مختارات
04/05/2020

الملامح العامة لتفسير من وحي القرآن

الملامح العامة لتفسير من وحي القرآن
السيّد محيي الدين المشعل
من التفاسير الرائعة والعملية، في وقتنا الحاضر، تفسير "من وحي القرآن" الذي قال عنه مؤلفه: إنه محاولة تفسيرية لم يأتِ بشيءٍ جديد فيها إلا بعض الملاحظات، والتأملات، من خلال الاستفادة من آراء المفسّرين.
وفي الحقيقة، إنّ هذا التفسير من التفاسير التي تريد للقرآن أن يتحرّك في كل مجالات الحياة، لتنبض بالحياة، وتدبّ فيها الحركة، فهو لا يترك آية من آيات القرآن ـ بعد أن يفسرها ـ إلا وقد ذكر الدرس العملي فيها، واستخلص الأسلوب التربوي منها، ليعرف قارئ القرآن أنّه أمام دروس تربوية تلاحقه في كلّ مجال من مجالات حركته وسكونه.
ويعرّفه أنّ مشاكله العمليّة، مهما تعقّدت، فإنّ لها حلاً إلهياً جذرياً ينبغي عليه استنطاق القرآن في سبيل الحصول عليه، ورفع المشاكل به، ويبيِّن له حقيقة الهداية القرآنيّة، فيما تتّسع له، وتدور في دائرته، ويعطيه تفسيراً قرآنياً معقولاً، يعتمد الظهور اللّفظي الذي يقبله العقلاء، ويتحمله المعنى واللّفظ.
وبعد قراءةٍٍ مستوعبةٍ لهذا التفسير، تتضح لنا بعض الملامح التي يمكن من خلالها التعرّف إلى هذا التفسير، لتكون بمثابة الكاشف عن ماهيته. والذي نراه، أن هذا التفسير يلبي مقداراً من الحاجة التي يشعر بها قارئ القرآن وطالبه، كما أنّ بقية التفاسير تلبي مقداراً من هذه الحاجة.
فكما أننا بحاجةٍ إلى مجمع البيان والميزان، والأمثل، وغيرها من التفاسير، فإنّنا كذلك بحاجةٍ إلى (من وحي القرآن)، لأنه يسدّ الفراغ الذي تركته تلك التفاسير، كما أنها تسدّ الفراغ الذي تركه هو. 
وفيما يلي أهم هذه الملامح:
الأول: طريقة التناول
استخدم المفسر الطريقة التجزيئية في تفسير القرآن، والتي يبدأ فيها المفسّر من أول سورة في القرآن، إلى آخر سورة فيه. مع ملاحظة أنّ السيد فضل الله قد بدأ من سورة البقرة، وأرجأ الفاتحة، إلى آخر جزءٍ من أجزاء الكتاب.
الثاني: العمل بالظاهر
يعتمد المفسر في تفسيره أقرب الطرق وأسلمها في فهم مدلول الكلام، وهو طريق الاعتماد على ظواهر الألفاظ الذي يعتبر طريقاً عقلائياً مسلّماً به عند مختلف المدارس الفكرية، إلا الشاذ منها.
يقول المفسّر في هذا المجال: "إنّ الخط التفسيري الذي نسير عليه هو العمل بظاهر القرآن، فيما توحيه طبيعة الكلمة في معناها الموضوع لها، أو في القرائن المحيطة بالكلمة، إلا أن يثبت خلاف ذلك من عقل أو نقل".
الثالث: دروس للعالمين
يمكن معرفة الهدف الذي من أجله أقدم المفسّر على كتابة هذا التفسير من خلال تصريح المفسّر نفسه، حيث يقول:
تفسير "من وحي القرآن" كان دروساً تلقى على العاملين في سبيل الله، من أجل جعل القرآن قلباً نابضاً في حركة الدعوة إلى الله، والصّراع مع الباطل لنصرة الحقّ.
الرابع: الطابع التربوي
يغلب على التفسير الطابع التربوي، بما لكلمة التربية من معنى اصطلاحي، يتجسّد في الارتقاء بالإنسان، في كلّ مجالاته المختلفة، ويسعى إلى إحداث عمليّة التكيّف والتفاعل، بين الكائن الآدمي وبيئته الطبيعية والاجتماعيّة، لتحقيق خلافة الله في الأرض.
كما أنّ المفسر يراعي التربية الأخلاقية بالخصوص، في الكثير من الأحيان، ويفرد لها بحوثاً معنونة بالتربية.
الخامس: الاستيحاء
لعلّ البعض يظن ـ ومن خلال عنوان التفسير، وهو من وحي القرآن ـ أنّ المفسّر يريد تأويل القرآن، والسير على خلاف ظواهر الألفاظ، ولكنّ الحق أنّ هذا التفسير الرائع يعتمد على دعامتين أساسيّتين في استيحاء الأفكار من الآيات القرآنية الشريفة، يقول عنهما السيّد فضل الله.
وقد لاحظنا، ونحن نتابع القرآن في أسباب نزوله، أنّ هناك نقطتين جديرتين بالاهتمام في عملية الاستيحاء القرآنيّة:
الأولى: أنّ الآية لا تتجمد في النقطة التي انطلقت منها ونزلت فيها، أي أنَّ المورد لا يخصّص الوارد، ولذا ورد عن أهل البيت (عليهم السلام): "إنّ القرآن يجري مجرى الشّمس والقمر واللّيل والنهار".
الثانية: أنّ الآيات قد تتحرّك في نطاق مضمون فكري معيّن، ولكنها توحي لنا بشكل آخر ـ باعتبار علاقة المعنى الذي تتضمّنه الآية ـ بالمعنى الآخر، من حيث طبيعة النتائج العمليّة، ومن حيث وحدة المسار.
وبعبارة أخرى:
أنّ الآية مفهوم يصدق على أكثر من مصداق صدقاً تشكيكيّاً، ولكنه في صدقه على أحد المصاديق يكون أقوى منه على غيره، وقد ورد في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}. فقد ورد في كتاب الكافي، بإسناده عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر محمد الباقر (عليه السلام): قول الله عزّ وجلّ في كتابه: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، قال: "من حرمه أو عرفه"، قلت: من أخرجها من ضلال إلى هدى؟ قال: "ذلك تأويلها الأعظم".
والظاهر أنّ المراد من التّأويل الأعظم هنا هو المفهوم الأعمق فيما يتّسع له إيحاء الآية.
السّادس: محاولة تفسيرية
يعتمد المفسّر، وبشكل كبير، على أقوال المفسّرين والمحقّقين في مجال التفسير، وهذا ظاهر لمن تتبّع مفردات الكتاب، فإنه يشعر بعمق اطّلاع المفسّر، وكثرة مراجعته للكثير من التفاسير، وفي مختلف الاتجاهات. وقد صرّح المفسّر بذلك في مقدّمة كتابه، قائلاً:
"إنما هو محاولة تفسيريّة ليس فيها جديد إلا قليلاً من الاستيحاءات، والانطباعات، والاستنتاجات".
السابع: المنهج الحركيّ
لا يقبل المفسّر كلّ التفاسير التي تخرج عن الاعتماد على الظّاهر إلى التأويل الباطن، فيقول: "إنّ قضية التفسير هي أن يدرس المفسّر الكلمة من خلال الجوّ الذي تعيش فيه، ليتحقّق الترابط بين الآيات في كلماتها، وأجوائها".
وكذلك يقول في موضع آخر: "إنّ منهج التفسير لدينا يتحرك في إطار الوحي القرآني لحركة الدّعوة في الحياة".
الثّامن: أسلوبان في الخطاب
عرض المفسّر تفسيره على شكلين:
الأوّل: الشكل الدرسي، فقد بدأ من الحلقة الأولى حتى الحلقة السادسة في طرح تفسيره، على شكل دروس متتابعة، تضمّ كلّ حلقةٍ منها عشرة دروس.
الثاني: الشّكل الكتابي، وهذا لا يعتمد الطريقة الأولى، وإنما يبدأ المفسّر من أوّل السّورة حتى ينهيها إلى نهايتها، ويبدأ هذا الشّكل من الحلقة السابعة حتى الأخيرة.
وقد يبدو الاختلاف بين الشّكلين، فإنّ الأوّل يغلب عليه أسلوب المحاضرات، والثاني أسلوبه أسلوب كتابي، وإن كان هذا الأمر يحتاج إلى تأمّل كبير في أسلوب السيد فضل الله، فلا يكاد قارئه ومستمعه يشعر بالفرق بين الحالتين.
التاسع: التبويب المنهجي
يمتاز الكتاب بفصوله وعناوينه الجانبيّة التي من شأنها تقطيع المطلب وجعله أيسر حفظاً وجمعاً للقارئ.
كما أنَّ المصنّف يحاول عرض مواضيع السورة عرضاً إجماليّاً قبل الخوض في كلّ آيةٍ من آياتها، ويعيش مع أجوائها بشكل عام، ليستوحي الفكرة من الكلّ التركيبي الموجود في السورة.
العاشر: الإيحاء البعيد
يعتمد المفسر في كتابه اعتماداً كبيراً على الإيحاء البعيد للفظ، وما يحمله من معانٍ متعددة. وفي ذلك يقول السيد - وذلك بعد تعرّضه لتفسير قوله في سورة البقرة: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}:
"وتتلخّص الفكرة من خلال ذلك، أن المؤمن يشعر بأنّه مسؤول عن الإنفاق من كلّ ما رزقه الله من مالٍ أو علمٍ أو جهدٍ أو جاهٍ، أو من أيّ المجالات، من موقع الواجب لا من موقع التفضّل.
وقد يناقش المناقشون في ظهور اللّفظ في ذلك، ولكنّ اللّفظ ليس مدلولاً لغوياً يتجمد المعنى عنده، بل هو إيحاء عميق ممتدّ في رحاب الحياة، يتّسع ويشمل كلّ ما يتّصل به من أجواء، ومواقف، وأشياء".
الحادي عشر: المناخات النفسيّة
يعتمد المفسّر في تفسيره للآيات، وفي استفاداته منها، على الأسلوب الموجود في الآية ـ بحسب تعبيره ـ، ولعلّه يقصد السّياق، ثم يأخذ انطباعاً معيّناً حول الآية الكريمة. فمثلاً، في الآية الكريمة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} ـ البقرة، نجده يقول: "وتحاول الآية الكريمة أن تعطينا ـ من خلال أسلوبها ـ انطباعاً بأنهم غير مقتنعين مما يطرحونه، ولكنّهم يريدون تنفيذ مآربهم، وبهذا لا تمثّل القضية موقفاً حقيقيّاً لهم".
الثاني عشر: إثارات حول الشبهات
يحرص المفسر على إثارة شبهات المشكّكين والردّ عليها بالبيان الذي يناسبها، إذا كانت تقصد هذه الشبهات الآيات القرآنيّة، مثل: الإيمان بالغيب، وإنكار العقل، والاعتماد على التجربة، إلى غير ذلك من الشّبهات والتساؤلات، فيتساءل ـ مثلاً ـ قائلاً: "هل لنا علاقة، نحن الذين جئنا بعد آدم (عليه السلام)، بخطيئته؟". 
الثّالث عشر: البعد الأدبي
يمتاز الكتاب بأسلوبه الأدبي، ويمزج بينه وبين الأسلوب العلميّ المتأدّب، ما يجعل الكتاب رائعاً يجذب القارئ إليه، ويجعله يتفاعل معه، وكأنَّه يقرأ مقطوعةً أدبيةً أو قصّةً طريفةً، في الوقت الّذي يعيش أجواء تفسير القرآن.
وإليك هذا الأنموذج الأدبي البديع مثالاً على هذا المنهج: في تفسير قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ}.
يقول المفسر في تصوير هذا المثل: "تصوّر نفسك في صحراء مظلمةٍ، ليس فيها بصيص نور، فلا قمر يشيع في الأجواء الممتدّة أنواره الشفّافة الوديعة التي تنسكب على الرمال بوداعةٍ وهدوء، ولا كواكب تلمع من بعيد فتوشي حواشي الظلام بلمعات من النّور الأبيض القادم من بعيد في خجل واستحياء، فتفتح أمام الخطى بعض مسالك الطّريق".
ثم يمضي في الحديث قائلاً: "ليس أمامك إلا الظلمات التي تحتشد أمام الظلمات".
الرابع عشر: بعيداً من التفاصيل
من الملامح العامّة للتفسير، عدم الخوض في التفصيلات النظريّة التي لا علاقة لها بالواقع العملي، ولا تكون ثمرتها إلا نظريّة صرفة. فبعد أن تعرّض لخطورة نقض العهود والمواثيق، وذكر بعض الآراء في تفسير العهد والردّ عليها، قال المفسّر:
"ولكنّنا نميل إلى ترك الإفاضة في هذه التّفاصيل، لأننا نستوحي من الآية التّركيز على الملامح العامّة للسلبيّات التي ينتجها الفسق في تشويه شخصيّة الإنسان في الحياة بعيداً من التفاصيل".
الخامس عشر: مناقشات لطرق أبواب أخر
يعتمد التفسير على ذكر الآراء التفسيرية المختلفة، من أجل مناقشتها، وبيان الخلل والضعف فيها، ويظهر من الكتاب اهتمامه بآراء السيّد العلامة الطباطبائي في الميزان بالخصوص، فقد عَنون الكثير من المناقشات بعنوان: مناقشة مع صاحب الميزان، أو مناقشة مع العلامة الطباطبائي (رحمه الله).
ولعلّ السبب في هذا التّركيز أمران:
الأوّل: هو عظمة تفسير الميزان، وكونه من أبرز التفاسير في عصرنا الحاضر.
الثاني: هو محاولة المفسّر لطرق أبواب أخر، وعدم الجمود على ما وصل إليه العلامة الطباطبائي (رحمه الله).
السادس عشر: للدعوة لا للاسترخاء
يغتنم المفسّر الفرص المختلفة للإشارة إلى الدروس العملية المستفادة من الآيات الكريمة، لكي يستفيد منها العاملون على مستوى شخصي أو اجتماعي، إذ إنّ الداعية لا بدّ أن يكون ذا أفق واسع، وصدر رحب، يتحمل كلّ المصاعب، ويحاول حلّ كل المشاكل عبر ثقافة القرآن الكريم، وخصوصاً مع ملاحظة أنّ المفسّر من الدّعاة إلى الله تعالى، مارس الدعوة على مختلف الأصعدة وكتب لها وفيها، وهذا التّفسير من ضمن الكتابات التي تصبّ في هذا المجال.
السابع عشر: التوظيف المنطقي
يحاول المفسّر الاستفادة من القضايا العقليّة والأخلاقيّة والآراء المحمودة، وما شابهها في توضيح فكرته، وتقريبها إلى ذهن القارئ، ومن أمثلة ذلك، استخدام قاعدة: حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد، وأنَّ الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد، ولا يصدق الشّيء في حالة صدق نقيضه، وغيرها.
وقد استخدمها المفسّر في تفنيد مذهب القائلين بالمنهج التجريبي في كشف الحقائق، كما أنه ـ حفظه الله ـ يشير إلى مسألة التوافق بين العقل النظري والعملي في تفسير قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ}.
الثّامن عشر: ظواهر.. وأساليب
يعتمد التفسير على بيان الأساليب المختلفة التي يستخدمها القرآن الكريم للدّعوة والهداية، كما أنه يحاول بيان الأصول الكليّة التي لا تختلف من مجتمع لآخر كما بيّنها القرآن.
وكذلك نلمح في هذا التّفسير الإشارة إلى الظواهر الاجتماعيّة المتكرّرة، كالطلبات التعجيزية، والأسئلة الفضوليّة، والموقف السلبي من قبل الكفّار تجاه المسلمين، والطرق التربويّة القرآنيّة التي يستخدمها القرآن، والطرق العلمية في توضيح الفكرة وإيصالها عبر الحوار.
التاسع عشر: ملاحقة المشاكل الحياتيّة
نلمس في تفسير من وحي القرآن، وبشكلٍ واضحٍ، ملاحقة المشاكل المختلفة التي تواجه العاملين في سبيل الله، عندما تكون لها علاقة قويّة بتأخير الإسلام أو تقديمه، ويحاول الدّخول إليها من خلال بعض الآيات الكريمة، كمشكلة بناء المؤسّسات الدينيّة، وتغير الأهداف فيها من إسلاميّة إلى غير إسلامية، وكذلك إهمال الكثير من الدعاة أبناءهم، في مجال التربية الروحيّة، وذلك عندما يتعرّض لتفسير قوله تعالى: {وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}.
وكذلك قوله تعالى: {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}.
العشرون: التذكير بالثّواب والعقاب
نعيش مع الكتاب دوام التّذكير بالجوانب الروحيّة في الآيات القرآنيّة كلّما سنحت الفرصة لذلك، بل لا نبالغ إذا قلنا إننا نلمس ذلك من أوّل الكتاب إلى آخره، لنعيش دوام الارتباط بالله وبالإسلام وبالدّعوة إلى الله تعالى.
ومن النماذج على هذا الملمح، حديث المفسّر، عندما كتب فصلاً تحت عنوان: (المواجهة القرآنية لتحدّيات اليهود المختلفة)، إذ يقول:
"إنّ الطابع العام لكلّ هذا الفصل هو التّذكير الدائم بموقع الإنسان في كلّ أعماله وأقواله من الله، في ثوابه وعقابه، ما يعطي الموقف جوّاً روحيّاً يتحرّك فيه الإنسان في مواجهة الحالة من موقع المسؤوليّة الإيمانيّة، لا من موقع التفكير المجرّد".
الحادي والعشرون: عدم الاستغراق في الأجواء الفلسفية المجرّدة
يظهر من المفسّر عدم رغبته في إخضاع القرآن الكريم في تفاصيله إلى البحث الفلسفي، لما فيه من التعقيد، فنجده مثلاً يقول:
"إنّ الآية توحي للإنسان بأنّ الطريق إلى معرفة الله لا يتوقف على الاستغراق في الأجواء الفلسفيّة المجرّدة التي تبتعد بالإنسان عن حياته، ليضيع في متاهات الفرضيات المتنوّعة، والأساليب المتضادّة، ولا يخضع للانطلاق إلى أجواء بعيدة".
الثاني والعشرون: تفسير القرآن بالقرآن
يحاول المفسّر أن يعتمد على السياق، والجوّ العام للآية فيما توحيه، بغضّ النظر عمّا ترمي إليه المفردات كلّ على حدة، كما يستعين المفسّر في تفسيره بطريقة تفسير القرآن بالقرآن إذا أعانته الآيات على ذلك.
الثالث والعشرون: إشارات فقهيّة
من ملامح هذا الكتاب، عدم التفصيل في المباحث الفقهيّة، بل الإشارة إليها بشكل مختصر بحسب ما يقتضيه الظاهر منها.
الرابع والعشرون: بحوث تحليليّة
وجود بعض البحوث التحليليّة والتفصيليّة تقريباً عن بعض القضايا، مثل البحث عن الربا وأضراره، واختلاف وجهات النظر بالنّسبة إليه، والبحث عن المرأة، وما يتعلّق بها من مشاكل وإشكالات، وغيرها من هذه البحوث.
السيّد محيي الدين المشعل
من التفاسير الرائعة والعملية، في وقتنا الحاضر، تفسير "من وحي القرآن" الذي قال عنه مؤلفه: إنه محاولة تفسيرية لم يأتِ بشيءٍ جديد فيها إلا بعض الملاحظات، والتأملات، من خلال الاستفادة من آراء المفسّرين.
وفي الحقيقة، إنّ هذا التفسير من التفاسير التي تريد للقرآن أن يتحرّك في كل مجالات الحياة، لتنبض بالحياة، وتدبّ فيها الحركة، فهو لا يترك آية من آيات القرآن ـ بعد أن يفسرها ـ إلا وقد ذكر الدرس العملي فيها، واستخلص الأسلوب التربوي منها، ليعرف قارئ القرآن أنّه أمام دروس تربوية تلاحقه في كلّ مجال من مجالات حركته وسكونه.
ويعرّفه أنّ مشاكله العمليّة، مهما تعقّدت، فإنّ لها حلاً إلهياً جذرياً ينبغي عليه استنطاق القرآن في سبيل الحصول عليه، ورفع المشاكل به، ويبيِّن له حقيقة الهداية القرآنيّة، فيما تتّسع له، وتدور في دائرته، ويعطيه تفسيراً قرآنياً معقولاً، يعتمد الظهور اللّفظي الذي يقبله العقلاء، ويتحمله المعنى واللّفظ.
وبعد قراءةٍٍ مستوعبةٍ لهذا التفسير، تتضح لنا بعض الملامح التي يمكن من خلالها التعرّف إلى هذا التفسير، لتكون بمثابة الكاشف عن ماهيته. والذي نراه، أن هذا التفسير يلبي مقداراً من الحاجة التي يشعر بها قارئ القرآن وطالبه، كما أنّ بقية التفاسير تلبي مقداراً من هذه الحاجة.
فكما أننا بحاجةٍ إلى مجمع البيان والميزان، والأمثل، وغيرها من التفاسير، فإنّنا كذلك بحاجةٍ إلى (من وحي القرآن)، لأنه يسدّ الفراغ الذي تركته تلك التفاسير، كما أنها تسدّ الفراغ الذي تركه هو. 
وفيما يلي أهم هذه الملامح:
الأول: طريقة التناول
استخدم المفسر الطريقة التجزيئية في تفسير القرآن، والتي يبدأ فيها المفسّر من أول سورة في القرآن، إلى آخر سورة فيه. مع ملاحظة أنّ السيد فضل الله قد بدأ من سورة البقرة، وأرجأ الفاتحة، إلى آخر جزءٍ من أجزاء الكتاب.
الثاني: العمل بالظاهر
يعتمد المفسر في تفسيره أقرب الطرق وأسلمها في فهم مدلول الكلام، وهو طريق الاعتماد على ظواهر الألفاظ الذي يعتبر طريقاً عقلائياً مسلّماً به عند مختلف المدارس الفكرية، إلا الشاذ منها.
يقول المفسّر في هذا المجال: "إنّ الخط التفسيري الذي نسير عليه هو العمل بظاهر القرآن، فيما توحيه طبيعة الكلمة في معناها الموضوع لها، أو في القرائن المحيطة بالكلمة، إلا أن يثبت خلاف ذلك من عقل أو نقل".
الثالث: دروس للعالمين
يمكن معرفة الهدف الذي من أجله أقدم المفسّر على كتابة هذا التفسير من خلال تصريح المفسّر نفسه، حيث يقول:
تفسير "من وحي القرآن" كان دروساً تلقى على العاملين في سبيل الله، من أجل جعل القرآن قلباً نابضاً في حركة الدعوة إلى الله، والصّراع مع الباطل لنصرة الحقّ.
الرابع: الطابع التربوي
يغلب على التفسير الطابع التربوي، بما لكلمة التربية من معنى اصطلاحي، يتجسّد في الارتقاء بالإنسان، في كلّ مجالاته المختلفة، ويسعى إلى إحداث عمليّة التكيّف والتفاعل، بين الكائن الآدمي وبيئته الطبيعية والاجتماعيّة، لتحقيق خلافة الله في الأرض.
كما أنّ المفسر يراعي التربية الأخلاقية بالخصوص، في الكثير من الأحيان، ويفرد لها بحوثاً معنونة بالتربية.
الخامس: الاستيحاء
لعلّ البعض يظن ـ ومن خلال عنوان التفسير، وهو من وحي القرآن ـ أنّ المفسّر يريد تأويل القرآن، والسير على خلاف ظواهر الألفاظ، ولكنّ الحق أنّ هذا التفسير الرائع يعتمد على دعامتين أساسيّتين في استيحاء الأفكار من الآيات القرآنية الشريفة، يقول عنهما السيّد فضل الله.
وقد لاحظنا، ونحن نتابع القرآن في أسباب نزوله، أنّ هناك نقطتين جديرتين بالاهتمام في عملية الاستيحاء القرآنيّة:
الأولى: أنّ الآية لا تتجمد في النقطة التي انطلقت منها ونزلت فيها، أي أنَّ المورد لا يخصّص الوارد، ولذا ورد عن أهل البيت (عليهم السلام): "إنّ القرآن يجري مجرى الشّمس والقمر واللّيل والنهار".
الثانية: أنّ الآيات قد تتحرّك في نطاق مضمون فكري معيّن، ولكنها توحي لنا بشكل آخر ـ باعتبار علاقة المعنى الذي تتضمّنه الآية ـ بالمعنى الآخر، من حيث طبيعة النتائج العمليّة، ومن حيث وحدة المسار.
وبعبارة أخرى:
أنّ الآية مفهوم يصدق على أكثر من مصداق صدقاً تشكيكيّاً، ولكنه في صدقه على أحد المصاديق يكون أقوى منه على غيره، وقد ورد في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}. فقد ورد في كتاب الكافي، بإسناده عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر محمد الباقر (عليه السلام): قول الله عزّ وجلّ في كتابه: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، قال: "من حرمه أو عرفه"، قلت: من أخرجها من ضلال إلى هدى؟ قال: "ذلك تأويلها الأعظم".
والظاهر أنّ المراد من التّأويل الأعظم هنا هو المفهوم الأعمق فيما يتّسع له إيحاء الآية.
السّادس: محاولة تفسيرية
يعتمد المفسّر، وبشكل كبير، على أقوال المفسّرين والمحقّقين في مجال التفسير، وهذا ظاهر لمن تتبّع مفردات الكتاب، فإنه يشعر بعمق اطّلاع المفسّر، وكثرة مراجعته للكثير من التفاسير، وفي مختلف الاتجاهات. وقد صرّح المفسّر بذلك في مقدّمة كتابه، قائلاً:
"إنما هو محاولة تفسيريّة ليس فيها جديد إلا قليلاً من الاستيحاءات، والانطباعات، والاستنتاجات".
السابع: المنهج الحركيّ
لا يقبل المفسّر كلّ التفاسير التي تخرج عن الاعتماد على الظّاهر إلى التأويل الباطن، فيقول: "إنّ قضية التفسير هي أن يدرس المفسّر الكلمة من خلال الجوّ الذي تعيش فيه، ليتحقّق الترابط بين الآيات في كلماتها، وأجوائها".
وكذلك يقول في موضع آخر: "إنّ منهج التفسير لدينا يتحرك في إطار الوحي القرآني لحركة الدّعوة في الحياة".
الثّامن: أسلوبان في الخطاب
عرض المفسّر تفسيره على شكلين:
الأوّل: الشكل الدرسي، فقد بدأ من الحلقة الأولى حتى الحلقة السادسة في طرح تفسيره، على شكل دروس متتابعة، تضمّ كلّ حلقةٍ منها عشرة دروس.
الثاني: الشّكل الكتابي، وهذا لا يعتمد الطريقة الأولى، وإنما يبدأ المفسّر من أوّل السّورة حتى ينهيها إلى نهايتها، ويبدأ هذا الشّكل من الحلقة السابعة حتى الأخيرة.
وقد يبدو الاختلاف بين الشّكلين، فإنّ الأوّل يغلب عليه أسلوب المحاضرات، والثاني أسلوبه أسلوب كتابي، وإن كان هذا الأمر يحتاج إلى تأمّل كبير في أسلوب السيد فضل الله، فلا يكاد قارئه ومستمعه يشعر بالفرق بين الحالتين.
التاسع: التبويب المنهجي
يمتاز الكتاب بفصوله وعناوينه الجانبيّة التي من شأنها تقطيع المطلب وجعله أيسر حفظاً وجمعاً للقارئ.
كما أنَّ المصنّف يحاول عرض مواضيع السورة عرضاً إجماليّاً قبل الخوض في كلّ آيةٍ من آياتها، ويعيش مع أجوائها بشكل عام، ليستوحي الفكرة من الكلّ التركيبي الموجود في السورة.
العاشر: الإيحاء البعيد
يعتمد المفسر في كتابه اعتماداً كبيراً على الإيحاء البعيد للفظ، وما يحمله من معانٍ متعددة. وفي ذلك يقول السيد - وذلك بعد تعرّضه لتفسير قوله في سورة البقرة: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}:
"وتتلخّص الفكرة من خلال ذلك، أن المؤمن يشعر بأنّه مسؤول عن الإنفاق من كلّ ما رزقه الله من مالٍ أو علمٍ أو جهدٍ أو جاهٍ، أو من أيّ المجالات، من موقع الواجب لا من موقع التفضّل.
وقد يناقش المناقشون في ظهور اللّفظ في ذلك، ولكنّ اللّفظ ليس مدلولاً لغوياً يتجمد المعنى عنده، بل هو إيحاء عميق ممتدّ في رحاب الحياة، يتّسع ويشمل كلّ ما يتّصل به من أجواء، ومواقف، وأشياء".
الحادي عشر: المناخات النفسيّة
يعتمد المفسّر في تفسيره للآيات، وفي استفاداته منها، على الأسلوب الموجود في الآية ـ بحسب تعبيره ـ، ولعلّه يقصد السّياق، ثم يأخذ انطباعاً معيّناً حول الآية الكريمة. فمثلاً، في الآية الكريمة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} ـ البقرة، نجده يقول: "وتحاول الآية الكريمة أن تعطينا ـ من خلال أسلوبها ـ انطباعاً بأنهم غير مقتنعين مما يطرحونه، ولكنّهم يريدون تنفيذ مآربهم، وبهذا لا تمثّل القضية موقفاً حقيقيّاً لهم".
الثاني عشر: إثارات حول الشبهات
يحرص المفسر على إثارة شبهات المشكّكين والردّ عليها بالبيان الذي يناسبها، إذا كانت تقصد هذه الشبهات الآيات القرآنيّة، مثل: الإيمان بالغيب، وإنكار العقل، والاعتماد على التجربة، إلى غير ذلك من الشّبهات والتساؤلات، فيتساءل ـ مثلاً ـ قائلاً: "هل لنا علاقة، نحن الذين جئنا بعد آدم (عليه السلام)، بخطيئته؟". 
الثّالث عشر: البعد الأدبي
يمتاز الكتاب بأسلوبه الأدبي، ويمزج بينه وبين الأسلوب العلميّ المتأدّب، ما يجعل الكتاب رائعاً يجذب القارئ إليه، ويجعله يتفاعل معه، وكأنَّه يقرأ مقطوعةً أدبيةً أو قصّةً طريفةً، في الوقت الّذي يعيش أجواء تفسير القرآن.
وإليك هذا الأنموذج الأدبي البديع مثالاً على هذا المنهج: في تفسير قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ}.
يقول المفسر في تصوير هذا المثل: "تصوّر نفسك في صحراء مظلمةٍ، ليس فيها بصيص نور، فلا قمر يشيع في الأجواء الممتدّة أنواره الشفّافة الوديعة التي تنسكب على الرمال بوداعةٍ وهدوء، ولا كواكب تلمع من بعيد فتوشي حواشي الظلام بلمعات من النّور الأبيض القادم من بعيد في خجل واستحياء، فتفتح أمام الخطى بعض مسالك الطّريق".
ثم يمضي في الحديث قائلاً: "ليس أمامك إلا الظلمات التي تحتشد أمام الظلمات".
الرابع عشر: بعيداً من التفاصيل
من الملامح العامّة للتفسير، عدم الخوض في التفصيلات النظريّة التي لا علاقة لها بالواقع العملي، ولا تكون ثمرتها إلا نظريّة صرفة. فبعد أن تعرّض لخطورة نقض العهود والمواثيق، وذكر بعض الآراء في تفسير العهد والردّ عليها، قال المفسّر:
"ولكنّنا نميل إلى ترك الإفاضة في هذه التّفاصيل، لأننا نستوحي من الآية التّركيز على الملامح العامّة للسلبيّات التي ينتجها الفسق في تشويه شخصيّة الإنسان في الحياة بعيداً من التفاصيل".
الخامس عشر: مناقشات لطرق أبواب أخر
يعتمد التفسير على ذكر الآراء التفسيرية المختلفة، من أجل مناقشتها، وبيان الخلل والضعف فيها، ويظهر من الكتاب اهتمامه بآراء السيّد العلامة الطباطبائي في الميزان بالخصوص، فقد عَنون الكثير من المناقشات بعنوان: مناقشة مع صاحب الميزان، أو مناقشة مع العلامة الطباطبائي (رحمه الله).
ولعلّ السبب في هذا التّركيز أمران:
الأوّل: هو عظمة تفسير الميزان، وكونه من أبرز التفاسير في عصرنا الحاضر.
الثاني: هو محاولة المفسّر لطرق أبواب أخر، وعدم الجمود على ما وصل إليه العلامة الطباطبائي (رحمه الله).
السادس عشر: للدعوة لا للاسترخاء
يغتنم المفسّر الفرص المختلفة للإشارة إلى الدروس العملية المستفادة من الآيات الكريمة، لكي يستفيد منها العاملون على مستوى شخصي أو اجتماعي، إذ إنّ الداعية لا بدّ أن يكون ذا أفق واسع، وصدر رحب، يتحمل كلّ المصاعب، ويحاول حلّ كل المشاكل عبر ثقافة القرآن الكريم، وخصوصاً مع ملاحظة أنّ المفسّر من الدّعاة إلى الله تعالى، مارس الدعوة على مختلف الأصعدة وكتب لها وفيها، وهذا التّفسير من ضمن الكتابات التي تصبّ في هذا المجال.
السابع عشر: التوظيف المنطقي
يحاول المفسّر الاستفادة من القضايا العقليّة والأخلاقيّة والآراء المحمودة، وما شابهها في توضيح فكرته، وتقريبها إلى ذهن القارئ، ومن أمثلة ذلك، استخدام قاعدة: حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد، وأنَّ الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد، ولا يصدق الشّيء في حالة صدق نقيضه، وغيرها.
وقد استخدمها المفسّر في تفنيد مذهب القائلين بالمنهج التجريبي في كشف الحقائق، كما أنه ـ حفظه الله ـ يشير إلى مسألة التوافق بين العقل النظري والعملي في تفسير قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ}.
الثّامن عشر: ظواهر.. وأساليب
يعتمد التفسير على بيان الأساليب المختلفة التي يستخدمها القرآن الكريم للدّعوة والهداية، كما أنه يحاول بيان الأصول الكليّة التي لا تختلف من مجتمع لآخر كما بيّنها القرآن.
وكذلك نلمح في هذا التّفسير الإشارة إلى الظواهر الاجتماعيّة المتكرّرة، كالطلبات التعجيزية، والأسئلة الفضوليّة، والموقف السلبي من قبل الكفّار تجاه المسلمين، والطرق التربويّة القرآنيّة التي يستخدمها القرآن، والطرق العلمية في توضيح الفكرة وإيصالها عبر الحوار.
التاسع عشر: ملاحقة المشاكل الحياتيّة
نلمس في تفسير من وحي القرآن، وبشكلٍ واضحٍ، ملاحقة المشاكل المختلفة التي تواجه العاملين في سبيل الله، عندما تكون لها علاقة قويّة بتأخير الإسلام أو تقديمه، ويحاول الدّخول إليها من خلال بعض الآيات الكريمة، كمشكلة بناء المؤسّسات الدينيّة، وتغير الأهداف فيها من إسلاميّة إلى غير إسلامية، وكذلك إهمال الكثير من الدعاة أبناءهم، في مجال التربية الروحيّة، وذلك عندما يتعرّض لتفسير قوله تعالى: {وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}.
وكذلك قوله تعالى: {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}.
العشرون: التذكير بالثّواب والعقاب
نعيش مع الكتاب دوام التّذكير بالجوانب الروحيّة في الآيات القرآنيّة كلّما سنحت الفرصة لذلك، بل لا نبالغ إذا قلنا إننا نلمس ذلك من أوّل الكتاب إلى آخره، لنعيش دوام الارتباط بالله وبالإسلام وبالدّعوة إلى الله تعالى.
ومن النماذج على هذا الملمح، حديث المفسّر، عندما كتب فصلاً تحت عنوان: (المواجهة القرآنية لتحدّيات اليهود المختلفة)، إذ يقول:
"إنّ الطابع العام لكلّ هذا الفصل هو التّذكير الدائم بموقع الإنسان في كلّ أعماله وأقواله من الله، في ثوابه وعقابه، ما يعطي الموقف جوّاً روحيّاً يتحرّك فيه الإنسان في مواجهة الحالة من موقع المسؤوليّة الإيمانيّة، لا من موقع التفكير المجرّد".
الحادي والعشرون: عدم الاستغراق في الأجواء الفلسفية المجرّدة
يظهر من المفسّر عدم رغبته في إخضاع القرآن الكريم في تفاصيله إلى البحث الفلسفي، لما فيه من التعقيد، فنجده مثلاً يقول:
"إنّ الآية توحي للإنسان بأنّ الطريق إلى معرفة الله لا يتوقف على الاستغراق في الأجواء الفلسفيّة المجرّدة التي تبتعد بالإنسان عن حياته، ليضيع في متاهات الفرضيات المتنوّعة، والأساليب المتضادّة، ولا يخضع للانطلاق إلى أجواء بعيدة".
الثاني والعشرون: تفسير القرآن بالقرآن
يحاول المفسّر أن يعتمد على السياق، والجوّ العام للآية فيما توحيه، بغضّ النظر عمّا ترمي إليه المفردات كلّ على حدة، كما يستعين المفسّر في تفسيره بطريقة تفسير القرآن بالقرآن إذا أعانته الآيات على ذلك.
الثالث والعشرون: إشارات فقهيّة
من ملامح هذا الكتاب، عدم التفصيل في المباحث الفقهيّة، بل الإشارة إليها بشكل مختصر بحسب ما يقتضيه الظاهر منها.
الرابع والعشرون: بحوث تحليليّة
وجود بعض البحوث التحليليّة والتفصيليّة تقريباً عن بعض القضايا، مثل البحث عن الربا وأضراره، واختلاف وجهات النظر بالنّسبة إليه، والبحث عن المرأة، وما يتعلّق بها من مشاكل وإشكالات، وغيرها من هذه البحوث.
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير