التخلف في فهم النصوص الإسلامية وراء العنف الأعمى

التخلف في فهم النصوص الإسلامية وراء العنف الأعمى

كلما أظلمت أحوال المسلمين جاء من يُشعل في ظلام واقعهم ضوءاً. وكلما تكاثر عليهم الخصوم والأعداء واستشرت خلافاتهم، جاء من يدلّهم على طريق الوحدة في الإسلام ونبذ أسباب الفرقة.

وكلما شاع الفساد وصراع أهل البيت الإسلامي الواحد على منافع الدنيا، جاء من يدلهم على الطريق إلى الحق والوحدة.

إنه السيد محمد حسين فضل الله، المرجع الإسلامي الذي تعدّت مرجعيته طائفته إلى طوائف المسلمين. فهو يقود فكراً إسلامياً ملتزماً ومستنيراً، يقرأ كما لا يقرأ الآخرون، ويستشفّ المستقبل ببصيرة المؤمن الصادق الإيمان، المترفّع عما يحيط بالمجتمع من أسباب الهبوط والتردي.

مرجعية إسلامية شاملة يلجأ إليها المسلم من أي فريق، ليجد عنده الرأي والصدق والانفتاح.. وصلابة النواة.

على عادتها، قصدته "المحرر العربي"، وكان لرئيس التحرير معه هذا الحديث: أسئلة وأجوبة.

 

* ما علاقة الاجتهاد المدني بالديني عند غياب النص؟

ـ في مسألة الاجتهاد المدني عند غياب النص الديني، نقول: إنه من الممكن جداً حتى في النص الديني أن نجتهد في فهمه، لأن الدين ثابت على مستوى حرفية النص ولكنه متحرك على مستوى مضمون النص. فمضمون النص يمكن لك أن تنفتح على آفاقه وعلى خطوطه بما يمكنك من فهمه بطريقة جديدة على مستوى المسؤولية الثقافية بالطريقة التي تختلف عما يفهمه الآخرون.

إن الآخرين فهموا النصوص الدينية في الكتاب والسنة بحسب ما يملكون من ثقافة ورؤية، وربما تأثروا بالبيئة السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية التي عاشوها في فهم النص، ولذلك يمكننا أن نختلف معهم، لا من عقدة الاختلاف معهم، ولكن لأن ما عندهم عندنا وما عندنا ليس عندهم، وهم رجال ونحن رجال، ولذلك فإننا لا نعتقد بالثقافة التي انطلق بها القدماء، بل إننا نجتهد كما اجتهدوا، ونفهم كما فهموا مع كل احترامنا لاجتهاداتهم في ظروفهم.

وفي هذا المجال، فإن من الواضح أن العلماني لا يشعر بوجود أي قاعدة نصيّة أو أيديولوجية تمنعه من أن يجتهد بطريقة وبأخرى. إن الفرق بين الديني والعلماني ـ وهو التعبير الأصح ـ هو أن العلماني متحرر من كل إيديولوجية مسبقة، أما الديني فهو خاضع لهذه الإيديولوجية ولكن في حركة الاجتهاد لا في حركة الجمود والثبات.

موقف الإسلام من التكافر وممارسة العنف

* في ضوء ما يحدث من عنف أعمى باسم الإسلام، ويطال المسلم وغير المسلم، ما موقف المسلم مما يجري؟

ـ عندما ندرس مسألة الجهاد في بُعدها التشريعي، فماذا نجد؟ نجد أن الله يقول: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} [البقرة:190]، وفي آية أخرى يقول: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين} [النساء:75]، وأيضاً: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} [البقرة:193]، أي حتى لا تكون هناك أداة ضغط تضغط عليكم لتخرجوا عن دينكم وتبتعدوا عنه، وحتى يكون الدين كله لله، ليتحرك بحريته في مقام الدعوة من دون أن يضغط عليه أحد: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [البقرة:190].

ونقرأ: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم (أن تأخذوهم بالعدل) إن الله يحبُّ المقسطين* إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا (عاونوا أو ساعدوا) على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون} [الممتحنة:8-9].

إذاً هاتان الآيتان تقولان إضافةً إلى آيات أخرى، إن عليك أن تنفتح بالعدل والإحسان على كل مسالم مهما كان دينه، وإن عليك أن تتحفَّظ وتقف في موقف حماية نفسك من الذي يقاتلك على أساس الدين أو الذي يطردك من أرضك أو يساعد الذين يطردونك من أرضك.

إن هذه الفكرة العامة تبيِّن أن الإسلام يقول إن عليك أن تسالم العالم الذي يسالمك، وعليك أن تحارب الذي يحاربك من باب الدفاع عن النفس، فالجهاد في الإسلام حركة دفاعية وقائية: {وإمّا تخافنّ من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء} [الأنفال:58]، وليست حركة عدائية. ونحن نقرأ في النص النبوي الشريف: "إن الرفق ما وضع على شيء إلا زانه وما رفع عن شيء إلا شانه، وإن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف".

ونحن نقرأ أيضاً في المشاكل التي تحدث بيننا وبين الآخرين في الأسلوب الذي نحاول حلها من خلاله قوله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌ حميم} [فصلت:34]. حاول أن تستخدم في مواجهة المشاكل بينك وبين الآخرين الأسلوب الأمثل الذي يحوِّل أعداءك إلى أصدقاء.

تخلّف في فهم النصوص

أما ما يحدث مما نراه من العنف الموجّه ضد المسلمين وضد المدنيين في غير حالة حرب، وضد المسالمين لنا من جميع الناس، فهذا ليس إسلامياً. ولعلّ الأساس في ذلك كله هو التخلّف في فهم النصوص الإسلامية من خلال المناخات التي يعيشها بعض علماء المسلمين الذين استغرقوا في ظروف البيئات التي عاشوها في الجانب البدوي وما إلى ذلك، وهي بيئات تعتبر أن العنف هو الوسيلة الوحيدة لمعالجة القضايا. إن مشكلة هؤلاء أنهم لا يقارنون بين نص ونص، فنحن قد نقرأ: {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غِلظة} [التوبة:123] {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة:5].

إن هذه النصوص لها علاقة بحركة تفاصيل الحرب، أي أنّها تبيّن أنّك إذا أردت أن تحارب كيف يجب أن تكون حركة حربك في مواجهة الذي يحاربك، لكنهم أخذوها كقاعدة عامة: قاتل، اقتل..، على الرغم من أنّها تتحدث عن التفاصيل ولا تتحدث عن المبدأ في هذا المجال.

ربما لاحظنا أن بعض هؤلاء الناس لا يملكون ثقافة إسلامية، وإنما عاشوا في ظروف معينة انطلقت من خلال بعض الأوضاع السياسية المعقّدة، كما لاحظنا في حركة ما كان يسمى بالمجاهدين في مواجهة احتلال الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، حيث رأينا أن كل العالم الغربي بكل حلفائه في الشرق الأوسط استخدموا المسألة الدينية بالطريقة التي جعلت العنف ثقافة يعيشها المقاتلون من خلال عناوين أخذت بشكل مطلق، وهي عنوان مقاتلة الكفار وما إلى ذلك، ولعلّ المخابرات المركزية الأمريكية ساهمت مساهمةً فعالةً في إعطاء هذه العناوين بشكل تجريدي من دون أن تضع لها الخطوط الفاصلة، وهذا هو الذي أنتج ما نلاقيه الآن ما يسمى القاعدة أو أسامة بن لادن أو ما إلى ذلك.

إن الإسلام لا يقاتل الكافر لكفره، ومسألة الحرابة تعني أنه عندما يحاربني الكافر فإني أقاتله، وحتى عندما يحاربني المسلم فإنه عليّ أن أدافع عن نفسي، والله يقول: {ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق} [الأنعام:151].

وعلى ضوء هذا نفهم أن ما يحدث الآن من كل العمليات التي يقوم بها بعض التنظيمات بعنوان قتال الكفار أو بأي عنوان آخر، هي عمليات غير إسلامية وظالمة، لأنه لا يجوز الاعتداء على أي مدني مسالم، سواء كان مسلماً أو غير مسلم، ولهذا كنت أول شخصية إسلامية أصدرت استنكاراً وفتوى ضد ما قام به البعض في 11أيلول، بالرغم من أننا نختلف اختلافاً كبيراً جداً وحاداً مع الإدارة الأمريكية، لأنني قلت: إننا لا نحارب السياسة الأمريكية بهذه الطريقة، ولا يجوز لنا أن نعتدي على الأبرياء في مركز التجارة العالمي.

وهكذا أعلنّا رفضنا واستنكارنا لما حدث في مدريد والرياض والخُبَر وفي المغرب وما إلى ذلك، لأنه لا يجوز لنا أن نعتدي على المدنيين إذا كنّا نختلف مع إدارة حكوماتهم أو لأنهم يختلفون معنا في أي حالة من حالات الانتماء، سواء الانتماء الديني أو المذهبي أو ما إلى ذلك. حتى إننا تحدثنا في حديث قريب بإنكار قتل هؤلاء الخبراء الذين يأتون إلى هذا البلد الإسلامي أو ذاك ليقدموا خبراتهم في تلبية حاجتنا العلمية وما إلى ذلك.

ولا يجوز لنا أن نعتدي عليهم بحجة أنهم كفار، إننا نعتقد أن هذا ليس من الإسلام في شيء، وأنه ناشىء من ثقافة متخلّفة يعيش أصحابها عقدة ضد الآخر ولا يحترمون الآخر. ولهذا كنا نقول منذ البداية إننا لسنا أصولييين كما يتحدث البعض عن الأصولية الإسلامية، نحن لسنا أصوليين بالمعنى الغربي للأصولية، وهو اعتبار العنف الوسيلة الوحيدة للتغيير وعدم الاعتراف بالآخر، لأن الإسلام يعترف بالآخر: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله} [آل عمران:64]. إنه يعتبر، كما بينّا، أن الرفق هو الأساس وليس العنف. نحن أصوليون بمعنى أننا نرتكز على الأصول الأساسية للشريعة التي نجتهد فيها ونفهمها، حسب ما تفرضه ثقافتنا وحاجتنا ومواقعنا.

أجرى الحوار رئيس التحرير: نهاد الغادري
"المحرر العربي" 19-6-2004

كلما أظلمت أحوال المسلمين جاء من يُشعل في ظلام واقعهم ضوءاً. وكلما تكاثر عليهم الخصوم والأعداء واستشرت خلافاتهم، جاء من يدلّهم على طريق الوحدة في الإسلام ونبذ أسباب الفرقة.

وكلما شاع الفساد وصراع أهل البيت الإسلامي الواحد على منافع الدنيا، جاء من يدلهم على الطريق إلى الحق والوحدة.

إنه السيد محمد حسين فضل الله، المرجع الإسلامي الذي تعدّت مرجعيته طائفته إلى طوائف المسلمين. فهو يقود فكراً إسلامياً ملتزماً ومستنيراً، يقرأ كما لا يقرأ الآخرون، ويستشفّ المستقبل ببصيرة المؤمن الصادق الإيمان، المترفّع عما يحيط بالمجتمع من أسباب الهبوط والتردي.

مرجعية إسلامية شاملة يلجأ إليها المسلم من أي فريق، ليجد عنده الرأي والصدق والانفتاح.. وصلابة النواة.

على عادتها، قصدته "المحرر العربي"، وكان لرئيس التحرير معه هذا الحديث: أسئلة وأجوبة.

 

* ما علاقة الاجتهاد المدني بالديني عند غياب النص؟

ـ في مسألة الاجتهاد المدني عند غياب النص الديني، نقول: إنه من الممكن جداً حتى في النص الديني أن نجتهد في فهمه، لأن الدين ثابت على مستوى حرفية النص ولكنه متحرك على مستوى مضمون النص. فمضمون النص يمكن لك أن تنفتح على آفاقه وعلى خطوطه بما يمكنك من فهمه بطريقة جديدة على مستوى المسؤولية الثقافية بالطريقة التي تختلف عما يفهمه الآخرون.

إن الآخرين فهموا النصوص الدينية في الكتاب والسنة بحسب ما يملكون من ثقافة ورؤية، وربما تأثروا بالبيئة السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية التي عاشوها في فهم النص، ولذلك يمكننا أن نختلف معهم، لا من عقدة الاختلاف معهم، ولكن لأن ما عندهم عندنا وما عندنا ليس عندهم، وهم رجال ونحن رجال، ولذلك فإننا لا نعتقد بالثقافة التي انطلق بها القدماء، بل إننا نجتهد كما اجتهدوا، ونفهم كما فهموا مع كل احترامنا لاجتهاداتهم في ظروفهم.

وفي هذا المجال، فإن من الواضح أن العلماني لا يشعر بوجود أي قاعدة نصيّة أو أيديولوجية تمنعه من أن يجتهد بطريقة وبأخرى. إن الفرق بين الديني والعلماني ـ وهو التعبير الأصح ـ هو أن العلماني متحرر من كل إيديولوجية مسبقة، أما الديني فهو خاضع لهذه الإيديولوجية ولكن في حركة الاجتهاد لا في حركة الجمود والثبات.

موقف الإسلام من التكافر وممارسة العنف

* في ضوء ما يحدث من عنف أعمى باسم الإسلام، ويطال المسلم وغير المسلم، ما موقف المسلم مما يجري؟

ـ عندما ندرس مسألة الجهاد في بُعدها التشريعي، فماذا نجد؟ نجد أن الله يقول: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} [البقرة:190]، وفي آية أخرى يقول: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين} [النساء:75]، وأيضاً: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} [البقرة:193]، أي حتى لا تكون هناك أداة ضغط تضغط عليكم لتخرجوا عن دينكم وتبتعدوا عنه، وحتى يكون الدين كله لله، ليتحرك بحريته في مقام الدعوة من دون أن يضغط عليه أحد: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [البقرة:190].

ونقرأ: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم (أن تأخذوهم بالعدل) إن الله يحبُّ المقسطين* إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا (عاونوا أو ساعدوا) على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون} [الممتحنة:8-9].

إذاً هاتان الآيتان تقولان إضافةً إلى آيات أخرى، إن عليك أن تنفتح بالعدل والإحسان على كل مسالم مهما كان دينه، وإن عليك أن تتحفَّظ وتقف في موقف حماية نفسك من الذي يقاتلك على أساس الدين أو الذي يطردك من أرضك أو يساعد الذين يطردونك من أرضك.

إن هذه الفكرة العامة تبيِّن أن الإسلام يقول إن عليك أن تسالم العالم الذي يسالمك، وعليك أن تحارب الذي يحاربك من باب الدفاع عن النفس، فالجهاد في الإسلام حركة دفاعية وقائية: {وإمّا تخافنّ من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء} [الأنفال:58]، وليست حركة عدائية. ونحن نقرأ في النص النبوي الشريف: "إن الرفق ما وضع على شيء إلا زانه وما رفع عن شيء إلا شانه، وإن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف".

ونحن نقرأ أيضاً في المشاكل التي تحدث بيننا وبين الآخرين في الأسلوب الذي نحاول حلها من خلاله قوله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌ حميم} [فصلت:34]. حاول أن تستخدم في مواجهة المشاكل بينك وبين الآخرين الأسلوب الأمثل الذي يحوِّل أعداءك إلى أصدقاء.

تخلّف في فهم النصوص

أما ما يحدث مما نراه من العنف الموجّه ضد المسلمين وضد المدنيين في غير حالة حرب، وضد المسالمين لنا من جميع الناس، فهذا ليس إسلامياً. ولعلّ الأساس في ذلك كله هو التخلّف في فهم النصوص الإسلامية من خلال المناخات التي يعيشها بعض علماء المسلمين الذين استغرقوا في ظروف البيئات التي عاشوها في الجانب البدوي وما إلى ذلك، وهي بيئات تعتبر أن العنف هو الوسيلة الوحيدة لمعالجة القضايا. إن مشكلة هؤلاء أنهم لا يقارنون بين نص ونص، فنحن قد نقرأ: {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غِلظة} [التوبة:123] {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة:5].

إن هذه النصوص لها علاقة بحركة تفاصيل الحرب، أي أنّها تبيّن أنّك إذا أردت أن تحارب كيف يجب أن تكون حركة حربك في مواجهة الذي يحاربك، لكنهم أخذوها كقاعدة عامة: قاتل، اقتل..، على الرغم من أنّها تتحدث عن التفاصيل ولا تتحدث عن المبدأ في هذا المجال.

ربما لاحظنا أن بعض هؤلاء الناس لا يملكون ثقافة إسلامية، وإنما عاشوا في ظروف معينة انطلقت من خلال بعض الأوضاع السياسية المعقّدة، كما لاحظنا في حركة ما كان يسمى بالمجاهدين في مواجهة احتلال الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، حيث رأينا أن كل العالم الغربي بكل حلفائه في الشرق الأوسط استخدموا المسألة الدينية بالطريقة التي جعلت العنف ثقافة يعيشها المقاتلون من خلال عناوين أخذت بشكل مطلق، وهي عنوان مقاتلة الكفار وما إلى ذلك، ولعلّ المخابرات المركزية الأمريكية ساهمت مساهمةً فعالةً في إعطاء هذه العناوين بشكل تجريدي من دون أن تضع لها الخطوط الفاصلة، وهذا هو الذي أنتج ما نلاقيه الآن ما يسمى القاعدة أو أسامة بن لادن أو ما إلى ذلك.

إن الإسلام لا يقاتل الكافر لكفره، ومسألة الحرابة تعني أنه عندما يحاربني الكافر فإني أقاتله، وحتى عندما يحاربني المسلم فإنه عليّ أن أدافع عن نفسي، والله يقول: {ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق} [الأنعام:151].

وعلى ضوء هذا نفهم أن ما يحدث الآن من كل العمليات التي يقوم بها بعض التنظيمات بعنوان قتال الكفار أو بأي عنوان آخر، هي عمليات غير إسلامية وظالمة، لأنه لا يجوز الاعتداء على أي مدني مسالم، سواء كان مسلماً أو غير مسلم، ولهذا كنت أول شخصية إسلامية أصدرت استنكاراً وفتوى ضد ما قام به البعض في 11أيلول، بالرغم من أننا نختلف اختلافاً كبيراً جداً وحاداً مع الإدارة الأمريكية، لأنني قلت: إننا لا نحارب السياسة الأمريكية بهذه الطريقة، ولا يجوز لنا أن نعتدي على الأبرياء في مركز التجارة العالمي.

وهكذا أعلنّا رفضنا واستنكارنا لما حدث في مدريد والرياض والخُبَر وفي المغرب وما إلى ذلك، لأنه لا يجوز لنا أن نعتدي على المدنيين إذا كنّا نختلف مع إدارة حكوماتهم أو لأنهم يختلفون معنا في أي حالة من حالات الانتماء، سواء الانتماء الديني أو المذهبي أو ما إلى ذلك. حتى إننا تحدثنا في حديث قريب بإنكار قتل هؤلاء الخبراء الذين يأتون إلى هذا البلد الإسلامي أو ذاك ليقدموا خبراتهم في تلبية حاجتنا العلمية وما إلى ذلك.

ولا يجوز لنا أن نعتدي عليهم بحجة أنهم كفار، إننا نعتقد أن هذا ليس من الإسلام في شيء، وأنه ناشىء من ثقافة متخلّفة يعيش أصحابها عقدة ضد الآخر ولا يحترمون الآخر. ولهذا كنا نقول منذ البداية إننا لسنا أصولييين كما يتحدث البعض عن الأصولية الإسلامية، نحن لسنا أصوليين بالمعنى الغربي للأصولية، وهو اعتبار العنف الوسيلة الوحيدة للتغيير وعدم الاعتراف بالآخر، لأن الإسلام يعترف بالآخر: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله} [آل عمران:64]. إنه يعتبر، كما بينّا، أن الرفق هو الأساس وليس العنف. نحن أصوليون بمعنى أننا نرتكز على الأصول الأساسية للشريعة التي نجتهد فيها ونفهمها، حسب ما تفرضه ثقافتنا وحاجتنا ومواقعنا.

أجرى الحوار رئيس التحرير: نهاد الغادري
"المحرر العربي" 19-6-2004

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية