مختارات
08/01/2019

ماذا ينتظر المنافقون في يوم القيامة؟

ماذا ينتظر المنافقون في يوم القيامة؟

بسم الله الرّحمن الرّحيم {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعاً} [النساء: 138 ـ 139].

وهذه جولة قرآنيّة حول المنافقين، تحاصرهم بالتهديد بالمصير الأسود الّذي ينتظرهم عند الله، وتبيّن ملامحهم الحقيقيّة في مواقفهم الذاتية في أنفسهم وفي الآخرين، ليكتشفهم الناس على حقيقتهم؛ فلا يخفى عليهم شيء من أمرهم، من خلال ما يتظاهرون به من خيرٍ وصلاحٍ وإيمان... وهذا ما بدأته الآية الأولى بالبشارة بالعذاب الأليم؛ {بَشِّرِ الْمُنَـافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}، وربما كان استخدام هذه الكلمة «البشارة» للإمعان في السخرية بهم، في ما كانوا يأملونه من نتائج ظواهر أعمالهم، وما يواجههم من مصير يخالف ذلك كلّه.

أمّا ملامحهم، فقد يكون في مقدّمتها موالاتهم وموادتهم القلبية والعملية للكافرين، وابتعادهم عن المؤمنين في المشاعر والأفكار والمواقف، فهم يألفون الكافرين ويرتاحون إليهم ويتعاونون معهم، انطلاقاً من وحدة الموقف، {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} بينما لا يتحركون في مثل هذه الأجواء مع المؤمنين.

وهذه صفة أساسيّة في الحدّ الفاصل بين شخصية المؤمن وشخصية المنافق، لأن قضيّة الإيمان ليست مجرّد فكرة تطوف في الخيال، كما تطوف كثير من الأفكار التجريدية التي لا تمسّ الحياة الشخصيّة للإنسان في قليل أو كثير، بل هي فكرة للفكر وللشعور وللموقف، حيث تحدّد له علاقاته بالناس وبالأشياء وبالحياة، من خلال الخطّ الذي ترسمه، والجوّ الذي تخلقه، والأهداف التي تحدّدها... فإذا كنت مؤمناً، فإنّ معنى ذلك هو أن تحوّل الإيمان إلى حركة للحياة في نفسك وفيمن حولك وما حولك، فتخضع كلّ خطواتك وأعمالك وعلاقاتك لما يتّصل به من قريب أو من بعيد، فتوالي من يوالي الله، وتعادي من يعادي الله، لأنّ ذلك هو السّبيل الوحيد للحركة إلى الأمام، بينما يمثّل العكس خطّاً تراجعيّاً إلى الوراء؛ فإذا واليت أعداء الله وعاديت أولياء الله، كنت سائراً في النّهج الذي يضعف من موقف الإيمان، لأنّ مثل هذه العلاقة الشعوريّة والعملية تحقّق للكفر قوة من خلال قوتك، وتُفقد الإيمان بعض قوته؛ وذلك أمر لا يلتقي بالإخلاص لله ولرسوله وللمؤمنين، الذي يفرض عليك أن تتحرّك من خلال مزاج الإيمان، من خلال ما يفرضه من أجواء ومشاعر ومواقف، ولا تتحرّك من خلال مزاجك الخاصّ الذي يخضع للنوازع الشخصيّة البعيدة عن حركة الرسالة في النفس.

ثم تطرح الآية سؤالاً في معرض الإنكار: {أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ}، لماذا يفعل هؤلاء ذلك؟ وما هو الهدف من ورائه؟ لأنّ موقف الموالاة لإنسان ما لا بدّ أن يخضع لرغبة أو رهبة أو تصوّر معين... فما هو هذا الهدف؟ هل يبتغون العزّة عندهم، لأنهم يجدون لديهم بعض مظاهر القوّة، بما يملكونه من مال أو سلاح أو عدد؟ ولكن هذا يدلّ على جهل بحقيقة الإيمان، وما يوحيه من الشعور بعظمة الله المطلقة التي لا حدود لها، إزاء ضعف الإنسان المطلق في جميع أموره وقضاياه.

وما قيمة هذه المظاهر المحدودة للقوّة؟ وما أهميّة هذه العزة المستندة إلى هذه الأمور؟ لو فكّر هؤلاء فيها، لرأوا أنها لا تمثّل إلا حالةً محدودة طارئة لا تلبث أن تذهب وتتحوّل إلى هباء لدى أقلّ عاصفة تمرّ في حياتهم؛ فكيف يستسلم هؤلاء الناس لمثل ذلك؟ وكيف يبنون عزتهم وقوّتهم على هذا الأساس المنهار؟ {فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعاً}، فهو القويّ الذي لا حدَّ لقوّته، وهو الغنيّ عن كلّ شيء، الذي يفتقر إليه كلّ شيء في وجوده وفي استمراره، وكلّ شيء خاضع له، وكل شيء محتاج إليه، فمن أراد العزّة، فعليه أن يرتبط به ويرجع إليه، ولا يتنازل عن أيّ موقف من مواقفه لمصلحة أيّ عبد من عباده، إنها الحقيقة الواضحة الممتدَّة التي تلتقي بالآفاق الواسعة للشخصيّة الإيمانيّة، في عمليّة تحديد للخطوط البارزة للفكر وللعاطفة وللحياة.

*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 7.

بسم الله الرّحمن الرّحيم {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعاً} [النساء: 138 ـ 139].

وهذه جولة قرآنيّة حول المنافقين، تحاصرهم بالتهديد بالمصير الأسود الّذي ينتظرهم عند الله، وتبيّن ملامحهم الحقيقيّة في مواقفهم الذاتية في أنفسهم وفي الآخرين، ليكتشفهم الناس على حقيقتهم؛ فلا يخفى عليهم شيء من أمرهم، من خلال ما يتظاهرون به من خيرٍ وصلاحٍ وإيمان... وهذا ما بدأته الآية الأولى بالبشارة بالعذاب الأليم؛ {بَشِّرِ الْمُنَـافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}، وربما كان استخدام هذه الكلمة «البشارة» للإمعان في السخرية بهم، في ما كانوا يأملونه من نتائج ظواهر أعمالهم، وما يواجههم من مصير يخالف ذلك كلّه.

أمّا ملامحهم، فقد يكون في مقدّمتها موالاتهم وموادتهم القلبية والعملية للكافرين، وابتعادهم عن المؤمنين في المشاعر والأفكار والمواقف، فهم يألفون الكافرين ويرتاحون إليهم ويتعاونون معهم، انطلاقاً من وحدة الموقف، {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} بينما لا يتحركون في مثل هذه الأجواء مع المؤمنين.

وهذه صفة أساسيّة في الحدّ الفاصل بين شخصية المؤمن وشخصية المنافق، لأن قضيّة الإيمان ليست مجرّد فكرة تطوف في الخيال، كما تطوف كثير من الأفكار التجريدية التي لا تمسّ الحياة الشخصيّة للإنسان في قليل أو كثير، بل هي فكرة للفكر وللشعور وللموقف، حيث تحدّد له علاقاته بالناس وبالأشياء وبالحياة، من خلال الخطّ الذي ترسمه، والجوّ الذي تخلقه، والأهداف التي تحدّدها... فإذا كنت مؤمناً، فإنّ معنى ذلك هو أن تحوّل الإيمان إلى حركة للحياة في نفسك وفيمن حولك وما حولك، فتخضع كلّ خطواتك وأعمالك وعلاقاتك لما يتّصل به من قريب أو من بعيد، فتوالي من يوالي الله، وتعادي من يعادي الله، لأنّ ذلك هو السّبيل الوحيد للحركة إلى الأمام، بينما يمثّل العكس خطّاً تراجعيّاً إلى الوراء؛ فإذا واليت أعداء الله وعاديت أولياء الله، كنت سائراً في النّهج الذي يضعف من موقف الإيمان، لأنّ مثل هذه العلاقة الشعوريّة والعملية تحقّق للكفر قوة من خلال قوتك، وتُفقد الإيمان بعض قوته؛ وذلك أمر لا يلتقي بالإخلاص لله ولرسوله وللمؤمنين، الذي يفرض عليك أن تتحرّك من خلال مزاج الإيمان، من خلال ما يفرضه من أجواء ومشاعر ومواقف، ولا تتحرّك من خلال مزاجك الخاصّ الذي يخضع للنوازع الشخصيّة البعيدة عن حركة الرسالة في النفس.

ثم تطرح الآية سؤالاً في معرض الإنكار: {أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ}، لماذا يفعل هؤلاء ذلك؟ وما هو الهدف من ورائه؟ لأنّ موقف الموالاة لإنسان ما لا بدّ أن يخضع لرغبة أو رهبة أو تصوّر معين... فما هو هذا الهدف؟ هل يبتغون العزّة عندهم، لأنهم يجدون لديهم بعض مظاهر القوّة، بما يملكونه من مال أو سلاح أو عدد؟ ولكن هذا يدلّ على جهل بحقيقة الإيمان، وما يوحيه من الشعور بعظمة الله المطلقة التي لا حدود لها، إزاء ضعف الإنسان المطلق في جميع أموره وقضاياه.

وما قيمة هذه المظاهر المحدودة للقوّة؟ وما أهميّة هذه العزة المستندة إلى هذه الأمور؟ لو فكّر هؤلاء فيها، لرأوا أنها لا تمثّل إلا حالةً محدودة طارئة لا تلبث أن تذهب وتتحوّل إلى هباء لدى أقلّ عاصفة تمرّ في حياتهم؛ فكيف يستسلم هؤلاء الناس لمثل ذلك؟ وكيف يبنون عزتهم وقوّتهم على هذا الأساس المنهار؟ {فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعاً}، فهو القويّ الذي لا حدَّ لقوّته، وهو الغنيّ عن كلّ شيء، الذي يفتقر إليه كلّ شيء في وجوده وفي استمراره، وكلّ شيء خاضع له، وكل شيء محتاج إليه، فمن أراد العزّة، فعليه أن يرتبط به ويرجع إليه، ولا يتنازل عن أيّ موقف من مواقفه لمصلحة أيّ عبد من عباده، إنها الحقيقة الواضحة الممتدَّة التي تلتقي بالآفاق الواسعة للشخصيّة الإيمانيّة، في عمليّة تحديد للخطوط البارزة للفكر وللعاطفة وللحياة.

*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 7.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية