عاشوراء فرصة للتأمّل

عاشوراء فرصة للتأمّل

لا بدّ من أن تكون عاشوراء فرصة تأمّل وتفكير وحساب ووعي، لا أن تكون حماساً وبكاءً فقط، لأنَّ كلّ مواقفك، سواء في السياسة أو في الاجتماع أو غير ذلك، كلّها تحتاج إلى ركيزة، وهي أن يكون الحقّ في عقلك وقلبك، وأن تتعمّق عقيدةً ومفهوماً ومضموناً، لأنّ الحركة من خلال السّطح دون العمق يمكن أن يجرفها الشّتاء، لكنّ الشّيء الّذي يضرب في العمق إذا جاءه الشّتاء، فإنه يغذّيه وينمّيه أكثر.

ونحن نرى الكثير من النّاس ينحرفون عند الشَّدائد، ويسقطون أمام التحدّيات، ويتحركون مع أعداء الله في حالة الخوف والزّلزال، لأنّهم لم يعيشوا العقيدة في عمقها، والله سبحانه وتعالى يحدّثنا عن هؤلاء النّاس ـ ونحن دائماً لا بدّ لنا من أن نقرأ القرآن قراءةً يتحرّك فيها القرآن في الواقع، لا أن يبقى في دائرة المفهوم فقط ـ يقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ}، وسواء فسّرنا كلمة "على حرف" على الحافّة، أو بأنّ "الحرف" كناية عن عدم الثّقافة والوعي، فالنّتيجة واحدة، أنّه لم يتعمّق في عبادته، ولم يعِ معنى العبادة ومعنى الربوبيّة، ومعنى العبوديّة لله، ومعنى الحقّ في كلّ عمقه..

ولذا، فعندما جاءت موجة مشى معها، أو إذا أصابته مشكلة أو صدمة أو بلاء أو عاصفة أو زلزال نفسي أو شهواني أو مالي أو عاطفي أو سياسي أو ما إلى ذلك.. وإلى هؤلاء يشير الإمام علي(ع) بقوله: "همج رعاع، أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركنٍ وثيق"، هؤلاء الّذين يصفّقون دائماً مع المصفّقين، ويهتفون مع الهاتفين، وينهزمون مع المنهزمين، لأنّهم لا أساس لهم في الواقع.

لذلك، لا نريد أن نعبد الله على حرف، ولا نريد أن ننطلق في سياستنا وفي انتماءاتنا وفي حبّنا وبغضنا وتأييدنا ورفضنا من خلال هوى أنفسنا، أو من خلال الأجواء الانفعاليّة والحماسيّة والعاطفيّة الّتي تحيط بنا.

التّوازن بين العقل والعاطفة

من الأمثلة التي نمارسها في حياتنا، والتي تمثّل الانطلاق من السّطح، أنّنا نعطي رأينا بسرعة، فلا بدّ من أن نأخذ لأنفسنا وقتاً في التّفكير.

فعندما يأتيك شخص ويقول لك: أريد رأيك الآن.. لا تعطِه رأيك، واطلب منه ولو ساعة للتَّفكير، لأنَّه يمكن أن يسيطر عليك عاطفيّاً، فتعطي رأيك من دون تفكير، فانفصل عن الجوّ العاطفيّ وعد إلى نفسك وفكّر..

وعندما تكون مع النَّاس وتنطلق في الجوّ العام كلمات قد تكون خيراً، وقد تكون شرّاً، فانفصل عن الجوّ العام وفكّر، لأنَّ الإنسان عندما يكون في المجتمع، فإنّ عقله يخضع لكثير من التّأثيرات من خلال الجوّ الاجتماعيّ من حوله، فمثلاً، قد تجد نفسك تضحك في المجتمع، ولكنّك لا تدري لماذا تضحك، وتصفّق دون أن تدري لماذا، وتهتف دون أن تعرف لماذا هتفت، كلّ ذلك لأنّ الجوّ العام كان له تأثيره فيك.

ولذلك، فالله سبحانه وتعالى علّم النبيّ(ص) المنهج في مواجهة الأوضاع الاجتماعيّة الحاقدة الّتي كانت توجّه إليه، فقد كان النبيّ(ص) يمشي في الطّرق وعمّه أبو لهب يصيح: "لا تصدّقوا ابن أخي فإنّه مجنون".. فالله سبحانه وتعالى عالج المسألة بإعطاء المنهج، فلم يقل للنبيّ(ص) أن يردّ عليهم بأنّه ليس مجنوناً وأنهم كاذبون وغير ذلك، بل أراد له أن يعلّمهم: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}، انفصلوا اثنين اثنين، فرداً فرداً، وناقشوا وضعي: كيف أتكلّم؟ ما هي أعمالي وأوضاعي ودعوتي ورسالتي؟ هل فيها شيء من الجنون؟ وذلك حتّى يرجع كلّ واحد إلى عقله وتفكيره.

فعلى الإنسان دائماً عندما يريد أن يركّز تفكيره ليتّخذ موقفاً أو ليركّز قناعةً أو ليحدّد طريقاً ومنهجاً، لا بدّ له من أن لا يتحرّك بمنطق الجوّ العاطفيّ أو الانفعاليّ، بل لا أن يتحرّك من خلال عقله، وهذا لا يعني أنّ الإنسان يغفل أمر عاطفته في الحياة، بل إنّنا نقول: لا بدّ من أن نعطي العاطفة جرعةً من العقل لتتوازن، ونعطي العقل جرعةً من العاطفة ليلين ويرقّ.

عود على بدء

على هذا الأساس، فإنَّ النّقطة الّتي لا بدَّ من أن نركّزها في أذهاننا دائماً، وهي الّتي ركّزها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في أكثر من آية، أنَّ عليك في كلِّ عمل من الأعمال الّتي تعملها، أن تتصوَّر نفسك بعد أن تنتهي من العمل أنّك تُدعَى إلى الله.. تصوّر نفسك أنت الآن تسبّ زوجتك أو تطردها من البيت أو تضربها، أو تضرب ابنك بدون حقّ، أو تتكلّم بأيّ شيء، تصوّر نفسك أنّك قد تقول الكلمة وتموت، وتعمل العمل وتموت، ثم تقف أمام الله.. ولذا عليك أن تحسب حساب الله في ذلك، ولا تحسب حساب النّاس.

علينا أن نفهم كيف كنَّا، فإذا رأينا أنفسنا استزدنا خيراً، شكرنا الله على ذلك، وبدأنا نخطِّط لسنة خير جديدة، وإن رأينا أنفسنا جنينا شرّاً، فعلينا أن نستغفر الله من ذلك، وندعو الله أن يوفِّقنا لسنة خير، حتَّى إذا جاءتنا دعوة الله جاءتنا ونحن على توبة..

وهذا ما يركِّزه الإمام زين العابدين(ع) في دعائه، فيقول: "حتَّى استحضرتنا دعوتك التي لا بدّ منها ومن إجابتها، فصلّ على محمد وآل محمد، واجعل ختام ما تحصي علينا كتبة أعمالنا توبة مقبولة، لا توقفنا بعدها على ذنب اجترحناه، ولا معصية اقترفناها، ولا تكشف عنّا ستراً سترته على رؤوس الأشهاد يوم تبلو أخبار عبادك"..

وذلك حتّى يستطيع الإنسان أن يدخل هذه السّنة دخول صدق، وأن يخرج من السّنة الماضية مخرج صدق: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ}، لأنّ الإنسان عندما يتحرّك في موقع الصّدق مع نفسه ومع ربّه ومع النّاس، فإنّ الله سبحانه سوف يجعله {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}.. وأمّا إذا انطلق الإنسان من منطلق الكذب والباطل، فسوف ينطلق مع أهل الباطل...[المصدر: حديث عاشوراء].

لا بدّ من أن تكون عاشوراء فرصة تأمّل وتفكير وحساب ووعي، لا أن تكون حماساً وبكاءً فقط، لأنَّ كلّ مواقفك، سواء في السياسة أو في الاجتماع أو غير ذلك، كلّها تحتاج إلى ركيزة، وهي أن يكون الحقّ في عقلك وقلبك، وأن تتعمّق عقيدةً ومفهوماً ومضموناً، لأنّ الحركة من خلال السّطح دون العمق يمكن أن يجرفها الشّتاء، لكنّ الشّيء الّذي يضرب في العمق إذا جاءه الشّتاء، فإنه يغذّيه وينمّيه أكثر.

ونحن نرى الكثير من النّاس ينحرفون عند الشَّدائد، ويسقطون أمام التحدّيات، ويتحركون مع أعداء الله في حالة الخوف والزّلزال، لأنّهم لم يعيشوا العقيدة في عمقها، والله سبحانه وتعالى يحدّثنا عن هؤلاء النّاس ـ ونحن دائماً لا بدّ لنا من أن نقرأ القرآن قراءةً يتحرّك فيها القرآن في الواقع، لا أن يبقى في دائرة المفهوم فقط ـ يقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ}، وسواء فسّرنا كلمة "على حرف" على الحافّة، أو بأنّ "الحرف" كناية عن عدم الثّقافة والوعي، فالنّتيجة واحدة، أنّه لم يتعمّق في عبادته، ولم يعِ معنى العبادة ومعنى الربوبيّة، ومعنى العبوديّة لله، ومعنى الحقّ في كلّ عمقه..

ولذا، فعندما جاءت موجة مشى معها، أو إذا أصابته مشكلة أو صدمة أو بلاء أو عاصفة أو زلزال نفسي أو شهواني أو مالي أو عاطفي أو سياسي أو ما إلى ذلك.. وإلى هؤلاء يشير الإمام علي(ع) بقوله: "همج رعاع، أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركنٍ وثيق"، هؤلاء الّذين يصفّقون دائماً مع المصفّقين، ويهتفون مع الهاتفين، وينهزمون مع المنهزمين، لأنّهم لا أساس لهم في الواقع.

لذلك، لا نريد أن نعبد الله على حرف، ولا نريد أن ننطلق في سياستنا وفي انتماءاتنا وفي حبّنا وبغضنا وتأييدنا ورفضنا من خلال هوى أنفسنا، أو من خلال الأجواء الانفعاليّة والحماسيّة والعاطفيّة الّتي تحيط بنا.

التّوازن بين العقل والعاطفة

من الأمثلة التي نمارسها في حياتنا، والتي تمثّل الانطلاق من السّطح، أنّنا نعطي رأينا بسرعة، فلا بدّ من أن نأخذ لأنفسنا وقتاً في التّفكير.

فعندما يأتيك شخص ويقول لك: أريد رأيك الآن.. لا تعطِه رأيك، واطلب منه ولو ساعة للتَّفكير، لأنَّه يمكن أن يسيطر عليك عاطفيّاً، فتعطي رأيك من دون تفكير، فانفصل عن الجوّ العاطفيّ وعد إلى نفسك وفكّر..

وعندما تكون مع النَّاس وتنطلق في الجوّ العام كلمات قد تكون خيراً، وقد تكون شرّاً، فانفصل عن الجوّ العام وفكّر، لأنَّ الإنسان عندما يكون في المجتمع، فإنّ عقله يخضع لكثير من التّأثيرات من خلال الجوّ الاجتماعيّ من حوله، فمثلاً، قد تجد نفسك تضحك في المجتمع، ولكنّك لا تدري لماذا تضحك، وتصفّق دون أن تدري لماذا، وتهتف دون أن تعرف لماذا هتفت، كلّ ذلك لأنّ الجوّ العام كان له تأثيره فيك.

ولذلك، فالله سبحانه وتعالى علّم النبيّ(ص) المنهج في مواجهة الأوضاع الاجتماعيّة الحاقدة الّتي كانت توجّه إليه، فقد كان النبيّ(ص) يمشي في الطّرق وعمّه أبو لهب يصيح: "لا تصدّقوا ابن أخي فإنّه مجنون".. فالله سبحانه وتعالى عالج المسألة بإعطاء المنهج، فلم يقل للنبيّ(ص) أن يردّ عليهم بأنّه ليس مجنوناً وأنهم كاذبون وغير ذلك، بل أراد له أن يعلّمهم: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}، انفصلوا اثنين اثنين، فرداً فرداً، وناقشوا وضعي: كيف أتكلّم؟ ما هي أعمالي وأوضاعي ودعوتي ورسالتي؟ هل فيها شيء من الجنون؟ وذلك حتّى يرجع كلّ واحد إلى عقله وتفكيره.

فعلى الإنسان دائماً عندما يريد أن يركّز تفكيره ليتّخذ موقفاً أو ليركّز قناعةً أو ليحدّد طريقاً ومنهجاً، لا بدّ له من أن لا يتحرّك بمنطق الجوّ العاطفيّ أو الانفعاليّ، بل لا أن يتحرّك من خلال عقله، وهذا لا يعني أنّ الإنسان يغفل أمر عاطفته في الحياة، بل إنّنا نقول: لا بدّ من أن نعطي العاطفة جرعةً من العقل لتتوازن، ونعطي العقل جرعةً من العاطفة ليلين ويرقّ.

عود على بدء

على هذا الأساس، فإنَّ النّقطة الّتي لا بدَّ من أن نركّزها في أذهاننا دائماً، وهي الّتي ركّزها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في أكثر من آية، أنَّ عليك في كلِّ عمل من الأعمال الّتي تعملها، أن تتصوَّر نفسك بعد أن تنتهي من العمل أنّك تُدعَى إلى الله.. تصوّر نفسك أنت الآن تسبّ زوجتك أو تطردها من البيت أو تضربها، أو تضرب ابنك بدون حقّ، أو تتكلّم بأيّ شيء، تصوّر نفسك أنّك قد تقول الكلمة وتموت، وتعمل العمل وتموت، ثم تقف أمام الله.. ولذا عليك أن تحسب حساب الله في ذلك، ولا تحسب حساب النّاس.

علينا أن نفهم كيف كنَّا، فإذا رأينا أنفسنا استزدنا خيراً، شكرنا الله على ذلك، وبدأنا نخطِّط لسنة خير جديدة، وإن رأينا أنفسنا جنينا شرّاً، فعلينا أن نستغفر الله من ذلك، وندعو الله أن يوفِّقنا لسنة خير، حتَّى إذا جاءتنا دعوة الله جاءتنا ونحن على توبة..

وهذا ما يركِّزه الإمام زين العابدين(ع) في دعائه، فيقول: "حتَّى استحضرتنا دعوتك التي لا بدّ منها ومن إجابتها، فصلّ على محمد وآل محمد، واجعل ختام ما تحصي علينا كتبة أعمالنا توبة مقبولة، لا توقفنا بعدها على ذنب اجترحناه، ولا معصية اقترفناها، ولا تكشف عنّا ستراً سترته على رؤوس الأشهاد يوم تبلو أخبار عبادك"..

وذلك حتّى يستطيع الإنسان أن يدخل هذه السّنة دخول صدق، وأن يخرج من السّنة الماضية مخرج صدق: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ}، لأنّ الإنسان عندما يتحرّك في موقع الصّدق مع نفسه ومع ربّه ومع النّاس، فإنّ الله سبحانه سوف يجعله {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}.. وأمّا إذا انطلق الإنسان من منطلق الكذب والباطل، فسوف ينطلق مع أهل الباطل...[المصدر: حديث عاشوراء].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية