عاشوراء وواقعنا المعاصر

عاشوراء وواقعنا المعاصر

إنَّنا إزاء هذا الواقع الّذي نراه على المستوى العالميّ، وعلى مستوى المنطقة، وكلّ موقع محلّيّ، لا بدّ من أن نصنع شيئاً من عاشوراء، أو شيئاً من كربلاء.. وقد لا يكون ذلك الشّيء بالأسلوب نفسه الّذي تحرّك به الإمام الحسين(ع)، لأنّ قضيّة الأسلوب تختلف حسب اختلاف الظّروف الموضوعيّة الّتي يعيشها كلّ شعب في مرحلة من مراحل حياته.

وإذا كانت أساليب الأئمَّة(ع) قد اختلفت، بل حتَّى أساليب النبيّ(ص) قبل الهجرة في مكّة وبعدها في المدينة، فإنّنا لا يمكن أن نضع خطّاً بيانيّاً واحداً، بل إنَّ مسألة الأسلوب تتغيّر حسب تغيّر الظّروف، ولا بدّ لنا من أن نعمل بالّتي هي أحسن في كلّ زمن {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، فمسألة "الأحسن" تخضع لطبيعة القيم والظّروف في السّاحة.

ولكنّ المهمّ هنا، هو أنَّنا عندما نتذكّر التّاريخ، فإنّ علينا أن نستوحيه فيما يبقى في حقائقه للزَّمن، وكلّ ما في تاريخ الحسين هو معنى الحقيقة الّتي تستمرّ مع امتداد الزّمن.

وبهذا اللّحاظ، نحاول استنطاق المرحلة الحسينيّة ونستوحيها، ثم نصنع لأنفسنا كربلاء، فلا بدَّ من أن تكون نتائج كلّ هذه المجالس والمواكب والتعبئة الروحيّة خطّةً من أجل تغيير الواقع، خطّة تعطي الفكر لتوجّه النّاس إلى ما في الواقع من نقاط الضّعف وحالات الانحراف، كما وجّه الحسين(ع) أنظار النّاس للتّحديق بالواقع مقارناً بالخطّ، وعلينا أيضاً أن تكون كلّ عاشورائنا دراسةً للواقع، حتّى لا نغيب عن واقعنا في التّاريخ، فلو عرفنا واقع يزيد ومجتمعه، وواقع ابن زياد ومجتمعه، ودرسناه بالتّحليل، فلن نغيّر شيئاً سوى استيحاء معانيه، ولا سيَّما أنَّ ذلك المجتمع قد ذهب بكلّه، وهو ليس مسؤوليَّتنا.. {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}..

فنحن نشجب كلّ الانحرافات في ذلك التّاريخ، ونقف بعقلنا وروحنا مع الحسين(ع) ضدّ يزيد ونهجه، وننفعل بالمأساة بكلّ عمق، نبكيها ونستوحيها، لكنّ ذلك لن يحلّ لنا مشكلة، بل علينا أن ندرس مواجهة الحسين(ع) والصّفوة الطيّبة من أهل بيته(ع) لمشاكل مرحلتهم، ولا بدّ لنا بعد ذلك من أن نواجه مشاكل مرحلتنا.

ففي عاشوراء، لا بدّ من الحديث عن مشكلة الصّراع العربي ـ الإسرائيلي، لأنّها المشكلة التي تحاول أن تدمّر كلّ بقايا الحضارة الّتي نعيشها كعرب ومسلمين، كما تحاول أن تسيطر على الواقع العربي والإسلامي كلّه، بالتّحالف مع الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، فهي تريد أن تلغي شيئاً اسمه الأمَّة، وقد لاحظنا ذلك في مؤتمر "مدريد"[1]، عندما رفضت إسرائيل وأمريكا أن يلتقي العرب مجتمعين، أو أن يكون هناك تمثيل للجامعة العربيّة..

فلقد أريد للعرب أن ينطلق كلّ واحد منهم من خلال بلده، لأنّ إسرائيل ترفض الاعتراف بشيء اسمه العالم العربي، وإنما تريد أن تفاوض كلّ بلد بصورة منفصلة عن البلد الآخر، وهذا ما لاحظناه عندما أرادت أن تستفرد بالفلسطينيّين، عندما باعوا فلسطينهم في "اتفاق أوسلو"[2]، وبالأردن كذلك، وتركوا ما أكّدته سوريا في انطلاق العرب مجتمعين، فلا يدخل أحد في المفاوضات النهائيّة ما دام الآخرون لم يحصلوا على حقوقهم.

فقصّة إسرائيل هي قصّة الثّأر اليهوديّ من الإسلام كلّه، ومن المسلمين كلّهم؛ الثّأر لبني قريظة وبني النّضير وبني قينقاع وخيبر، من أجل أن تجعل اليهوديّة بديلاً للإسلام، وهي قضيّة لا تمثّل مجرّد انحراف في الخطّ، وإنما تمثّل اهتزازاً في الأسس.

وهكذا عندما نواجه الاستكبار الّذي يصادر ثرواتنا لتكون كلّها بيده، ويصادر سياستنا وأمننا، ويحاول أن يضغط علينا لمصالحه ومصلحة إسرائيل على حساب مصلحتنا.

فنحن الآن كمسلمين، نعيش مشكلة حقيقيّة في كلّ قضايانا، من خلال سيطرة الاستكبار العالميّ الّذي يعيش واقعاً تحالفيّاً يعمل على أن لا تقوم للعرب وللمسلمين قائمة، ولذلك يثير الخلافات المذهبيّة والطائفيّة والعرقيّة بينهم.

والكفر العالمي على كلّ المستويات، سواء المتديّن بدين معيّن أو الإلحاديّ منه، يعمل أيضاً على مواجهة عقائد المسلمين وشريعتهم وكلّ واقعهم، فالأرض تهتزّ من تحت أقدامنا، ولو كان الحسين(ع) موجوداً الآن، لكان من الممكن أن يجمّد صراعه في الدّائرة الإسلاميّة، لينطلق إلى الدّائرة العالميّة الكبرى الّتي تريد رأس الإسلام..

فعاشوراء قامت من أجل أن يكون لنا كمسلمين أن نستوحي الحسين(ع) كما استوحى جدّه وأباه وأخاه وكتاب الله، وعاش لطف الله فيما أعطاه من أسرار روحيّة ومعنويّة، بحيث واجه كلّ مشاكل مرحلته، فإذا كنّا نعيش السلبيّة تجاه مشاكل مرحلتنا الصّعبة فأيّة علاقة لنا بالحسين(ع)؟! وهو الّذي يريد لدموعنا أن تكون دموعاً تبكيه فتبكي الواقع الّذي عاش فيه لتكبي ـ من خلال ذلك ـ الواقع الّذي يعيش فيه النّاس.

[المصدر: حديث عاشوراء] 


[1] مؤتمر مدريد هو مؤتمر "سلام" عقد في مدريد في إسبانيا في نوفمبر- تشرين الثاني 1991م، وشمل مفاوضات  ثنائية بين "إسرائيل" وكل من سوريا، لبنان، الأردن والفلسطينيين.

[2] اتفاقية أوسلو، والمعروف رسميا بإسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الإنتقالي هو اتفاق "سلام" وقعته "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن الأمريكية في 13 سبتمبر 1993.


وينص الاتفاق على إلتزام منظمة التحرير الفلسطينية  بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن والوصول إلى حل لكل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة من خلال المفاوضات، ونبذ العنف ، كما تعترف حكومة الكيان الصهيوني بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني...

إنَّنا إزاء هذا الواقع الّذي نراه على المستوى العالميّ، وعلى مستوى المنطقة، وكلّ موقع محلّيّ، لا بدّ من أن نصنع شيئاً من عاشوراء، أو شيئاً من كربلاء.. وقد لا يكون ذلك الشّيء بالأسلوب نفسه الّذي تحرّك به الإمام الحسين(ع)، لأنّ قضيّة الأسلوب تختلف حسب اختلاف الظّروف الموضوعيّة الّتي يعيشها كلّ شعب في مرحلة من مراحل حياته.

وإذا كانت أساليب الأئمَّة(ع) قد اختلفت، بل حتَّى أساليب النبيّ(ص) قبل الهجرة في مكّة وبعدها في المدينة، فإنّنا لا يمكن أن نضع خطّاً بيانيّاً واحداً، بل إنَّ مسألة الأسلوب تتغيّر حسب تغيّر الظّروف، ولا بدّ لنا من أن نعمل بالّتي هي أحسن في كلّ زمن {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، فمسألة "الأحسن" تخضع لطبيعة القيم والظّروف في السّاحة.

ولكنّ المهمّ هنا، هو أنَّنا عندما نتذكّر التّاريخ، فإنّ علينا أن نستوحيه فيما يبقى في حقائقه للزَّمن، وكلّ ما في تاريخ الحسين هو معنى الحقيقة الّتي تستمرّ مع امتداد الزّمن.

وبهذا اللّحاظ، نحاول استنطاق المرحلة الحسينيّة ونستوحيها، ثم نصنع لأنفسنا كربلاء، فلا بدَّ من أن تكون نتائج كلّ هذه المجالس والمواكب والتعبئة الروحيّة خطّةً من أجل تغيير الواقع، خطّة تعطي الفكر لتوجّه النّاس إلى ما في الواقع من نقاط الضّعف وحالات الانحراف، كما وجّه الحسين(ع) أنظار النّاس للتّحديق بالواقع مقارناً بالخطّ، وعلينا أيضاً أن تكون كلّ عاشورائنا دراسةً للواقع، حتّى لا نغيب عن واقعنا في التّاريخ، فلو عرفنا واقع يزيد ومجتمعه، وواقع ابن زياد ومجتمعه، ودرسناه بالتّحليل، فلن نغيّر شيئاً سوى استيحاء معانيه، ولا سيَّما أنَّ ذلك المجتمع قد ذهب بكلّه، وهو ليس مسؤوليَّتنا.. {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}..

فنحن نشجب كلّ الانحرافات في ذلك التّاريخ، ونقف بعقلنا وروحنا مع الحسين(ع) ضدّ يزيد ونهجه، وننفعل بالمأساة بكلّ عمق، نبكيها ونستوحيها، لكنّ ذلك لن يحلّ لنا مشكلة، بل علينا أن ندرس مواجهة الحسين(ع) والصّفوة الطيّبة من أهل بيته(ع) لمشاكل مرحلتهم، ولا بدّ لنا بعد ذلك من أن نواجه مشاكل مرحلتنا.

ففي عاشوراء، لا بدّ من الحديث عن مشكلة الصّراع العربي ـ الإسرائيلي، لأنّها المشكلة التي تحاول أن تدمّر كلّ بقايا الحضارة الّتي نعيشها كعرب ومسلمين، كما تحاول أن تسيطر على الواقع العربي والإسلامي كلّه، بالتّحالف مع الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، فهي تريد أن تلغي شيئاً اسمه الأمَّة، وقد لاحظنا ذلك في مؤتمر "مدريد"[1]، عندما رفضت إسرائيل وأمريكا أن يلتقي العرب مجتمعين، أو أن يكون هناك تمثيل للجامعة العربيّة..

فلقد أريد للعرب أن ينطلق كلّ واحد منهم من خلال بلده، لأنّ إسرائيل ترفض الاعتراف بشيء اسمه العالم العربي، وإنما تريد أن تفاوض كلّ بلد بصورة منفصلة عن البلد الآخر، وهذا ما لاحظناه عندما أرادت أن تستفرد بالفلسطينيّين، عندما باعوا فلسطينهم في "اتفاق أوسلو"[2]، وبالأردن كذلك، وتركوا ما أكّدته سوريا في انطلاق العرب مجتمعين، فلا يدخل أحد في المفاوضات النهائيّة ما دام الآخرون لم يحصلوا على حقوقهم.

فقصّة إسرائيل هي قصّة الثّأر اليهوديّ من الإسلام كلّه، ومن المسلمين كلّهم؛ الثّأر لبني قريظة وبني النّضير وبني قينقاع وخيبر، من أجل أن تجعل اليهوديّة بديلاً للإسلام، وهي قضيّة لا تمثّل مجرّد انحراف في الخطّ، وإنما تمثّل اهتزازاً في الأسس.

وهكذا عندما نواجه الاستكبار الّذي يصادر ثرواتنا لتكون كلّها بيده، ويصادر سياستنا وأمننا، ويحاول أن يضغط علينا لمصالحه ومصلحة إسرائيل على حساب مصلحتنا.

فنحن الآن كمسلمين، نعيش مشكلة حقيقيّة في كلّ قضايانا، من خلال سيطرة الاستكبار العالميّ الّذي يعيش واقعاً تحالفيّاً يعمل على أن لا تقوم للعرب وللمسلمين قائمة، ولذلك يثير الخلافات المذهبيّة والطائفيّة والعرقيّة بينهم.

والكفر العالمي على كلّ المستويات، سواء المتديّن بدين معيّن أو الإلحاديّ منه، يعمل أيضاً على مواجهة عقائد المسلمين وشريعتهم وكلّ واقعهم، فالأرض تهتزّ من تحت أقدامنا، ولو كان الحسين(ع) موجوداً الآن، لكان من الممكن أن يجمّد صراعه في الدّائرة الإسلاميّة، لينطلق إلى الدّائرة العالميّة الكبرى الّتي تريد رأس الإسلام..

فعاشوراء قامت من أجل أن يكون لنا كمسلمين أن نستوحي الحسين(ع) كما استوحى جدّه وأباه وأخاه وكتاب الله، وعاش لطف الله فيما أعطاه من أسرار روحيّة ومعنويّة، بحيث واجه كلّ مشاكل مرحلته، فإذا كنّا نعيش السلبيّة تجاه مشاكل مرحلتنا الصّعبة فأيّة علاقة لنا بالحسين(ع)؟! وهو الّذي يريد لدموعنا أن تكون دموعاً تبكيه فتبكي الواقع الّذي عاش فيه لتكبي ـ من خلال ذلك ـ الواقع الّذي يعيش فيه النّاس.

[المصدر: حديث عاشوراء] 


[1] مؤتمر مدريد هو مؤتمر "سلام" عقد في مدريد في إسبانيا في نوفمبر- تشرين الثاني 1991م، وشمل مفاوضات  ثنائية بين "إسرائيل" وكل من سوريا، لبنان، الأردن والفلسطينيين.

[2] اتفاقية أوسلو، والمعروف رسميا بإسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الإنتقالي هو اتفاق "سلام" وقعته "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن الأمريكية في 13 سبتمبر 1993.


وينص الاتفاق على إلتزام منظمة التحرير الفلسطينية  بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن والوصول إلى حل لكل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة من خلال المفاوضات، ونبذ العنف ، كما تعترف حكومة الكيان الصهيوني بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني...

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية