مجالس الحسين(ع) مجالس الدّعوة إلى الله

مجالس الحسين(ع) مجالس الدّعوة إلى الله

إنّنا نتصوّر أنّ المجالس الحسينيّة الّتي أطلقها أئمّة أهل البيت(ع)، تمثّل مجالس الدّعوة إلى الإسلام بكلّه، الأمر الّذي يفرض علينا أن نقوم في كلّ مساراتها بمهمّة تركيز الدّعوة إلى الإسلام، لنؤكّد مفاهيمه العقائديّة والشرعيّة في نفوس كلّ جيل، لنستطيع أن نجعل من هذه المجالس التحدّي الكبير للكفر والاستكبار، بحيث تلاحق، كما هي حركة التّبليغ في المجالات الأخرى، كلّ الأفكار المضادّة الّتي توجّه إلى الإسلام، سواء من خلال التيَّارات العلمانيَّة، أو من خلال وسائل الاستكبار العالميّ، الّتي تعمل على تشويه صورة الإسلام، وما إلى ذلك.

القضيَّة ليست أن تكون مجالسنا ومواكبنا مجرَّد حركة استدرار للعاطفة، بل أن تكون إلى جانب ذلك حركة استدرار للعقل والفكر، والانطلاق للدّخول في ساحة الصّراع.

مسؤوليَّة الخطباء

ومن الطّبيعيّ أنّ مثل هذا الاتجاه، يفرض على المبلّغين من علماء وخطباء، أن يعيشوا الثّقافة الإسلاميّة بكلّ عمقها وامتدادها، وثقافة عصرهم في كلّ القضايا الّتي تحكم العصر وتمثّل روحه وحياته، لأنَّ المطلوب هو أن نعمل على إدخال الإسلام في العصر، ولما كان التشيّع هو الخطّ الإسلاميّ الأصيل، فلا بدّ لنا من أن ندخل التشيّع في العصر، بحيث يعيش عصرنا في مختلف مواقعه الثقافيّة والسياسيّة، روح الإسلام وروح أهل البيت(ع)، وهذا يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافيّة، نؤصّل فيها الثّقافة، ونميّز فيها بين الغثّ والسّمين، وبين الصّحيح والفاسد، لأنّ ذلك هو الّذي يمكن أن يجعلنا نلتقي بكلّ الأجيال في هذا المجال.

وعلى ضوء هذا، فإنّ المسألة الّتي تفرض نفسها، هي أنّنا نتحمّل الآن، في كلّ حوزاتنا ومجالسنا، ما تحمّله النبيّ(ص) في حركة الدّعوة إلى الله، فقد كان(ص) يواجه كلّ التحدّيات الّتي توجّه إليه في دعوته، والقرآن قد أرّخ لكلّ الشّبهات الّتي كانت توجّه إلى الوحدانيّة والنبوّة، وإلى كثير من المفاهيم الّتي جاءت بها النبوّات، وبذلك فنحن نعتقد ـ من خلال ذلك كلّه ـ أنّ النبيّ(ص) أطلق الدّعوة في موقع تحديثات عصره، وواجه بالموعظة والحوار وبكثير من المبادرات والأجوبة، كلّ القضايا الفكريّة والسياسيّة المثارة في ذلك العصر، في داخل الواقع الإسلاميّ وخارجه، وأجاب عنها وحاور الآخرين من خلالها.

وعندما ندرس الأئمّة(ع)، فإنّنا نجد أنّهم كانوا يواكبون حركة عصرهم، لأنّهم كانوا ـ وهم حجج الله على عباده ـ يعملون على أن يقيموا الحجَّة على كلّ النَّاس، من المعاندين والضالّين والمنحرفين، بحيث يبادرون إلى مواجهة كلّ شبهة أو مشكلة في الجوانب العقيديَّة والفقهيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة، بحيث نجد أنّ لكلّ إمام كلمةً ونقداً وتوضيحاً، وما إلى ذلك، وخصوصاً في عهد الأئمَّة الباقر والصّادق والكاظم والرّضا(ع)، لأنَّ التّاريخ ترك لهم تراثاً كبيراً يختلف عن الأئمَّة الآخرين، باستثناء الإمام عليّ(ع).

وقد سار علماؤنا السّابقون، وفي مقدّمهم الشيخ الطوسي والشيخ المفيد والسيد المرتضى، في هذا الاتجاه، فكانوا يملكون ثقافة موسوعيّة، جعلتهم يشاركون في كلّ ما أثير في مرحلتهم من قضايا الفكر في الدّائرة المذهبيّة أو العقيديّة، أو في الدّوائر الأخرى المتنوّعة.

ونحن نواجه في عصرنا هذا التحدّيات بأكثر مما واجهتها العصور السّابقة، لأنّ التحدّيات الفكريّة الموجودة في الواقع المعاصر، لم تكن موجودةً بهذا العمق والامتداد والتنوّع والكثرة، ولم تكن موجودةً في زمن النبيّ(ص) ولا في زمن الأئمّة(ع) أو في زمن علمائنا السّابقين، وذلك من خلال تطوّر وسائل الاتّصال والتّواصل بين كلّ دول العالم، ما جعل المسألة تنطلق في حجم العالم كلّه..

ولذلك، فإنّ على الدّاعية والمبلّغ والعالِم المسلم، أن يظلّ في حالة دراسة وتفكير وحوار وانفتاح على كلّ جديد في كلّ يوم، حتّى يستطيع أن يكون الحجّة لله على النّاس، بدلاً من أن يكون الحجَّة على الإسلام لمصلحة الكافرين، لأنّ الإنسان الّذي لا يملك ثقافةً يستطيع من خلالها أن يدافع عمّا يمثّل وعمّا يدعو إليه، فإنَّه سوف يؤدّي إلى ضعف ما يمثّل وما ينتمي إليه..

أضف إلى ذلك، أنّ هناك من المختلفين معنا في الدّين أو المذهب من المثقّفين، من يجلس تحت منابرنا، سواء كنّا مبلّغين على مستوى العلماء أو على مستوى الخطباء، وخصوصاً في المنابر المفتوحة، هؤلاء يعتبرون أنّ ما يسمعونه هو صورة الإسلام، فإذا لم تكن الصّورة الّتي ننقلها صورة مشرقة، فمعنى ذلك أنّنا سوف نقدّم للنّاس صورة مشوّهة عن الإسلام، هذا في الإطار العام.

دراسة عاشوراء موضوعيّاً

وفي الإطار الخاصّ، إطار الحسين(ع)، نحن نؤكّد أنَّ قضيَّة الحسين(ع) لا بدَّ من أن تكون مغسولة بالعاطفة، فلا بدَّ من أن تبقى المأساة أساساً في الثّورة الحسينيّة عندما نقدِّمها للنَّاس، لأنّ الثّورة الحسينيّة إذا خلت من العاطفة، أصبحت مجرَّد قضيَّة من قضايا الصِّراع في التَّاريخ، وماتت كما تموت كثير من قضايا الصِّراع، ولذلك فقد خطّط أهل البيت(ع) لتبقى قضيَّة الحسين مربوطة بالعاطفة، فكانوا يُنشئون المجالس، ويجلسون إلى الشّعراء الّذين ينشدون في مراثي الحسين(ع)، ويهيّئون الأجواء البكائيّة وما إلى ذلك.. لذلك نحن نؤكّد أنّ العاطفة أساسيّة في مسألة الإمام الحسين(ع)، ولا يجوز لنا أن نبتعد عنها.

وهناك نقطة أخرى، وهي أنّ علينا عندما نواجه مسألة سيرة الحسين(ع)، أن لا نعتمد على كلّ ما بين أيدينا، فبين أيدينا غثّ وسمين، وبين أيدينا متناقضات.. لذلك لا بدّ من أن تدرس قضيّة الحسين(ع) دراسةً علميّة موضوعيّة، ولا أقول إنّ علينا أن نأخذ كلّ رواية بالطّريقة المعنعنة الموجودة في روايات الأحكام الشرعيّة أو ما إلى ذلك، ولكن علينا أن ندرس الرّوايات في مضمونها، من حيث طبيعة علاقتها بالواقع من حولها، حتّى نستطيع أن نركّزها على أساس وقاعدة.. أن نفهم ـ مثلاً ـ ظروف خروج الحسين(ع) من المدينة إلى مكّة؛ هل هي ظروف تتّصل بمسألة كربلاء، أو هي ظروف تتّصل بمسألة البيعة؟ وهكذا علينا أن ندرس المرحلة الّتي أمضاها الإمام الحسين(ع) في مكّة وكيف كانت، وهكذا ـ وهذه نقطة مهمّة جدّاً ـ مسيرة الإمام الحسين(ع) من مكّة إلى كربلاء وحركته في كربلاء.. لا بدّ من دراسة علميّة في هذا المجال.

لا بدَّ من أن نقرأ أوّلاً، قبل أن نقرأ الكتب الأخرى، المصادر الموثوقة الّتي بين أيدينا، ولا سيّما من خلال ما يُقال بأنّ مقتل "ابن مخنف" هو المقتل الأساس الموجود في تاريخ الطّبري، وأمّا هذا المقتل الّذي بين أيدينا، فهو ليس مقتل "ابن مخنف"، ونعرف ذلك من خلال المقارنة بين هذا وذاك، ونقرأ الإرشاد للشّيخ المفيد، أو المصادر القريبة من ذلك العصر، ثم نحاول أن نقارن بينها وبين ما أصبح يُنقل إلينا في الكتب الحديثة.

لا بدَّ لنا من أن نختار ـ بعد دراسة ـ الأشياء الّتي يمكن أن ينفتح عليها الإنسان، وأن لا نبادر إلى قراءة الأشياء الّتي لم تثبت لمجرّد إثارة العاطفة، فقد ورد في كلام الإمام جعفر الصّادق(ع) وهو ينقد بعض أصحابه عندما كان يحاور بعض النّاس، كان يقول له: "تمزج الحقّ بالباطل، وقليل الحقّ يكفي من كثير الباطل".

حسن اختيار المواضيع 

ولهذا، لا بدّ لنا من أن نعمل على أساس اختيار مواضيع الثّورة الحسينيّة بشكل ينفتح على كلّ الواقع، من خلال الوثاقة في المضمون، ومن خلال النّتائج الإيجابيّة الّتي يمكن أن ينطلق فيها في واقعنا.

إنّنا نريد أن نعطي صورة حقيقيّة للحسين(ع)، فمثلاً، كيف يمكن أن يقف الخطيب ويوازن بين موقف القوّة للإمام الحسين(ع) وموقف القوّة للسيّدة زينب(ع) وبين كثير مما يُقال؟ فإنّ الإنسان يجد نفسه يعيش حالة مزدوجة أمام كلمة الإمام الحسين(ع) وهو يقول: "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد".. والكلمة الّتي يرويها حميد بن مسلم، إذا صحَّت روايتها عنه: "وحقّ جدّي إنّي لعطشان"، فكيف يوازن الإنسان بين الرّوح المقاومة والمتحدّية الّتي تواجه الواقع، والّتي تتكلّم عن أنّها لا يمكن أن تتنازل أمام كلّ ما يُطلب منها، وبين بعض الكلمات الّتي توحي بالضّعف.. وهكذا بالنّسبة إلى مسألة السيّدة زينب(ع) في مواقفها الرّائعة في كربلاء، وبين بعض ما يُتلى، وخصوصاً من النّاحية الشعبيّة...

[المصدر: كتاب "حديث عاشوراء"].

إنّنا نتصوّر أنّ المجالس الحسينيّة الّتي أطلقها أئمّة أهل البيت(ع)، تمثّل مجالس الدّعوة إلى الإسلام بكلّه، الأمر الّذي يفرض علينا أن نقوم في كلّ مساراتها بمهمّة تركيز الدّعوة إلى الإسلام، لنؤكّد مفاهيمه العقائديّة والشرعيّة في نفوس كلّ جيل، لنستطيع أن نجعل من هذه المجالس التحدّي الكبير للكفر والاستكبار، بحيث تلاحق، كما هي حركة التّبليغ في المجالات الأخرى، كلّ الأفكار المضادّة الّتي توجّه إلى الإسلام، سواء من خلال التيَّارات العلمانيَّة، أو من خلال وسائل الاستكبار العالميّ، الّتي تعمل على تشويه صورة الإسلام، وما إلى ذلك.

القضيَّة ليست أن تكون مجالسنا ومواكبنا مجرَّد حركة استدرار للعاطفة، بل أن تكون إلى جانب ذلك حركة استدرار للعقل والفكر، والانطلاق للدّخول في ساحة الصّراع.

مسؤوليَّة الخطباء

ومن الطّبيعيّ أنّ مثل هذا الاتجاه، يفرض على المبلّغين من علماء وخطباء، أن يعيشوا الثّقافة الإسلاميّة بكلّ عمقها وامتدادها، وثقافة عصرهم في كلّ القضايا الّتي تحكم العصر وتمثّل روحه وحياته، لأنَّ المطلوب هو أن نعمل على إدخال الإسلام في العصر، ولما كان التشيّع هو الخطّ الإسلاميّ الأصيل، فلا بدّ لنا من أن ندخل التشيّع في العصر، بحيث يعيش عصرنا في مختلف مواقعه الثقافيّة والسياسيّة، روح الإسلام وروح أهل البيت(ع)، وهذا يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافيّة، نؤصّل فيها الثّقافة، ونميّز فيها بين الغثّ والسّمين، وبين الصّحيح والفاسد، لأنّ ذلك هو الّذي يمكن أن يجعلنا نلتقي بكلّ الأجيال في هذا المجال.

وعلى ضوء هذا، فإنّ المسألة الّتي تفرض نفسها، هي أنّنا نتحمّل الآن، في كلّ حوزاتنا ومجالسنا، ما تحمّله النبيّ(ص) في حركة الدّعوة إلى الله، فقد كان(ص) يواجه كلّ التحدّيات الّتي توجّه إليه في دعوته، والقرآن قد أرّخ لكلّ الشّبهات الّتي كانت توجّه إلى الوحدانيّة والنبوّة، وإلى كثير من المفاهيم الّتي جاءت بها النبوّات، وبذلك فنحن نعتقد ـ من خلال ذلك كلّه ـ أنّ النبيّ(ص) أطلق الدّعوة في موقع تحديثات عصره، وواجه بالموعظة والحوار وبكثير من المبادرات والأجوبة، كلّ القضايا الفكريّة والسياسيّة المثارة في ذلك العصر، في داخل الواقع الإسلاميّ وخارجه، وأجاب عنها وحاور الآخرين من خلالها.

وعندما ندرس الأئمّة(ع)، فإنّنا نجد أنّهم كانوا يواكبون حركة عصرهم، لأنّهم كانوا ـ وهم حجج الله على عباده ـ يعملون على أن يقيموا الحجَّة على كلّ النَّاس، من المعاندين والضالّين والمنحرفين، بحيث يبادرون إلى مواجهة كلّ شبهة أو مشكلة في الجوانب العقيديَّة والفقهيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة، بحيث نجد أنّ لكلّ إمام كلمةً ونقداً وتوضيحاً، وما إلى ذلك، وخصوصاً في عهد الأئمَّة الباقر والصّادق والكاظم والرّضا(ع)، لأنَّ التّاريخ ترك لهم تراثاً كبيراً يختلف عن الأئمَّة الآخرين، باستثناء الإمام عليّ(ع).

وقد سار علماؤنا السّابقون، وفي مقدّمهم الشيخ الطوسي والشيخ المفيد والسيد المرتضى، في هذا الاتجاه، فكانوا يملكون ثقافة موسوعيّة، جعلتهم يشاركون في كلّ ما أثير في مرحلتهم من قضايا الفكر في الدّائرة المذهبيّة أو العقيديّة، أو في الدّوائر الأخرى المتنوّعة.

ونحن نواجه في عصرنا هذا التحدّيات بأكثر مما واجهتها العصور السّابقة، لأنّ التحدّيات الفكريّة الموجودة في الواقع المعاصر، لم تكن موجودةً بهذا العمق والامتداد والتنوّع والكثرة، ولم تكن موجودةً في زمن النبيّ(ص) ولا في زمن الأئمّة(ع) أو في زمن علمائنا السّابقين، وذلك من خلال تطوّر وسائل الاتّصال والتّواصل بين كلّ دول العالم، ما جعل المسألة تنطلق في حجم العالم كلّه..

ولذلك، فإنّ على الدّاعية والمبلّغ والعالِم المسلم، أن يظلّ في حالة دراسة وتفكير وحوار وانفتاح على كلّ جديد في كلّ يوم، حتّى يستطيع أن يكون الحجّة لله على النّاس، بدلاً من أن يكون الحجَّة على الإسلام لمصلحة الكافرين، لأنّ الإنسان الّذي لا يملك ثقافةً يستطيع من خلالها أن يدافع عمّا يمثّل وعمّا يدعو إليه، فإنَّه سوف يؤدّي إلى ضعف ما يمثّل وما ينتمي إليه..

أضف إلى ذلك، أنّ هناك من المختلفين معنا في الدّين أو المذهب من المثقّفين، من يجلس تحت منابرنا، سواء كنّا مبلّغين على مستوى العلماء أو على مستوى الخطباء، وخصوصاً في المنابر المفتوحة، هؤلاء يعتبرون أنّ ما يسمعونه هو صورة الإسلام، فإذا لم تكن الصّورة الّتي ننقلها صورة مشرقة، فمعنى ذلك أنّنا سوف نقدّم للنّاس صورة مشوّهة عن الإسلام، هذا في الإطار العام.

دراسة عاشوراء موضوعيّاً

وفي الإطار الخاصّ، إطار الحسين(ع)، نحن نؤكّد أنَّ قضيَّة الحسين(ع) لا بدَّ من أن تكون مغسولة بالعاطفة، فلا بدَّ من أن تبقى المأساة أساساً في الثّورة الحسينيّة عندما نقدِّمها للنَّاس، لأنّ الثّورة الحسينيّة إذا خلت من العاطفة، أصبحت مجرَّد قضيَّة من قضايا الصِّراع في التَّاريخ، وماتت كما تموت كثير من قضايا الصِّراع، ولذلك فقد خطّط أهل البيت(ع) لتبقى قضيَّة الحسين مربوطة بالعاطفة، فكانوا يُنشئون المجالس، ويجلسون إلى الشّعراء الّذين ينشدون في مراثي الحسين(ع)، ويهيّئون الأجواء البكائيّة وما إلى ذلك.. لذلك نحن نؤكّد أنّ العاطفة أساسيّة في مسألة الإمام الحسين(ع)، ولا يجوز لنا أن نبتعد عنها.

وهناك نقطة أخرى، وهي أنّ علينا عندما نواجه مسألة سيرة الحسين(ع)، أن لا نعتمد على كلّ ما بين أيدينا، فبين أيدينا غثّ وسمين، وبين أيدينا متناقضات.. لذلك لا بدّ من أن تدرس قضيّة الحسين(ع) دراسةً علميّة موضوعيّة، ولا أقول إنّ علينا أن نأخذ كلّ رواية بالطّريقة المعنعنة الموجودة في روايات الأحكام الشرعيّة أو ما إلى ذلك، ولكن علينا أن ندرس الرّوايات في مضمونها، من حيث طبيعة علاقتها بالواقع من حولها، حتّى نستطيع أن نركّزها على أساس وقاعدة.. أن نفهم ـ مثلاً ـ ظروف خروج الحسين(ع) من المدينة إلى مكّة؛ هل هي ظروف تتّصل بمسألة كربلاء، أو هي ظروف تتّصل بمسألة البيعة؟ وهكذا علينا أن ندرس المرحلة الّتي أمضاها الإمام الحسين(ع) في مكّة وكيف كانت، وهكذا ـ وهذه نقطة مهمّة جدّاً ـ مسيرة الإمام الحسين(ع) من مكّة إلى كربلاء وحركته في كربلاء.. لا بدّ من دراسة علميّة في هذا المجال.

لا بدَّ من أن نقرأ أوّلاً، قبل أن نقرأ الكتب الأخرى، المصادر الموثوقة الّتي بين أيدينا، ولا سيّما من خلال ما يُقال بأنّ مقتل "ابن مخنف" هو المقتل الأساس الموجود في تاريخ الطّبري، وأمّا هذا المقتل الّذي بين أيدينا، فهو ليس مقتل "ابن مخنف"، ونعرف ذلك من خلال المقارنة بين هذا وذاك، ونقرأ الإرشاد للشّيخ المفيد، أو المصادر القريبة من ذلك العصر، ثم نحاول أن نقارن بينها وبين ما أصبح يُنقل إلينا في الكتب الحديثة.

لا بدَّ لنا من أن نختار ـ بعد دراسة ـ الأشياء الّتي يمكن أن ينفتح عليها الإنسان، وأن لا نبادر إلى قراءة الأشياء الّتي لم تثبت لمجرّد إثارة العاطفة، فقد ورد في كلام الإمام جعفر الصّادق(ع) وهو ينقد بعض أصحابه عندما كان يحاور بعض النّاس، كان يقول له: "تمزج الحقّ بالباطل، وقليل الحقّ يكفي من كثير الباطل".

حسن اختيار المواضيع 

ولهذا، لا بدّ لنا من أن نعمل على أساس اختيار مواضيع الثّورة الحسينيّة بشكل ينفتح على كلّ الواقع، من خلال الوثاقة في المضمون، ومن خلال النّتائج الإيجابيّة الّتي يمكن أن ينطلق فيها في واقعنا.

إنّنا نريد أن نعطي صورة حقيقيّة للحسين(ع)، فمثلاً، كيف يمكن أن يقف الخطيب ويوازن بين موقف القوّة للإمام الحسين(ع) وموقف القوّة للسيّدة زينب(ع) وبين كثير مما يُقال؟ فإنّ الإنسان يجد نفسه يعيش حالة مزدوجة أمام كلمة الإمام الحسين(ع) وهو يقول: "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد".. والكلمة الّتي يرويها حميد بن مسلم، إذا صحَّت روايتها عنه: "وحقّ جدّي إنّي لعطشان"، فكيف يوازن الإنسان بين الرّوح المقاومة والمتحدّية الّتي تواجه الواقع، والّتي تتكلّم عن أنّها لا يمكن أن تتنازل أمام كلّ ما يُطلب منها، وبين بعض الكلمات الّتي توحي بالضّعف.. وهكذا بالنّسبة إلى مسألة السيّدة زينب(ع) في مواقفها الرّائعة في كربلاء، وبين بعض ما يُتلى، وخصوصاً من النّاحية الشعبيّة...

[المصدر: كتاب "حديث عاشوراء"].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية