نقدّم فيما يلي الحلقة الثالثة من الحوار السياسي الذي أجراه الأستاذ سركيس نعوم مع العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله حول التطورات العراقية:
عن احتمال تراجع الرئيس الاميركي جورج بوش عن توجيه ضربة عسكرية الى العراق بعد تعبئة شعبه ضد نظام الرئيس صدام حسين وانعكاس تراجع كهذا سلبا على حظوظه في ولاية ثانية قال المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الاصولية الشيعية اللبنانية:
"عندما ندرس بعض تصريحات الرئيس بوش التي يقول فيها إنه رجل سلام وما يتحدث به المسؤولون الاميركيون مثل أنهم لم يقرروا الحرب، وعندما يتحدث بوش بان النظام العراقي اذا وافق على نزع اسلحة الدمار الشامل التي يملك، فان ذلك يعني أن النظام قد تغير... إن هذه الكلمات قد تكون للاستهلاك السياسي في مجلس الامن أو للاستهلاك المحلي الذي يجعل المعارضين للحرب يلتقطون أنفاسهم، ولكنها قد توحي بان الرجل يواجه مثل هذا المأزق ويحسب حسابه وانه يريد أن يجعل لنفسه خط رجعة. ولا سيما اذا عرفنا أن النظام العراقي في هذه المرحلة يختلف عن النظام العراقي في أول التسعينات، لأن هذا النظام في التسعينات وحرب الكويت كان يعرف أن رأسه ليس مطلوبا. اما في هذه المرحلة فيعرف أن رأسه مطلوب وان اغلب الدول التي تصرّح ولاسيما العربية والاسلامية وتعلن رفضها للحرب في العلن تخفي فرحها ورغبتها في حرب تقتلع هذا النظام الذي اربك المنطقة واصبح مشكلة لاكثر من نظام في المنطقة... لذلك فإن مسألة تقديم التنازلات بلا حساب سوف يتحرك بها النظام كما لاحظناه في اعطائه الضوء الاخضر للمفتشين بأن يتجاوزوا المحرّمات وهي القصور وبأن يلاحقوا حتى العلماء - علماء الاسلحة - ليتحدثوا معهم، وليعرفوا ما عملوه وما نفذوه... إن علينا النظر في هذا الجانب وفي حركة النظام العراقي وفي حربه الديبلوماسية، لأن المسألة لا تزال ضمن اطار المصالح الدولية التي ربما تغلق اكثر الابواب على اكثر من دولة كبرى تعتبر أن مصالحها في العراق ولاسيما مصالحها في البترول العراقي ترتقي الى المستوى المصيري".
تقولون إن العراق يمكن أن يكون القوة العربية الوحيدة التي توازن إسرائيل مستقبلا. فهل عراق الرئيس صدام حسين هو هذا العراق؟ هذا العراق الذي لم يعد دولة قائمة أو موحدة بدليل عدم سيطرته على المناطق الكردية في الشمال وبدليل غياب سيطرته الفعلية على الجنوب الشيعي اذا قرر هذا الجنوب الانتفاض وبدليل ما حصل في عاصمته وفي وسطه بعد تحرير الكويت. علما أن قوته كما قلتم استمدها من دعم أميركا له. وهذا الدعم لم يعد موجودا.
أجاب المرجع الابرز عن ذلك بالقول:
"أنا لا اتحدث عن عراق صدام حسين، إني اتحدث عن العراق كموقع من المواقع التي يمكن أن تصنع فيها القوة، اتحدث عن العراق كموقع استراتيجي يستطيع أن يصنع القوة التي قد توازن وتقترب من إسرائيل لأن الشعب العراقي حتى الآن لم يدجن لمصلحة الاعتراف بإسرائيل أو الخضوع لها.
وقد لاحظنا في الماضي، في عراق صدام حسين الذي وضع عنوان المواجهة ضد إسرائيل كلافتة في صدر مواقع نظامه، رأينا أنه بالرغم من كل وحشية النظام بالنسبة الى شعبه وتعقيداته بالنسبة الى المنطقة. كان يعمل على أن يصنع عراقاً قوياً، وبصرف النظر عن النتائج السلبية أو الايجابية في هذا المجال كان يمثل هذا النوع من الشخصية الاستعلائية - حيث كان يريد أن يجعل العراق "قويا" - ولذلك بادر الى صنع السلاح النووي وكل أنواع الاسلحة وربما شعر بعنفوان القوة عندما أوحى لنفسه الانتصار على ايران... إن العراق بشعبه معد اذا حصل على الاستقلال في سياسته وقراراته لأن يكون دولة قوية توازن أو تهدد ولو في موقعها امتدادات إسرائيل في المنطقة ولذلك فإن أميركا تفكر أن تصنع عراقاً أميركياً يمكن أن تصوغ مستقبله على الطريقة التي لا يمكن معها أن يملك قوة، بحيث يمكن أن ترتب موازين القوى وفق الصورة التي تخدم هذا الهدف.
ولعلنا نلاحظ في هذا المجال أن التصريحات التي قدمت كسيناريو لمرحلة ما بعد الحرب، ومفادها أن أميركا اذا نجحت في الحرب ضد العراق فانها سوف تفرض عليه احتلالا كاليابان لا كأفغانستان، وأنها ستجعل هناك قائداً عسكرياً... إن هذا السيناريو ربما يهدف إلى جسّ النبض أو إثارة الجدال أو ما اشبه ذلك، وهذا يوحي أن أميركا تخاف من أوضاع عراق المستقبل، ولا سيما أن الوضع والحرب الاميركية ضد العراق التي لا نعرف الآن خطوطها ونتائجها السلبية، قد توقع في حالة استعمال الطيران، كما في في الحرب على أفغانستان عشرات الآلاف من الضحايا، ما يؤدي الى إيجاد عقدة عميقة ضد الوجود الاميركي.
إننا عندما نلاحظ أن بلداً كالكويت ينطلق منه اشخاص عاديون كويتيون ليقوموا بإطلاق الرصاص على الجنود الاميركيين، أو نلاحظ الآن أن ديبلوماسياً أميركيا في عمان، التي هي قلعة أميركية، يتعرض لعملية اغتيال قام بها بعض الاردنيين، فهذا يعني أنّ هذه النماذج الصغيرة ربما تكبر عندما تدور الدائرة وتحصد الكثير من الابرياء في العراق وغيره... لاسيما اذا عرفنا أن الساحة العراقية محطّ الرياح التي يمكن أن تتحرك بها بين وقت وآخر، وخصوصاً عندما تنطلق اللعبة الدولية في ساحة المصالح المتناقضة. أما حديث أميركا عن الحرية والديموقراطية وغيرهما فلا حقيقة له، حيث من الطبيعي أنها لا تفكر في هذه العناوين في نطاق عراق صدام، أو عراق ما بعده، فهي لن تمنح المنطقة كلها اية فرصة لديموقراطية حقيقية ولحريات حقيقية، لأن اية ديموقراطية أو وحريات حقيقية للشعب سوف تدفع به إلى مواجهة أميركا في البداية وإلى معارضة الدول الكبرى، لأن من الطبيعي للشعب الذي يبحث عن حرياته، وعن سياسة الاكتفاء الذاتي، وعن حماية اقتصاده وثرواته الطبيعية، أن يتحول الى مشكلة لاميركا بالذات ولكل الدول الأخرى.
ونحن نعرف أن المنطقة هي منطقة الامواج الهائجة وليست منطقة الرياح الساكنة. أن العراق يتحول، كما منطقة الخليج كلها (الربع الخالي)، في ايام الربيع الى عجاج هائل لا يستطيع الانسان أن يبصر فيه الشمس".
يُعامل العراق حاليا ومن الانظمة العربية المتخاصمة معه كأنه صار رمزاً للعنفوان العربي، وترفض ضربه ربما لأنها بذلك تدافع عن نفسها. ولكن الا يحق للشعب العراقي بعربه من سنة وشيعة واكراد أن يستعين باميركا للتخلص من القهر الذي مارسه عليه مدة طويلة. ألا يمكن حصول تلاق في المصالح بين دولة كبرى وشعب صغير وضعيف يؤمّن مصالح الاثنين؟ الا يفتح إنهاء النظام العراقي الحالي المجال لقيام نظام ديموقراطي يرتاح إليه العراقيون، أم أن معايير الديموقراطية لا تنطبق عليه كلها؟
نقدّم فيما يلي الحلقة الثالثة من الحوار السياسي الذي أجراه الأستاذ سركيس نعوم مع العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله حول التطورات العراقية:
عن احتمال تراجع الرئيس الاميركي جورج بوش عن توجيه ضربة عسكرية الى العراق بعد تعبئة شعبه ضد نظام الرئيس صدام حسين وانعكاس تراجع كهذا سلبا على حظوظه في ولاية ثانية قال المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الاصولية الشيعية اللبنانية:
"عندما ندرس بعض تصريحات الرئيس بوش التي يقول فيها إنه رجل سلام وما يتحدث به المسؤولون الاميركيون مثل أنهم لم يقرروا الحرب، وعندما يتحدث بوش بان النظام العراقي اذا وافق على نزع اسلحة الدمار الشامل التي يملك، فان ذلك يعني أن النظام قد تغير... إن هذه الكلمات قد تكون للاستهلاك السياسي في مجلس الامن أو للاستهلاك المحلي الذي يجعل المعارضين للحرب يلتقطون أنفاسهم، ولكنها قد توحي بان الرجل يواجه مثل هذا المأزق ويحسب حسابه وانه يريد أن يجعل لنفسه خط رجعة. ولا سيما اذا عرفنا أن النظام العراقي في هذه المرحلة يختلف عن النظام العراقي في أول التسعينات، لأن هذا النظام في التسعينات وحرب الكويت كان يعرف أن رأسه ليس مطلوبا. اما في هذه المرحلة فيعرف أن رأسه مطلوب وان اغلب الدول التي تصرّح ولاسيما العربية والاسلامية وتعلن رفضها للحرب في العلن تخفي فرحها ورغبتها في حرب تقتلع هذا النظام الذي اربك المنطقة واصبح مشكلة لاكثر من نظام في المنطقة... لذلك فإن مسألة تقديم التنازلات بلا حساب سوف يتحرك بها النظام كما لاحظناه في اعطائه الضوء الاخضر للمفتشين بأن يتجاوزوا المحرّمات وهي القصور وبأن يلاحقوا حتى العلماء - علماء الاسلحة - ليتحدثوا معهم، وليعرفوا ما عملوه وما نفذوه... إن علينا النظر في هذا الجانب وفي حركة النظام العراقي وفي حربه الديبلوماسية، لأن المسألة لا تزال ضمن اطار المصالح الدولية التي ربما تغلق اكثر الابواب على اكثر من دولة كبرى تعتبر أن مصالحها في العراق ولاسيما مصالحها في البترول العراقي ترتقي الى المستوى المصيري".
تقولون إن العراق يمكن أن يكون القوة العربية الوحيدة التي توازن إسرائيل مستقبلا. فهل عراق الرئيس صدام حسين هو هذا العراق؟ هذا العراق الذي لم يعد دولة قائمة أو موحدة بدليل عدم سيطرته على المناطق الكردية في الشمال وبدليل غياب سيطرته الفعلية على الجنوب الشيعي اذا قرر هذا الجنوب الانتفاض وبدليل ما حصل في عاصمته وفي وسطه بعد تحرير الكويت. علما أن قوته كما قلتم استمدها من دعم أميركا له. وهذا الدعم لم يعد موجودا.
أجاب المرجع الابرز عن ذلك بالقول:
"أنا لا اتحدث عن عراق صدام حسين، إني اتحدث عن العراق كموقع من المواقع التي يمكن أن تصنع فيها القوة، اتحدث عن العراق كموقع استراتيجي يستطيع أن يصنع القوة التي قد توازن وتقترب من إسرائيل لأن الشعب العراقي حتى الآن لم يدجن لمصلحة الاعتراف بإسرائيل أو الخضوع لها.
وقد لاحظنا في الماضي، في عراق صدام حسين الذي وضع عنوان المواجهة ضد إسرائيل كلافتة في صدر مواقع نظامه، رأينا أنه بالرغم من كل وحشية النظام بالنسبة الى شعبه وتعقيداته بالنسبة الى المنطقة. كان يعمل على أن يصنع عراقاً قوياً، وبصرف النظر عن النتائج السلبية أو الايجابية في هذا المجال كان يمثل هذا النوع من الشخصية الاستعلائية - حيث كان يريد أن يجعل العراق "قويا" - ولذلك بادر الى صنع السلاح النووي وكل أنواع الاسلحة وربما شعر بعنفوان القوة عندما أوحى لنفسه الانتصار على ايران... إن العراق بشعبه معد اذا حصل على الاستقلال في سياسته وقراراته لأن يكون دولة قوية توازن أو تهدد ولو في موقعها امتدادات إسرائيل في المنطقة ولذلك فإن أميركا تفكر أن تصنع عراقاً أميركياً يمكن أن تصوغ مستقبله على الطريقة التي لا يمكن معها أن يملك قوة، بحيث يمكن أن ترتب موازين القوى وفق الصورة التي تخدم هذا الهدف.
ولعلنا نلاحظ في هذا المجال أن التصريحات التي قدمت كسيناريو لمرحلة ما بعد الحرب، ومفادها أن أميركا اذا نجحت في الحرب ضد العراق فانها سوف تفرض عليه احتلالا كاليابان لا كأفغانستان، وأنها ستجعل هناك قائداً عسكرياً... إن هذا السيناريو ربما يهدف إلى جسّ النبض أو إثارة الجدال أو ما اشبه ذلك، وهذا يوحي أن أميركا تخاف من أوضاع عراق المستقبل، ولا سيما أن الوضع والحرب الاميركية ضد العراق التي لا نعرف الآن خطوطها ونتائجها السلبية، قد توقع في حالة استعمال الطيران، كما في في الحرب على أفغانستان عشرات الآلاف من الضحايا، ما يؤدي الى إيجاد عقدة عميقة ضد الوجود الاميركي.
إننا عندما نلاحظ أن بلداً كالكويت ينطلق منه اشخاص عاديون كويتيون ليقوموا بإطلاق الرصاص على الجنود الاميركيين، أو نلاحظ الآن أن ديبلوماسياً أميركيا في عمان، التي هي قلعة أميركية، يتعرض لعملية اغتيال قام بها بعض الاردنيين، فهذا يعني أنّ هذه النماذج الصغيرة ربما تكبر عندما تدور الدائرة وتحصد الكثير من الابرياء في العراق وغيره... لاسيما اذا عرفنا أن الساحة العراقية محطّ الرياح التي يمكن أن تتحرك بها بين وقت وآخر، وخصوصاً عندما تنطلق اللعبة الدولية في ساحة المصالح المتناقضة. أما حديث أميركا عن الحرية والديموقراطية وغيرهما فلا حقيقة له، حيث من الطبيعي أنها لا تفكر في هذه العناوين في نطاق عراق صدام، أو عراق ما بعده، فهي لن تمنح المنطقة كلها اية فرصة لديموقراطية حقيقية ولحريات حقيقية، لأن اية ديموقراطية أو وحريات حقيقية للشعب سوف تدفع به إلى مواجهة أميركا في البداية وإلى معارضة الدول الكبرى، لأن من الطبيعي للشعب الذي يبحث عن حرياته، وعن سياسة الاكتفاء الذاتي، وعن حماية اقتصاده وثرواته الطبيعية، أن يتحول الى مشكلة لاميركا بالذات ولكل الدول الأخرى.
ونحن نعرف أن المنطقة هي منطقة الامواج الهائجة وليست منطقة الرياح الساكنة. أن العراق يتحول، كما منطقة الخليج كلها (الربع الخالي)، في ايام الربيع الى عجاج هائل لا يستطيع الانسان أن يبصر فيه الشمس".
يُعامل العراق حاليا ومن الانظمة العربية المتخاصمة معه كأنه صار رمزاً للعنفوان العربي، وترفض ضربه ربما لأنها بذلك تدافع عن نفسها. ولكن الا يحق للشعب العراقي بعربه من سنة وشيعة واكراد أن يستعين باميركا للتخلص من القهر الذي مارسه عليه مدة طويلة. ألا يمكن حصول تلاق في المصالح بين دولة كبرى وشعب صغير وضعيف يؤمّن مصالح الاثنين؟ الا يفتح إنهاء النظام العراقي الحالي المجال لقيام نظام ديموقراطي يرتاح إليه العراقيون، أم أن معايير الديموقراطية لا تنطبق عليه كلها؟