مختارات
27/10/2014

مع قصيدة "في ظلال كربلاء"

مع قصيدة "في ظلال كربلاء"

شكَّلت كربلاء محطَّةً لكلّ المثقّفين والمبدعين، ولكلّ نشاط فكريّ وأدبيّ عبر العصور، لما تختزنه من معانٍ شريفة وأبعاد إنسانيّة وأخلاقيّة وقيميّة جليلة، تستفزّ قرائح الأدباء والشّعراء، كي يطلقوا العنان ليراعهم في التّحليق في فضاء هذه المناسبة الإسلاميّة، الّتي وقفت ولا تزال شامخة أمام عتوّ الزمان، لا بل إنَّ الزّمان تخلّد بها.

ونحن في أجواء هذه الذّكرى، نستعرض بعض النّماذج الشعريّة الّتي حلّقت وأبدعت في الأدب الحسيني، ومنها قصيدة للمرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)، تحت عنوان "في ظلال كربلاء":

هُنا.. وتساءَلتُ أيْنَ انتهَتْ                أشعّةُ ذاك الصّدى الهادرِ

وكانتْ على ملْتقى الضفّتينِ              ظِلالٌ من الزّمنِ الغابرِ

ونَهْرٌ تُؤرِّقُ أمواجَهُ                            ملامِحُ ذكرى الدّمِ الطّاهرِ

هفَتْ للغريبِ فثَارَتْ بِهَا                   تهاويلُ منْ أمْسِها الدَّابِرِ

وراحَتْ تناثَرُ في نوْحِها                    دموعٌ على الألمِ الحائِرِ

..تلوِّحُ لي أنّ سرَّ الشّهيـ                       ـيدِ يكْمُنُ في الشّفقِ السّاحرِ

وأنّ الشّهادةَ رفَّتْ على                ثَراها كتَهْويمةِ الشَّاعِرِ

وأنّ هُنا.. كانَ ركْبُ الحُسيْـ                 ـنِ يحْلُمُ بالملتقى السّافرِ

ليَبْعثَ منْ لمحاتِ الجهادِ                   مواكِبَ مبْدئهِ الزّاهِرِ

ويرفَعَ منْ رائِعاتِ النّضالِ               روائِعَ مسْتَقْبَلٍ ظافِرِ

مطلع يهزّ الوجدان، وتطرب له الرّوح، وتشغف به القلوب، وبوجه خاصّ، عندما يكون محوره الحديث عن الإمام الحسين(ع)؛ ملهم الإنسانيّة جمعاء. بألفاظ رشيقة مطواعة، وبمضامين هادفة ملتزمة، يفتتح الشّاعر السيّد(رض) قصيدته "في ظلال كربلاء"، راسماً صورةً متحركة وحيَّة لذكرى الدّم العابق بالمعنى الهادف الّذي ينقل الإنسان من حال الخنوع والرّتابة، إلى أفق الجهاد والتضحية والنضال، في سبيل رفعة الإنسان وعزّته، ومستقبله الظّافر بالخير والحبّ والعطاء.

ويتابع في مقطع آخر من القصيدة:

ودَمْدَمَ أفُقٌ، تهُلُّ الدّماءُ             عليْهِ، كنبْعِ السَّنا الفائِرِ

يُردِّدُ: كانتْ طُيوبُ الحياةِ                   تفوحُ منَ الخلُقِ العاطِرِ

وكانَ الشّبابُ نقِيَّ السِّماتِ                يسيرُ بزَهْوِ الصّبَا النّاضِرِ

فيُلهِبُ بالنّورِ شوْطَ الكِفاحِ                فيَنْهَلُ بالنَّغَمِ الثّائِرِ

ويَذْوي وفي شفَتَيْهِ ابْتِسامٌ                 وشوْقٌ إلى عالَم آخَرِ

وفي مُقْلَتَيْهِ، التفاتُ الحنينِ                  إلى أمَلِ الدَّعوةِ الصَّابرِ

تجد هنا التّشابيه والصّور الشّعريّة المتدفّقة والغنيّة، الّتي تجعلك تحيا المشهد، وكأنّك بين حنايا تفاصيله، إذ أتقن الشّاعر انتقاء الألفاظ الّتي توصل الصّورة، وتزرع فيها التجدّد والحياة بشكل ينغرس في الوجدان، ويدغدغ المشاعر والأحاسيس ويثيرها، ويفتحها على معاني الذّكرى، فالحسين(ع) هو الإنسان والإمام الّذي ثار وجاهد وصبر، يحدوه في كلّ ذلك دعوته الخالصة إلى الله تعالى؛ هذه الدّعوة الّتي تأصّلت في عقله وروحه، فانطلق بها إلى الخافقين.

وفي مقطعٍ آخر، يقول سماحته:

وهَمْهَمَ نجْمٌ.. هُنا كانَ ليْ             أخٌ رفَّ بالألَقِ السّاحرِ

جَريْنا معاً في ظلالِ السَّما            ءِ نَمْرَحُ في زَهْوةِ الطّائِرِ

وفَاضَ الهِلالُ ينابيعَ حُبٍّ            تدَفَّقُ مِنْ غيثِهِ الهَامِرِ

فماجَ سَنَانا بطُهْرِ الحياةِ             وشعَّ بهِ أُفُقُ السّامِرِ

ومرَّتْ بنا ليلةٌ هوَّمَتْ                ولَـمْ تحْيَ في نجْمِها السَّاهِرِ

وأبْصَرتْهُ لمْ يعُدْ نُورُهُ                 كما كانَ في فجْرِهِ البَاهِرِ

تخَضَّبَ منْ فيْضِ أوْداجِهِ           بسَهْمٍ مِنَ الملأ الغَادِرِ

ومَالَ.. فضَمَّ سنَاهُ الهِلالَ           إلى صدْرِهِ الوَادعِ الطَّاهِرِ

ويستمرّ سماحته في عرض الصّور الشعريّة المعبّرة عن واقعة الطّفّ، إذ ينقل المشهد بكلّ أمانة ودقّة وتصوير فنيّ رائع، يجعلك تتفاعل معه، وتتحسَّس تجلّياته.

ويلفت إلى أنَّ الثّورة الحسينيَّة مركّزة في عقول المؤمنين الثّائرين ووجدانهم على مرّ العصور، وأنها أنتجت وعياً يستصرخ كلّ الضّمائر الحيّة، ويحفّز كلّ الهمم العالية، من أجل أن تستيقظ من كبوتها، وترتفع إلى المستوى الّذي يليق بها وبدورها، من أجل حاضر سليم ومستقبل ملؤه الأمل والأمان والسّلام.

هُنا.. وتساءَلْتُ أيْنَ انتَهَتْ                  أشِعَّةُ ذاك الصَّدى الهادِرِ

أمَرَّتْ عليهِ ظِلالُ القُرونِ             فلَمْ تنْطَلِقْ صرْخَةُ الثَّائِرِ

ولَمْ يأتلِق في صِراعِ الحَيَا              ةِ ما يرْبُطُ الأمْسَ بالحاضَرِ

ونحْنُ هنا، نسْتَحِثُّ الغيومَ            لِتَجْري معَ الأبَدِ الدّاهِرِ

ونَرْنو إلى الفجْرِ.. في ثورةٍ          مِنَ البؤْسِ، تصْرَخُ بالجَازِرِ

لِتُفْهِمَهُ أنَّ وعْيَ الشُّعوبِ            تَمَخَّضَ عنْ ثوْرةِ الخَاطِرِ

وَأنَّ الّذي كان يُفْني الحياةَ            بِكَفَّيْهِ.. في قبْضَةِ الآسِرِ

وأنَّا هنا سوفَ نقْتادُها              طليعةَ مستقبلٍ زاهرِ

ويَبْقى دَمُ الطَّفِّ في أُفْقِنَا             يُهدِّدُ أنْظِمَةَ الجَائِرِ

هذه مقتطفات من قصيدة "في ظلال كربلاء"، تعبّر عن الإحساس المرهف للشّعر، في تحريكه للحسّ والشّعور والفكر. كيف لا، وهي نابعة من صدر شاعر مبدع وفقيه مجتهد، قضى عمره وهو يحمل همّ الإسلام والدّعوة إليه، وسعى جاهداً إلى ذلك، مستلهماً الإباء والجهاد والصّفاء من مدرسة كربلاء؟!


شكَّلت كربلاء محطَّةً لكلّ المثقّفين والمبدعين، ولكلّ نشاط فكريّ وأدبيّ عبر العصور، لما تختزنه من معانٍ شريفة وأبعاد إنسانيّة وأخلاقيّة وقيميّة جليلة، تستفزّ قرائح الأدباء والشّعراء، كي يطلقوا العنان ليراعهم في التّحليق في فضاء هذه المناسبة الإسلاميّة، الّتي وقفت ولا تزال شامخة أمام عتوّ الزمان، لا بل إنَّ الزّمان تخلّد بها.

ونحن في أجواء هذه الذّكرى، نستعرض بعض النّماذج الشعريّة الّتي حلّقت وأبدعت في الأدب الحسيني، ومنها قصيدة للمرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)، تحت عنوان "في ظلال كربلاء":

هُنا.. وتساءَلتُ أيْنَ انتهَتْ                أشعّةُ ذاك الصّدى الهادرِ

وكانتْ على ملْتقى الضفّتينِ              ظِلالٌ من الزّمنِ الغابرِ

ونَهْرٌ تُؤرِّقُ أمواجَهُ                            ملامِحُ ذكرى الدّمِ الطّاهرِ

هفَتْ للغريبِ فثَارَتْ بِهَا                   تهاويلُ منْ أمْسِها الدَّابِرِ

وراحَتْ تناثَرُ في نوْحِها                    دموعٌ على الألمِ الحائِرِ

..تلوِّحُ لي أنّ سرَّ الشّهيـ                       ـيدِ يكْمُنُ في الشّفقِ السّاحرِ

وأنّ الشّهادةَ رفَّتْ على                ثَراها كتَهْويمةِ الشَّاعِرِ

وأنّ هُنا.. كانَ ركْبُ الحُسيْـ                 ـنِ يحْلُمُ بالملتقى السّافرِ

ليَبْعثَ منْ لمحاتِ الجهادِ                   مواكِبَ مبْدئهِ الزّاهِرِ

ويرفَعَ منْ رائِعاتِ النّضالِ               روائِعَ مسْتَقْبَلٍ ظافِرِ

مطلع يهزّ الوجدان، وتطرب له الرّوح، وتشغف به القلوب، وبوجه خاصّ، عندما يكون محوره الحديث عن الإمام الحسين(ع)؛ ملهم الإنسانيّة جمعاء. بألفاظ رشيقة مطواعة، وبمضامين هادفة ملتزمة، يفتتح الشّاعر السيّد(رض) قصيدته "في ظلال كربلاء"، راسماً صورةً متحركة وحيَّة لذكرى الدّم العابق بالمعنى الهادف الّذي ينقل الإنسان من حال الخنوع والرّتابة، إلى أفق الجهاد والتضحية والنضال، في سبيل رفعة الإنسان وعزّته، ومستقبله الظّافر بالخير والحبّ والعطاء.

ويتابع في مقطع آخر من القصيدة:

ودَمْدَمَ أفُقٌ، تهُلُّ الدّماءُ             عليْهِ، كنبْعِ السَّنا الفائِرِ

يُردِّدُ: كانتْ طُيوبُ الحياةِ                   تفوحُ منَ الخلُقِ العاطِرِ

وكانَ الشّبابُ نقِيَّ السِّماتِ                يسيرُ بزَهْوِ الصّبَا النّاضِرِ

فيُلهِبُ بالنّورِ شوْطَ الكِفاحِ                فيَنْهَلُ بالنَّغَمِ الثّائِرِ

ويَذْوي وفي شفَتَيْهِ ابْتِسامٌ                 وشوْقٌ إلى عالَم آخَرِ

وفي مُقْلَتَيْهِ، التفاتُ الحنينِ                  إلى أمَلِ الدَّعوةِ الصَّابرِ

تجد هنا التّشابيه والصّور الشّعريّة المتدفّقة والغنيّة، الّتي تجعلك تحيا المشهد، وكأنّك بين حنايا تفاصيله، إذ أتقن الشّاعر انتقاء الألفاظ الّتي توصل الصّورة، وتزرع فيها التجدّد والحياة بشكل ينغرس في الوجدان، ويدغدغ المشاعر والأحاسيس ويثيرها، ويفتحها على معاني الذّكرى، فالحسين(ع) هو الإنسان والإمام الّذي ثار وجاهد وصبر، يحدوه في كلّ ذلك دعوته الخالصة إلى الله تعالى؛ هذه الدّعوة الّتي تأصّلت في عقله وروحه، فانطلق بها إلى الخافقين.

وفي مقطعٍ آخر، يقول سماحته:

وهَمْهَمَ نجْمٌ.. هُنا كانَ ليْ             أخٌ رفَّ بالألَقِ السّاحرِ

جَريْنا معاً في ظلالِ السَّما            ءِ نَمْرَحُ في زَهْوةِ الطّائِرِ

وفَاضَ الهِلالُ ينابيعَ حُبٍّ            تدَفَّقُ مِنْ غيثِهِ الهَامِرِ

فماجَ سَنَانا بطُهْرِ الحياةِ             وشعَّ بهِ أُفُقُ السّامِرِ

ومرَّتْ بنا ليلةٌ هوَّمَتْ                ولَـمْ تحْيَ في نجْمِها السَّاهِرِ

وأبْصَرتْهُ لمْ يعُدْ نُورُهُ                 كما كانَ في فجْرِهِ البَاهِرِ

تخَضَّبَ منْ فيْضِ أوْداجِهِ           بسَهْمٍ مِنَ الملأ الغَادِرِ

ومَالَ.. فضَمَّ سنَاهُ الهِلالَ           إلى صدْرِهِ الوَادعِ الطَّاهِرِ

ويستمرّ سماحته في عرض الصّور الشعريّة المعبّرة عن واقعة الطّفّ، إذ ينقل المشهد بكلّ أمانة ودقّة وتصوير فنيّ رائع، يجعلك تتفاعل معه، وتتحسَّس تجلّياته.

ويلفت إلى أنَّ الثّورة الحسينيَّة مركّزة في عقول المؤمنين الثّائرين ووجدانهم على مرّ العصور، وأنها أنتجت وعياً يستصرخ كلّ الضّمائر الحيّة، ويحفّز كلّ الهمم العالية، من أجل أن تستيقظ من كبوتها، وترتفع إلى المستوى الّذي يليق بها وبدورها، من أجل حاضر سليم ومستقبل ملؤه الأمل والأمان والسّلام.

هُنا.. وتساءَلْتُ أيْنَ انتَهَتْ                  أشِعَّةُ ذاك الصَّدى الهادِرِ

أمَرَّتْ عليهِ ظِلالُ القُرونِ             فلَمْ تنْطَلِقْ صرْخَةُ الثَّائِرِ

ولَمْ يأتلِق في صِراعِ الحَيَا              ةِ ما يرْبُطُ الأمْسَ بالحاضَرِ

ونحْنُ هنا، نسْتَحِثُّ الغيومَ            لِتَجْري معَ الأبَدِ الدّاهِرِ

ونَرْنو إلى الفجْرِ.. في ثورةٍ          مِنَ البؤْسِ، تصْرَخُ بالجَازِرِ

لِتُفْهِمَهُ أنَّ وعْيَ الشُّعوبِ            تَمَخَّضَ عنْ ثوْرةِ الخَاطِرِ

وَأنَّ الّذي كان يُفْني الحياةَ            بِكَفَّيْهِ.. في قبْضَةِ الآسِرِ

وأنَّا هنا سوفَ نقْتادُها              طليعةَ مستقبلٍ زاهرِ

ويَبْقى دَمُ الطَّفِّ في أُفْقِنَا             يُهدِّدُ أنْظِمَةَ الجَائِرِ

هذه مقتطفات من قصيدة "في ظلال كربلاء"، تعبّر عن الإحساس المرهف للشّعر، في تحريكه للحسّ والشّعور والفكر. كيف لا، وهي نابعة من صدر شاعر مبدع وفقيه مجتهد، قضى عمره وهو يحمل همّ الإسلام والدّعوة إليه، وسعى جاهداً إلى ذلك، مستلهماً الإباء والجهاد والصّفاء من مدرسة كربلاء؟!

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية