محاضرات
26/10/2024

مواعظُ الإمام الحسن (ع) للدّنيا والآخرة

مواعظُ الإمام الحسن (ع) للدّنيا والآخرة

في بعض كلمات الإمام الحسن (ع) الَّتي يرويها "تحف العقول"، يخاطب (ع) ابنَ آدم: "يَا بْنَ آَدَمَ، عُفَّ عَنْ مَحَارمِ الله تَكُنْ عَابِداً - إنَّ العبادةَ كما توحي هذه الكلمة، ليست كثرة الصّيام والصَّلاة، فقد نجد أنَّ الكثيرين من النَّاس يصلّون كثيراً، ويصومون كثيراً، ولكنَّهم إذا اقتربوا من الحرام، وكانت مصالحهم في الحرام، وكانت شهواتُهم في الحرام، أقبلوا على الحرام، ونسوا صلاتهم وصيامهم. إنَّ الإمام الحسن (ع) يريد أن يقول: إنَّ الله فرض الصَّلاة لتنهى عن الفحشاء والمنكر، وفرض الصّيام من أجل الحصول على التَّقوى، فمن صام ولم يتَّق الله، ومن صلَّى ولم ينته عن الفحشاء والمنكر، فهو ليس عابداً، لأنَّ العبادة لا بدَّ أن تعيش في عمق التزام الإنسان، في عمق فكره وقلبه وإرادته وحركته، لا أن تكون مجرَّد حالة شكليَّة في ممارساته لأشكال العبادة.
- وارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ تَكُنْ غَنِيّاً - والغنى ليس بكثرة المال، بل بغنى النَّفس، فإذا قسم الله لك رزقاً بجهدك، أو بما يعطيك إيَّاه الآخرون، فليكن عندك السَّكينة والطّمأنينة، فلا تمدُّ عينيك إلى ما متَّع الله به الآخرين لتحسدهم أو لتظلمهم، فأنت الغنيّ، حتَّى لو لم يكن لديك إلَّا الكفاف.
- وأَحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِماً – معنى ذلك أنَّ الإنسان الَّذي يسيء إلى جاره، والَّذي لا يحسن مجاورته، ليس مسلماً كما هو الإسلام في قيمه وأخلاقه. وقد ورد عن رسول الله (ص): "واللهِ لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَمْ يَأْمَنْ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"، يعني مشاكله وأذيّته وشرّه. وقد ورد عن عليّ (ع): "اللهَ اللهَ فِي جِيرَانِكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ، مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ".
- وَصَاحِبِ النَّاسَ بِمِثْلِ مَا تُحِبُّ أَنْ يُصَاحِبُوكَ بِهِ تَكُنْ عَدْلاً - فالعدالة أن تجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك، فتحبّ لغيرك ما تحبُّ لنفسك، وتكره لغيرك ما تكرهه لنفسك "عَامِلِ النَّاسَ بِمَا تُحِبُّ أَنْ يُعَامِلُوكَ بِهِ"، لأنَّ مسألة العدالة هي أن ترى للنّاس حقوقاً كما لك حقوق، والعدالة أن تطلب من النَّاس أن يعطوك حقَّك، وأن تعطي من نفسك للنَّاس حقوقهم، كما ورد عن الإمام زين العابدين (ع) في دعائه: "اللَّهُمَّ كَمَا كرَّهْتَ لِي أَنْ أُظْلَمَ، فَقِنِي مِنْ أَنْ أَظْلِمَ"، يعني كما أنَّك لا تريد للنَّاس أن يظلموك، فعليك أن لا تظلم النَّاس.
ثمَّ يدخل الإمام الحسن (ع) في الموعظة - إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَيْديكُم أَقْوامٌ – من أقربائكم أو أصدقائكم أو معارفكم، أو ممَّن تسمعون عنهم - يَجْمَعُون كثيراً – يجمعون المال - وَيَبْنُونَ مَشِيداً، وَيَأْمَلُونَ بَعِيداً – كانت عندهم آمال واسعة وكبيرة، فأين صاروا؟ - أَصْبَحَ جَمْعُهُمْ بُوْراً – والأرض البور هي الَّتي ليس عليها شيء أبداً - وَعَمَلُهُمْ غُرُوراً – عندما ماتوا، لم يبق لهم شيء - وَمَسَاكِنُهُمْ قُبُوراً. يَا بْنَ آَدَمَ، إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَدْمِ عُمْرِكَ مُنْذُ سَقَطْتَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ - بمعنى أنَّ الإنسان في كلِّ ساعة تمرّ من عمره، يسقط حجرٌ من بناء هذا العمر، ولذلك يقولون إنَّ أكبر ما يكون الإنسان يوم ولادته، فبمجرَّد أن يبدأ الإنسان رحلة الحياة، تسقطُ من شجرة عمره في كلِّ يوم ورقةٌ، حتَّى يصلَ إلى آخر ورقةٍ من هذه الشَّجرة، كما الورقة الأخيرة الَّتي تسقط من الشَّجرة في آخر الخريف، إلى أن تنظر إلى الشَّجرة وليس عليها أيُّ ورقة، فعندما تسقطُ آخرُ ورقةٍ من عمرك، يسقط كلُّ عمرك، وتنفتح على ربِّك.
- فَخُذْ مِمَّا فِيْ يَدَيْكَ لِمَاْ بَيْنَ يَدَيْكَ – فأنت الآن لديك مال وقوّة وعقل ولسان وأعضاء، هذا الَّذي بين يديك، خذ منه لآخرتك، ليكون الزّاد لك هناك - فِإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَتَزَوَّدُ، والْكَافِرُ يَتَمَتَّعُ - المؤمن يعتبر الدنيا مزرعة الآخرة، فما يحصل عليه في الدّنيا، يجعله زاداً له في الآخرة {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[القصص: 77]، لأنَّ الهدف عندنا هو أن نوجِّهه للآخرة، حتَّى يكون زاداً لنا عند الله سبحانه وتعالى. أمَّا الكافر، فيتمتَّع في الدّنيا، لأنَّه لا يعترف بالآخرة - وكان (ع) يتلو بعد هذه الموعظة: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}"[البقرة: 197].
ثمَّ يقول (ع): "هَلَاكُ الْمَرْءِ فِيْ ثَلَاْثٍ: الْكِبرُ – التّكبّر – والحِرْصُ – الحرص على ما يشتهيه ويريده، بحيث يضحِّي بكثير من القضايا الَّتي تتَّصل بالمصير من أجله – والحَسَدُ. فالكِبرُ هَلَاْكُ الدِّيْنِ، وَبِهِ لُعِنَ إِبْلِيسُ - لأنَّ إبليس خرج من الجنَّة على هذا الأساس، بعد أن تكبّر على آدم (ع) وقال: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ}[الأعراف: 12] - والحرصُ عدوُّ النَّفسِ - لأنَّه يقود النَّفس إلى مشتهياتها على حساب مصيرها - وَبِهِ أُخْرِجَ آدَمُ مِنَ الجَنَّةِ – لأنَّه حرص على أن يأكل من الشَّجرة - والحَسَدُ رَاْئِدُ السُّوءِ – لأنّه يتحرّك حتّى يثير السوء والجريمة في المجتمع - وَمِنْهُ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ".
وفي نهاية المطاف، هناك كلمة للإمام الحسن (ع): "مَا تَشَاوَرَ قَوْمٌ إِلَّا هُدُوا إِلَى رُشْدِهِمْ"، فالشّورى هي الوسيلة الَّتي يمكن أن تحصلوا بها على النَّتائج الكبيرة في الآراء، وفي كلِّ الخطط التي تخطِّطون لها، أن لا يستبدَّ أحد برأيه، بل أن يشاور النَّاس، لأنَّ "مَنْ شَاوَرَ الرِّجالَ شَاركَها فِي عُقُولِها".
                                                                 ***
* من خطبة الجمعة لسماحته، بتاريخ: 05/06/1998م.

في بعض كلمات الإمام الحسن (ع) الَّتي يرويها "تحف العقول"، يخاطب (ع) ابنَ آدم: "يَا بْنَ آَدَمَ، عُفَّ عَنْ مَحَارمِ الله تَكُنْ عَابِداً - إنَّ العبادةَ كما توحي هذه الكلمة، ليست كثرة الصّيام والصَّلاة، فقد نجد أنَّ الكثيرين من النَّاس يصلّون كثيراً، ويصومون كثيراً، ولكنَّهم إذا اقتربوا من الحرام، وكانت مصالحهم في الحرام، وكانت شهواتُهم في الحرام، أقبلوا على الحرام، ونسوا صلاتهم وصيامهم. إنَّ الإمام الحسن (ع) يريد أن يقول: إنَّ الله فرض الصَّلاة لتنهى عن الفحشاء والمنكر، وفرض الصّيام من أجل الحصول على التَّقوى، فمن صام ولم يتَّق الله، ومن صلَّى ولم ينته عن الفحشاء والمنكر، فهو ليس عابداً، لأنَّ العبادة لا بدَّ أن تعيش في عمق التزام الإنسان، في عمق فكره وقلبه وإرادته وحركته، لا أن تكون مجرَّد حالة شكليَّة في ممارساته لأشكال العبادة.
- وارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ تَكُنْ غَنِيّاً - والغنى ليس بكثرة المال، بل بغنى النَّفس، فإذا قسم الله لك رزقاً بجهدك، أو بما يعطيك إيَّاه الآخرون، فليكن عندك السَّكينة والطّمأنينة، فلا تمدُّ عينيك إلى ما متَّع الله به الآخرين لتحسدهم أو لتظلمهم، فأنت الغنيّ، حتَّى لو لم يكن لديك إلَّا الكفاف.
- وأَحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِماً – معنى ذلك أنَّ الإنسان الَّذي يسيء إلى جاره، والَّذي لا يحسن مجاورته، ليس مسلماً كما هو الإسلام في قيمه وأخلاقه. وقد ورد عن رسول الله (ص): "واللهِ لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَمْ يَأْمَنْ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"، يعني مشاكله وأذيّته وشرّه. وقد ورد عن عليّ (ع): "اللهَ اللهَ فِي جِيرَانِكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ، مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ".
- وَصَاحِبِ النَّاسَ بِمِثْلِ مَا تُحِبُّ أَنْ يُصَاحِبُوكَ بِهِ تَكُنْ عَدْلاً - فالعدالة أن تجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك، فتحبّ لغيرك ما تحبُّ لنفسك، وتكره لغيرك ما تكرهه لنفسك "عَامِلِ النَّاسَ بِمَا تُحِبُّ أَنْ يُعَامِلُوكَ بِهِ"، لأنَّ مسألة العدالة هي أن ترى للنّاس حقوقاً كما لك حقوق، والعدالة أن تطلب من النَّاس أن يعطوك حقَّك، وأن تعطي من نفسك للنَّاس حقوقهم، كما ورد عن الإمام زين العابدين (ع) في دعائه: "اللَّهُمَّ كَمَا كرَّهْتَ لِي أَنْ أُظْلَمَ، فَقِنِي مِنْ أَنْ أَظْلِمَ"، يعني كما أنَّك لا تريد للنَّاس أن يظلموك، فعليك أن لا تظلم النَّاس.
ثمَّ يدخل الإمام الحسن (ع) في الموعظة - إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَيْديكُم أَقْوامٌ – من أقربائكم أو أصدقائكم أو معارفكم، أو ممَّن تسمعون عنهم - يَجْمَعُون كثيراً – يجمعون المال - وَيَبْنُونَ مَشِيداً، وَيَأْمَلُونَ بَعِيداً – كانت عندهم آمال واسعة وكبيرة، فأين صاروا؟ - أَصْبَحَ جَمْعُهُمْ بُوْراً – والأرض البور هي الَّتي ليس عليها شيء أبداً - وَعَمَلُهُمْ غُرُوراً – عندما ماتوا، لم يبق لهم شيء - وَمَسَاكِنُهُمْ قُبُوراً. يَا بْنَ آَدَمَ، إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَدْمِ عُمْرِكَ مُنْذُ سَقَطْتَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ - بمعنى أنَّ الإنسان في كلِّ ساعة تمرّ من عمره، يسقط حجرٌ من بناء هذا العمر، ولذلك يقولون إنَّ أكبر ما يكون الإنسان يوم ولادته، فبمجرَّد أن يبدأ الإنسان رحلة الحياة، تسقطُ من شجرة عمره في كلِّ يوم ورقةٌ، حتَّى يصلَ إلى آخر ورقةٍ من هذه الشَّجرة، كما الورقة الأخيرة الَّتي تسقط من الشَّجرة في آخر الخريف، إلى أن تنظر إلى الشَّجرة وليس عليها أيُّ ورقة، فعندما تسقطُ آخرُ ورقةٍ من عمرك، يسقط كلُّ عمرك، وتنفتح على ربِّك.
- فَخُذْ مِمَّا فِيْ يَدَيْكَ لِمَاْ بَيْنَ يَدَيْكَ – فأنت الآن لديك مال وقوّة وعقل ولسان وأعضاء، هذا الَّذي بين يديك، خذ منه لآخرتك، ليكون الزّاد لك هناك - فِإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَتَزَوَّدُ، والْكَافِرُ يَتَمَتَّعُ - المؤمن يعتبر الدنيا مزرعة الآخرة، فما يحصل عليه في الدّنيا، يجعله زاداً له في الآخرة {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[القصص: 77]، لأنَّ الهدف عندنا هو أن نوجِّهه للآخرة، حتَّى يكون زاداً لنا عند الله سبحانه وتعالى. أمَّا الكافر، فيتمتَّع في الدّنيا، لأنَّه لا يعترف بالآخرة - وكان (ع) يتلو بعد هذه الموعظة: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}"[البقرة: 197].
ثمَّ يقول (ع): "هَلَاكُ الْمَرْءِ فِيْ ثَلَاْثٍ: الْكِبرُ – التّكبّر – والحِرْصُ – الحرص على ما يشتهيه ويريده، بحيث يضحِّي بكثير من القضايا الَّتي تتَّصل بالمصير من أجله – والحَسَدُ. فالكِبرُ هَلَاْكُ الدِّيْنِ، وَبِهِ لُعِنَ إِبْلِيسُ - لأنَّ إبليس خرج من الجنَّة على هذا الأساس، بعد أن تكبّر على آدم (ع) وقال: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ}[الأعراف: 12] - والحرصُ عدوُّ النَّفسِ - لأنَّه يقود النَّفس إلى مشتهياتها على حساب مصيرها - وَبِهِ أُخْرِجَ آدَمُ مِنَ الجَنَّةِ – لأنَّه حرص على أن يأكل من الشَّجرة - والحَسَدُ رَاْئِدُ السُّوءِ – لأنّه يتحرّك حتّى يثير السوء والجريمة في المجتمع - وَمِنْهُ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ".
وفي نهاية المطاف، هناك كلمة للإمام الحسن (ع): "مَا تَشَاوَرَ قَوْمٌ إِلَّا هُدُوا إِلَى رُشْدِهِمْ"، فالشّورى هي الوسيلة الَّتي يمكن أن تحصلوا بها على النَّتائج الكبيرة في الآراء، وفي كلِّ الخطط التي تخطِّطون لها، أن لا يستبدَّ أحد برأيه، بل أن يشاور النَّاس، لأنَّ "مَنْ شَاوَرَ الرِّجالَ شَاركَها فِي عُقُولِها".
                                                                 ***
* من خطبة الجمعة لسماحته، بتاريخ: 05/06/1998م.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية