحن دستورياً في سنة أخيرة من العهد؟
ج: إننا نتصوَّر أن العلاقة بين الوطن والمواطن تتحرك على مستوى القاعدة، فالناس في شكلٍ عام يحبُّون وطنهم، ويصرخون ليبقى هذا الوطن قمّة الجمال الروحي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، بعد أن كان جميلاً في كل مواقعه الطبيعية. إنّ المواطن يصرخ صرخةً جدية مخلصة، ولكن المسألة التي يواجهها هي أنّه يُصْنَعُ له من خلال الآخرين، بطريقةٍ وبأخرى، المسؤولين، ونحن نعرف دائماً النكتة التي تتردد في كثير من المشاريع الرئاسية وغيرها عن "كلمة السرّ". لأن المسألة هي أنّ لبنان الذي يصرخ كثيراً ليكون السرُّ سرّه، وليكون القرار قراره، يصرخ لتعطى له الكلمة، وليكون له قانون انتخاب يملك فيه حرية أن ينتخب، وأن يكون المنتخب على صورة مصالحه وقضاياه، من خلال هذا الجدل العقيم الذي يتحرّك بالتصريحات التافهة التي يحاول أصحابها أن يؤكّدوا شخصيتهم في تصريحاتهم لا خطوط البلد، على طريقة قول الشاعر:
وقصيدة تأتي الملوك غريبةً قد قلتها ليُقال من ذا قالها
لذلك، فإن المشكلة هي أن المواطن الذي يبحثُ عن وطن حرّ سعيد يعيش أمام هذه التهاويل وهذه التراكمات التاريخية، ولا سيّما الطائفية التي تجره إلى الطائفة وتحاول إبعاده عن الوطن، ليكون الوطن وطن هذه الطائفة أو تلك...
إن المشكلة التي أشرت إليها، هي أننا عندما نراقب العالم المتحضر، فإننا نرى أنّ الدولة تسيطر على الأشخاص، وهي التي تصنعهم وتقف بهم عند حدود القانون، ولكننا في لبنان نجد أن الأشخاص بشخصياتهم وبطوائفيتهم هم المسيطرون على ما يسمَّى بالدولة، فإذا اتّفقوا كان في الناس بعض الخير لا كلّه، لأنهم لا يحملون كل الخير، وإذا اختلفوا فهناك الفوضى وهناك المتاهات التي يعيشها اللبنانيون ، كما نلاحظه الآن .
س: في كتاب الدكتور مناف منصور الأخير "شرف الخصوصيات شرف العولمة"، يسأل ويردُّ: هل قام مفهوم الدولة أولاً حتّى يسقط؟ كيف يمكن إصلاح هذا الخلل: النفوس، النصوص، والشخصنة؟
ج: هناك عدّة نقاط: الأولى وهي الأساس، هل إن اللبنانيين في كُلّ طوائفيتهم مقتنعون بأن تكون هناك دولة يدفعون من حساباتهم لحساباتها، بحيث تكون التضحية هي الطابع الذي يتحرّكُ فيه اللبنانيون؟ إن التساؤل هو في أنّه هل هناك دولة حتى تسقط. هناك دولةٌ في الوجدان والطموح والتطلع المستقبلي وفي كلّ هذا القلق الإنساني للاستقرار والنظام واحترام إنسانية الإنسان. ولذلك، فإن الإنسان يظلّ وراء هذا الحكم الكبير الذي يمكن أن يتحوّل إلى سراب في كلّ هذه الصحراء السياسيّة التي نعيشها في لبنان والعالم العربي. إنني أتصوَّرُ أنّه علينا الإيحاء للّبناني أن يكون عنيداً، أن لا يجزع حتى ولو قدم له هؤلاء الناس اللقمة السوداء.
نحن نعرف أن المال في الانتخابات النيابية وغيرها هو الذي يصنع الممثلين للشعب، ليؤكّدوا للشعب بعد ذلك أنكم قبضتم ثمن أصواتكم فماذا تريدون؟! إن لنا خطة في كل مشاريع المجلس النيابي والوزاري، ونحن عندما دفعنا الثمن تحرّرنا من كلّ الالتزامات معكم، لأننا نسيناكم كما تنسون أنفسكم أمامنا في كلّ ذلك.
توافق ومصالح
س: انتفاضة الدولة اللبنانية وكل المسؤولين، والاستنفار في مواكبة حادثة الطائرة والمتابعة من كُلّ الاتجاهات، تجعلنا نقتنع أنه بإمكانهم التعاون والتنسيق، فلماذا لم يتفقوا على تجنيب الوطن والمواطن كوارث تجاذباتهم وشخصانياتهم وخلافاتهم؟
ج: هذا هو السؤال الكبير، إنّهم اتّفقوا - مع كلّ الاحترام للخطوات التي قاموا فيها - على شيء لا يكلّفهم شيئاً من حساباتهم الشخصية، بل إنهم يحصلون منه على أن يكونوا في الواجهة، لأن الناس كلهم سوف يعطونهم الثقة والمحبة وغير ذلك. إن القضية هي أن كلّ مسؤول، من الرئيس إلى الوزير إلى النائب، لا بُدّ أن يسأل نفسه أو يسأله الناس: لماذا تتحرّك من أجل أن تتصل إلى موقع المسؤولية؟ هل هو الطموح الشخصي؟ وهذا حقٌ لبنانيٌّ، ولكن قد يكون الطموح شخصانياً في كلّ عناصر شخصيّته، بحيث يبقى الوطن والناس مجرَّد أدواتٍ لتأكيد شخصيته، فهناك طموح لتأكيد شخصانيته، وهناك طموح ينطلق من أجل الوطن والدولة والإنسان. فالمشكلة هي في هذا النوع من الخلل في خطوط الطموح، بين طموح يختزن الذاتية في داخله وامتداداته، وطموح يختزن الأمة في وجدانه.
إنّنا نلاحظ ملاحظة أخرى أمام هذه الصورة لأننا لا نريدُ أن تكون الصورة، سوداء قاتمة في جميع ملامحها. إننا نلاحظ أن بعض الناس قد يدخلون جنة الحكم مخلصين، ولكنّنا نلاحظ أن هناك من يضع العصيَّ في الدواليب والحواجز ويحيطهم بأكثر من عنصر يعطّل الخطط، كالعنصر المالي والإعلامي. إن مشكلة لبنان ومشكلة العالم الثالث، بما فيه العالمان العربي والإسلامي، أن الحاكم يبقى مقدساً في القانون وإن لم يبق مقدساً في تعليقات الناس. السرّ هو أنّ الدولة في كلّ امتداداتها الشعبية تفرض المحاسبة والمساءلة.
إن قانون "من أين لك هذا" شُرِّع في الخمسينات، ولم يكن هناك ثروات في مستوى الحاجة إلى هذا القانون، ولكنّنا وصلنا إلى الثروات التي انطلقت من مواقع كانت لا تملك شيئاً، فإذا هي تتجاوز المليارات من الدولارات. فمن الذي يستطيع أن يوجِّه سؤالاً إلى أمثال هؤلاء: من أين لك هذا؟ إن المسألة أصبحت من أدبيّات القوانين وليست من جدية القانون.
س: أشرتم سماحتكم قبل أيام إلى السرقات المحمية من قبل بعض المسؤولين، والتي بدأت تعطي ثمارها على حساب الفقراء، فهل الفساد من الأمراض المستعصية؟ وكيف يمكن إصلاح الفساد؟
ج: إننا جعلناه من الأمراض المستعصية، وأنا لا أُحمِّلُ المسؤولين فقط. ولكن أُحمِّلُ المواطنين المسؤولية في هذه اللامبالاة وفي هذا الانكفاء أمام القضايا المصيرية في البلد، وأمام هذا الارتباط الشخصاني بالزعماء والوزراء والرؤساء، لأن ما يُسمّى بالدولة، قد ربطت كلّ حاجات الناس وقضاياهم بهذا الرمز الطائفي وذاك الرمز الطائفي. حتّى أصبح كلُّ شخصٍ يختصر طائفته، وحتّى أصبحت الطائفية المتعصّبة المنغلقة هي التي تحمي هؤلاء الأشخاص بالرغم من كلِّ انحرافاتهم.. إنّنا نتساءلُ: إنّ كلَّ مرشَّحٍ للانتخابات يُقدِّم برنامجاً عند ترشيحه، والسؤال: لماذا لا يُقدِّم الشعب اعتراضاته عليه ويطلب منه أن يُقدّم حسابه في كُلّ سنة لا عندما تنتهي الانتخابات؟ إنّ الناس يدمنون الأشخاص، ولكنهم لا يدمنون الوطن.
س: إذاً العلّة عند الناس أيضاً، لعدم المساءلة والمحاسبة، فالمجلس النيابي معطّل من حيث المحاسبة، فأين الناس؟
ج: وهو كذلك، والمشكلة أنّ الناس لا يعيشون المحاسبة والمساءلة في ما بينهم.
مشكلة الطائفية
س: تكلَّمت سماحتك عن الطائفية، فهل الصيغة الطائفية هي العلة، هل الخلل في الطائف - كما يقول البطريرك صفير - باستكمال الطائف قبل تعديله...؟
ج: إنني أُفرّقُ بين الطوائف وبين الطائفية، فالطوائف كأُطر إنسانية دينية تلتقي على مواقع اللقاء وتتحاور في مواقع الخلاف، هي خير للبنان، حتّى الطائفة العلمانيّة، لأننا ندعو إلى الحوار كبُعدٍ يجمع الناس على التفاهم ويسير بهم نحو الوحدة. لذلك، فالطّوائف في عناصرها الثقافية والروحية والإنسانية هي غنىً للبنان. ولكنّ الطائفية بحسب طبيعتها - سواء في النفوس أو في النصوص - تصنع للإنسان دائرته الّتي يحاول التحديق بالعالم من خلالها. فإنَّ مسألة النظام الطائفي تظل مهما كان. حتى لو طبَّقنا الطائف وخرجت القوات السورية من لبنان، أو أننا أعطينا بعض الفرص لبعض الدوائر السياسية، لكن الطائف لا يغير الإنسان. لذلك أين الإنسان اللبناني؟!
س: هل المصالحة هي العائق، فالبطريرك يتكلّم عن إنجاز المصالحة؟
ج: أنا أقول إنّه ليس هناك عداوات في لبنان، هناك مصالحة طبيعية، ولكنّ الناس في الأبراج العاجية يتحدثون عن تعقيدات. إنّ جميع السياسيين من المعارضين والموالين، ومن الذين يخوِّنهم الناس ومن الذين يرفعونهم إلى المستوى الرمز، يلتقون ويفرحون ويجتمعون في المناسبات الاجتماعية والدينية وغيرها دون أيّة عقدة، حتّى إنّهم عندما يختلفون في المجلس النيابي بين معارضٍ وموالٍ، فإننا لا نشعر أن هناك اختلافاً عميقاً في العلاقات الوطنية. كلّ ما هناك هو اختلاف في وجهات النظر أو الخلفيّات، ولذلك فإن لبنان لا يحتاج إلى مصالحة، ولكنّه يحتاج إلى جدّية أكثر حتّى لدى الطوائفيّين.
إنَّ ميثاق الطائف الذي تحوّل إلى ما يشبه الدستور، لا يصنع لبنان. إنّه مجرَّد تجربةٍ وتسويةٍ لإنهاء الحرب. كان الجميع يفكرون بإنهاء الحرب على صيغةٍ تؤدي إلى تهدئة الحساسيات، ولكنّهم لم يفكروا في لبنان، لأنّ اتفاق الطائف، كما كنتُ أقول على سبيل النكتة، انطلق أمريكياً، لأن أمريكا التي صنعت حرب لبنان من خلال كسنجر، استطاعت أن تحصل على ما تريده في إخراج البندقية الفلسطينية من لبنان. ولهذا فإن أمريكا تصنعُ المشكلة لتستفيد منها، فإذا أخذت ما تريد بدأت تحلّ المشكلة، ولهذا فإن الناس المتحاربين بكلّ عنف السلاح توقفوا فجأةً، لأن أمريكا أعطت الضوء الأخضر للعرب أن يتدخلوا، وللّبنانيين أن يتوقفوا. لقد انطلق اتفاق الطائف من خلال قرار أمريكي وعقالٍ عربي وطربوشٍ لبناني.
ضرورة الحوار
س: اللّبنانيون يجتمعون دون عقدة، فلبنان الرسالة والعيش المشترك مهدَّد أم اجتاز الامتحان؟ وهل تخشى سقوط الدولة أو لبنان العيش المشترك ومسيرة الحوار الداخلي؟
ج: إني أتصور أنَّ العيش المشترك هو حقيقة متجذّرة في وجدان اللبناني الذي هو صاحب المصلحة في البلد كله. نحن عندما نريد أن ننطلق ميدانياً لدراسة الواقع، فإنّنا نجد أن المسلمين والمسيحيين معاً، وفي المناطق المشتركة، كالجنوب والبقاع والشمال، أو في المواقع المشتركة الاقتصادية والرياضية والثقافية وغيرها، نجد أنهم يعيشون معاً دون أية حواجز. إنهم يختلفون في اللاهوت الإسلامي والمسيحي، ولكني لا أتصوّر أن الفلاح المسيحي والمسلم أو العامل أو التاجر يتحدثون في اللاهوت. فالتعايش حقيقي متجذّر في شخصية اللبنانيين، كما إنني أتصور أنّه ليست هناك أيّة فرصة سلبية لسقوط الدولة، لأن لبنان ممنوع من السقوط، ولأنه صُنع للاستمرار في هذا الموضوع، وقد أدمن اللبنانيون في المسألة السياسية هذا النوع من الصورة للبنان، لذلك لن يسقط لبنان حتّى لو وقف على حافة الانهيار، لأن لبنان - كما كنت أقول - معادلة دولية وليس مجرّد حالةٍ قانونية ساذجة.
س: هل يهتزُّ إذاً الاستقرار الاجتماعي، فقد سمعناكم في خطبة الجمعة تتحدثون عن أوضاع البلاد، وقلتم إن لبنان المريض تربوياً واقتصادياً يدخلُ دوامة المرض على خلفية ملف الضمان مع المستشفيات، وحذرتم من الاستقرار الاجتماعي المهدَّد، فهل نحن أمام موجة سوداوية؟
ج: إن مسألة الاستقرار الاجتماعي تنطلق من الحلّ الجذري للمشاكل الاجتماعية على المستوى المعيشي أو البيئي، ولذلك فإنني أتصوّر أن الذين يشرفون على الواقع في لبنان يعملون على أنصاف الحلول، وهو ما لاحظناه في ما يُراد حلّه للجامعة اللبنانية أو الضمان أو غيره، لأن مسألة اللاّحل قد تسقط هؤلاء من مواقعهم.
لذلك، إن أنصاف الحلول أو أرباعها أو إيحاءات الخارج الذي يملك تأثيراً على لبنان، هي التي تحمي لبنان من الانهيار لتجعله يعيش في دائرة التجاذب إلى وقتٍ ما.
س: في ضوء الهدنة الرئاسية والمساكنة برعاية أخوية مشكورة، كيف ترسمون التحديات الداخلية في بداية العام 2004م بعد ثبات الاستقرار السياسي؟
ج: إن العام الجديد سوف يكون امتداداً للعام السابق، لأن المسألة هي أنه ليس لدينا الشخص الذي يملك العصا السحرية، باعتبار أن كلّ العصيّ التي تجلد المواطن اللبناني وتجلد حاضره ومستقبله هي عصيٌّ جامدة، ولا تملك أيّ شيء من الحلّ، وإنما تملك أن تجلد الذين يطالبون بالحلّ. إنني أخشى أن يكون قدر لبنان هو لبنان الذي أدمنه اللبنانيون من رجال دين وسياسة واجتماع، لأن القضية هي أن اللعبة هي لعبة الكرة التي يتقاذفها الجميع من أجل أن يسجّلوا نقطةً لحساب هذا الفريق أو ذاك، ومن المأساة أنّ الكرة المقذوفة هي الوطن.
في الوضع المسيحي
س: هل انتفت بنظركم صفة الإحباط المسيحي أم بعد، وهل هناك إحباط في الطوائف الأخرى؟
ج: أنا لا أتصور أن هناك إحباطاً مسيحياً، وحتّى لا أتصوّر أن هناك حرماناً إسلامياً بالمعنى اللبناني الداخلي. إن المسيحيين لم يحرموا المسلمين عندما كانوا يتحدثون عن الحرمان الإسلامي، وإنّ المسلمين لم يشاركوا في ما يُسمّى بالإحباط المسيحي. هناك مشكلة لدى اللبنانيين، أنهم يجلدون أنفسهم عندما يحمّلون بعضهم بعضاً السلبيات التي يعيشون فيها، لأنهم لا يُحدِّقون بالذين يصنعون هذه السلبيات، أو ربّما تكون طموحات البعض من هذه الطائفة أو تلك الطائفة أكثر من الواقع. إن هناك متغيرات في العالم تهزُّ العالم كلّه لا منطقة الشرق الأوسط، لذلك نحن نتصور أنّه لا بُدَّ أن نكون واقعيين، وليس معنى الواقعية الاستسلام للأمر الواقع، ولكن أن نتعامل مع الواقع بأدواته ونغيره بأدواته. لذلك، فإنّني أتهم الكثير من الشعارات التي تطلقُ في الساحة المسيحية أو الإسلامية أنّها أوهامٌ يُرادُ لها أن تكون حقائق.
س: وهل تتوقّعون مستجدّات في التعاطي الرسمي مع بعض المعارضة المسيحية، خاصة في ما يتعلق بشروط هذه المعارضة للحوار، كإطلاق سمير جعجع؟ وماذا عن عودة عون؟
ج: إن هناك مشكلة، وهي أنّ الذين يحكمون لبنان ليسوا المسلمين، فهناك المسيحيون في مراكزهم، ولكن أن لا يرضى المسيحيون عن هؤلاء لأنّهم يعتبرون الأبطال المسيحيين في فريق معين وينـزعون البطولة أو المسؤولية عن فريقٍ، فهذه هي المسؤولية التاريخية.
المسيحيون ممثلون في لبنان على حسب الظروف المحيطة بلبنان، والمسلمون كذلك، لهذا فالمسألة ليست أن المسيحيين يشكون من لبنان أو المسلمين يشكون من جماعتهم، وجماعتهم خاضعون لما يخضع له الشرق الأوسط والمنطقة كلها في هذا المقام. أمّا هذه القضايا التي يتحدّث فيها الناس من خلال شخصٍ هنا وشخص هناك، فإنّنا نتصور أن المسألة لا تُعالج بهذه الطريقة، ولكن هل هناك قضاءٌ موضوعيٌّ محايد. هذا ما يطلبه كلّ اللبنانيين، وإذا ثبت، فمن الطبيعي أن تُحلّ كُلّ المشاكل المتعلقة بالقضاء.
س: وهل هناك لعبة المعارضة والموالاة القائمة على أساس سياسي سليم أيضاً؟
ج: إن لعبة المعارضة والموالاة غالباً، ولا نتحدث بشمولية _ هي «قُمْ لأجلس مكانك».
العلاقات اللبنانية - السورية
س: ماذا تعُاين في ملف العلاقات السورية - اللبنانية، لا سيّما في الآونة الأخيرة والمواقف المعلنة؟
ج: إنّه من المطلوب سورياً ولبنانياً أن ترتكز العلاقات على أساس قاعدةٍ تحفظُ مصالح البلدين أمنياً وسياسياً واقتصادياً، بحيث يكون هناك تكامل في كُلّ الحقوق هنا وهناك، كما هو التكامل في الحدود والأرض والناس الذين تتداخل علاقاتهم بين سوريٍّ له علاقات أسريّة في لبنان أو العكس. إنني سمعتُ من بعض الجهات السورية الكبيرة، أنّهم يعانون من بعض الذين يحاولون أن يكبروا على حساب سوريا من دون أن تكون هناك ظروف لمعالجة هذه المسألة بطريقة واقعية. وقد سمعتُ من بعض الكبار، أنّ لبنان في قوانينه وفي برامج مؤسّساته، يُمثّلُ دولة حضارية تستطيع أن تصنع الحضارة، ولكنّ الكثيرين من الكبار لا يريدون لبنان دولة.
س: هل هناك خوف - سماحة العلامة المرجع - من انتشار الأصوليّة في لبنان؟ هل يمكن للعلمانيّة أن تجد طريقها يوماً ما إلى لبنان وكيف؟
ج: المشكلة هي أنّ الأصولية زحفت إلى العلمانية، وأنّ هناك أصولية علمانية لا تقبل الآخر، كما هناك أصولية دينية لا تقبل الآخر. إنّنا في هذا المجال نقول: إنّ الله خلقنا معاً مختلفين في لغاتنا وأعراقنا وأفكارنا، فإذا كان الله خلقنا، فلماذا لا نبقى معاً؟ وإذا كان الله خلق لنا عقولاً يمكن أن تتحرك وتبدع وتصنع الحوار، فلماذا لا نتحاور؟ إننا نخاف من الحوار لأنه يكشف الصورة المظلمة التي تختفي داخل نفوسنا لتحجب الضياء عن عقولنا.
قضيّة الحجاب في فرنسا
س: سماحة العلاّمة (فرنسا - الحجاب) احتجّيتم بكتاب وجهتموه إلى الرئيس الفرنسي الذي يدعمه الأزهر بشيخه، فطنطاوي يقول إنّ هذا حقّ الفرنسيين في منع الحجاب؟
فهل الإيمان والأخلاق في المظهر، أم في التصرف وعمق الأصالة في الدين والنفوس؟
ج: إنني أستغرب جداً - بقطع النظر عن مسألة الحجاب، كخط إسلاميّ وكفريضة إسلامية - لماذا هذا الإلحاح على الحجاب؟ فإني أتساءل: إذا كان الحجاب كقطعة قماشٍ توضعُ على الرأس هو المشكلة، فلماذا لا يكون الحجاب كقطعة قماش توضع على الصدر أو على المواقع الحساسة للرجال والنساء مشكلة. إن المشكلة قد تكون في خلفياتها العميقة، هي مشكلة اتجاه الرواسب الموجودة ضد الإسلام. ولهذا ناقشنا المسألة مع الرئيس شيراك بموضوعية، وقلنا: إنّ فرنسا تُمثِّلُ النظام العلماني، والعلمانية ليست ضد الدين على مستوى التعايش مع الدين، ولكنّها لا تريد للدين أن يتحوّل إلى قانون، أو لا تريد للدين التدخل في السياسة وغير ذلك. ولكنّ العلمانية، وخصوصاً من خلال الثورة الفرنسية، انطلقت من خلال الحريات الإنسانية، ولسنا نجدُ أيّة مشكلةٍ للحريّات، لا على أساس ما تحدثوا عنه من أنّ الحجاب يسيء للاندماج الاجتماعي ولا أنه يمثل حالة عدوانية أو طوائفية. إنني لا أتحدث عن رأيي الخاص، ولكني أتحدث عن بلدٍ لا ينكرُ أحدٌ علمانية قانونه، وهو أمريكا وبريطانيا.
إن أمريكا تحدَّثت بلسان وزير خارجيتها رداً على قرار فرنسا، بأن فرنسا إذا كانت تقول إن العلمانية لا نقاش فيها، فإن الحريات لا نقاش فيها ما دامت لا تُمثِّلُ استفزازاً للآخرين. وهكذا، كانت بريطانيا تقول من خلال بعض المسؤولات، إن الحجاب لا ينافي الحرية، ومن حقّ كلّ إنسان أن يلبس ما يشاء في هذا المجال. وهكذا كانت كلمة مستشار ألمانيا شرودر الذي قال إنّني لا أستطيع منع طالبةٍ من دخول المدرسة في ألمانيا وهي محجّبة. إنّ القرار الفرنسي يُمثِّلُ اضطهاداً للفتاة التي أرادت الحجاب بطواعيةٍ واختيار، أو لتلك التي تحمل الصليب، أو تلبس القلنسوة، فإنّه عندما يمنعها من الدخول إلى المدرسة فإنّه يقمع حاجتها للتعليم.
أمّا حديث شيخ الأزهر، فإنني أعتقدُ أنّه ليس حديثاً دينياً إسلامياً، إنّه حديثٌ سياسيٌّ خاضعٌ للجوّ السياسي في العلاقات المصرية - الفرنسية. لماذا؟ لأنّه أكّد في تصريحه الأخير أمام وزير الداخلية الفرنسية أن الحجاب فريضة، وأنّه لا يجوز للفتاة أن تخلع حجابها، ومع ذلك من حقهم أن يمنعوا. إننا نقول: إننا لا نتحدث عن التدخل في القرار الفرنسي، وإن هذا من حقهم كدولة، أو ليس من حقهم، ولكن من حقنا كمسلمين أن نطالب الآخرين بما يُؤكِّدونه في قضية الحريات. نحن مواطنون فرنسيون، أو أننا مسلمون في العالم المرتبط مع فرنسا ومع المسلمين الفرنسيين بروابط جيدة، من حقنا الاعتراض قبل أن يصنع الآخرون ما يريدون.. من حقّنا نصيحة الفرنسيين أو الضغط عليهم كما يضغطون علينا عندما يؤكدون بعض المواقف السياسية ضد المقاومة في فلسطين، وضد بعض حقوق الإنسان في هذا البلد أو ذاك.
س: هل هناك ظروف خاصة بفرنسا حتّمت هكذا قرار؟
ج: إنني أتصور، كما يقول البعض من العلمانيين الفرنسيين، بأنّ هناك اتصالاً (لهذه المسألة)بالانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة، كما هي القضية في أمريكا عندما تتحرك القوانين والمبادرات السياسية من أجل القضايا الداخلية والخارجية.
إنّ من حق المسلمين الذي يصلون إلى ما يقارب الستة أو سبعة ملايين، أن تكون لهم حقوقهم، وأن تلاحظ فرنسا حقوقهم.
وإننا نقول لوزير الداخلية الفرنسي، إنّك عندما تقول إن العلمانية تضمن حقوق المسلمين، فإنّ من حقوق المسلمين أن يكون للفتاة المسلمة حق الدخول إلى المدرسة بحجابها الذي هو فريضة وليس شعاراً. لذلك إننا نختلف معكم في مسألة التطبيق وليس في مسألة الخطّ العام.
أمريكا محرِّك الأزمات في العالمين العربي والإسلامي
س: في ختام هذا اللقاء الشيِّق كالعادة، ماذا عن الدروس والاستخلاصات من أحداث العام، وسبق لكم ووصفتم العالم العربي بالسجن الكبير، واعتبرتم أن القادة صادروا الشعوب باسم القانون لمحاربة إسرائيل؟
ج: إنّ المشكلة التي تواجه العالم، ولا سيّما العالمين العربي والإسلامي، هي أمريكا. «فتش عن أمريكا»، لأنها تتصرف على أساس بقائها الإمبراطور للعالم كله. وقد سمعتُ من بعض الدبلوماسيين الأوروبيين في التعليق على بعض القرارات الأوروبية التي لا تتفق مع الخط الأوروبي السياسي بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط، أنّ هناك ضغوطاً من أمريكا عليهم، وأنّهم لا يستطيعون التخفف من هذه الضغوط الآن، وسنتخفّفُ منها في المستقبل.
إنّ أمريكا تحاول فرض سيطرتها من خلال ما تملك من عناصر القوة على العالم كلّه، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والروسي والصين، وتعمل على رشّ الفوضى والقلق في العالم باسم حقوق الإنسان، وباسم الحرية والديمقراطية.
س: هل من حملات جديدة بعد العراق؟ هل هناك خطر على سوريا وإيران؟
ج: إنني أشك في وجود ظروف عسكرية أمريكية لحملة عسكرية في المناطق الأخرى، لأن للعراق ظروفه، حتّى إنّ الطاغية صدام كان يخاف من الجيش العراقي، ولذلك لم يكن الجيش العراقي يحمل سلاحاً، بل كان يضطهد الجيش العراقي وأوجد لنفسه جيشاً خاصاً.
فصدام سقط عند شعبه قبل سقوطه بيد الاحتلال، ولكن إذا كان العراقيون يمتنّون لأمريكا لأنها حررتهم من صدام، فالسؤال: إن صدام ونظامه صارا من الماضي، فماذا عن المستقبل؟ إن أمريكا لا تزال تربك العراق، وهي مشغولة بنفسها وليس بالشعب العراقي في هذا المجال، فقد صنعت مجلس الحكم الانتقالي، ولم تمنحه القوة على أن يبادر لحفظ الأمن والنظام في العراق الذي لا يزال على كفّ عفريت. وقد دخل في لعبة الأمم والمشكلة الدولية، ولهذا لن يتغير عام 2004 عن عام 2003، بل قد يزيد سوءاً، لأن أمريكا بدأت تشعر بالاهتزاز، اهتزاز ثقة الشعوب بها، ولهذا ستزيد ضغطاً وسوءاً، لأنّها تشعر بخطر من الناحية النفسية، لأنّ الشعوب وبنسبة 90%، صارت تكره ما معنى أمريكا.
س: ألا تخشى تقسيم العراق؟
ج: لا أجد هناك أيّة مقوِّمات لتقسيم العراق ما عدا المسألة الكردية.
س: مستقبل المنطقة بعد إضاعة إسرائيل لكُلّ الفرص، ومستقبل الصراع العربي _ الإسرائيلي؟
ج: إن إسرائيل في مأزق، والفلسطينيين في مأزق، وسيبقى المأزق للعام 2004، لأنّ الفلسطينيين لا يستطيعون السقوط أو التراجع، وشارون لو بقي في الحكم، فإنّهُ لا تسمح له ساديّته ووحشيّته، بالتراجع، وأمريكا الانتخابات الرئاسية ليست مستعدة للضغط على شارون. فالقضية هي أن أمريكا تؤمن بأن على الدم الفلسطيني أن يجري أنهاراً، وعلى العرب الانكفاء عن كلّ فلسطين، لأنهم باتوا يؤمنون بأن عليهم التحرر من فلسطين لا تحرير فلسطين.
مع كلمة المحبة في رحاب ولادة المسيح (ع)
س: كلمتكم للبنانيين في السنة الميلادية الجديدة؟
ج: إنني أقول للبنانيين جميعاً، إن السيد المسيح (ع) وأمه الطاهرة مريم (ع) قد جاءا آيةً ورحمةً للإنسانية كلّها، كما ورد في القرآن الكريم، ونحن كمسلمين ومسيحيين نحتفل بميلاد السيد المسيح (ع) من خلال حديث القرآن عنه بأنّه كلمةٌ منه وروحٌ ألقاها لمريم، وكما تحدّث عن السيدة مريم التي صدّقت بكلمات ربّها، ونحن نعتقد أن السنة الميلادية لا بُدّ أن تأخذ كلّ هذه الروح وكلّ هذه المحبة والتسامح، ونحنُ نلتقي بالسيد المسيح (ع) والعذراء (ع) كنموذجين ومثلين للإنسانية التي ترتفع وتسمو وتنفتح على الإنسان كلّه والحياة كلّها.
نحن نلتقي بالسيّد المسيح (ع) كقيمةٍ روحية تغني عقولنا وقلوبنا وحياتنا، وتملأها بالخير والعدل والمحبة. وإن اختلفنا في شخصية السيد المسيح (ع)، فتعالوا نتوحَّد بالسيد المسيح (ع) الرسالة والقيمة والروح والمحبة والعدل، والانفتاح على الإنسان كلّه والتعاون على البرّ والتقوى. وأن نصنع الوطن الإنسان. تعالوا لنؤنسن الوطن، لأن الكثيرين يريدون تحويل الوطن إلى وحشِ يهرب أبناؤه منه ليجدوا الأمن في مكانٍ آخر والعيش الكريم في مكانٍ آخر، ليهرب أبناؤه وليسقطوا كما سقط الضحايا الأبرياء الذين لم يجدوا العيش الكريم، فسعوا له في بلدٍ آخر. تعالوا لنؤنسن الوطن، فنحن لا نريد للإنسان أن يتحوّل إلى وحشٍ يفترس نفسه، وإنما نريده كما هي التجربة، أن يعطي الوحش بعض صفات الإنسان.
سماحة العلاّمة المرجع، كلّما لاحت الأخطار نقصدك لاستشراف الغد وتلمّس المستقبل، فأنت عنوان المواجهة بالإيمان، ومن أجل الإنسان، فشكراً لك.