تحدَّث الإمام الحسين (ع) في وصيّته لأخيه محمَّد بن الحنفيّة عن بعض التَّفاصيل؛ تحدَّث عن موقع القيادة، بأنَّ القيادة لأيِّ أمَّة، لا بدَّ أن تنطلق من القاعدة الَّتي تؤمن بها الأمَّة، ولا بدَّ أن تكون أمينةً على القانون الَّذي تلتزم به الأمَّة، ولا بدَّ من أن تكون أمينةً على أموال الأمَّة وعلى أمنها.
وقد كان الواقع على خلاف ذلك، وهذا ما تحدَّث عنه الإمام الحسين (ع)، في تصوير الواقع على مستوى طبيعة القيادة آنذاك، فابتدأ بإعطاء الخطِّ الشَّرعيّ للمسألة:
"أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَالَ: مَنْ رَأَى سُلْطَانًا جَائِرًا مُسْتَحِلًّا لِحُرَمِ اللَّهِ - يهتك كلَّ الحرمات - نَاكِثًا لِعَهْدِ اللَّهِ - يعطي الميثاق من نفسِهِ للأمَّة، ولكن عندما ترفعه الأمَّة إلى مواقع القيادة، ينكث بكلِّ عهوده، ولا يفي بهذه العهود.
- مُخَالِفًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ – لأنَّ الحسين (ع) يتحدَّث عن المجتمع الإسلاميِّ، والمجتمع الإسلاميّ هو الَّذي يرتبط برسول الله في مواقع رسالته {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}[الحشر: 7].
- يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللَّهِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ – خطّته وبرنامجه هو أن يتحرَّك في كلِّ سياسته بالإثم الَّذي هو مخالفة القانون، من خلال الظّلم والعدوان على العباد، بمصادرة حريَّاتهم، والعبث بأموالهم، وما إلى ذلك.
فمن رأى منكم هذا السّلطان - فَلَمْ يُغِرْ عَلَيْهِ - يعني يثر عليه - بِفِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مُدْخَلُهُ".
هناك حقيقة، أيُّها الأحبَّة، يجب أن نفهمها، وهي أنَّ الإسلام يؤكِّد مسؤوليَّتك عمَّا تضمره في نفسك، تماماً كما هي مسؤوليَّتك فيما تعمل وتمارس، لأنَّ مبدأ الجريمة هو فكرة في نفس المجرم، والفكرة هي بذرة، كما البذور الموجودة في الأرض {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}[الحجّ: 5]. بذور الشّرّ عندما تعيش في أعماق الإنسان، فإنَّها تنتظر الظّروف الملائمة لكي تحوِّل هذه البذور إلى شجرة للشّرّ، تجعل الحياة في ظلال هذا الشّرّ الَّذي يخيِّم على ما حول الشَّجرة ومَن حول الشّجرة.
لذلك، لا بدَّ للإنسان من أن يعيش الرَّفض النَّفسيّ للشّرّ، والإقبال النَّفسيّ للخير، أن تزرع في قلبك بذرة الخير وتطرد بذرة الشّرّ. وقد ورد في كلام عليّ بن أبي طالب (ع): "الرَّاضي بفعلِ قومٍ كالدَّاخل فيهِ معَهم - لأنَّ الرَّاضي بالفعل يمثِّل شخصاً احتياطيّاً لدعم الشَّرّ، لأنَّ الشَّرَّ عندما يتحرَّك في الواقع، وترضى أنت عنه، حتَّى لو لم تعبِّر عن رضاك بطريقة عمليَّة، فأنت تعطي الأشرار هذا المناخ النَّفسيّ الملائم، وهذا الَّذي يعطي الأشرارَ قوَّة، ويعطي الشَّرَّ قوَّة - وعلى داخلٍ في باطلٍ - الَّذي يمارس الفعل – إثمان؛ إثمُ العملِ به، وإثمُ الرِّضا به"، لأنَّ الله سيحاسبه كيف رضيت عن هذا الفعل، وكيف حوَّلته إلى واقع.
وقد وردَ أيضاً في حديثٍ لعليٍّ (ع): "إنَّما يجمعُ النَّاسَ الرّضا والسّخط - أي أنَّ الَّذي يجعلُ المجتمعَ مجتمعَ الخيرِ، هو رضا النَّاسِ بالخيرِ وممارستهم له، أو بالنِّسبة إلى الشّرّ، رفض النَّاس للشَّرِّ ومواجهتهم له. يقول (ع) - وإنَّما عَقَرَ ناقةَ ثمود رجلٌ واحدٌ - فلماذا عاقبهم الله جميعاً؟ - فعمَّهم الله بالعذابِ لمَّا عمّوه بالرِّضا"، لأنَّ هذا المجرم الواحد، عندما رأى النَّاس تواجه جريمته بالرِّضا والاستحسان، وإن لم يعاونوه عمليّاً، استطاعَ أن يأخذ قوّةً من كلِّ هذا المناخ الاجتماعيّ، لأنَّ الجريمةَ تحتاج إلى مناخ، كما أنَّ الخيرَ يحتاجُ إلى مناخ - فقالَ سبحانه: {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ}"[الشّعراء: 157]، نسب سبحانه العقر وقتل النَّاقة إلى الجميع، مع أنَّ المجرم واحد.
مسؤوليَّة التَّغيير
لذلك، أيُّها الأحبَّة، المسألة هي مسألة كيف هو قلبك لنعرف كيف هو عملك، بمعنى كيف توازن نبضات قلبك؛ هل تنبض رضا بالشّرّ، أو تنبض رضا بالخير؟! لأنَّه، كما قلنا، يبدأ المشروع في الدَّاخل، ويتحرَّك من خلال الدَّاخل إلى الخارج.
ولهذا، ربط الله سبحانه وتعالى عمليَّة التَّغيير للواقع، وعمليَّة التَّغيير للتَّاريخ، بالدَّاخل الإنساني؛ غيِّر نفسك تغيِّر التَّاريخ، لأنَّ التَّاريخ هو صنعُ الفكرة الَّتي يعيشها الإنسانُ في داخله، ويعيشُها المجتمعُ، وتعيشُها الأمَّةُ في الدَّاخل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الرّعد: 11]، في الجانبين السلبي والإيجابي. وفي الجانب السَّلبي: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الأنفال: 53].
لذلك، كلّ الَّذين يتفاعلون إيجابيّاً مع الظَّالم هم شركاء الظَّالم، لأنَّهم هم القوَّة النفسيَّة الاحتياطيَّة في الواقع السياسيّ أو الاجتماعيّ أو الاقتصاديّ أو ما إلى ذلك، ولذلك جاء: "السَّاكتُ عنِ الحقِّ شيطانٌ أخرسُ".. إنَّ شيطنته لا تأتي من فعلِهِ الإيجابيّ بوقوفه العمليّ ضدَّ الحقّ، ولكنَّها تأتي من سلبيَّته في سكوته على الباطل. وهذه نقطة يجب أن نعمِّقها في نفوسنا.
ولذلك، كنَّا نقول، أيُّها الأحبَّة، إنَّ الَّذين يتحمَّلون مسؤوليّة انتشار الجريمة والباطل في الأمَّة هم الأكثريَّة الصَّامتة، لأنَّ الأكثريَّة الصَّامتة هم الجنود الاحتياطيّون للعاملين في سبيل الشّرّ، لأنَّ مسألة القضايا الكبرى للأمَّة، لا بدَّ من أن تنطلق من كلِّ المجتمع الَّذي يؤمن بالحقّ والعدل وبالقضايا الكبرى.
لهذا، أنت عندما تحجب عن الحقِّ قوَّتك، فقد أعطيت الباطل قوّةً سلبيَّة، ومنعت عن الحقِّ قوّةً إيجابيّة، وبذلك ينتصر الباطل، أيّاً كان الباطل، سواء كان في السياسة أو الاجتماع أو غير ذلك...
تحدَّث الإمام الحسين (ع) في وصيّته لأخيه محمَّد بن الحنفيّة عن بعض التَّفاصيل؛ تحدَّث عن موقع القيادة، بأنَّ القيادة لأيِّ أمَّة، لا بدَّ أن تنطلق من القاعدة الَّتي تؤمن بها الأمَّة، ولا بدَّ أن تكون أمينةً على القانون الَّذي تلتزم به الأمَّة، ولا بدَّ من أن تكون أمينةً على أموال الأمَّة وعلى أمنها.
وقد كان الواقع على خلاف ذلك، وهذا ما تحدَّث عنه الإمام الحسين (ع)، في تصوير الواقع على مستوى طبيعة القيادة آنذاك، فابتدأ بإعطاء الخطِّ الشَّرعيّ للمسألة:
"أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَالَ: مَنْ رَأَى سُلْطَانًا جَائِرًا مُسْتَحِلًّا لِحُرَمِ اللَّهِ - يهتك كلَّ الحرمات - نَاكِثًا لِعَهْدِ اللَّهِ - يعطي الميثاق من نفسِهِ للأمَّة، ولكن عندما ترفعه الأمَّة إلى مواقع القيادة، ينكث بكلِّ عهوده، ولا يفي بهذه العهود.
- مُخَالِفًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ – لأنَّ الحسين (ع) يتحدَّث عن المجتمع الإسلاميِّ، والمجتمع الإسلاميّ هو الَّذي يرتبط برسول الله في مواقع رسالته {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}[الحشر: 7].
- يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللَّهِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ – خطّته وبرنامجه هو أن يتحرَّك في كلِّ سياسته بالإثم الَّذي هو مخالفة القانون، من خلال الظّلم والعدوان على العباد، بمصادرة حريَّاتهم، والعبث بأموالهم، وما إلى ذلك.
فمن رأى منكم هذا السّلطان - فَلَمْ يُغِرْ عَلَيْهِ - يعني يثر عليه - بِفِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مُدْخَلُهُ".
هناك حقيقة، أيُّها الأحبَّة، يجب أن نفهمها، وهي أنَّ الإسلام يؤكِّد مسؤوليَّتك عمَّا تضمره في نفسك، تماماً كما هي مسؤوليَّتك فيما تعمل وتمارس، لأنَّ مبدأ الجريمة هو فكرة في نفس المجرم، والفكرة هي بذرة، كما البذور الموجودة في الأرض {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}[الحجّ: 5]. بذور الشّرّ عندما تعيش في أعماق الإنسان، فإنَّها تنتظر الظّروف الملائمة لكي تحوِّل هذه البذور إلى شجرة للشّرّ، تجعل الحياة في ظلال هذا الشّرّ الَّذي يخيِّم على ما حول الشَّجرة ومَن حول الشّجرة.
لذلك، لا بدَّ للإنسان من أن يعيش الرَّفض النَّفسيّ للشّرّ، والإقبال النَّفسيّ للخير، أن تزرع في قلبك بذرة الخير وتطرد بذرة الشّرّ. وقد ورد في كلام عليّ بن أبي طالب (ع): "الرَّاضي بفعلِ قومٍ كالدَّاخل فيهِ معَهم - لأنَّ الرَّاضي بالفعل يمثِّل شخصاً احتياطيّاً لدعم الشَّرّ، لأنَّ الشَّرَّ عندما يتحرَّك في الواقع، وترضى أنت عنه، حتَّى لو لم تعبِّر عن رضاك بطريقة عمليَّة، فأنت تعطي الأشرار هذا المناخ النَّفسيّ الملائم، وهذا الَّذي يعطي الأشرارَ قوَّة، ويعطي الشَّرَّ قوَّة - وعلى داخلٍ في باطلٍ - الَّذي يمارس الفعل – إثمان؛ إثمُ العملِ به، وإثمُ الرِّضا به"، لأنَّ الله سيحاسبه كيف رضيت عن هذا الفعل، وكيف حوَّلته إلى واقع.
وقد وردَ أيضاً في حديثٍ لعليٍّ (ع): "إنَّما يجمعُ النَّاسَ الرّضا والسّخط - أي أنَّ الَّذي يجعلُ المجتمعَ مجتمعَ الخيرِ، هو رضا النَّاسِ بالخيرِ وممارستهم له، أو بالنِّسبة إلى الشّرّ، رفض النَّاس للشَّرِّ ومواجهتهم له. يقول (ع) - وإنَّما عَقَرَ ناقةَ ثمود رجلٌ واحدٌ - فلماذا عاقبهم الله جميعاً؟ - فعمَّهم الله بالعذابِ لمَّا عمّوه بالرِّضا"، لأنَّ هذا المجرم الواحد، عندما رأى النَّاس تواجه جريمته بالرِّضا والاستحسان، وإن لم يعاونوه عمليّاً، استطاعَ أن يأخذ قوّةً من كلِّ هذا المناخ الاجتماعيّ، لأنَّ الجريمةَ تحتاج إلى مناخ، كما أنَّ الخيرَ يحتاجُ إلى مناخ - فقالَ سبحانه: {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ}"[الشّعراء: 157]، نسب سبحانه العقر وقتل النَّاقة إلى الجميع، مع أنَّ المجرم واحد.
مسؤوليَّة التَّغيير
لذلك، أيُّها الأحبَّة، المسألة هي مسألة كيف هو قلبك لنعرف كيف هو عملك، بمعنى كيف توازن نبضات قلبك؛ هل تنبض رضا بالشّرّ، أو تنبض رضا بالخير؟! لأنَّه، كما قلنا، يبدأ المشروع في الدَّاخل، ويتحرَّك من خلال الدَّاخل إلى الخارج.
ولهذا، ربط الله سبحانه وتعالى عمليَّة التَّغيير للواقع، وعمليَّة التَّغيير للتَّاريخ، بالدَّاخل الإنساني؛ غيِّر نفسك تغيِّر التَّاريخ، لأنَّ التَّاريخ هو صنعُ الفكرة الَّتي يعيشها الإنسانُ في داخله، ويعيشُها المجتمعُ، وتعيشُها الأمَّةُ في الدَّاخل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الرّعد: 11]، في الجانبين السلبي والإيجابي. وفي الجانب السَّلبي: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الأنفال: 53].
لذلك، كلّ الَّذين يتفاعلون إيجابيّاً مع الظَّالم هم شركاء الظَّالم، لأنَّهم هم القوَّة النفسيَّة الاحتياطيَّة في الواقع السياسيّ أو الاجتماعيّ أو الاقتصاديّ أو ما إلى ذلك، ولذلك جاء: "السَّاكتُ عنِ الحقِّ شيطانٌ أخرسُ".. إنَّ شيطنته لا تأتي من فعلِهِ الإيجابيّ بوقوفه العمليّ ضدَّ الحقّ، ولكنَّها تأتي من سلبيَّته في سكوته على الباطل. وهذه نقطة يجب أن نعمِّقها في نفوسنا.
ولذلك، كنَّا نقول، أيُّها الأحبَّة، إنَّ الَّذين يتحمَّلون مسؤوليّة انتشار الجريمة والباطل في الأمَّة هم الأكثريَّة الصَّامتة، لأنَّ الأكثريَّة الصَّامتة هم الجنود الاحتياطيّون للعاملين في سبيل الشّرّ، لأنَّ مسألة القضايا الكبرى للأمَّة، لا بدَّ من أن تنطلق من كلِّ المجتمع الَّذي يؤمن بالحقّ والعدل وبالقضايا الكبرى.
لهذا، أنت عندما تحجب عن الحقِّ قوَّتك، فقد أعطيت الباطل قوّةً سلبيَّة، ومنعت عن الحقِّ قوّةً إيجابيّة، وبذلك ينتصر الباطل، أيّاً كان الباطل، سواء كان في السياسة أو الاجتماع أو غير ذلك...