المرجع فضل الله: الإسلام أن تكون كلّك لله

المرجع فضل الله: الإسلام أن تكون كلّك لله

بالعودة إلى أرشيف خطب الجمعة لسماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)، نستحضر المواقف والمواعظ الّتي ألقاها في خطبة الجمعة الأولى من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع)، بتاريخ 28 ربيع الثّاني العام 1430 ه/ الموافق 24/4/2009م، حيث تحدّث حول أبعاد الإسلام، وما ينبغي للإنسان أن يتمثّله من أخلاقيات وسلوكيّات، وخصوصاً فيما ينفتح به على خطِّ أهل البيت(ع) وتعاليمهم وولايتهم التي تفترض وعياً ومسؤولية عالية تبرز أصالة الانتماء إلى الاسلام. جاء في الخطبة:

"إنّ الإسلام الّذي جاء به الرّسول محمد(ص) بوحيٍ من الله، هو الدين الذي يشمل كل ما جاءت به رسالات الأنبياء، وهذا ما خاطب الله به النبيَّ إبراهيم(ع): {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ}(البقرة: 131)، وقد قال الله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ}(الحجّ: 78).

فالإسلام يعني أن يكون الإنسان بكلِّه لله، وأن يشعر بأنّه عبدٌ له، فلا يتحرّك في حياته إلّا من خلال الإيمان بتوحيده في العقيدة، فالله هو الإله الواحد الّذي لا شريك له ولا عديل: {اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}(الأعراف: 59)، وبتوحيده في الطاعة؛ بأن يطيعه في كلّ ما أمره به ونهاه عنه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}(آل عمران: 31).

وعلى هذا الأساس، فالإسلام ليس مجرَّد عقيدة يحملها الإنسان ثم يأخذ حريته في الانتماء إلى غير الله، لأن الشرك ليس فقط في أن تعبد الآخرين بالطريقة التي تعبد بها الله، بل هو أيضاً أن تطيع الآخرين وتخضع لهم في معصية الله، فقد يكتشف الإنسان أنّه مشركٌ شركاً خفيّاً بخضوعه لغير الله، سواء كان هذا الشخص الّذي يخضع له ممّن يملك السّلطة السياسيّة أو السّلطة المالية، ونحن نعتقد أنّ تعصّب الإنسان لشخص معيَّن، هو نوع من أنواع الشِّرك، ولذا نقرأ في دعاء الإمام زين العابدين(ع): "اللّهمّ إني أخلصت بانقطاعي إليك، وأقبلت بكلِّي عليك، وصرفت وجهي عمَّن يحتاج إلى رفدك، وقلبت مسألتي عمَّن لم يستغنِ عن فضلك، ورأيت أنَّ طلب المحتاج إلى المحتاج سفه من رأيه، وضلّة من عقله. فكم قد رأيت، يا إلهي، من أناس طلبوا العزّ بغيرك فذلّوا، وراموا الثّروة من سواك فافتقروا، وحاولوا الارتفاع فاتّضعوا! فصحَّ بمعاينة أمثالهم حازم وفَّقه اعتباره، وأرشده إلى طريق صوابه اختياره. فأنت يا مولاي دون كلّ مسؤولٍ موضع مسألتي، ودون كلِّ مطلوب إليه وليّ حاجتي".

هذا هو الخطّ التّوحيديّ الذي كان النبيّ(ص) والأئمة من أهل البيت(ع) يبشّرون به. وللأسف، فإنَّ بعض المذاهب الإسلاميّة المتطرّفة، تتّهم أتباع أهل البيت(ع) بالشّرك، ولكنّنا نلتزم محبّة أهل البيت(ع) وولايتهم على أساس أنّهم عباد الله، ولذلك، فإنّنا نقول في التشهّد: "وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله"، ونشهد أنّ كلّ إمام هو عبدٌ لله وإمامٌ من قبله، ونحن عندما نطلب حاجاتنا، فإنّنا لا نطلبها من الأئمّة(ع)، لأنهم(ع) هم أنفسهم يطلبون من الله سبحانه، ونحن نقرأ في دعاء أمير المؤمنين(ع): "وأستشفع بك إلى نفسك". فالأنبياء والأئمّة(ع) إنّما قُرّبوا من الله لجهة إخلاصهم له وعبوديّتهم له. وأفضل نصّ لموضوع الشّفاعة، نجده في دعاء يوم الخميس المنسوب إلى الإمام زين العابدين(ع): "واجعل توسّلي به ـ بالنبي(ص) ـ شافعاً، يوم القيامة نافعاً".

فلنتعلّم عندما نقوم ونقعد ونتحرَّك أن نقول: "يا الله"، لأنّه حتّى الأنبياء كانوا يطلبون من الله، وهذا ما دعا به النبيّ نوح: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}(القمر: 10)، وما ناجى به موسى(ع) ربّه: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}"(القصص :24).

ويتابع سماحته الكلام حول التّوحيد العمليّ، وما يعنيه في حياتنا، مستعرضاً العديد من الأحاديث والآيات القرآنيّة المتعلّقة بالموضوع:

"فالإسلام يعني التوحيد الخالص لله في العقيدة والعبادة والطاعة. وقد ورد في بعض الأحاديث عن الذين يظلّهم الله بظلّه يوم القيامة: "رجل لم يقدّم رجلاً حتى يعلم أنّ ذلك لله رضا"، وورد عن الدّنيا: "واعلم أنَّ في حلالها حساباً، وفي حرامها عقاباً، وفي الشّبهات عتاباً". فلا تفكّر في أن يرضى فلان أو فلان، لأنّه سيموت ويُحاسَب كما ستموت وتحاسَب، وقد قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ـ لا أعيش، ولا أموت، ولا أحجّ، ولا أصلّي لحساب أيّ شخص، بل أفعل كلَّ ذلك لله ـ لَا شَرِيكَ لَهُ}(الأنعام: 162-163).

ولذلك، تحدَّث الله تعالى عن العمل، فقال: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ـ ليكن كلّ عملك متحركاً في طاعة الله ـ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(التّوبة: 105). وقال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ـ لأنَّ شرط قبول العمل الصّالح هو أن يكون الإنسان مؤمناً، لأنّ الإنسان عندما يقف للحساب، فسيسأل عن عمله الصّالح لحساب من كان، ليأخذ نصيبه منه ـ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(النّحل: 97). وقال أيضاً: {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}(القصص: 67)...

وفي كلمة للإمام عليّ(ع) يصف فيها حال الّذي يمدح الخيّرين والصّالحين، ولكنّه لا يتمتّع بصفاتهم ولا يعمل عملهم، يقول(ع): "لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير العمل، ويُرجي التّوبة بطول الأمل... يحبّ الصّالحين ولا يعمل عملهم، ويبغض المذنبين وهو أحدهم... يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ـ ينهى فلاناً عن شرب الخمر، ولكنّه قد يزني أو يأكل أموال النّاس ـ ويرجو لنفسه بأكثر من عمله... يقصِّر إذا عمل، ويبالغ إذا سأل... فهو بالقول مدلّ، ومن العمل مقلّ".

ويقول الإمام زين العابدين(ع): "إنَّ أحبَّكم إلى الله عزّ وجلّ أحسنكم عملاً ـ فالتّنافس لا ينبغي أن يكون في من هو أكثر مالاً وجاهاً، لأنَّ المال يزول والجاه يفنى، بل ينبغي أن يكون في الأعمال الحسنة، لأنّها هي الّتي تبقى ـ وإنَّ أعظمكم عند الله عملاً، أعظمكم فيما عند الله رغبةً"، بعض الناس يقول: إنّي مسلم أو إنّي شيعي، والشّيعي مهما عمل من سوء، لا يدخل النار، ولكنّ الله تعالى يقول: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ـ ليس بأحلامكم وتمنّياتكم أنتم وأهل الكتاب من اليهود والنصارى ـ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِوَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً}(النّساء: 123)، فليس بين الله وبين أحد قرابة، فالقريب من الله هو من يعمل صالحاً، وقد قال النبيّ(ص) في آخر حياته: "أيُّها النّاس، لا يتمنَّ متمنٍ، ولا يدّعِ مدّعٍ، أما إنّه لا ينجي إلا عمل مع رحمة، ولو عصيت لهويت".

وختم سماحته بأنَّ العمل هو قرين الإنسان، وبه يحدِّد مساره ومصيره في الدّنيا والآخرة، داعياً إلى الاستعداد للآخرة:

"وفي حديث لرسول الله(ص) يقسِّم فيه الأصدقاء: "إنَّ لأحدكم ثلاثة أخلاّء: منهم من يُمتّعه بما سأله فذلك ماله ـ المال صديق، وساعة تحتاجه يلبّيك ـ ومنهم خليل ينطلق معه حتى يلج القبر، ولا يعطيه شيئاً ولا يصحبه، فأولئك قريبه ـ أقرباؤك لا ينـزلون معك في قبرك ـومنهم خليل يقول: والله أنا ذاهب معك حيث ذهبت ولست مفارقك، فذلك عمله، إن كان خيراً وإن كان شرّاً". وعنه(ص): "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية ـ كأن يبني مسجداً أو حسينيةً أو مستشفى، والصّدقة الجارية كالنّهر الجاري الّذي يستفيد منه كلّ الناس ـأو علم ينتفع به من بعده ـ يترك بعض الكتب التي تستفيد منها الأجيال من بعده ـ أو ولد صالح يدعو له". ونحن في الغالب نهتمّ بمستقبل أولادنا العملي والعلمي، وهذا مطلوب، ولكنّنا نهمل مستقبلهم الإيماني.

وهناك نوعان من العمل؛ عمل يستفيد منه الإنسان ولكن مسؤوليّته تبقى، وعمل يتعب فيه، ولكنّ أجره يبقى، يقول الإمام عليّ(ع): "شتّان بين عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره".

ويقول الله تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(الجاثية: 29). ويقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}(الزَّلزلة: 7-8). ويقول أيضاً: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}(آل عمران: 30)، ويقول سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}(الأنبياء: 94).

الإسلام هو إقرار بالجنان، واعتراف باللِّسان، وعمل بالأركان، فلنستعدّ ليوم لا مجال فيه إلاّ للعمل: {اليَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ اليَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ}(غافر: 17)". 

بالعودة إلى أرشيف خطب الجمعة لسماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)، نستحضر المواقف والمواعظ الّتي ألقاها في خطبة الجمعة الأولى من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع)، بتاريخ 28 ربيع الثّاني العام 1430 ه/ الموافق 24/4/2009م، حيث تحدّث حول أبعاد الإسلام، وما ينبغي للإنسان أن يتمثّله من أخلاقيات وسلوكيّات، وخصوصاً فيما ينفتح به على خطِّ أهل البيت(ع) وتعاليمهم وولايتهم التي تفترض وعياً ومسؤولية عالية تبرز أصالة الانتماء إلى الاسلام. جاء في الخطبة:

"إنّ الإسلام الّذي جاء به الرّسول محمد(ص) بوحيٍ من الله، هو الدين الذي يشمل كل ما جاءت به رسالات الأنبياء، وهذا ما خاطب الله به النبيَّ إبراهيم(ع): {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ}(البقرة: 131)، وقد قال الله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ}(الحجّ: 78).

فالإسلام يعني أن يكون الإنسان بكلِّه لله، وأن يشعر بأنّه عبدٌ له، فلا يتحرّك في حياته إلّا من خلال الإيمان بتوحيده في العقيدة، فالله هو الإله الواحد الّذي لا شريك له ولا عديل: {اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}(الأعراف: 59)، وبتوحيده في الطاعة؛ بأن يطيعه في كلّ ما أمره به ونهاه عنه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}(آل عمران: 31).

وعلى هذا الأساس، فالإسلام ليس مجرَّد عقيدة يحملها الإنسان ثم يأخذ حريته في الانتماء إلى غير الله، لأن الشرك ليس فقط في أن تعبد الآخرين بالطريقة التي تعبد بها الله، بل هو أيضاً أن تطيع الآخرين وتخضع لهم في معصية الله، فقد يكتشف الإنسان أنّه مشركٌ شركاً خفيّاً بخضوعه لغير الله، سواء كان هذا الشخص الّذي يخضع له ممّن يملك السّلطة السياسيّة أو السّلطة المالية، ونحن نعتقد أنّ تعصّب الإنسان لشخص معيَّن، هو نوع من أنواع الشِّرك، ولذا نقرأ في دعاء الإمام زين العابدين(ع): "اللّهمّ إني أخلصت بانقطاعي إليك، وأقبلت بكلِّي عليك، وصرفت وجهي عمَّن يحتاج إلى رفدك، وقلبت مسألتي عمَّن لم يستغنِ عن فضلك، ورأيت أنَّ طلب المحتاج إلى المحتاج سفه من رأيه، وضلّة من عقله. فكم قد رأيت، يا إلهي، من أناس طلبوا العزّ بغيرك فذلّوا، وراموا الثّروة من سواك فافتقروا، وحاولوا الارتفاع فاتّضعوا! فصحَّ بمعاينة أمثالهم حازم وفَّقه اعتباره، وأرشده إلى طريق صوابه اختياره. فأنت يا مولاي دون كلّ مسؤولٍ موضع مسألتي، ودون كلِّ مطلوب إليه وليّ حاجتي".

هذا هو الخطّ التّوحيديّ الذي كان النبيّ(ص) والأئمة من أهل البيت(ع) يبشّرون به. وللأسف، فإنَّ بعض المذاهب الإسلاميّة المتطرّفة، تتّهم أتباع أهل البيت(ع) بالشّرك، ولكنّنا نلتزم محبّة أهل البيت(ع) وولايتهم على أساس أنّهم عباد الله، ولذلك، فإنّنا نقول في التشهّد: "وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله"، ونشهد أنّ كلّ إمام هو عبدٌ لله وإمامٌ من قبله، ونحن عندما نطلب حاجاتنا، فإنّنا لا نطلبها من الأئمّة(ع)، لأنهم(ع) هم أنفسهم يطلبون من الله سبحانه، ونحن نقرأ في دعاء أمير المؤمنين(ع): "وأستشفع بك إلى نفسك". فالأنبياء والأئمّة(ع) إنّما قُرّبوا من الله لجهة إخلاصهم له وعبوديّتهم له. وأفضل نصّ لموضوع الشّفاعة، نجده في دعاء يوم الخميس المنسوب إلى الإمام زين العابدين(ع): "واجعل توسّلي به ـ بالنبي(ص) ـ شافعاً، يوم القيامة نافعاً".

فلنتعلّم عندما نقوم ونقعد ونتحرَّك أن نقول: "يا الله"، لأنّه حتّى الأنبياء كانوا يطلبون من الله، وهذا ما دعا به النبيّ نوح: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}(القمر: 10)، وما ناجى به موسى(ع) ربّه: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}"(القصص :24).

ويتابع سماحته الكلام حول التّوحيد العمليّ، وما يعنيه في حياتنا، مستعرضاً العديد من الأحاديث والآيات القرآنيّة المتعلّقة بالموضوع:

"فالإسلام يعني التوحيد الخالص لله في العقيدة والعبادة والطاعة. وقد ورد في بعض الأحاديث عن الذين يظلّهم الله بظلّه يوم القيامة: "رجل لم يقدّم رجلاً حتى يعلم أنّ ذلك لله رضا"، وورد عن الدّنيا: "واعلم أنَّ في حلالها حساباً، وفي حرامها عقاباً، وفي الشّبهات عتاباً". فلا تفكّر في أن يرضى فلان أو فلان، لأنّه سيموت ويُحاسَب كما ستموت وتحاسَب، وقد قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ـ لا أعيش، ولا أموت، ولا أحجّ، ولا أصلّي لحساب أيّ شخص، بل أفعل كلَّ ذلك لله ـ لَا شَرِيكَ لَهُ}(الأنعام: 162-163).

ولذلك، تحدَّث الله تعالى عن العمل، فقال: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ـ ليكن كلّ عملك متحركاً في طاعة الله ـ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(التّوبة: 105). وقال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ـ لأنَّ شرط قبول العمل الصّالح هو أن يكون الإنسان مؤمناً، لأنّ الإنسان عندما يقف للحساب، فسيسأل عن عمله الصّالح لحساب من كان، ليأخذ نصيبه منه ـ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(النّحل: 97). وقال أيضاً: {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}(القصص: 67)...

وفي كلمة للإمام عليّ(ع) يصف فيها حال الّذي يمدح الخيّرين والصّالحين، ولكنّه لا يتمتّع بصفاتهم ولا يعمل عملهم، يقول(ع): "لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير العمل، ويُرجي التّوبة بطول الأمل... يحبّ الصّالحين ولا يعمل عملهم، ويبغض المذنبين وهو أحدهم... يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ـ ينهى فلاناً عن شرب الخمر، ولكنّه قد يزني أو يأكل أموال النّاس ـ ويرجو لنفسه بأكثر من عمله... يقصِّر إذا عمل، ويبالغ إذا سأل... فهو بالقول مدلّ، ومن العمل مقلّ".

ويقول الإمام زين العابدين(ع): "إنَّ أحبَّكم إلى الله عزّ وجلّ أحسنكم عملاً ـ فالتّنافس لا ينبغي أن يكون في من هو أكثر مالاً وجاهاً، لأنَّ المال يزول والجاه يفنى، بل ينبغي أن يكون في الأعمال الحسنة، لأنّها هي الّتي تبقى ـ وإنَّ أعظمكم عند الله عملاً، أعظمكم فيما عند الله رغبةً"، بعض الناس يقول: إنّي مسلم أو إنّي شيعي، والشّيعي مهما عمل من سوء، لا يدخل النار، ولكنّ الله تعالى يقول: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ـ ليس بأحلامكم وتمنّياتكم أنتم وأهل الكتاب من اليهود والنصارى ـ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِوَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً}(النّساء: 123)، فليس بين الله وبين أحد قرابة، فالقريب من الله هو من يعمل صالحاً، وقد قال النبيّ(ص) في آخر حياته: "أيُّها النّاس، لا يتمنَّ متمنٍ، ولا يدّعِ مدّعٍ، أما إنّه لا ينجي إلا عمل مع رحمة، ولو عصيت لهويت".

وختم سماحته بأنَّ العمل هو قرين الإنسان، وبه يحدِّد مساره ومصيره في الدّنيا والآخرة، داعياً إلى الاستعداد للآخرة:

"وفي حديث لرسول الله(ص) يقسِّم فيه الأصدقاء: "إنَّ لأحدكم ثلاثة أخلاّء: منهم من يُمتّعه بما سأله فذلك ماله ـ المال صديق، وساعة تحتاجه يلبّيك ـ ومنهم خليل ينطلق معه حتى يلج القبر، ولا يعطيه شيئاً ولا يصحبه، فأولئك قريبه ـ أقرباؤك لا ينـزلون معك في قبرك ـومنهم خليل يقول: والله أنا ذاهب معك حيث ذهبت ولست مفارقك، فذلك عمله، إن كان خيراً وإن كان شرّاً". وعنه(ص): "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية ـ كأن يبني مسجداً أو حسينيةً أو مستشفى، والصّدقة الجارية كالنّهر الجاري الّذي يستفيد منه كلّ الناس ـأو علم ينتفع به من بعده ـ يترك بعض الكتب التي تستفيد منها الأجيال من بعده ـ أو ولد صالح يدعو له". ونحن في الغالب نهتمّ بمستقبل أولادنا العملي والعلمي، وهذا مطلوب، ولكنّنا نهمل مستقبلهم الإيماني.

وهناك نوعان من العمل؛ عمل يستفيد منه الإنسان ولكن مسؤوليّته تبقى، وعمل يتعب فيه، ولكنّ أجره يبقى، يقول الإمام عليّ(ع): "شتّان بين عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره".

ويقول الله تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(الجاثية: 29). ويقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}(الزَّلزلة: 7-8). ويقول أيضاً: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}(آل عمران: 30)، ويقول سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}(الأنبياء: 94).

الإسلام هو إقرار بالجنان، واعتراف باللِّسان، وعمل بالأركان، فلنستعدّ ليوم لا مجال فيه إلاّ للعمل: {اليَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ اليَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ}(غافر: 17)". 

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية