مختارات
17/02/2015

صانعو التوحّش!

صانعو التوحّش!

تركت أساليب العنف والتوحّش المتفلّتة من أيّ قيود أو حدود أخلاقيَّة وإنسانيَّة وقيميَّة، أثراً كبيراً في وعي النّاس، بعد انتشارها من خلال الإعلام العربيّ والعالميّ، وتشكيلها صدمةً كبيرة، سواء لدى المسلمين أو غير المسلمين، وخصوصاً أنها ترتكب باسم الإسلام، وتحت عناوين شرعيَّة، تستند إلى رواياتٍ ومصادر ضعيفة في التّاريخ الإسلاميّ.

وقد شكَّلت مشاهد القتل والتَّمثيل الَّتي تقوم بها الجماعات التكفيريَّة صدمةً للوعي العام، حيث اتخذت من الوحشيَّة والقتل وقطع الرّؤوس وسيلةً لترويع الناس، وبث الرّعب في قلوب أعدائها، وتحقيق ما تعتبره "انتصارات" في الحرب النّفسيَّة التي تخوضها.

وقد أثار استخدام هذه الأساليب استنكاراً كبيراً، وردود فعل مختلفة، ندَّدت بالأسلوب الشّنيع الَّذي تعتمده هذه التّنظيمات، التي تزعم أنها تقوم بتطبيق الشَّرع الإسلاميّ، حيث ركّز الإعلام الغربي على ربط هذه الممارسات بما تعتبره هذه الجماعات تطبيقاً لشرع الله.

وترافق ذلك مع الضجَّة التي أثارها قتل رسّامي الكاريكاتور الفرنسيّين في صحيفة شارلي إيبدو، والَّتي أثارت حملةً عنصريَّةً ضدّ الإسلام، وساهمت في تأجيج موجة الإسلاموفوبيا في الغرب، وخصوصاً مع بروز الأحزاب اليمينيّة في أكثر من بلد أوروبي، والَّتي غالباً ما تركّز في حملاتها الإعلاميَّة على التَّخويف من الإسلام، وتزايد حضور المسلمين في البلدان الغربيَّة.

ويبدو واضحاً وجود أجواء مساعدة على تعزيز مناخ الإسلاموفوبيا في الغرب وانتشاره، من خلال إثارة توجّهٍ يعمد إلى استدعاء أسوأ ما في التّاريخ الاسلامي من صورٍ تعبّر عن واقع تاريخيّ معيّن، ومحاولة إسقاطها على الإسلام كدينٍ ورسالة، وذلك من خلال تغييب الصّورة الحقيقيَّة للإسلام، باعتباره ديناً يقومُ على الرِّفق والمحبَّة والإنسانيَّة، وهو ما تظهره معظم آيات القرآن الكريم، الّتي تركِّز على الجانب الأخلاقيّ، وتقدِّم الرّحمة والتراحم كقيمةٍ إنسانيَّة كبيرة، في حين أنَّ الآيات الَّتي تتحدَّث عن القوَّة والعنف في الإسلام، هي آيات محدودة، وترتبط بحالة الحرب والقتال، إذ إنَّ العنف في الإسلام هو حالة استثنائيّة لردّ العدوان. ويمكن أن نستقرئ المنهج الإسلاميّ في التعامل مع أسلوب العنف والقوّة، من خلال كتاب المرجع السيّد محمد حسين فضل الله "الإسلام ومنطق القوّة".

إنَّ الغرب يجد في الإسلام الحضاريّ خطراً على مصالحه، لأنّه يعزّزً وعي الأمَّة، ويساهم في استنهاض دورها الحضاريّ والإنسانيّ، ما يشكِّل عائقاً أمام مخطَّطاته، ولذلك، فإنّه يهدف إلى تشويه صورة الإسلام، من خلال اعتماد عقليَّة تتبع المنهج الاستشراقيّ الفئويّ، المتجنّي على الحقيقة التاريخيَّة، والَّذي يقدِّم الإسلام ديناً للقتل وقطع الرّؤوس وسفك الدّماء.

لكنَّ السّؤال الَّذي يطرح نفسه على الغرب، في مقابل هذا التوجّه: من يصنع الإرهاب؟ من يغذّي هذه الجماعات؟ وكيف نشأت؟ وتحت إشراف من؟ وما هي جذورها الفكريّة؟ أوليس من اللافت للانتباه، أنَّ جذورها الفكريّة والعقائديّة تمتدّ في أجواء الأنظمة الأكثر التصاقاً بالغرب وتبعيّةً لسياساته، حيث تستخدم بشكلٍ مباشر كأداةٍ لتحقيق الأهداف الغربيّة في المنطقة ـ كما استخدمت قبل ذلك في أفغانستان ـ لتخدم مشروعه الهادف إلى تفتيت الأمّة من أجل إبقائها في موقع الضّعف، عبر استنفار العامل المذهبي، وإثارة التّناقضات والحساسيّات المختلفة، لأنَّ وحدة الأمَّة تشكِّل خطراً على وجوده في المنطقة؟!

وتساعد أساليب هذه الجماعات في عمليّة "خلط المفاهيم"، بما يساهم في إسقاط تهمة الإرهاب على حركات المقاومة المناهضة للصّهيونيَّة والغرب، وتشبيهها بالتّكفيريّين، بما يؤدّي إلى ضرب قيم الشّهادة والجهاد.

 ويعزِّز ذلك، الدَّعم اللّوجستيّ لهذه الجماعات، الَّذي يأتي بشكل رئيسيّ من دولةٍ عضو في الحلف الأطلسيّ، يتدفَّق عبر حدودها آلاف المقاتلين الّذين يدعمون وجود هذه الجماعات، عدا عن وسائل الدّعم الأخرى المختلفة، إضافةً إلى دولٍ وأنظمةٍ في المنطقة، مرتبطةٍ بشكلٍ وثيقٍ بالسّياسات الغربيّة، حيث شكَّلت عماد المشروع الغربيّ لاستهداف دول عربيَّة، الّذي انطلق منذ أربع سنوات، وما زال مستمرّاً حتى اليوم.

إنَّ محاولة إلصاق تهمة العنف والإرهاب بالإسلام، ارتكازاً على ممارسات فئات وجماعات منحرفة، يدفعنا في المقابل إلى السّؤال عن العنف الَّذي أنتجه الغرب في تاريخه وحاضره، وما زال ينتجه في الواقع العالميّ المعاصر: ماذا عن العنف الغربيّ خلال القرن الماضي خصوصاً، وصولاً إلى عصرنا الحالي؟ ماذا عن الاستعمار وما تركه من مآسٍ؟ وماذا عن الحربين العالميّتين وفظائعهما؟ فكلّها تعبّر عن العنف الوحشيّ الّذي صنعه الغرب، وهو عنفٌ يستحقّ كلّ الرّفض والتّنديد، لأنّه يخالف كلّ القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة والحضاريّة.

إنّ ما سبق ذكره، لا يعني تنصّلاً من المسؤوليَّة، وإلقاءً لها على الآخر، ولا يعني إنكاراً لضرورة مراجعة التراث الإسلاميّ بطريقة علميّة، تسقط ما علق به من سلبيّات جرّاء الممارسات التاريخيّة، وجرّاء ممارسات الحكّام والملوك والسّلاطين والدّول المتعاقبة في تاريخ الإسلام، في خضمّ صراعاتهم على السّلطة، ومواجهتهم لكلِّ جماعة وتيّار مختلفين في الفكر والمنهج.

لكن ما يجدر التّركيز عليه، أنَّ العنف كأسلوب، مخالف للمنهج الإسلاميّ، وأنَّ الإرهاب ليس له هويّةٌ إسلاميّة، بل إنّه أسلوب مرفوض إسلاميّاً وإنسانيّاً وحضاريّاً، من أيِّ جهة أتى، فكلّ من يدعم العنف والإرهاب، في أيِّ مكان من العالم، هو شريك في قطع الرّؤوس وحرق الأجساد، سواء كان يقيم في فيافي الصّحارى القفار، أو في ناطحات السَّحاب خلف البحار.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.


تركت أساليب العنف والتوحّش المتفلّتة من أيّ قيود أو حدود أخلاقيَّة وإنسانيَّة وقيميَّة، أثراً كبيراً في وعي النّاس، بعد انتشارها من خلال الإعلام العربيّ والعالميّ، وتشكيلها صدمةً كبيرة، سواء لدى المسلمين أو غير المسلمين، وخصوصاً أنها ترتكب باسم الإسلام، وتحت عناوين شرعيَّة، تستند إلى رواياتٍ ومصادر ضعيفة في التّاريخ الإسلاميّ.

وقد شكَّلت مشاهد القتل والتَّمثيل الَّتي تقوم بها الجماعات التكفيريَّة صدمةً للوعي العام، حيث اتخذت من الوحشيَّة والقتل وقطع الرّؤوس وسيلةً لترويع الناس، وبث الرّعب في قلوب أعدائها، وتحقيق ما تعتبره "انتصارات" في الحرب النّفسيَّة التي تخوضها.

وقد أثار استخدام هذه الأساليب استنكاراً كبيراً، وردود فعل مختلفة، ندَّدت بالأسلوب الشّنيع الَّذي تعتمده هذه التّنظيمات، التي تزعم أنها تقوم بتطبيق الشَّرع الإسلاميّ، حيث ركّز الإعلام الغربي على ربط هذه الممارسات بما تعتبره هذه الجماعات تطبيقاً لشرع الله.

وترافق ذلك مع الضجَّة التي أثارها قتل رسّامي الكاريكاتور الفرنسيّين في صحيفة شارلي إيبدو، والَّتي أثارت حملةً عنصريَّةً ضدّ الإسلام، وساهمت في تأجيج موجة الإسلاموفوبيا في الغرب، وخصوصاً مع بروز الأحزاب اليمينيّة في أكثر من بلد أوروبي، والَّتي غالباً ما تركّز في حملاتها الإعلاميَّة على التَّخويف من الإسلام، وتزايد حضور المسلمين في البلدان الغربيَّة.

ويبدو واضحاً وجود أجواء مساعدة على تعزيز مناخ الإسلاموفوبيا في الغرب وانتشاره، من خلال إثارة توجّهٍ يعمد إلى استدعاء أسوأ ما في التّاريخ الاسلامي من صورٍ تعبّر عن واقع تاريخيّ معيّن، ومحاولة إسقاطها على الإسلام كدينٍ ورسالة، وذلك من خلال تغييب الصّورة الحقيقيَّة للإسلام، باعتباره ديناً يقومُ على الرِّفق والمحبَّة والإنسانيَّة، وهو ما تظهره معظم آيات القرآن الكريم، الّتي تركِّز على الجانب الأخلاقيّ، وتقدِّم الرّحمة والتراحم كقيمةٍ إنسانيَّة كبيرة، في حين أنَّ الآيات الَّتي تتحدَّث عن القوَّة والعنف في الإسلام، هي آيات محدودة، وترتبط بحالة الحرب والقتال، إذ إنَّ العنف في الإسلام هو حالة استثنائيّة لردّ العدوان. ويمكن أن نستقرئ المنهج الإسلاميّ في التعامل مع أسلوب العنف والقوّة، من خلال كتاب المرجع السيّد محمد حسين فضل الله "الإسلام ومنطق القوّة".

إنَّ الغرب يجد في الإسلام الحضاريّ خطراً على مصالحه، لأنّه يعزّزً وعي الأمَّة، ويساهم في استنهاض دورها الحضاريّ والإنسانيّ، ما يشكِّل عائقاً أمام مخطَّطاته، ولذلك، فإنّه يهدف إلى تشويه صورة الإسلام، من خلال اعتماد عقليَّة تتبع المنهج الاستشراقيّ الفئويّ، المتجنّي على الحقيقة التاريخيَّة، والَّذي يقدِّم الإسلام ديناً للقتل وقطع الرّؤوس وسفك الدّماء.

لكنَّ السّؤال الَّذي يطرح نفسه على الغرب، في مقابل هذا التوجّه: من يصنع الإرهاب؟ من يغذّي هذه الجماعات؟ وكيف نشأت؟ وتحت إشراف من؟ وما هي جذورها الفكريّة؟ أوليس من اللافت للانتباه، أنَّ جذورها الفكريّة والعقائديّة تمتدّ في أجواء الأنظمة الأكثر التصاقاً بالغرب وتبعيّةً لسياساته، حيث تستخدم بشكلٍ مباشر كأداةٍ لتحقيق الأهداف الغربيّة في المنطقة ـ كما استخدمت قبل ذلك في أفغانستان ـ لتخدم مشروعه الهادف إلى تفتيت الأمّة من أجل إبقائها في موقع الضّعف، عبر استنفار العامل المذهبي، وإثارة التّناقضات والحساسيّات المختلفة، لأنَّ وحدة الأمَّة تشكِّل خطراً على وجوده في المنطقة؟!

وتساعد أساليب هذه الجماعات في عمليّة "خلط المفاهيم"، بما يساهم في إسقاط تهمة الإرهاب على حركات المقاومة المناهضة للصّهيونيَّة والغرب، وتشبيهها بالتّكفيريّين، بما يؤدّي إلى ضرب قيم الشّهادة والجهاد.

 ويعزِّز ذلك، الدَّعم اللّوجستيّ لهذه الجماعات، الَّذي يأتي بشكل رئيسيّ من دولةٍ عضو في الحلف الأطلسيّ، يتدفَّق عبر حدودها آلاف المقاتلين الّذين يدعمون وجود هذه الجماعات، عدا عن وسائل الدّعم الأخرى المختلفة، إضافةً إلى دولٍ وأنظمةٍ في المنطقة، مرتبطةٍ بشكلٍ وثيقٍ بالسّياسات الغربيّة، حيث شكَّلت عماد المشروع الغربيّ لاستهداف دول عربيَّة، الّذي انطلق منذ أربع سنوات، وما زال مستمرّاً حتى اليوم.

إنَّ محاولة إلصاق تهمة العنف والإرهاب بالإسلام، ارتكازاً على ممارسات فئات وجماعات منحرفة، يدفعنا في المقابل إلى السّؤال عن العنف الَّذي أنتجه الغرب في تاريخه وحاضره، وما زال ينتجه في الواقع العالميّ المعاصر: ماذا عن العنف الغربيّ خلال القرن الماضي خصوصاً، وصولاً إلى عصرنا الحالي؟ ماذا عن الاستعمار وما تركه من مآسٍ؟ وماذا عن الحربين العالميّتين وفظائعهما؟ فكلّها تعبّر عن العنف الوحشيّ الّذي صنعه الغرب، وهو عنفٌ يستحقّ كلّ الرّفض والتّنديد، لأنّه يخالف كلّ القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة والحضاريّة.

إنّ ما سبق ذكره، لا يعني تنصّلاً من المسؤوليَّة، وإلقاءً لها على الآخر، ولا يعني إنكاراً لضرورة مراجعة التراث الإسلاميّ بطريقة علميّة، تسقط ما علق به من سلبيّات جرّاء الممارسات التاريخيّة، وجرّاء ممارسات الحكّام والملوك والسّلاطين والدّول المتعاقبة في تاريخ الإسلام، في خضمّ صراعاتهم على السّلطة، ومواجهتهم لكلِّ جماعة وتيّار مختلفين في الفكر والمنهج.

لكن ما يجدر التّركيز عليه، أنَّ العنف كأسلوب، مخالف للمنهج الإسلاميّ، وأنَّ الإرهاب ليس له هويّةٌ إسلاميّة، بل إنّه أسلوب مرفوض إسلاميّاً وإنسانيّاً وحضاريّاً، من أيِّ جهة أتى، فكلّ من يدعم العنف والإرهاب، في أيِّ مكان من العالم، هو شريك في قطع الرّؤوس وحرق الأجساد، سواء كان يقيم في فيافي الصّحارى القفار، أو في ناطحات السَّحاب خلف البحار.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية