أجرت صحيفة "الوسط" البحرانية، في عددها الصادر في 9 صفر 1424هـ/11-4-2003م، لقاءً مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله حول مسألتي سقوط النظام العراقي والاحتلال الأميركي للأراضي العراقية، ومما جاء فيه:
النظام سقط قبل أن يسقط
إن صدام حسين لا يثق حتى بمؤسسة الجيش العراقي. وهذا ما رأيناه في الكويت عندما ترك وحدات الجيش لقدرهم فماتوا بالقصف والعطش والجوع، كما يبدو أن الحرس الجمهوري أعطي حجما اكبر مما هو عليه لكي يتم تضخيم الانتصار الأميركي. لأن هذا الرجل ـ أي صدام حسين ـ لم يخطط من الأساس للحرب بالطريقة التي كان يتكلم بها، من الممكن أن هذه المشاغلة حصلت لكي لا يستسلم ولكي يكون بطلا، ولكي تحقق اميركا نصراً.
وعلى ما يبدو فإن من الممكن أن يكون ما حدث يشكل آخر وظيفة لهذا الرجل عند الأميركيين. أما مسألة الصفقة التي يحكى عنها فتحتاج الى تدقيق، إذ لا توجد معطيات إلى الآن لكي نركز عليها. وفي تصوري أن هذا الرجل سقط قبل أن يسقط، لأنه سقط من وجدان الشعب العراقي وهذه معلومات وليست استنتاجات، إلا من جانب المنتفعين من النظام. لقد وصل اليأس بالناس إلى حد الهستيريا حتى باتوا يتقبلون أي آخر لإسقاط هذا الرجل.
ضمن هذه الأجواء لا يزال البعض يثير الخوف - ولا أدري واقعية هذا الحديث - من أن أميركا تريد أن تبقي هذا الرجل "فزاعة"، كما أبقت بن لادن، سواء في موته أو في حياته. إن هذه الأفكار ليست بعيدة عن الذهنية الأميركية التي تريد أن تصيب اكثر من عصفور بحجر واحد، ومهما يكن من أمر، فإن علينا أن نراقب النتائج السلبية الكبرى التي ستنتج عن هذا الحدث الذي يصفق له الجميع، ولكنه في الجانب الآخر ولو على مستوى الشكل يعتبر "قمة الذل العربي". فليست المسألة من المسؤول عن هذا الذل، وقد يتحدث كثيرون أن هذا الرجل هو المسؤول ولكن المسألة في النتائج. إن العرب سواء كانت هزيمتهم من ناحية رسمية من خلال حاكم أو بسبب نقاط ضعفهم، فإن العالم سيتعامل معهم كمهزومين، ولهذا الأمر آثار ستصيب كل بلد عربي وكل بلد إسلامي، وهي ستطال حتى أولئك الذين صفقوا للاحتلال الأميركي.
حرب السيطرة الأمريكية
إن من يراقب سياسة الولايات المتحدة، يعرف أن أميركا ليست جمعية خيرية تتصدق على العالم بالحرية والديمقراطية وتدفع بجنودها من أجل أن يعطوا الحرية لهذا الشعب أو ذاك، بل إن أميركا دخلت الحرب للسيطرة على المنطقة، بعد أن استطاعت شرعنة الوجود العسكري في الخليج كله على أساس تخويفه من هذا الرجل.
أنا أتصور أن هذه الحرب هي حرب أميركا العالمية بطريقة أو بأخرى، لأنها تبدأ من العراق لتتحرك في المنطقة، وهذا ما قاله وزير الخارجية الأميركية باول وسواه من المسؤولين الأميركيين الذين ركزوا على تغيير خريطة المنطقة في الشرق الاوسط لصالح أميركا، ومعاقبة الدول التي قالت لا لأميركا في مجلس الأمن، والهدف منع أية دولة من تكرار هذا الموقف الرافض للتفرد الأميركي ولكل الخطوات الأميركية اللاحقة للسيطرة على العالم. هذه الحرب انطلقت من كل أجوائها الإعلامية والعسكرية والنفسية للحؤول دون بروز أية قوة جديدة يمكن أن تكون طرفا في قيادة العالم إلى جانب أميركا. ولعلنا بدأنا نسمع أن لا دور للشركات الروسية في إعادة إعمار العراق وكذلك فرنسا. لقد بدأت أميركا حربا اقتصادية ضد الاتحاد الاوروبي وروسيا، وحربا وقائية ضد الصين لأنها تخشى من هذه القوى، وهي الآن تستكمل هجومها بعد أن أسقطت أميركا الأمم المتحدة ليس بالنقاط وإنما بالضربة القاضية.
إنني أدعو العرب والمسلمين الى التفكير بعمق وليس بطريقة استهلاكية تمني النفس من أن أميركا ستخرج من العراق، ربما تخرج من الباب ولكنها فتحت الف نافذة لكي تنفذ منها الى كل سياسة عربية والى الأمن العربي وثرواته.
مصادرة الشعب تواجه بمقاومة
في الواقع تبدو مسألة المعارضة معقدة جداً، فالمعارضة الموجودة في الخارج لا تملك الكثير من العمق الشعبي في الداخل، وربما نجد أن هناك بعض الناس يستقبلون هذا أو ذاك من أطراف المعارضة، ويعود سبب ذلك، لا إلى وزنهم، بل لأن الناس تعودت أن تستقبل الحاكم الجديد أو الذي يرضى عنه "العم سام" للتقرب منه.
وإذا كانت أميركا اكتشفت أن هؤلاء قد تكون لهم بعض المواقع، فإن الوقائع تؤكد أنهم لا يملكون الامتداد الشعبي داخل العراق، وخصوصاً أنهم لم يعبروا عن النبض العراقي الفعال. أما المعارضة في الداخل فلم يسمع أحد صوتها بعد. لذلك نحن نترقب صوت الداخل العراقي بالاضافة الى مواقف المخلصين من الخارج. وفي اعتقادي أن أميركا حين تبدأ بمصادرة الشعب العراقي وخلط الأوراق، فإنها ستواجه في المستقبل القريب أو البعيد حالة شعبية أقسى من الحالة التي واجهت النظام البائد.
لا حرب مذهبية
أما مسألة الاهتزازات التي يمكن أن تتعرض لها الوحدة الإسلامية، بفعل التدخلات الخارجية، فأنا لا أتصور أن هناك فرصة لحصول حرب مذهبية سنية - شيعية على رغم وجود الحساسيات التي يشجعها المتعصبون في الخارج، لكن التجربة العراقية تجعلها تعيش في دائرة ضيقة، لهذا لا تصل الى حرب وتاريخ العراق يقول ذلك. إلا أن عمليات السلب والنهب وبعض التصفيات لهذا المسؤول البعثي أو ذاك، كما تحدث الإعلام، تجعلنا نحذر ونخشى من وجود وضع معين يؤدي الى الكثير من الأوضاع السلبية الأمنية، ولا سيما أن البعض يتحدث منذ البداية عن تشجيع الأميركيين لحدوث ذلك، لكي يأتي تدخلهم تحت غطاء توفير الأمن، ما يجعل الشعب العراقي يقبل بهم لحاجته إليهم.
المقاومة القادمة
إن مسألة المقاومة تحتاج الى دراسة ميدانية، وخصوصا هذا الانهيار السريع للنظام والذي كان كثيرون يأملون أن يقاوم بالقوة العسكرية التي يملكها، وهذه الأسلحة الأميركية الجهنمية التي جُرّبت لأول مرة في أجساد العراقيين وبيوتهم وبناهم التحتية، ربما هذا يجعل المسألة تطل من موقع التوازن إلى المستقبل. لكنني أتصور انه عندما تتطور الأمور في اتجاه آخر، وخصوصاً اذا دخلت بعض العوامل الخارجية على الخط لتثير العديد من المشكلات أمام الاحتلال الأميركي، فمن الممكن جداً أن تكون هناك مقاومة على مستوى العصابات وعلى غير مستوى. وفي هذا المجال علينا أن نرصد جيدا هذا التضارب في المصالح الأميركية - الأوروبية، وما يمكن أن يؤدي إليه من تدخل السياسة لتخرب الأمن.
وأخيراً، فإن الانتصار العسكري الأميركي لا يعني الانتصار السياسي، بل إن الانتصار السياسي اكثر تعقيدا من العسكري، وهناك مثال على ذلك بما حصل للاتحاد السوفياتي اثناء احتلاله لأفغانستان".
* حاورته من بيروت "منى سكريّة" مراسلة صحيفة "الوسط" البحرانية.