المرجع فضل الله في حوار مع القسّيس "كو" حول حقيقة الإسلام والتصوّرات الخاطئة عنه

المرجع فضل الله في حوار مع القسّيس "كو" حول حقيقة الإسلام والتصوّرات الخاطئة عنه

بالعودة إلى أرشيف الحوارات الفكريّة لسماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، والّتي أجراها مع العديد من المفكّرين ورجال الدّين والسياسة، نعود إلى حواره الّذي أجراه بتاريخ 20/3/2006م، مع المرشد الروحي لعدد كبير من النوّاب في الكونغرس الأمريكي، القسيس الأمريكي دوغلاس كو، الّذي زاره في إطار جولته على بعض الشخصيات الروحية في لبنان، لاستطلاع رأي سماحته حول حقيقة الإسلام في ظلّ الأوهام والتصورات الخاطئة عنه، وفي ظلّ الممارسات التي ترتكب باسمه.

ورافق القسيس كو في هذه الجلسة، نجله ديفيد، ونائب رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، سمير كريدية. بعد كلمات الشّكر والترحيب من الطرفين، كانت كلمة لسماحة المرجع فضل الله، التي لفت فيها إلى أهمية هذه اللقاءات التي تؤسّس لمزيد من التفاهم على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن سوء التفاهم يقف كثيراً حجر عثرة أمام التقدم البناء لهذه العلاقات بين مختلف الشعوب، مؤكّداً أهمية الصداقة بين الجميع، ونشر السلام الروحي والثقافي، وأن الإسلام يعترف بالديانات الأخرى. وقال سماحته:

"نحن نعتقد أنّ هذه اللقاءات ومثيلاتها تغني الطرفين، لأنها تساعد على بناء أسس للتفاهم حول الكثير من القضايا الحيوية بين الشّعوب، ولا سيّما فيما يتعلق بأمريكا والعالم العربي والإسلاميّ، لأن الكثير من المشاكل التي تحدث، إنما تحدث من خلال سوء الفهم من قِبَل الطرفين أو أحدهما، بحيث يحكم على الآخر بما يتصوّره أو بما يستنتجه من دون أساس لهذا الفهم.

ونحن ندعو إلى التّفاهم بين الشعوب، وقد علّمنا القرآن الكريم أن نعمل على أساس الأسلوب الذي يُحوِّل الإنسان من موقع العداوة إلى موقع الصّداقة: {ولا تستوي الحسنة ولا السيّئة ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليّ حميم}.

 لهذا، نحن نحبّ أن نكون أصدقاء العالم، أن نفهم العالم ويفهمنا العالم، لأنّ لكلّ شعبٍ خصوصياته ومؤثّراته، وفي كلمةٍ للنبيّ محمد(ص) يقول: "إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم"، أن نفهم عقول النّاس وطريقتهم في التفكير ومؤثّراتهم، ونكلّمهم على أساس هذه القاعدة.

وقيمة الإسلام، أنه يعترف بكلّ الديانات، فنحن نعترف باليهودية والنصرانية، وبكتبهما المقدّسة التوراة والإنجيل، والقرآن كتاب الله، وقد علّمنا أن نبحث عن مواقع اللّقاء بيننا وبين الأديان الأخرى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله}، فهو يطلب منّا عندما ندخل في حوارٍ مع أهل الكتاب من اليهود والنّصارى، أن نتحدّث معهم بالأساليب الحضارية التي تجمع ولا تفرّق، لذلك نحن ندعو إلى السّلام الثقافي والسّلام الروحي، كما السّلام العملي.

وبهذه الروح نحن نستقبلكم هنا.

 وسأل كو سماحته: "كيف يمكن أن نُسمِع كلّ ما تحدّثتم به لكلّ أصحابنا في أمريكا، ولا سيما في الكونغرس الأمريكي؟".

 فأجاب سماحته: "عبر كتاب الحوار في القرآن الكريم، وقد تُرجم بعنوان "الحوار في الإسلام" إلى اللغة الانكليزية".

 فردّ كو: "نحن في أمريكا لا نعرف عن الإسلام والمسلمين إلا القليل، ومن النادر أن يرى الواحد شخصاً مثلكم ليفهم الإسلام وحقيقته. لهذا كانت زيارتنا لكم للاستفادة."

 فأجابه سماحته مرحّباً وموضحاً:

"نحن نرحّب بذلك، ومستعدون للحديث معكم في كل شيء، لأننا نؤمن بأنه لا مقدّسات في الحوار، وعلينا أن نتحدّث في كل شيء، وهذا ما يجعل الناس تفهم بعضها بعضاً، وفي ضوء هذا، فنحن نحبّ أن نكون أصدقاء الشعب الأمريكي، وانطلاقاً من حرصنا على هذا الشّعب، ومع احترامنا للإنسان بعامة، كنتُ أول شخصية إسلامية دانت أحداث 11 أيلول، حيث أصدرت بياناً بعد 4 ساعات على هذا الحدث، وقلت فيه إنّه أمر لا يقبله عقل ولا شرع ولا دين، ونحن نختلف مع الإدارة الأمريكيّة في القضايا السياسية، ولكننا لا نحارب أمريكا بهذه الطريقة التي تمسّ الشعب الأمريكي.

وفي أمريكا الملايين من المسلمين والعرب، ونعتقد أنهم يعيشون بسلامٍ داخل أمريكا، وإن كنّا نلاحظ في المدّة الأخيرة، من خلال بعض القوانين، وجود بعض التعقيدات ضدّ المسلمين في بلدكم، حيث بدأت النظرة إلى المسلمين كمتّهمين، مع أننا نعرف أن المسلمين الأمريكيين لم يصدر عنهم أي عمل سلبي ضدّ مواطنيهم، وفي رسائلي إليهم، دعوتهم إلى الحفاظ على أمن البلدان التي يعيشون فيها، وكنت أطالبهم بالاندماج مع الشعب الأمريكي، وأن يعيشوا همّ القضايا الحيوية الخاصّة بالشعب هناك، كما يعيشون همّ قضاياهم، لأننا عندما نعيش في أيّ بلد، نشعر بأنّ علينا أن نحافظ على علاقتنا بكلّ المواطنين، وأن نتحرّك كمواطنين مع احتفاظنا بهويّتنا.

ولعلّ قيمة الدولة الأمريكية، هي أن الفئات المختلفة على مستوى قوميّ أو على مستوى ديني، لا تزال تحافظ على هوياتها في مجتمعاتها الخاصّة، ونحن نقدِّر ذلك ونحترمه، ونؤمن بضرورة الحوار الإسلامي ـ المسيحي، وقد أصدرتُ كتاباً "في آفاق الحوار الإسلامي ـ المسيحي" منذ سنوات طويلة، يلخّص تجربتي في ميدان الحوار، ودعوت الجميع من المسلمين والمسيحيّين إلى أن ينطلقوا من القضايا المشتركة فيما بينهم، ونحن نقدِّس السيِّد المسيح، ونعتقد أنه روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول، ونقدِّس السيّدة العذراء مريم، وأنّ الله اصطفاها واختارها على نساء العالمين، ونؤمن بالإنجيل والتّوراة، وقد تحدَّث القرآن عنهما وجاء ليصدّقهما."

 وسأل كو : "المشكلة أننا في بلادنا لا نعرف الإسلام جيّداً، وهناك من يوصل إلينا أن الإسلام هو السلفية العنيفة، والتكفيريون الرافضون للغير، والذين يقتلون الغير؟".

 فكان جواب سماحته:

"نحن نعتبر أن هؤلاء بعيدون عن الإسلام وعن روحه ومقاصده، حين يمارسون ما تقولون، لأنّ الإسلام هو دين الرحمة الذي يحترم الإنسان المسالم، ويدعو إلى أن نمارس معه الحياة على أساس العدل والإحسان، فمن يمارس الإرهاب والتّكفير تحت شعار السلفيّة، هؤلاء نعتبرهم إرهابيّين، لأنهم يقتلون حتى المسلمين، كما في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وخصوصاً في العراق، وكما في السعودية والمغرب، لأنهم يختلفون معهم في المذهب أو غيره، فيستحلّون دماءهم. ولهذا، نعتبر أن السلفيين التكفيريين يتحركون ضدّ الإسلام، لأن الإسلام يريد للإنسان أن يسالم كلّ من يسالمه، ويظهر ذلك جليّاً في تحيّة الإسلام التي يلتقي المسلم فيها مع الآخر، وهي كلمة "السلام عليكم"، فكأنه يقول لمن يلتقي به: أنا مسالمٌ لك، ولستُ في حال حرب معك، ولذلك سأحافظ على حياتك ومالك وكلّ شؤونك.

حتى إنّ القرآن يحدّثنا أنّ تحية أهل الجنة هي "السلام"، بقوله تعالى: {تحيّتهم فيها سلام}، فلا نعتبر الإسلام دين حرب، فهو لا يفرض على الناس أن يؤمنوا به بالقوة، إن الله يقول: {ادعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة}، بالكلام الحضاري الإنساني، أما الحروب التي حدثت، فهي تماماً كالحروب التي تحدث بين الشّعوب نتيجة أوضاع سياسيّة أو اقتصاديّة أو غيرها.

وفي القرآن، حديث عن القتال على أساس الدّفاع عن النفس في مواجهة الذين يقاتلوننا، وقتال في سبيل رفع الظّلم عن المستضعفين والمظلومين، أمّا الإنسان المسالم، فعليك أن تكون مسالماً معه، وأن تحترم حريّته وحياته".

 ولفت كو إلى وضع الديانة المسيحية في الولايات المتحدة: "في المجتمع المسيحي الذي تربّينا فيه، نلاحظ أن المسيحيين يحاربون بعضهم بعضاً (الكاثوليك والبروتستانت)، وكلهم متفرّقون، والمسيح قال: هناك كنيسة واحدة، ولكن المسيحيين المؤمنين بالمسيح، أوجدوا مئات الكنائس، وهم يستغربون لماذا يبغضون بعضهم بعضاً رغم إيمانهم بالمسيح، وأطفالنا في الولايات المتحدة غير متحمّسين للديانات المسيحية المختلفة، مع أنّ الأهل يقولون إننا مسيحيون، والأطفال لا يعرفون المسيحية!".

 فكان ردّ سماحته:

"المشكلة أنهم لا يعيشون روحية المسيحية، التي تمثّل ملخّص ما يقوله السيّد المسيح: "الله محبّة"، فالإيمان المسيحي يقول لك عليك أن تحبّ الناس كلّهم، والسيد المسيح يقول: "أحبّوا أعداءكم وباركوا لاعينكم". لهذا، فالدين يدعونا إلى الوحدة بالله، والمسلمون يحبّون الله، ويريدون لله أن يحبّهم، وكذلك المسيحيّون واليهود، فعلينا أن نلتقي على أساس محبّة الله الذي خلقنا جميعاً".

 كو: "لماذا هناك سنّة وشيعة؟ وما هي المشكلة فيما بينهم؟".

 جواب المرجع فضل الله(رض):

"هناك اختلاف في وجهات النظر، حيث يقول فريق من المسلمين إنّ النبي أوصى بالخلافة لعليّ، وفريق لا يقول بالولاية والوصاية، وعلى هذا الأساس، دخلت الاختلافات والعصبيات، فعمّقت هذه الخلافات، وهي في مجملها خلافات فكرية.

أما المشكلة في الأديان، فهي أنّ العصبيّة، لا الفكر، تدخل في الاختلافات، وربما بعض الأشياء التي حصلت بين البروتستانت والكاثوليك، حصلت بين السنَّة والشيعة، وهذه مشكلة الأديان، فالمفروض أنَّ الأديان تدعو إلى المحبّة والسلام، ولكن الاختلاف في الدين يدعو إلى العداوة والبغضاء والحرب".

 سأل كو: "ما هي، في رأيك، حدود التقريب بين المسيحيّين والمسلمين المختلفين فيما بينهم ومع بعضهم البعض؟".

 فأجاب المرجع فضل الله:

"الأساس هو أن نثقّف الناس ليرتبطوا بحقائق الدّين بطريقة العقل لا بطريقة الغريزة، والمشكلة أنّ الغرائز هي التي تجعل الناس يتّخذون مواقف سلبيّة بعضهم من بعض. ولكن عندما نقدِّم مفاهيم الدّين للناس، ونطلب منهم التفكير فيها والتفاعل معها، فإنّ الناس عند ذلك تبدأ في تفهّم معنى الدين".

 كو: "هناك جملة في الكتاب المقدَّس تقول: الديانة الصحيحة هي أن يكون لك قلب مفتوح".

المرجع فضل الله:

"وفي القرآن وصيّة أساس: {وتواصوا بالمرحمة}، أي أنّ علينا أن نرحم الأيتام والفقراء والمساكين والناس بشكل عامّ، أن نرحمهم، وليست الرّحمة مجرّد نبضة في القلب، بل رحمة في الممارسة لنحلّ مشكلاتهم ونسوّي أوضاعهم.

بل إنّ القرآن تحدَّث عن النبيّ محمّد(ص) قائلاً: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين}، فقد أرسله الله رحمةً إلى النّاس كلّهم.

وقد تحدّث القرآن عن النبيّ أنه ليِّن القلب، فلا يحمل في قلبه قسوة، ليّن اللّسان فلا يصدر عنه أيّة كلمة قاسية، وهو عندما يعيش مع شعبه، فهو يتألّم لآلامهم، ويحزن لأحزانهم فيما يواجهونه من مشاكل، وأنه يرأف بهم ويرحمهم، ونحن نعرف أن السيّد المسيح(ع) يُتحدث عنه في كتاب الله، أنه الإنسان الذي يملأ قلبه بالرحمة للناس كافة. ولهذا، فلا نعتبر أنّ هناك مشكلة بين النبي محمد(ص) والسيد المسيح(ع)، كما أننا لا نقبل الصّورة التي يصوّرونها للنبي موسى أنه كان عنيفاً وشديداً، بل في القرآن هو نبيّ المحبة لله وللنّاس...

إننا ندعو إلى اللقاء على محبة الله والإنسان، وهناك حديث نبوي شريف يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّه لنفسه، ويكره له ما يكره لها"، ونحن نعتبر أنّ الإسلام دين الرّحمة، في مقابل الكلمات التي نسمعها من البعض أنّ الإسلام دين العنف، ونعتقد أن الذين يتحدثون بهذه الطريقة، لا يفهمون الإسلام".

 القسيس كو بادر إلى القول: "نحن نحبّ قلبك وروحك القريبة من العالم".

 فرد المرجع فضل الله:

 "ونحن نشعر بأنّ الله أمرنا بفتح قلوبنا على قلوب الآخرين، لتتّحد القلوب على محبة الله ومحبة الإنسان، نحن نريد للقلوب أن تتقارب، وللعقول أن تتحاور وتتفاهم، لأنّ القلب والعقل إذا التقيا، فهناك الحضارة والخير للإنسان كلّه، وبذلك يتحقّق لقاء الحضارات وانفتاحها لا تصادمها".

ثمّ قال كو: "هناك نقاش كبير بين الكونغرس والبيت الأبيض، كيف نستطيع الإصلاح في العالم في ظلّ الاحتلالات؟".

 فأجاب المرجع فضل الله:

"أوافق القائلين في الكونغرس وفي أوساط الشعب الأمريكي، بأن دخول العراق كان خطأً كبيراً، وخصوصاً أن الإدارة الأمريكية من الناحية السياسية لم تخطّط لوجودها في داخل العراق، ولا سيّما في مرحلة ما بعد الاحتلال، صحيح أن العراق كان يحوي طاغية ديكتاتورياً، ولكن صدام حسين كان عميلاً لأمريكا منذ البداية وانتهت وظيفته. إنّ الضغط على الإدارة الأمريكية من أجل الانسحاب من العراق وتسليم القيادة للأمم المتحدة، قد يحلّ مشكلة العراق ومشكلة أمريكا، لأنّ الشعب العراقي، والعالمَيْن العربي والإسلامي، يعتبرون أمريكا دولة محتلّة مستعمِرة، ولهذا يقاومها الشعب العراقي، ولكنّه لا يعتبر الأمم المتحدة جهة محتلة، فالحلّ هو أن نعطي القوة التي نملكها للأمم المتحدة، على أن تقوم بطريقتها وأسلوبها بما يناسب."

 سأل كو: "في رأيكم، لو حدث هذا، هل تحصل حروب أهليّة في العراق؟".

 جواب المرجع فضل الله:" أنا لا أتصوّر أن تحدث حروب أهليّة في العراق حتى الآن، لأن الإرهابيين الذين يقومون بالمجازر، يحتجّون بأنهم يحاربون الاحتلال ومن يشجّع الاحتلال، فإذا ذهب المحتلّ، فلا حجّة لهم".

 وقال كو مستدركاً : "في كلّ الغرب، يدرّسوننا أن المسيح جاء ليبدأ بالديانة المسيحية وأوجدها، وكلّ المسيحيّين في أمريكا يعتقدون أنّ محمداً(ص) هو من بدأ الرسالة الإسلاميّة. عندما تقرأ الإنجيل والعهدين القديم والجديد، فإنّ المسيح لم يتحدّث عن شيء اسمه الديانة المسيحيّة، نحن نعتقد أنّ المسيح لم يؤسّس ديانة اسمها المسيحيّة، ولكن الناس بعد 300 ـ 400 سنة هم الذين أسّسوها، وهناك مرجعية إيرانية قالت إنّ الأمر نفسه ينطبق على الرّسول، فهو لم يؤسّس لمذاهب الشيعة والسنّة".

 وكان جواب المرجع فضل الله: "أعتقد أنّ السيّد المسيح(ع) لم يهدف إلى مؤسسة لها أتباع، وإنما أعطى الإنسان المبادئ والقيم الروحية، ليتنفّسها الناس تماماً كما هو الهواء والماء، ولهذا، فالمسيح لم يُقِم أية مؤسّسة بالمعنى المادّي لها، فلم يصنع كنيسة ولا بابوية ولا أيّ شيء من هذا القبيل، كان يتكلّم بكلّ عفوية إنسانية، حيث يشعر الناس بأنه يتكلّم بلغتهم ومشاعرهم، وهكذا النبيّ محمد(ص)، لم يأتِ ليصنع مرجعية أو مؤسسة لمجموعة من البشر، بل جاء رحمةً للناس جميعاً، ونحن نعتبر أنّ الإسلام والمسيحية ليسا دينين محلّيين، وإنما أُريد لهما التنفّس في الهواء الطلق، ليمتزج الجانب الروحي بالجانب الإنساني، ليتعلّم الإنسان كيف يكون إنساناً يحبّ الإنسان الآخر".

 وعبَّر كو عن مشاعره بالقول: "هذه أجمل أربعين دقيقة قضيتها في حياتي".

 فما كان من المرجع فضل الله إلّا أن أجابه:

"نحن نعيش أيضاً هذه المشاعر في لقائنا مع الصّديقين... إننا ندعو إلى حوار الأديان ولقائها، والحوار بين الدين والعلمانية، ولقد خاطبت البابا الرّاحل وقلتُ له: لنتّفق على قاعدتين: الأولى، أن ندعو إلى الله والمحبة له، والثانية، أن نقِف ضد المستكبرين والظالمين الذين يستضعفون المظلومين، لأنّ هذه هي رسالة المسيح ومحمّد، لأننا نريد السّلام على الأرض لنعيش السّلام عند الله. فلندعُ أن يوفّقنا الله، لنعمل للسّلام وللشّعوب كلّها وتفاهمها، وللمحبة لها، وندعو لكم بالتوفيق بدعوتكم الروحية لما فيه خير الإنسانية كلّها". 

بالعودة إلى أرشيف الحوارات الفكريّة لسماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، والّتي أجراها مع العديد من المفكّرين ورجال الدّين والسياسة، نعود إلى حواره الّذي أجراه بتاريخ 20/3/2006م، مع المرشد الروحي لعدد كبير من النوّاب في الكونغرس الأمريكي، القسيس الأمريكي دوغلاس كو، الّذي زاره في إطار جولته على بعض الشخصيات الروحية في لبنان، لاستطلاع رأي سماحته حول حقيقة الإسلام في ظلّ الأوهام والتصورات الخاطئة عنه، وفي ظلّ الممارسات التي ترتكب باسمه.

ورافق القسيس كو في هذه الجلسة، نجله ديفيد، ونائب رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، سمير كريدية. بعد كلمات الشّكر والترحيب من الطرفين، كانت كلمة لسماحة المرجع فضل الله، التي لفت فيها إلى أهمية هذه اللقاءات التي تؤسّس لمزيد من التفاهم على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن سوء التفاهم يقف كثيراً حجر عثرة أمام التقدم البناء لهذه العلاقات بين مختلف الشعوب، مؤكّداً أهمية الصداقة بين الجميع، ونشر السلام الروحي والثقافي، وأن الإسلام يعترف بالديانات الأخرى. وقال سماحته:

"نحن نعتقد أنّ هذه اللقاءات ومثيلاتها تغني الطرفين، لأنها تساعد على بناء أسس للتفاهم حول الكثير من القضايا الحيوية بين الشّعوب، ولا سيّما فيما يتعلق بأمريكا والعالم العربي والإسلاميّ، لأن الكثير من المشاكل التي تحدث، إنما تحدث من خلال سوء الفهم من قِبَل الطرفين أو أحدهما، بحيث يحكم على الآخر بما يتصوّره أو بما يستنتجه من دون أساس لهذا الفهم.

ونحن ندعو إلى التّفاهم بين الشعوب، وقد علّمنا القرآن الكريم أن نعمل على أساس الأسلوب الذي يُحوِّل الإنسان من موقع العداوة إلى موقع الصّداقة: {ولا تستوي الحسنة ولا السيّئة ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليّ حميم}.

 لهذا، نحن نحبّ أن نكون أصدقاء العالم، أن نفهم العالم ويفهمنا العالم، لأنّ لكلّ شعبٍ خصوصياته ومؤثّراته، وفي كلمةٍ للنبيّ محمد(ص) يقول: "إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم"، أن نفهم عقول النّاس وطريقتهم في التفكير ومؤثّراتهم، ونكلّمهم على أساس هذه القاعدة.

وقيمة الإسلام، أنه يعترف بكلّ الديانات، فنحن نعترف باليهودية والنصرانية، وبكتبهما المقدّسة التوراة والإنجيل، والقرآن كتاب الله، وقد علّمنا أن نبحث عن مواقع اللّقاء بيننا وبين الأديان الأخرى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله}، فهو يطلب منّا عندما ندخل في حوارٍ مع أهل الكتاب من اليهود والنّصارى، أن نتحدّث معهم بالأساليب الحضارية التي تجمع ولا تفرّق، لذلك نحن ندعو إلى السّلام الثقافي والسّلام الروحي، كما السّلام العملي.

وبهذه الروح نحن نستقبلكم هنا.

 وسأل كو سماحته: "كيف يمكن أن نُسمِع كلّ ما تحدّثتم به لكلّ أصحابنا في أمريكا، ولا سيما في الكونغرس الأمريكي؟".

 فأجاب سماحته: "عبر كتاب الحوار في القرآن الكريم، وقد تُرجم بعنوان "الحوار في الإسلام" إلى اللغة الانكليزية".

 فردّ كو: "نحن في أمريكا لا نعرف عن الإسلام والمسلمين إلا القليل، ومن النادر أن يرى الواحد شخصاً مثلكم ليفهم الإسلام وحقيقته. لهذا كانت زيارتنا لكم للاستفادة."

 فأجابه سماحته مرحّباً وموضحاً:

"نحن نرحّب بذلك، ومستعدون للحديث معكم في كل شيء، لأننا نؤمن بأنه لا مقدّسات في الحوار، وعلينا أن نتحدّث في كل شيء، وهذا ما يجعل الناس تفهم بعضها بعضاً، وفي ضوء هذا، فنحن نحبّ أن نكون أصدقاء الشعب الأمريكي، وانطلاقاً من حرصنا على هذا الشّعب، ومع احترامنا للإنسان بعامة، كنتُ أول شخصية إسلامية دانت أحداث 11 أيلول، حيث أصدرت بياناً بعد 4 ساعات على هذا الحدث، وقلت فيه إنّه أمر لا يقبله عقل ولا شرع ولا دين، ونحن نختلف مع الإدارة الأمريكيّة في القضايا السياسية، ولكننا لا نحارب أمريكا بهذه الطريقة التي تمسّ الشعب الأمريكي.

وفي أمريكا الملايين من المسلمين والعرب، ونعتقد أنهم يعيشون بسلامٍ داخل أمريكا، وإن كنّا نلاحظ في المدّة الأخيرة، من خلال بعض القوانين، وجود بعض التعقيدات ضدّ المسلمين في بلدكم، حيث بدأت النظرة إلى المسلمين كمتّهمين، مع أننا نعرف أن المسلمين الأمريكيين لم يصدر عنهم أي عمل سلبي ضدّ مواطنيهم، وفي رسائلي إليهم، دعوتهم إلى الحفاظ على أمن البلدان التي يعيشون فيها، وكنت أطالبهم بالاندماج مع الشعب الأمريكي، وأن يعيشوا همّ القضايا الحيوية الخاصّة بالشعب هناك، كما يعيشون همّ قضاياهم، لأننا عندما نعيش في أيّ بلد، نشعر بأنّ علينا أن نحافظ على علاقتنا بكلّ المواطنين، وأن نتحرّك كمواطنين مع احتفاظنا بهويّتنا.

ولعلّ قيمة الدولة الأمريكية، هي أن الفئات المختلفة على مستوى قوميّ أو على مستوى ديني، لا تزال تحافظ على هوياتها في مجتمعاتها الخاصّة، ونحن نقدِّر ذلك ونحترمه، ونؤمن بضرورة الحوار الإسلامي ـ المسيحي، وقد أصدرتُ كتاباً "في آفاق الحوار الإسلامي ـ المسيحي" منذ سنوات طويلة، يلخّص تجربتي في ميدان الحوار، ودعوت الجميع من المسلمين والمسيحيّين إلى أن ينطلقوا من القضايا المشتركة فيما بينهم، ونحن نقدِّس السيِّد المسيح، ونعتقد أنه روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول، ونقدِّس السيّدة العذراء مريم، وأنّ الله اصطفاها واختارها على نساء العالمين، ونؤمن بالإنجيل والتّوراة، وقد تحدَّث القرآن عنهما وجاء ليصدّقهما."

 وسأل كو : "المشكلة أننا في بلادنا لا نعرف الإسلام جيّداً، وهناك من يوصل إلينا أن الإسلام هو السلفية العنيفة، والتكفيريون الرافضون للغير، والذين يقتلون الغير؟".

 فكان جواب سماحته:

"نحن نعتبر أن هؤلاء بعيدون عن الإسلام وعن روحه ومقاصده، حين يمارسون ما تقولون، لأنّ الإسلام هو دين الرحمة الذي يحترم الإنسان المسالم، ويدعو إلى أن نمارس معه الحياة على أساس العدل والإحسان، فمن يمارس الإرهاب والتّكفير تحت شعار السلفيّة، هؤلاء نعتبرهم إرهابيّين، لأنهم يقتلون حتى المسلمين، كما في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وخصوصاً في العراق، وكما في السعودية والمغرب، لأنهم يختلفون معهم في المذهب أو غيره، فيستحلّون دماءهم. ولهذا، نعتبر أن السلفيين التكفيريين يتحركون ضدّ الإسلام، لأن الإسلام يريد للإنسان أن يسالم كلّ من يسالمه، ويظهر ذلك جليّاً في تحيّة الإسلام التي يلتقي المسلم فيها مع الآخر، وهي كلمة "السلام عليكم"، فكأنه يقول لمن يلتقي به: أنا مسالمٌ لك، ولستُ في حال حرب معك، ولذلك سأحافظ على حياتك ومالك وكلّ شؤونك.

حتى إنّ القرآن يحدّثنا أنّ تحية أهل الجنة هي "السلام"، بقوله تعالى: {تحيّتهم فيها سلام}، فلا نعتبر الإسلام دين حرب، فهو لا يفرض على الناس أن يؤمنوا به بالقوة، إن الله يقول: {ادعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة}، بالكلام الحضاري الإنساني، أما الحروب التي حدثت، فهي تماماً كالحروب التي تحدث بين الشّعوب نتيجة أوضاع سياسيّة أو اقتصاديّة أو غيرها.

وفي القرآن، حديث عن القتال على أساس الدّفاع عن النفس في مواجهة الذين يقاتلوننا، وقتال في سبيل رفع الظّلم عن المستضعفين والمظلومين، أمّا الإنسان المسالم، فعليك أن تكون مسالماً معه، وأن تحترم حريّته وحياته".

 ولفت كو إلى وضع الديانة المسيحية في الولايات المتحدة: "في المجتمع المسيحي الذي تربّينا فيه، نلاحظ أن المسيحيين يحاربون بعضهم بعضاً (الكاثوليك والبروتستانت)، وكلهم متفرّقون، والمسيح قال: هناك كنيسة واحدة، ولكن المسيحيين المؤمنين بالمسيح، أوجدوا مئات الكنائس، وهم يستغربون لماذا يبغضون بعضهم بعضاً رغم إيمانهم بالمسيح، وأطفالنا في الولايات المتحدة غير متحمّسين للديانات المسيحية المختلفة، مع أنّ الأهل يقولون إننا مسيحيون، والأطفال لا يعرفون المسيحية!".

 فكان ردّ سماحته:

"المشكلة أنهم لا يعيشون روحية المسيحية، التي تمثّل ملخّص ما يقوله السيّد المسيح: "الله محبّة"، فالإيمان المسيحي يقول لك عليك أن تحبّ الناس كلّهم، والسيد المسيح يقول: "أحبّوا أعداءكم وباركوا لاعينكم". لهذا، فالدين يدعونا إلى الوحدة بالله، والمسلمون يحبّون الله، ويريدون لله أن يحبّهم، وكذلك المسيحيّون واليهود، فعلينا أن نلتقي على أساس محبّة الله الذي خلقنا جميعاً".

 كو: "لماذا هناك سنّة وشيعة؟ وما هي المشكلة فيما بينهم؟".

 جواب المرجع فضل الله(رض):

"هناك اختلاف في وجهات النظر، حيث يقول فريق من المسلمين إنّ النبي أوصى بالخلافة لعليّ، وفريق لا يقول بالولاية والوصاية، وعلى هذا الأساس، دخلت الاختلافات والعصبيات، فعمّقت هذه الخلافات، وهي في مجملها خلافات فكرية.

أما المشكلة في الأديان، فهي أنّ العصبيّة، لا الفكر، تدخل في الاختلافات، وربما بعض الأشياء التي حصلت بين البروتستانت والكاثوليك، حصلت بين السنَّة والشيعة، وهذه مشكلة الأديان، فالمفروض أنَّ الأديان تدعو إلى المحبّة والسلام، ولكن الاختلاف في الدين يدعو إلى العداوة والبغضاء والحرب".

 سأل كو: "ما هي، في رأيك، حدود التقريب بين المسيحيّين والمسلمين المختلفين فيما بينهم ومع بعضهم البعض؟".

 فأجاب المرجع فضل الله:

"الأساس هو أن نثقّف الناس ليرتبطوا بحقائق الدّين بطريقة العقل لا بطريقة الغريزة، والمشكلة أنّ الغرائز هي التي تجعل الناس يتّخذون مواقف سلبيّة بعضهم من بعض. ولكن عندما نقدِّم مفاهيم الدّين للناس، ونطلب منهم التفكير فيها والتفاعل معها، فإنّ الناس عند ذلك تبدأ في تفهّم معنى الدين".

 كو: "هناك جملة في الكتاب المقدَّس تقول: الديانة الصحيحة هي أن يكون لك قلب مفتوح".

المرجع فضل الله:

"وفي القرآن وصيّة أساس: {وتواصوا بالمرحمة}، أي أنّ علينا أن نرحم الأيتام والفقراء والمساكين والناس بشكل عامّ، أن نرحمهم، وليست الرّحمة مجرّد نبضة في القلب، بل رحمة في الممارسة لنحلّ مشكلاتهم ونسوّي أوضاعهم.

بل إنّ القرآن تحدَّث عن النبيّ محمّد(ص) قائلاً: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين}، فقد أرسله الله رحمةً إلى النّاس كلّهم.

وقد تحدّث القرآن عن النبيّ أنه ليِّن القلب، فلا يحمل في قلبه قسوة، ليّن اللّسان فلا يصدر عنه أيّة كلمة قاسية، وهو عندما يعيش مع شعبه، فهو يتألّم لآلامهم، ويحزن لأحزانهم فيما يواجهونه من مشاكل، وأنه يرأف بهم ويرحمهم، ونحن نعرف أن السيّد المسيح(ع) يُتحدث عنه في كتاب الله، أنه الإنسان الذي يملأ قلبه بالرحمة للناس كافة. ولهذا، فلا نعتبر أنّ هناك مشكلة بين النبي محمد(ص) والسيد المسيح(ع)، كما أننا لا نقبل الصّورة التي يصوّرونها للنبي موسى أنه كان عنيفاً وشديداً، بل في القرآن هو نبيّ المحبة لله وللنّاس...

إننا ندعو إلى اللقاء على محبة الله والإنسان، وهناك حديث نبوي شريف يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّه لنفسه، ويكره له ما يكره لها"، ونحن نعتبر أنّ الإسلام دين الرّحمة، في مقابل الكلمات التي نسمعها من البعض أنّ الإسلام دين العنف، ونعتقد أن الذين يتحدثون بهذه الطريقة، لا يفهمون الإسلام".

 القسيس كو بادر إلى القول: "نحن نحبّ قلبك وروحك القريبة من العالم".

 فرد المرجع فضل الله:

 "ونحن نشعر بأنّ الله أمرنا بفتح قلوبنا على قلوب الآخرين، لتتّحد القلوب على محبة الله ومحبة الإنسان، نحن نريد للقلوب أن تتقارب، وللعقول أن تتحاور وتتفاهم، لأنّ القلب والعقل إذا التقيا، فهناك الحضارة والخير للإنسان كلّه، وبذلك يتحقّق لقاء الحضارات وانفتاحها لا تصادمها".

ثمّ قال كو: "هناك نقاش كبير بين الكونغرس والبيت الأبيض، كيف نستطيع الإصلاح في العالم في ظلّ الاحتلالات؟".

 فأجاب المرجع فضل الله:

"أوافق القائلين في الكونغرس وفي أوساط الشعب الأمريكي، بأن دخول العراق كان خطأً كبيراً، وخصوصاً أن الإدارة الأمريكية من الناحية السياسية لم تخطّط لوجودها في داخل العراق، ولا سيّما في مرحلة ما بعد الاحتلال، صحيح أن العراق كان يحوي طاغية ديكتاتورياً، ولكن صدام حسين كان عميلاً لأمريكا منذ البداية وانتهت وظيفته. إنّ الضغط على الإدارة الأمريكية من أجل الانسحاب من العراق وتسليم القيادة للأمم المتحدة، قد يحلّ مشكلة العراق ومشكلة أمريكا، لأنّ الشعب العراقي، والعالمَيْن العربي والإسلامي، يعتبرون أمريكا دولة محتلّة مستعمِرة، ولهذا يقاومها الشعب العراقي، ولكنّه لا يعتبر الأمم المتحدة جهة محتلة، فالحلّ هو أن نعطي القوة التي نملكها للأمم المتحدة، على أن تقوم بطريقتها وأسلوبها بما يناسب."

 سأل كو: "في رأيكم، لو حدث هذا، هل تحصل حروب أهليّة في العراق؟".

 جواب المرجع فضل الله:" أنا لا أتصوّر أن تحدث حروب أهليّة في العراق حتى الآن، لأن الإرهابيين الذين يقومون بالمجازر، يحتجّون بأنهم يحاربون الاحتلال ومن يشجّع الاحتلال، فإذا ذهب المحتلّ، فلا حجّة لهم".

 وقال كو مستدركاً : "في كلّ الغرب، يدرّسوننا أن المسيح جاء ليبدأ بالديانة المسيحية وأوجدها، وكلّ المسيحيّين في أمريكا يعتقدون أنّ محمداً(ص) هو من بدأ الرسالة الإسلاميّة. عندما تقرأ الإنجيل والعهدين القديم والجديد، فإنّ المسيح لم يتحدّث عن شيء اسمه الديانة المسيحيّة، نحن نعتقد أنّ المسيح لم يؤسّس ديانة اسمها المسيحيّة، ولكن الناس بعد 300 ـ 400 سنة هم الذين أسّسوها، وهناك مرجعية إيرانية قالت إنّ الأمر نفسه ينطبق على الرّسول، فهو لم يؤسّس لمذاهب الشيعة والسنّة".

 وكان جواب المرجع فضل الله: "أعتقد أنّ السيّد المسيح(ع) لم يهدف إلى مؤسسة لها أتباع، وإنما أعطى الإنسان المبادئ والقيم الروحية، ليتنفّسها الناس تماماً كما هو الهواء والماء، ولهذا، فالمسيح لم يُقِم أية مؤسّسة بالمعنى المادّي لها، فلم يصنع كنيسة ولا بابوية ولا أيّ شيء من هذا القبيل، كان يتكلّم بكلّ عفوية إنسانية، حيث يشعر الناس بأنه يتكلّم بلغتهم ومشاعرهم، وهكذا النبيّ محمد(ص)، لم يأتِ ليصنع مرجعية أو مؤسسة لمجموعة من البشر، بل جاء رحمةً للناس جميعاً، ونحن نعتبر أنّ الإسلام والمسيحية ليسا دينين محلّيين، وإنما أُريد لهما التنفّس في الهواء الطلق، ليمتزج الجانب الروحي بالجانب الإنساني، ليتعلّم الإنسان كيف يكون إنساناً يحبّ الإنسان الآخر".

 وعبَّر كو عن مشاعره بالقول: "هذه أجمل أربعين دقيقة قضيتها في حياتي".

 فما كان من المرجع فضل الله إلّا أن أجابه:

"نحن نعيش أيضاً هذه المشاعر في لقائنا مع الصّديقين... إننا ندعو إلى حوار الأديان ولقائها، والحوار بين الدين والعلمانية، ولقد خاطبت البابا الرّاحل وقلتُ له: لنتّفق على قاعدتين: الأولى، أن ندعو إلى الله والمحبة له، والثانية، أن نقِف ضد المستكبرين والظالمين الذين يستضعفون المظلومين، لأنّ هذه هي رسالة المسيح ومحمّد، لأننا نريد السّلام على الأرض لنعيش السّلام عند الله. فلندعُ أن يوفّقنا الله، لنعمل للسّلام وللشّعوب كلّها وتفاهمها، وللمحبة لها، وندعو لكم بالتوفيق بدعوتكم الروحية لما فيه خير الإنسانية كلّها". 

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية