مختارات
23/02/2015

ازدواجيّة غربيّة

ازدواجيّة غربيّة

أعادت الجريمة الَّتي ارتكبت في الولايات المتّحدة الأميركيَّة، وأدَّت إلى مقتل ثلاثة مواطنين أميركيين مسلمين أبرياء، إثارة الهواجس الَّتي انفجرت بقوّة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، إثر إعلان الرئيس الأميركي السّابق، جورج بوش، الحرب على الإرهاب، والَّتي نتج منها فيما بعد، الاحتلال الأميركي لكلّ من أفغانستان والعراق، الّذي أدّى إلى مقتل مئات الآلاف من الأبرياء.

ولم تقتصر آثار ذلك على التدخّل العسكريّ، بل انعكست على المواطنين الأميركيين المسلمين تعاملاً أمنياً تمييزياً معهم، حيث تواصل رصد عدد كبير من الإجراءات ذات الطابع التّمييزي ضدّهم، حتى بات كلّ مسلم محلّ شكّ وشبهة وريبة واتّهام بأنّه إرهابي!

ولم يقض مجيء الرئيس الأميركي باراك أوباما على هذه الهواجس، ولم ينه عمليات التمييز التي تستهدف المسلمين في الولايات المتحدة، مما يندرج في إطار موجة الإساءة إلى الإسلام ومقدَّساته، وكان مما تضمّنته هذه العمليّات، القيام بحرق نسخٍ من القرآن، ونشر أفلام وصور مسيئة إلى الرسول الأكرم(ص)، والاعتداءات المتكرّرة من المتطرفين على أفراد مسلمين ونساء مسلمات محجّبات.

وجاء قتل المواطنين المسلمين الثّلاثة ليزيد المخاوف من خطاب الكراهية والتمييز تجاه الإسلام والمسلمين، الَّذي تضخّه وسائل الإعلام الغربية، مستفيدةً من جرائم التنظيمات التكفيرية الّتي تثار شبهات عدة حول مصادر تمويلها ودعمها، كما لا يخفى دور أجهزة الاستخبارات الغربية في دعمها منذ السبعينيات، واستعمالها كورقة يتمّ استثمارها لإعادة رسم خرائط هذه المنطقة الاستراتيجية الملتهبة، الَّتي تثير أطماع القوى العالمية الكبرى الفاعلة على الساحة الدولية.

وقد ترافقت هذه الحادثة في الولايات المتحدة الأميركيّة مع حادثة أخرى في الدنمارك، حيث قتل شخص، وأصيب ثلاثة رجال شرطة، جرّاء إطلاق نارٍ باتجاه مبنى في العاصمة كوبنهاغن، كان يستضيف جلسة نقاش حول التيارات الإسلاميّة وحريّة التّعبير، شارك فيها الفنان السّويديّ "لارس فيلكس"، الَّذي نشر في العام 2007 رسوماً كاريكاتوريَّة للرَّسول الأكرم(ص)، أثارت موجة استنكار وتنديد واسعة في العالم الإسلامي.

وقد أثارت الحادثة ضجَّةً إعلاميَّةً كبيرة في الدنمارك، ترافقت مع ارتفاع وتيرة الخطاب المعادي للإسلام في أوروبا، الّذي تؤجّجه التيارات اليمينيّة المتعصّبة، من خلال إثارة المخاوف حول ما تسميه "الخطر الإسلامي"، و"الإرهاب الإسلامي"، و"رفض المسلمين للاندماج"، و"اغترابهم عن القيم الأوروبيَّة" ورفضهم لها، وغير ذلك من المقولات الَّتي تستفيد من تصرّفات بعض المسلمين المتطرفين من أصحاب الفكر التكفيريّ، من أجل محاكمة الإسلام كدين ورسالة.  

والملاحظ هو التّباين الكبير في التّعاطي الإعلاميّ للصّحافة الغربيّة مع كلٍّ من الحدثين، ففي الولايات المتحدة، جرى التّعامل مع عمليّة قتل المسلمين الأميركيّين، باعتبارها حادثةً جنائيَّةً عاديَّة، لم تستحقّ من الإعلام الأمريكي أن يوليها اهتماماً استثنائيَّاً، بحيث يسلِّط الضّوء على مسألة التمييز في أميركا تجاه المسلمين، وما يتمّ ضخّه في المجتمع الأميركي من خطاب معادٍ للإسلام، كما أنّ هذه الجرائم التي تُصنَّف في إطار جرائم الكراهية والعنصريّة، لم تكن كافيةً حتى تدفع الصّحافة الغربيّة إلى نقد ثقافة العنف ونبذ الآخر، الّتي ينتجها المجتمع الأميركيّ، كما أنها لم تدفع الإدارة الأميركيّة إلى اتخاذ إجراءات عقابية صارمة ورادعة لمنع تكرار مثل هذه الجرائم.

أمّا في الدنمارك، حيث كان القاتل مسلماً، فقد خرج الموضوع بشكلٍ فوريّ عن إطار الحادث الجنائي، رغم أنَّ الفاعل دنماركي الجنسيَّة، وكذلك الضّحايا، وجرى تصوير الحادث على أنّه "إرهاب إسلاميّ" ضدّ المواطنين الآمنين، وتعبير عن رفض الإسلام للتّعايش، وعن ثقافته "العنفيّة" الّتي تسعى لإلغاء الآخر.

صحيح أنَّ الخطاب الأميركيّ والأوروبيّ الرسميّ لا يقول ذلك صراحةً، بل يصرّح بأنَّ المتطرّفين لا يمثّلون الإسلام، لكنّ الخطاب شيء والواقع شيء آخر، إذ تتعامل وسائل الإعلام الغربيَّة مع الأمر على أساس تحميل المسؤوليّة للإسلام، كما تزداد الإجراءات التّمييزيّة ضدّ المسلمين على مستوى حرية ممارسة العقيدة، والتّعبير عن هويّتهم الدينيَّة.

إنَّ الازدواجيَّة الغربيّة في التّعاطي مع عمليّات العنف المرتبطة بالخلفيّات الدينيّة تبدو واضحةً، وتضع الغرب الّذي يزعم الحرص على الحريّات وحقوق الإنسان، في دائرة الشّكّ والاتهام.

في الغرب، إذا كان الضّحيَّة مسلماً فتلك قضيَّة، أمَّا إذا كان القاتل مسلماً، فتلك قضيّة أخرى؛ فرق كبير يفصح عن ازدواجيَّة فاضحة.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.


أعادت الجريمة الَّتي ارتكبت في الولايات المتّحدة الأميركيَّة، وأدَّت إلى مقتل ثلاثة مواطنين أميركيين مسلمين أبرياء، إثارة الهواجس الَّتي انفجرت بقوّة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، إثر إعلان الرئيس الأميركي السّابق، جورج بوش، الحرب على الإرهاب، والَّتي نتج منها فيما بعد، الاحتلال الأميركي لكلّ من أفغانستان والعراق، الّذي أدّى إلى مقتل مئات الآلاف من الأبرياء.

ولم تقتصر آثار ذلك على التدخّل العسكريّ، بل انعكست على المواطنين الأميركيين المسلمين تعاملاً أمنياً تمييزياً معهم، حيث تواصل رصد عدد كبير من الإجراءات ذات الطابع التّمييزي ضدّهم، حتى بات كلّ مسلم محلّ شكّ وشبهة وريبة واتّهام بأنّه إرهابي!

ولم يقض مجيء الرئيس الأميركي باراك أوباما على هذه الهواجس، ولم ينه عمليات التمييز التي تستهدف المسلمين في الولايات المتحدة، مما يندرج في إطار موجة الإساءة إلى الإسلام ومقدَّساته، وكان مما تضمّنته هذه العمليّات، القيام بحرق نسخٍ من القرآن، ونشر أفلام وصور مسيئة إلى الرسول الأكرم(ص)، والاعتداءات المتكرّرة من المتطرفين على أفراد مسلمين ونساء مسلمات محجّبات.

وجاء قتل المواطنين المسلمين الثّلاثة ليزيد المخاوف من خطاب الكراهية والتمييز تجاه الإسلام والمسلمين، الَّذي تضخّه وسائل الإعلام الغربية، مستفيدةً من جرائم التنظيمات التكفيرية الّتي تثار شبهات عدة حول مصادر تمويلها ودعمها، كما لا يخفى دور أجهزة الاستخبارات الغربية في دعمها منذ السبعينيات، واستعمالها كورقة يتمّ استثمارها لإعادة رسم خرائط هذه المنطقة الاستراتيجية الملتهبة، الَّتي تثير أطماع القوى العالمية الكبرى الفاعلة على الساحة الدولية.

وقد ترافقت هذه الحادثة في الولايات المتحدة الأميركيّة مع حادثة أخرى في الدنمارك، حيث قتل شخص، وأصيب ثلاثة رجال شرطة، جرّاء إطلاق نارٍ باتجاه مبنى في العاصمة كوبنهاغن، كان يستضيف جلسة نقاش حول التيارات الإسلاميّة وحريّة التّعبير، شارك فيها الفنان السّويديّ "لارس فيلكس"، الَّذي نشر في العام 2007 رسوماً كاريكاتوريَّة للرَّسول الأكرم(ص)، أثارت موجة استنكار وتنديد واسعة في العالم الإسلامي.

وقد أثارت الحادثة ضجَّةً إعلاميَّةً كبيرة في الدنمارك، ترافقت مع ارتفاع وتيرة الخطاب المعادي للإسلام في أوروبا، الّذي تؤجّجه التيارات اليمينيّة المتعصّبة، من خلال إثارة المخاوف حول ما تسميه "الخطر الإسلامي"، و"الإرهاب الإسلامي"، و"رفض المسلمين للاندماج"، و"اغترابهم عن القيم الأوروبيَّة" ورفضهم لها، وغير ذلك من المقولات الَّتي تستفيد من تصرّفات بعض المسلمين المتطرفين من أصحاب الفكر التكفيريّ، من أجل محاكمة الإسلام كدين ورسالة.  

والملاحظ هو التّباين الكبير في التّعاطي الإعلاميّ للصّحافة الغربيّة مع كلٍّ من الحدثين، ففي الولايات المتحدة، جرى التّعامل مع عمليّة قتل المسلمين الأميركيّين، باعتبارها حادثةً جنائيَّةً عاديَّة، لم تستحقّ من الإعلام الأمريكي أن يوليها اهتماماً استثنائيَّاً، بحيث يسلِّط الضّوء على مسألة التمييز في أميركا تجاه المسلمين، وما يتمّ ضخّه في المجتمع الأميركي من خطاب معادٍ للإسلام، كما أنّ هذه الجرائم التي تُصنَّف في إطار جرائم الكراهية والعنصريّة، لم تكن كافيةً حتى تدفع الصّحافة الغربيّة إلى نقد ثقافة العنف ونبذ الآخر، الّتي ينتجها المجتمع الأميركيّ، كما أنها لم تدفع الإدارة الأميركيّة إلى اتخاذ إجراءات عقابية صارمة ورادعة لمنع تكرار مثل هذه الجرائم.

أمّا في الدنمارك، حيث كان القاتل مسلماً، فقد خرج الموضوع بشكلٍ فوريّ عن إطار الحادث الجنائي، رغم أنَّ الفاعل دنماركي الجنسيَّة، وكذلك الضّحايا، وجرى تصوير الحادث على أنّه "إرهاب إسلاميّ" ضدّ المواطنين الآمنين، وتعبير عن رفض الإسلام للتّعايش، وعن ثقافته "العنفيّة" الّتي تسعى لإلغاء الآخر.

صحيح أنَّ الخطاب الأميركيّ والأوروبيّ الرسميّ لا يقول ذلك صراحةً، بل يصرّح بأنَّ المتطرّفين لا يمثّلون الإسلام، لكنّ الخطاب شيء والواقع شيء آخر، إذ تتعامل وسائل الإعلام الغربيَّة مع الأمر على أساس تحميل المسؤوليّة للإسلام، كما تزداد الإجراءات التّمييزيّة ضدّ المسلمين على مستوى حرية ممارسة العقيدة، والتّعبير عن هويّتهم الدينيَّة.

إنَّ الازدواجيَّة الغربيّة في التّعاطي مع عمليّات العنف المرتبطة بالخلفيّات الدينيّة تبدو واضحةً، وتضع الغرب الّذي يزعم الحرص على الحريّات وحقوق الإنسان، في دائرة الشّكّ والاتهام.

في الغرب، إذا كان الضّحيَّة مسلماً فتلك قضيَّة، أمَّا إذا كان القاتل مسلماً، فتلك قضيّة أخرى؛ فرق كبير يفصح عن ازدواجيَّة فاضحة.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية