علّق المرجع الديني الأبرز في التيارات الاسلامية الاصولية الشيعية اللبنانية على ما يعتبره البعض حق الشعب العراقي بعربه من سنة وشيعة وباكراده في الاستعانة باميركا للتخلص من القهر الذي مارسه عليه نظام الرئيس صدام حسين مدة طويلة، وعلى اعتقاد البعض الآخر أن التقاء في المصالح يمكن أن يحصل بين دولة كبرى وشعب صغير، وضعيف، وعلى احتمال أن يفتح انهاء النظام العراقي الباب أمام عراق ديموقراطي يرتاح اليه العراقيون وإن بديموقراطية غير مكتملة وفقاً للمعايير الغربية، قال: "ان هناك مثلاً يقول إن الذي يضحك أخيراً هو الذي يضحك كثيراً. ولعل مشكلتنا في العالم العربي هي اننا نفكر في السياسة في حجم اللحظة على طريقة قول الشاعر:
ما مضى فات والمؤمَّلُ غيبٌ |
ولك الساعة التي أنت فيها |
أو على الطريقة اللبنانية أيام الحرب عندما كانوا يتحدثون "حلّوها بقا كيف ما كان".
إن المسألة المطروحة هي: هل أن هذه الخطّة الأميركية تريد أن تعيد لشعب العراق هذا النوع من التنفس في الهواء الطلق، وفي الاحساس بشيء من معنى الانسانية في عناصر شخصيته وحياته، وماذا عن المستقبل؟ ألا تدل الوقائع على أن أميركا ستنطلق بكل ضغط شركاتها لتصادر كل شيء عراقي، وتمنع الشعب العراقي من تحقيق سياسة الاكتفاء الذاتي، أو من التحرك بحرية في علاقاته الدولية على طريقة "راحت السكرة وجاءت الفكرة".
لقد عايشت في العراق في بداية شبابي العهد الملكي، ورأينا الشعب العراقي يسحل نوري السعيد وعبد الإله في الشوارع، وكان يصفق لعبد الكريم قاسم على أنه الزعيم الأوحد، ثم صفّق لعبد السلام عارف وصفّق لعبد الناصر، ثم بعد ذلك رجم عبد السلام عارف وأفسح المجال لاسقاطه من الطائرة، وبعدما جاء عبد الرحمن عارف كمقدمة لمجيء حزب البعث، فكان احمد حسن البكر غطاء لصدام، وانطلق صدام وما زال إلى الآن.
إننا نلاحظ أن الشعب العراقي بين فترة وفترة - وأنا اتحدث عن ظاهرة لا عن شمولية - كان يحس ببعض الراحة من خلال تخففه من الضغوط التي كانت تقع في العهد السابق، ولكنه كان ينطلق بكل شراسة عندما يدخل العهد الجديد في التجربة التي قد تكون أقسى من التجربة السابقة.
إن البعض يرد في هذه الظاهرة إلى لعبة الأمم وإلى التدخلات الخارجية، ولكن أميركا مهما كانت قوية، فانها ليست القوة الوحيدة التي تعرف كيف تتدخل، ولا سيما في الساحة التي تملك فيها كل الدول موقعاً يعطيها حرية الحركة، بقدرما تسمح العلاقات بين الدول في صراع المصالح. اننا نجد الآن في تجربة افغانستان التي نعرف جميعاً أن الشعب الافغاني كان يعيش وضعاً ولا أشرس منه ولا أقسى في نظام طالبان، وإننا نجد أن هذا الشعب أو الكثير من أفراده قد تصور بأن أميركا جاءت لتنقذه، وجاءت بالمنّ والسلوى، ولكن هذه الاحداث المتحركة في هذا البلد ـ وليس من الضروري تكون مسألة طالبان أو محاولة امراء الحرب أن يستعيدوا مواقعهم ـ من خلال العمليات التي تستهدف الوجود الاميركي بل وجود الحلفاء، وهو ما يعني أن الشعب الافغاني بدأ يرى أن هذا النظام الجديد لم يستطع أن يحقق له الأمن الذي كانت طالبان حققته وان كان بالحديد والنار، كما يتقن من أن كل هذه الدول المانحة، بما فيها أميركا التي وعدت الافغان بالمن والسلوى وبمساعدتهم ورفع مستواهم الاقتصادي، لم تستطع أن تحقق لهم شيئاً.
لذلك فإن الشعوب التي قد تستسلم في بعض المحطات لبعض القوى الكبرى لتحقيق احلام سعيدة، سرعان ما تكتشف أن هذه الاحلام لم تتحقق وان المسألة ربما حلّت لهم مشكلة، ولكن اوقعتهم في آلاف المشكلات. اني لا اتحدث عن هذا كأنه القضاء والقدر لأن هناك الكثير من الفجوات التاريخية والسياسية والاقتصادية قد تعطل حركة هنا وحركة هناك، ولكننا نعرف أن الحديث عن السياسة لا يتصل بالمطلق، لكن المسار قد يتعثر هنا وهناك، ويفتح ثغرة هنا وهناك لهذا من الصعب جداً أن نبسّط النتائج التي قد تحصل في بعض المراحل في حركة الصراع بين نظام بائد ونظام مقبل ولكن التعقيدات قد تتحقق عندما يدخل الناس في التفاصيل ويقولون دائماً أن الشيطان يدخل ويكمن في التفاصيل".
هل تعتقدون أن الشعب العراقي بكل فئاته سيواجه الضربة العسكرية المباشرة في حال قررتها أميركا ونفذتها؟ وهل تتوقعون قيام هذا الشعب بعمليات انتقامية رداً على ما تعرض له في السابق من النظام وأنصاره؟
أجاب المرجع الاسلامي الابرز: "من الممكن أن تحصل هناك مجازر كما رأيناها عندما حصلت المجازر في العراق في عهد عبد الكريم قاسم في اثناء ما كان يسمى المدّ الشيوعي أو المد الأحمر حيث وقعت مجازر غير معقولة في أكثر من منطقة في العراق، وقد اتُهم الحزب الشيوعي العراقي بأنه قاد تلك المجازر، وخصوصاً من خلال المناخ الذي كان يثيره ويصنعه المهداوي في محكمته المعروفة التي فقدت كل منطق حتى قيل عنها "محكمة قراقوش".
إن من الممكن جداً حصول مجازر ولكن على مستوى المواقع السياسية ولا سيما ضد حزب البعث وضد رموز النظام، وربما تفسح أميركا المجال لهذه الفوضى لصالح الشعب العراقي المقهور والذي يحمل حالة نفسية قاسية ضد كل هؤلاء. ولكن لن تحصل هناك فتنة مذهبية على مستوى السنة والشيعة لأن الواقع العراقي في مدى الزمن لا يختزن في داخله مشكلة عميقة سنيّة شيعية على مستوى الواقع الشعبي.
ربما يشعر الشيعة في العراق بالغبن كما تشعر بعض الطوائف في لبنان بالغبن، ولكنهم لا يحمّلون السنّة على مستوى الشعب ذلك الغبن، بل يحمّلون الدول الكبرى كالانكليز أو بعض مواقع النظام. نحن نعرف أن هناك حساسيات بين السنة والشيعة تماماً كما هي الحساسيات في أي بلد ولكنها لم تصل الى مستوى الضراوة لأنه ليس هناك قضية سنية شيعية، فالشيعة أساساً لا يحملون اي روح عدوانية ضد السنّة كما أن السنة لا يجدون هناك أية ظروف تتصل بمذهبياتهم ضد الشيعة، فان الشيعة مثلاً لم يفكروا في مدى التاريخ بأن تكون لهم دولة شيعية في العراق، بل كان خطهم السياسي دائماً يؤكد على وحدة العراق، فهم الذين دعوا الهاشميين الى موقع الملكية في العراق، وبقي الحكم سنياً، واني اتصور الآن على حسب بعض المعلومات السابقة التي لا ادري مقدارها من الدقة، أن بعض المسؤولين الاميركيين قبل تطور الاحداث قالوا لبعض المعارضين بأن طريقة الحكم في العراق سوف لن تتغير، سيبقى السنة هم قاعدة النظام ويأخذ الشيعة حقوقهم، ولكن لا اساس أن يكونوا الحاكمين، فليس هناك أية ظروف - كما ارى - سياسية ومذهبية لأية حرب سنية وشيعية في العراق. قد تحصل بعض المشاكل القومية، لأن العراق فيه أكراد وتركمان وآشوريون وغيرهم...".
صدر عن سماحتكم فتوى دينية بخصوص الحرب على العراق تدعو الى عدم مشاركة العراقيين وخصوصاً الشيعة فيها لأن الأجنبي أي أميركا تقوم بها. لم يكن صدى هذه الفتوى ايجابياً عند المعارضة العراقية... بماذا تفسّرون ذلك؟