لم يقم الحسين (ع) بأيِّ حركةٍ في عهدِ معاوية، لأنَّه كان قد وقَّع مع الإمام الحسن (ع) وثيقةَ الهدنة. ولذلك، كان الحسين (ع) يلتزم، وكان يدرس أسلوب معاوية في الحكم، كان يدرس كيف يقول معاوية: "إنَّ لله جنوداً من عسل"، وكيف دسَّ السّمّ لمحمَّد بن أبي بكر، ولمالك الأشتر، وكيف كان يستعمل الأساليب الَّتي حوَّلت الخلافة إلى ملك عضوض، حتَّى ذهب إلى سبيله، وكان أوَّل قرارٍ هو أن تؤخذ البيعة من الإمام الحسين (ع) ليزيد.
طبعاً، كان الحسين (ع) يعيش هذا الجوّ الّذي كان يملأ تفكيره، وكان ينطلق من منطلق التَّجربة الَّتي أكَّدتها عصمته في تكليفِهِ الشَّرعيِّ، وفي مسؤوليَّته ورؤيته لما يصلح أمور المسلمين.
ودُعِيَ (ع) إلى بيعة يزيد، وجرى كلامٌ بينه وبين مروان بن الحكم الَّذي أراد من والي المدينة أن يقتلَ الإمام (ع) إذا لم يبايع، وتحدَّث الحسين (ع) بلهجة قاسية في مواجهة مروان، ثمَّ كانَ أوَّل تصريحٍ صرَّحَ به الإمامُ (ع) في تأكيد شرعيَّته الإسلاميَّة في مسألة الحكم والخلافة، ما قاله لوالي المدينة، وهذا مما ينقله المؤرِّخون.
قال (ع): "إنَّا أهلُ بيتِ النّبوَّة – عشنا في أحضان النّبوَّة. وليست المسألة أنَّه عاش في هذا البيت، لكنَّه حمل كلَّ رسالة البيت. وقوله: "أهل بيت النبوَّة"، أي أنّنا نحن مَنْ حملنا رسالة النبوَّة، وعشنا قيمها، وحملنا مسؤوليّتها من دون نبوَّة - ومعدنُ الرِّسالةِ، ومختلَفُ الملائكةِ - كانت الملائكة تنزلُ على رسول الله (ص)، وكانَ أبونا يسمعُ ما يسمعُ رسولُ الله، ويرى ما يرى، وقالَ له: "يَا عَلِيّ، إنَّكَ تسمعُ ما أسمعُ، وتَرَى مَا أَرَى، إلَّا أنَّكَ لسْتَ بنبيٍّ - ومحلُّ الرَّحمةِ، بنا فتحَ اللهُ – فتح الله للنَّاس الهدى، وفتحَ وحيَه من خلالنا، عندما ألقاه إلى رسوله (ص)، عندما قال له: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ}[المدَّثِّر: 1-2] - وبنا ختمَ - فكما بدأت الرسالة برسول الله، فإنَّها في حركيَّتها التبليغيَّة والحركيَّة، سوف تُختَم بنا، بولدٍ من أولادي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. لقد أشار الإمام (ع) إلى ذلك وإن لم يصرِّح به، لأنَّ رسول الله (ص) أعلن للنَّاس: "إنِّي تاركٌ فيكم الثّقلين، أحدُهما أكبرُ من الآخرِ؛ كتاب اللهِ حبلٌ ممدودٌ من السَّماءِ إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنَّهما لنْ يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوضَ"، فما دام الكتاب، فهناك شخصٌ من أهل بيت رسول الله (ص) يفسِّر الكتاب، ويؤصِّل مفاهيمه، ويحرسه في العقل والوجدان والواقع.
فإذا كان الحسين (ع) "أهل بيت النّبوَّة، ومعدن الرّسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرّحمة، وبنا فتح الله وبنا ختم"، فمعنى ذلك أنّه هو الشَّرعيَّة. فالمفروض أنَّ المجتمع مجتمعٌ إسلاميّ يأخذ بالإسلام، فمن أين يأخذ الإسلام؟ لا بدَّ أن يأخذه من بيت النّبوَّة، ومعدن الرّسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرّحمة، ومهبط الوحي.
- ويزيدُ رجلٌ فاسقٌ، شاربُ الخمرِ، قاتلُ النَّفسِ المحرَّمةِ، معلنٌ بالفسقِ، ومثلي لا يبايعُ مثلَهُ - ينبغي أن يكون هناك توازنٌ في البيعة، فلا بدَّ لمن تبايعه من أن يحمل فكرَكَ، وأن يعيشَ إيمانَكَ ورسالتَكَ، وأن يقفَ في موقفِكَ، ويحرِّم ما تحرِّم، ويحلِّل ما تحلِّل، لأنَّ معنى أن تبايع إنساناً، أن تعطيه زمام أمرك.
وهذا أمرٌ يجب أن ننتبه إليه، فنحن اليوم نبايع؛ هذا الصَّوت الَّذي تعطيه في أيِّ انتخابات، سواء كانت انتخابات جمعيَّة، أو انتخابات حزبيَّة أو نيابيَّة أو بلديَّة أو اختياريَّة... كأنَّك عندما تضع هذا الاسم، تقول له سلَّمتك كلَّ أمري، يعني أنَّك تعطيه الحقّ بأن يأخذ كلّ القرارات عنك، ففي ذلك معنى البيعة، والَّذي تبايعه قد يبايع شخصاً آخر، ولربّما هذا الشَّخص الآخر يبايع أمريكا أو أوروبَّا أو ما إلى ذلك، وتكون أنت المبايع الأوَّل.. إنَّ عليكم أن تفهموا هذه المسألة؛ فأن تبايع شخصاً، يعني أن تسلِّمه زمامَ أمرك، فإذا لم يكن هذا الشَّخصُ يؤمنُ بما تؤمن، ويقفُ حيث تقفُ، ويرفضُ حيثُ ترفضُ، فكيف تسلِّمه أمرَكَ وأمرَ الأمَّةِ منْ خلالِك؟! لأنّه يمكن أن ينجح بصوتك. هكذا نفهم المسألة. وهذا له حديث طويل ليس هذا مجاله، ولكنَّنا نستوحي من الإمام الحسين (ع) ذلك.
ولكنَّ الإمام (ع) أراد أن لا يجعل القضيَّة في الدَّائرة الضيِّقة، وأن لا يدخل في جدل، فقال - ولكنْ نصبحُ وتصبحون، وننظرُ وتنظرون، أيُّنا أحقُّ بالبيعةِ والخلافةِ"، هل إنَّ يزيد هو الأحقَّ بالبيعة والخلافة، أم أنا الأحقّ بهما؟!
* من خطبة عاشورائيّة لسماحته، بتاريخ: 16/03/ 2002م.
لم يقم الحسين (ع) بأيِّ حركةٍ في عهدِ معاوية، لأنَّه كان قد وقَّع مع الإمام الحسن (ع) وثيقةَ الهدنة. ولذلك، كان الحسين (ع) يلتزم، وكان يدرس أسلوب معاوية في الحكم، كان يدرس كيف يقول معاوية: "إنَّ لله جنوداً من عسل"، وكيف دسَّ السّمّ لمحمَّد بن أبي بكر، ولمالك الأشتر، وكيف كان يستعمل الأساليب الَّتي حوَّلت الخلافة إلى ملك عضوض، حتَّى ذهب إلى سبيله، وكان أوَّل قرارٍ هو أن تؤخذ البيعة من الإمام الحسين (ع) ليزيد.
طبعاً، كان الحسين (ع) يعيش هذا الجوّ الّذي كان يملأ تفكيره، وكان ينطلق من منطلق التَّجربة الَّتي أكَّدتها عصمته في تكليفِهِ الشَّرعيِّ، وفي مسؤوليَّته ورؤيته لما يصلح أمور المسلمين.
ودُعِيَ (ع) إلى بيعة يزيد، وجرى كلامٌ بينه وبين مروان بن الحكم الَّذي أراد من والي المدينة أن يقتلَ الإمام (ع) إذا لم يبايع، وتحدَّث الحسين (ع) بلهجة قاسية في مواجهة مروان، ثمَّ كانَ أوَّل تصريحٍ صرَّحَ به الإمامُ (ع) في تأكيد شرعيَّته الإسلاميَّة في مسألة الحكم والخلافة، ما قاله لوالي المدينة، وهذا مما ينقله المؤرِّخون.
قال (ع): "إنَّا أهلُ بيتِ النّبوَّة – عشنا في أحضان النّبوَّة. وليست المسألة أنَّه عاش في هذا البيت، لكنَّه حمل كلَّ رسالة البيت. وقوله: "أهل بيت النبوَّة"، أي أنّنا نحن مَنْ حملنا رسالة النبوَّة، وعشنا قيمها، وحملنا مسؤوليّتها من دون نبوَّة - ومعدنُ الرِّسالةِ، ومختلَفُ الملائكةِ - كانت الملائكة تنزلُ على رسول الله (ص)، وكانَ أبونا يسمعُ ما يسمعُ رسولُ الله، ويرى ما يرى، وقالَ له: "يَا عَلِيّ، إنَّكَ تسمعُ ما أسمعُ، وتَرَى مَا أَرَى، إلَّا أنَّكَ لسْتَ بنبيٍّ - ومحلُّ الرَّحمةِ، بنا فتحَ اللهُ – فتح الله للنَّاس الهدى، وفتحَ وحيَه من خلالنا، عندما ألقاه إلى رسوله (ص)، عندما قال له: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ}[المدَّثِّر: 1-2] - وبنا ختمَ - فكما بدأت الرسالة برسول الله، فإنَّها في حركيَّتها التبليغيَّة والحركيَّة، سوف تُختَم بنا، بولدٍ من أولادي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. لقد أشار الإمام (ع) إلى ذلك وإن لم يصرِّح به، لأنَّ رسول الله (ص) أعلن للنَّاس: "إنِّي تاركٌ فيكم الثّقلين، أحدُهما أكبرُ من الآخرِ؛ كتاب اللهِ حبلٌ ممدودٌ من السَّماءِ إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنَّهما لنْ يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوضَ"، فما دام الكتاب، فهناك شخصٌ من أهل بيت رسول الله (ص) يفسِّر الكتاب، ويؤصِّل مفاهيمه، ويحرسه في العقل والوجدان والواقع.
فإذا كان الحسين (ع) "أهل بيت النّبوَّة، ومعدن الرّسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرّحمة، وبنا فتح الله وبنا ختم"، فمعنى ذلك أنّه هو الشَّرعيَّة. فالمفروض أنَّ المجتمع مجتمعٌ إسلاميّ يأخذ بالإسلام، فمن أين يأخذ الإسلام؟ لا بدَّ أن يأخذه من بيت النّبوَّة، ومعدن الرّسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرّحمة، ومهبط الوحي.
- ويزيدُ رجلٌ فاسقٌ، شاربُ الخمرِ، قاتلُ النَّفسِ المحرَّمةِ، معلنٌ بالفسقِ، ومثلي لا يبايعُ مثلَهُ - ينبغي أن يكون هناك توازنٌ في البيعة، فلا بدَّ لمن تبايعه من أن يحمل فكرَكَ، وأن يعيشَ إيمانَكَ ورسالتَكَ، وأن يقفَ في موقفِكَ، ويحرِّم ما تحرِّم، ويحلِّل ما تحلِّل، لأنَّ معنى أن تبايع إنساناً، أن تعطيه زمام أمرك.
وهذا أمرٌ يجب أن ننتبه إليه، فنحن اليوم نبايع؛ هذا الصَّوت الَّذي تعطيه في أيِّ انتخابات، سواء كانت انتخابات جمعيَّة، أو انتخابات حزبيَّة أو نيابيَّة أو بلديَّة أو اختياريَّة... كأنَّك عندما تضع هذا الاسم، تقول له سلَّمتك كلَّ أمري، يعني أنَّك تعطيه الحقّ بأن يأخذ كلّ القرارات عنك، ففي ذلك معنى البيعة، والَّذي تبايعه قد يبايع شخصاً آخر، ولربّما هذا الشَّخص الآخر يبايع أمريكا أو أوروبَّا أو ما إلى ذلك، وتكون أنت المبايع الأوَّل.. إنَّ عليكم أن تفهموا هذه المسألة؛ فأن تبايع شخصاً، يعني أن تسلِّمه زمامَ أمرك، فإذا لم يكن هذا الشَّخصُ يؤمنُ بما تؤمن، ويقفُ حيث تقفُ، ويرفضُ حيثُ ترفضُ، فكيف تسلِّمه أمرَكَ وأمرَ الأمَّةِ منْ خلالِك؟! لأنّه يمكن أن ينجح بصوتك. هكذا نفهم المسألة. وهذا له حديث طويل ليس هذا مجاله، ولكنَّنا نستوحي من الإمام الحسين (ع) ذلك.
ولكنَّ الإمام (ع) أراد أن لا يجعل القضيَّة في الدَّائرة الضيِّقة، وأن لا يدخل في جدل، فقال - ولكنْ نصبحُ وتصبحون، وننظرُ وتنظرون، أيُّنا أحقُّ بالبيعةِ والخلافةِ"، هل إنَّ يزيد هو الأحقَّ بالبيعة والخلافة، أم أنا الأحقّ بهما؟!
* من خطبة عاشورائيّة لسماحته، بتاريخ: 16/03/ 2002م.