المرجع فضل الله: خير الدّنيا والآخرة في رضى الله وحُسن الظّنّ به

المرجع فضل الله: خير الدّنيا والآخرة في رضى الله وحُسن الظّنّ به

بالعودة إلى أرشيف خطب الجمعة لسماحة المرجع السيِّد محمّد حسين فضل الله(رض)، نستحضر المواعظ والمواقف الّتي كان ألقاها في خطبة الجمعة الدّينيّة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بتاريخ 18 شعبان العام 1420ه/ الموافق 26/11/1999م، حيث تحدّث عن فعل الخير ومقاصده وتجلّياته المتنوّعة في الحياة، مستعرضاً بعض الأحاديث التي توضح هذا المعاني. قال سماحته:

"في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم، يريدنا الله تعالى أن نفعل الخير. والخير مفهوم واسع يتّسع لكلّ ما يحبّه الله ويرضاه، وقد ورد في الحديث عن الإمام عليّ(ع): "ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك وعملك، وأن يعظم حلمك، وأن تباهي النّاس بعبادة ربّك، فإن أحسنت حمدت الله، وان أسأت استغفرت الله". فالخير لا يمثِّل ما تحصل عليه من مال، لأنَّ ذلك يمثِّل حاجاتك الآنيَّة، ويغطّي حاجاتك في الدّنيا، ولا في أن يكون لك ولد، فإنّه يملأ فراغ نفسك، ويشكّل امتداداً لك في الدنيا، ولكنّ المال والولد لا يمثّلان شيئاً في تكوين ذاتك.

المال هو شيء خارج عنك منسوب إليك قانونياً، والولد شيء خارج عنك منسوب إليك نسبياً، ولكنّ الخير أن يكثر علمك، فأنت عندما تملك العلم في أيّ موقع من مواقعه، فإنّ معنى ذلك أنك قد حصلت على نموّ وموقع متقدّم في ذاتك. العلم يمثّل وعيك للحياة ولما في الحياة، ومعرفتك بالله وبالكون وبمسؤوليّتك، فإذا كثر علمك ازدادت قيمة ذاتك، لأنّ العلم شيء في داخل شخصيتك، وقد قال الله تعالى في كتابه: {قل هل يستوي الَّذين يعلمون والَّذين لا يعلمون}، وقد قال عليّ(ع): "قيمة كلِّ امرئ ما يحسنه".

ولذلك، ينبغي للإنسان أن يزيد من اهتماماته الفكريّة والمعرفيّة في الحياة، سواء ما تعلق منها بعلم العقيدة، أو بعلم الشّريعة، أو بمعرفة الحياة في كلّ خطوطها ومواقعها، ليتحرّك فيها من موقع وعيه.

"وأن يكثر عملك"، أن تكون الإنسان الّذي ينطلق بالعمل الذي يفجّر طاقاته في حركة الناس والحياة، سواء بالعلم أو بالخبرة، لإيصالهما إلى كلّ مواقع الناس المحتاجين لذلك، لتكون حياتك بركة لمن حولك، وتكون الإنسان الذي يتحرك دائماً من خلال ما يملك من طاقات العطاء، لأنّ الله تعالى جعل عمر كلّ واحد منا، بكلّ الأجهزة التي جعلها في أجسادنا، وبكل الأشياء التي وضعها بين أيدينا، جعل عمرنا أمانةً في الحياة، لنؤدّي الأمانة لله، بأن ندخل الحياة على صورة، ثم نخرج منها بصورة أفضل من خلال العمل.

"وأن يعظم حلمك"، أن تكون الإنسان الحليم الهادئ الطّبع، الذي يتّسع صدره لكلّ الإساءات التي يتعرّض لها، ويمتصّ كلّ السلبيات التي توجه إليه من الآخرين. "وأن تباهي الناس بعبادة ربك"، أن تكون العابد لله، بحيث إذا رأى الناس عبادتك، رأوا فيك ما تباهيهم به، ثم أن تحاسب نفسك دائماً لتدرس كلّ أعمالك، "فإن أحسنت"، ورأيت أنَّ عملك يرضي الله ويحقّق لك النتائج الإيجابيّة، "حمدت الله" وشكرته على ذلك، لأنّه وفّقك للعمل الصّالح، وإذا رأيت نفسك قد أسأت في عملك، "استغفرت الله" من ذلك، ورجوته أن يغفر لك ويتوب عليك".

ويتابع سماحته مشيراً إلى أنَّ الأمور بعواقبها، لافتاً إلى أنّ من مصاديق الخير، قطع الطّمع عمّا في أيدي النّاس:

"وهناك حديث عن عليّ(ع)، يبيّن فيه أن كل شيء يحصل لك من خير أو شرّ، من راحة أو تعب، من فرح أو حزن، لا تحكم عليه من خلال طبيعته العاجلة، بل انظر إلى نتائجه، فإن كان يؤدي بك إلى النار، فهو ليس خيراً، حتى لو جعلك تشعر بالراحة والأنس والفرح، وإن كان يؤدّي بك إلى الجنة، فهو ليس شرّاً، وإن كان متعباً ومحزناً ومزعجاً. يقول(ع): "ما خير بخير بعده النار، وما شرّ بشرّ بعده الجنة"، لتكن النار والجنّة هما العنوانين اللّذين لا بدّ لنا من أن نقيس عليهما كلّ أفعالنا. وبتعبير آخر، فكلّ ما يؤدّي بنا إلى الجنة فهو خير، وكل ما يؤدي بنا إلى النار فهو شرّ، والأمور بعواقبها.

وقد ورد في الحديث عن الإمام الصّادق(ع): "إن أردت أن تقرّ عينك، وتنال خير الدنيا والآخرة، فاقطع الطّمع عمّا في أيدي الناس ـ إذا أردت أن تنطلق في الحياة، فاستنفر كلّ جهودك، واقتنص الفرص الّتي بين يديك لتحصل على النعمة، ولا تطمع بما في أيدي الناس من دون جهد، لأنّك بذلك تذلّ نفسك وتسقط كرامتك واحترامك - وعدَّ نفسك في الموتى - حاول أن تتذكَّر الموت دائماً، وأن لا تعيش الغرور بالحياة التي حولك - ولا تحدِّثنّ نفسك أنَّك فوق أحد من النّاس - لا تحاول أن تشعر بالفوقيّة على الناس من خلال علمك أو مالك، لأنّه إن كان لديك بعض الصفات الإيجابيّة، فقد يكون للآخرين صفات إيجابية أفضل، لا تنظر إلى الصورة من زاوية واحدة، بل انظر إليها من جميع جوانبها - واخزن لسانك كما تخزن مالك ـ اخزن لسانك عن كلّ ما يسيء إلى مصيرك في الدنيا والآخرة."

 ويضيف سماحته عارضاً لجملة من الرّوايات عن خير الدّنيا والآخرة، مشيراً من خلالها إلى طبيعة هذا الخير من وجهة النّظر الإسلاميّة، قائلاً:

"ويروي الإمام الباقر(ع) عن أبيه عن الإمام الحسين(ع)، "أنَّ رجلاً من أهل الكوفة كتب إلى أبي الحسين بن عليّ(ع): يا سيّدي، أخبرني بخير الدّنيا والآخرة - ما هي القاعدة التي إذا وقفت عليها، أحصل على خير الدّنيا والآخرة - فكتب(ع):بسم الله الرّحمن الرّحيم.. أمّا بعد، فإنّ من طلب رضى الله بسخط النّاس، كفاه الله أمور النّاس، ومن طلب رضى النّاس بسخط الله، وكله الله إلى النّاس، والسَّلام".

ليكن رضى الله هو الأساس عندك في كلّ أعمالك وأقوالك وعلاقاتك ومواقفك، وإن لم يرضِ ذلك النّاس، لأنّ الله يتكفّل لك برضاهم بعد ذلك، ولكنّك إذا طلبت رضى الناس بسخط الله في الجوانب السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، واعتبرتهم الأساس في نفعك وضرّك، بحيث تعصي الله في ذلك، فإنه سبحانه يرفع رحمته عنك، وعندها، ما قيمة كلّ الناس في ذلك كله؟! فعلينا أن نعرف، من خلال هذا الخطّ التوجيهي للإمام الحسين(ع)، ما يجمع للإنسان خير الدّنيا والآخرة، فلا نطلب رضى الناس بسخط الله، وهذا ما عبّر عنه النبيّ(ص) في كلمته: "إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي".

وورد في الحديث عن رسول الله(ص) يقول: "أربع من أعطيهنّ فقد أعطي خير الدنيا والآخرة؛ بدناً صابراً - يصبر على الألم والجهد وهو في طريق طاعة الله، والعمل في الحياة بما يرضي الله - ولساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً - يشكر الله على النعم التي ينعم الله بها عليه - وزوجة صالحة"، لأنّ الزوجة الصالحة تؤمّن للإنسان السّكينة والطّمأنينة. ومن الملاحظ أنه قال: "الزوجة الصالحة"، ولم يقل الزوجة الجميلة أو صاحبة الحسب والنسب، ولو سألته امرأة، لقال(ص): لها "وزوجاً صالحاً"، لأنّ صلاح الزوجين هو الّذي يمثل استقامة الحياة الزوجية بينهما، ويمنع كلّ واحد منهما من أن يظلم الآخر ويأخذ حقّه أو يسيء إليه.

وورد في الحديث عن رسول الله(ص) أيضاً: "من أعطي أربع خصال في الدّنيا، فقد أعطي خير الدّنيا والآخرة، وفاز بحظّه منهما؛ ورع يعصمه عن محارم الله - بحيث تكون عندك حالة التّقوى والخوف من الله، حتى إذا قدمت على مال حرام أو شراب حرام أو طعام حرام أو شهوة حرام، منعك ورعك وعصمك من أن تأخذ بما حرّم الله تعالى - وحُسن خلق يعيش به في النّاس - أن تكون لك الأخلاق الحسنة الطيّبة التي تترك أثرها في الآخرين، ليشعروا وهم يعيشون معك، بالرّاحة وبالحبّ لك، كما ورد في بعض الكلمات عن أمير المؤمنين(ع): "خالطوا الناس مخالطةً، إن غبتم حنّوا إليكم، وإن متّم بكوا عليكم"، أن تكون خيراً لمن خالطك وعاش معك - وحلم يدفع به جهل الجاهل - سعة صدر تدفعك لأن تكظم غيظك وتعفو عن النّاس - وزوجة صالحة تعينه على أمر الدنيا والآخرة"، بحيث تكون صالحة في أخلاقها ووعيها ودينها، فتعينك على أمر دنياك وآخرتك.

ويقول الإمام الباقر(ع): "وجدنا في كتاب عليّ(ع)، أن رسول الله(ص) قال وهو على منبره: والذي لا إله إلا هو، ما أُعطي مؤمن قطّ خير الدّنيا والآخرة، إلا بحسن ظنّه بالله - أن يحسن ظنك بالله، بأنه هو الذي يرحمك ويرزقك ويعفو عنك، ويسهّل لك أمر الدنيا والآخرة - ورجائه له - أن ترجو الله في كلّ ما أهمّك - وحُسن خلقه مع النّاس، والكفّ عن اغتياب المؤمنين".

وجاء رجل إلى النبيّ(ص)، فقال: علّمني عملاً يحبّني الله عليه ويحبّني المخلوقون، ويثري الله مالي، ويصحّ بدني، ويطيل عمري، ويحشرني معك، فقال(ص): "هذه ستّ خصال تحتاج إلى ستّ خصال؛ إذا أردت أن يحبّك الله، فخفه واتّقه - عليك أن تخاف الله وتتّقيه في كلّ أعمالك - وإذا أردت أن يحبّك المخلوقون، فأحسن إليهم وارفض ما في أيديهم - كن الإنسان الذي يحسن إلى النّاس مما أعطاه الله من خير، وأن لا تطمع بما في أيدي النّاس - وإذا أردت أن يثري الله مالك فزكّه - بأن تدفع حقّ الله في المال، فينمو مالك، لأنَّ معنى الزكاة النمّو، وهذا خلافاً لما يظنه بعض الناس الذين يبخلون على أنفسهم ويأمرون النّاس بالبخل، ويظنّون أنّ إعطاء الحقوق الشرعيّة ينقص المال - وإذا أردت أن يصحّ بدنك فأكثر من الصّدقة، وإذا أردت أن يطيل الله عمرك فصل ذوي أرحامك - حتى لو قطعك أرحامك وآذوك - وإذا أردت أن يحشرك الله معي، فأطل السّجود بين يدي الله الواحد القهّار".

وختم سماحته بالدّعوة إلى تربية النفس على فعل الخير، والاستفادة من العمر في سبيل الاستزادة منه:

"أيّها الأحبّة: الحياة فرصة، والعمر رأس مال، والخير موجود بين أيدينا، فلماذا لا نعمل على أن نربي أنفسنا على الخير ونفعله، ونبتعد عن الشّرّ {وقلِ اعملُوا فسيرى اللهُ عملَكُم ورسولُهُ والمؤمنون}". 

بالعودة إلى أرشيف خطب الجمعة لسماحة المرجع السيِّد محمّد حسين فضل الله(رض)، نستحضر المواعظ والمواقف الّتي كان ألقاها في خطبة الجمعة الدّينيّة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بتاريخ 18 شعبان العام 1420ه/ الموافق 26/11/1999م، حيث تحدّث عن فعل الخير ومقاصده وتجلّياته المتنوّعة في الحياة، مستعرضاً بعض الأحاديث التي توضح هذا المعاني. قال سماحته:

"في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم، يريدنا الله تعالى أن نفعل الخير. والخير مفهوم واسع يتّسع لكلّ ما يحبّه الله ويرضاه، وقد ورد في الحديث عن الإمام عليّ(ع): "ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك وعملك، وأن يعظم حلمك، وأن تباهي النّاس بعبادة ربّك، فإن أحسنت حمدت الله، وان أسأت استغفرت الله". فالخير لا يمثِّل ما تحصل عليه من مال، لأنَّ ذلك يمثِّل حاجاتك الآنيَّة، ويغطّي حاجاتك في الدّنيا، ولا في أن يكون لك ولد، فإنّه يملأ فراغ نفسك، ويشكّل امتداداً لك في الدنيا، ولكنّ المال والولد لا يمثّلان شيئاً في تكوين ذاتك.

المال هو شيء خارج عنك منسوب إليك قانونياً، والولد شيء خارج عنك منسوب إليك نسبياً، ولكنّ الخير أن يكثر علمك، فأنت عندما تملك العلم في أيّ موقع من مواقعه، فإنّ معنى ذلك أنك قد حصلت على نموّ وموقع متقدّم في ذاتك. العلم يمثّل وعيك للحياة ولما في الحياة، ومعرفتك بالله وبالكون وبمسؤوليّتك، فإذا كثر علمك ازدادت قيمة ذاتك، لأنّ العلم شيء في داخل شخصيتك، وقد قال الله تعالى في كتابه: {قل هل يستوي الَّذين يعلمون والَّذين لا يعلمون}، وقد قال عليّ(ع): "قيمة كلِّ امرئ ما يحسنه".

ولذلك، ينبغي للإنسان أن يزيد من اهتماماته الفكريّة والمعرفيّة في الحياة، سواء ما تعلق منها بعلم العقيدة، أو بعلم الشّريعة، أو بمعرفة الحياة في كلّ خطوطها ومواقعها، ليتحرّك فيها من موقع وعيه.

"وأن يكثر عملك"، أن تكون الإنسان الّذي ينطلق بالعمل الذي يفجّر طاقاته في حركة الناس والحياة، سواء بالعلم أو بالخبرة، لإيصالهما إلى كلّ مواقع الناس المحتاجين لذلك، لتكون حياتك بركة لمن حولك، وتكون الإنسان الذي يتحرك دائماً من خلال ما يملك من طاقات العطاء، لأنّ الله تعالى جعل عمر كلّ واحد منا، بكلّ الأجهزة التي جعلها في أجسادنا، وبكل الأشياء التي وضعها بين أيدينا، جعل عمرنا أمانةً في الحياة، لنؤدّي الأمانة لله، بأن ندخل الحياة على صورة، ثم نخرج منها بصورة أفضل من خلال العمل.

"وأن يعظم حلمك"، أن تكون الإنسان الحليم الهادئ الطّبع، الذي يتّسع صدره لكلّ الإساءات التي يتعرّض لها، ويمتصّ كلّ السلبيات التي توجه إليه من الآخرين. "وأن تباهي الناس بعبادة ربك"، أن تكون العابد لله، بحيث إذا رأى الناس عبادتك، رأوا فيك ما تباهيهم به، ثم أن تحاسب نفسك دائماً لتدرس كلّ أعمالك، "فإن أحسنت"، ورأيت أنَّ عملك يرضي الله ويحقّق لك النتائج الإيجابيّة، "حمدت الله" وشكرته على ذلك، لأنّه وفّقك للعمل الصّالح، وإذا رأيت نفسك قد أسأت في عملك، "استغفرت الله" من ذلك، ورجوته أن يغفر لك ويتوب عليك".

ويتابع سماحته مشيراً إلى أنَّ الأمور بعواقبها، لافتاً إلى أنّ من مصاديق الخير، قطع الطّمع عمّا في أيدي النّاس:

"وهناك حديث عن عليّ(ع)، يبيّن فيه أن كل شيء يحصل لك من خير أو شرّ، من راحة أو تعب، من فرح أو حزن، لا تحكم عليه من خلال طبيعته العاجلة، بل انظر إلى نتائجه، فإن كان يؤدي بك إلى النار، فهو ليس خيراً، حتى لو جعلك تشعر بالراحة والأنس والفرح، وإن كان يؤدّي بك إلى الجنة، فهو ليس شرّاً، وإن كان متعباً ومحزناً ومزعجاً. يقول(ع): "ما خير بخير بعده النار، وما شرّ بشرّ بعده الجنة"، لتكن النار والجنّة هما العنوانين اللّذين لا بدّ لنا من أن نقيس عليهما كلّ أفعالنا. وبتعبير آخر، فكلّ ما يؤدّي بنا إلى الجنة فهو خير، وكل ما يؤدي بنا إلى النار فهو شرّ، والأمور بعواقبها.

وقد ورد في الحديث عن الإمام الصّادق(ع): "إن أردت أن تقرّ عينك، وتنال خير الدنيا والآخرة، فاقطع الطّمع عمّا في أيدي الناس ـ إذا أردت أن تنطلق في الحياة، فاستنفر كلّ جهودك، واقتنص الفرص الّتي بين يديك لتحصل على النعمة، ولا تطمع بما في أيدي الناس من دون جهد، لأنّك بذلك تذلّ نفسك وتسقط كرامتك واحترامك - وعدَّ نفسك في الموتى - حاول أن تتذكَّر الموت دائماً، وأن لا تعيش الغرور بالحياة التي حولك - ولا تحدِّثنّ نفسك أنَّك فوق أحد من النّاس - لا تحاول أن تشعر بالفوقيّة على الناس من خلال علمك أو مالك، لأنّه إن كان لديك بعض الصفات الإيجابيّة، فقد يكون للآخرين صفات إيجابية أفضل، لا تنظر إلى الصورة من زاوية واحدة، بل انظر إليها من جميع جوانبها - واخزن لسانك كما تخزن مالك ـ اخزن لسانك عن كلّ ما يسيء إلى مصيرك في الدنيا والآخرة."

 ويضيف سماحته عارضاً لجملة من الرّوايات عن خير الدّنيا والآخرة، مشيراً من خلالها إلى طبيعة هذا الخير من وجهة النّظر الإسلاميّة، قائلاً:

"ويروي الإمام الباقر(ع) عن أبيه عن الإمام الحسين(ع)، "أنَّ رجلاً من أهل الكوفة كتب إلى أبي الحسين بن عليّ(ع): يا سيّدي، أخبرني بخير الدّنيا والآخرة - ما هي القاعدة التي إذا وقفت عليها، أحصل على خير الدّنيا والآخرة - فكتب(ع):بسم الله الرّحمن الرّحيم.. أمّا بعد، فإنّ من طلب رضى الله بسخط النّاس، كفاه الله أمور النّاس، ومن طلب رضى النّاس بسخط الله، وكله الله إلى النّاس، والسَّلام".

ليكن رضى الله هو الأساس عندك في كلّ أعمالك وأقوالك وعلاقاتك ومواقفك، وإن لم يرضِ ذلك النّاس، لأنّ الله يتكفّل لك برضاهم بعد ذلك، ولكنّك إذا طلبت رضى الناس بسخط الله في الجوانب السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، واعتبرتهم الأساس في نفعك وضرّك، بحيث تعصي الله في ذلك، فإنه سبحانه يرفع رحمته عنك، وعندها، ما قيمة كلّ الناس في ذلك كله؟! فعلينا أن نعرف، من خلال هذا الخطّ التوجيهي للإمام الحسين(ع)، ما يجمع للإنسان خير الدّنيا والآخرة، فلا نطلب رضى الناس بسخط الله، وهذا ما عبّر عنه النبيّ(ص) في كلمته: "إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي".

وورد في الحديث عن رسول الله(ص) يقول: "أربع من أعطيهنّ فقد أعطي خير الدنيا والآخرة؛ بدناً صابراً - يصبر على الألم والجهد وهو في طريق طاعة الله، والعمل في الحياة بما يرضي الله - ولساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً - يشكر الله على النعم التي ينعم الله بها عليه - وزوجة صالحة"، لأنّ الزوجة الصالحة تؤمّن للإنسان السّكينة والطّمأنينة. ومن الملاحظ أنه قال: "الزوجة الصالحة"، ولم يقل الزوجة الجميلة أو صاحبة الحسب والنسب، ولو سألته امرأة، لقال(ص): لها "وزوجاً صالحاً"، لأنّ صلاح الزوجين هو الّذي يمثل استقامة الحياة الزوجية بينهما، ويمنع كلّ واحد منهما من أن يظلم الآخر ويأخذ حقّه أو يسيء إليه.

وورد في الحديث عن رسول الله(ص) أيضاً: "من أعطي أربع خصال في الدّنيا، فقد أعطي خير الدّنيا والآخرة، وفاز بحظّه منهما؛ ورع يعصمه عن محارم الله - بحيث تكون عندك حالة التّقوى والخوف من الله، حتى إذا قدمت على مال حرام أو شراب حرام أو طعام حرام أو شهوة حرام، منعك ورعك وعصمك من أن تأخذ بما حرّم الله تعالى - وحُسن خلق يعيش به في النّاس - أن تكون لك الأخلاق الحسنة الطيّبة التي تترك أثرها في الآخرين، ليشعروا وهم يعيشون معك، بالرّاحة وبالحبّ لك، كما ورد في بعض الكلمات عن أمير المؤمنين(ع): "خالطوا الناس مخالطةً، إن غبتم حنّوا إليكم، وإن متّم بكوا عليكم"، أن تكون خيراً لمن خالطك وعاش معك - وحلم يدفع به جهل الجاهل - سعة صدر تدفعك لأن تكظم غيظك وتعفو عن النّاس - وزوجة صالحة تعينه على أمر الدنيا والآخرة"، بحيث تكون صالحة في أخلاقها ووعيها ودينها، فتعينك على أمر دنياك وآخرتك.

ويقول الإمام الباقر(ع): "وجدنا في كتاب عليّ(ع)، أن رسول الله(ص) قال وهو على منبره: والذي لا إله إلا هو، ما أُعطي مؤمن قطّ خير الدّنيا والآخرة، إلا بحسن ظنّه بالله - أن يحسن ظنك بالله، بأنه هو الذي يرحمك ويرزقك ويعفو عنك، ويسهّل لك أمر الدنيا والآخرة - ورجائه له - أن ترجو الله في كلّ ما أهمّك - وحُسن خلقه مع النّاس، والكفّ عن اغتياب المؤمنين".

وجاء رجل إلى النبيّ(ص)، فقال: علّمني عملاً يحبّني الله عليه ويحبّني المخلوقون، ويثري الله مالي، ويصحّ بدني، ويطيل عمري، ويحشرني معك، فقال(ص): "هذه ستّ خصال تحتاج إلى ستّ خصال؛ إذا أردت أن يحبّك الله، فخفه واتّقه - عليك أن تخاف الله وتتّقيه في كلّ أعمالك - وإذا أردت أن يحبّك المخلوقون، فأحسن إليهم وارفض ما في أيديهم - كن الإنسان الذي يحسن إلى النّاس مما أعطاه الله من خير، وأن لا تطمع بما في أيدي النّاس - وإذا أردت أن يثري الله مالك فزكّه - بأن تدفع حقّ الله في المال، فينمو مالك، لأنَّ معنى الزكاة النمّو، وهذا خلافاً لما يظنه بعض الناس الذين يبخلون على أنفسهم ويأمرون النّاس بالبخل، ويظنّون أنّ إعطاء الحقوق الشرعيّة ينقص المال - وإذا أردت أن يصحّ بدنك فأكثر من الصّدقة، وإذا أردت أن يطيل الله عمرك فصل ذوي أرحامك - حتى لو قطعك أرحامك وآذوك - وإذا أردت أن يحشرك الله معي، فأطل السّجود بين يدي الله الواحد القهّار".

وختم سماحته بالدّعوة إلى تربية النفس على فعل الخير، والاستفادة من العمر في سبيل الاستزادة منه:

"أيّها الأحبّة: الحياة فرصة، والعمر رأس مال، والخير موجود بين أيدينا، فلماذا لا نعمل على أن نربي أنفسنا على الخير ونفعله، ونبتعد عن الشّرّ {وقلِ اعملُوا فسيرى اللهُ عملَكُم ورسولُهُ والمؤمنون}". 

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية