ورد في الحديث عن رسول الله (ص): "أربع لا تدخل بيتاً واحدة منهنَّ إلّا خَرِب، ولم يُعمّر بالبَرَكة: الخيانة، والسرقة، وشرب الخمر، والزّنا"(1).
وفي الحديث عن رسول الله (ص): "ليس منَّا من خان الأمانة"(2)؛ أمانة المال والدين والعرض والحريَّة والحياة كلها. وفي حديث آخر: "ليس منّا من خان مسلماً في أهله وماله"(3)، "المكر والخديعة والخيانة في النار"(4)، من استعمل المكر في سلوكه مع الآخرين، والخديعة في تعامله معهم، ومن أقدم على خيانتهم، فإنَّه في النَّار، لأنّ هذه الخصال تؤدِّي بصاحبها إلى النار.
وفي حديث عليّ (ع) – وما أقلَّ من يسمعون كلام عليّ ومن يعرفونه ويرتفعون إلى مستواه! -: "إيَّاك والخيانة، فإنَّها شرّ معصية، فإنَّ الخائن لمعذَّب بالنَّار على خيانته"(5)...
وفي الرواية عن أحد أصحاب الإمام الباقر (ع) يقول: دخلت على أبي جعفر (ع) – وهي كنية الإمام محمَّد الباقر (ع) – وقلت له: جُعلت فداك، إني أريد أن ألازم مكَّة وعليّ دَيْن للمرجئة – وهي طائفة منحرفة عن خطِّ أهل البيت (ع) – فما تقول؟ فقال له الإمام الباقر (ع): "ارجع إلى مؤدّى دينك، وانظر أن تلقى الله عزَّ وجلَّ وليس عليك دَين، فإنَّ المؤمن لا يخون"(6). هبْ أنَّ هذا الشخص يختلف مذهبك عن مذهبه، أو يختلف دينك عن دينه، أو يختلف التزامك السياسي عن التزامه السياسي، القصة ليست قصة هذا الشخص من هو، ولكن القصَّة هي من أنت، فإذا كنت مؤمناً، فإنّ المؤمن لا يخون، لا يخون المسلمين ولا الكافرين. وورد في الحديث الشَّريف: "أدّوا الأمانة ولو إلى قاتل وِلد الأنبياء"(7)...
في ضوء هذا، أحبّ أن أنبِّه إلى نقطة مهمَّة، تتعلّق ببعض النَّاس الذين يذهبون إلى أمريكا وأوروبَّا، ويعتمدون على التسهيلات في الاستدانة، فيأخذون الأموال بطريقة وبأخرى، ويتهرّبون من أداء الدَّين. ومن المؤسف أنَّ البعض يعطي الفتاوى في هذه المسألة، بحجَّة أن هؤلاء كفّار ومستكبرون، فيربّون النَّاس على الخيانة، وهذا ما حصل في بلدنا أيَّام الحرب، عندما بدأ بعض الناس يسرقون غير المسلمين، ثم ما لبثوا أن سرقوا من غير المسلمين الشِّيعة، ولم يفلت فيما بعد المسلمون الشِّيعة من أياديهم، بحجَّة أنهم لا يدفعون الخمس، وكأنهم أصبحوا أولياء الخمس والحقوق الشرعيَّة!!
والإسلام يريد في مثل هذه القضايا أن يقطع رأس الخيانة، ويريد للإنسان المؤمن في أيّ مكان يحلّ فيه، أن يكون النموذج الذي يُضرَب به المثل في الأمانة، ليرغب النَّاس من خلال سلوكه بالإسلام، وقد استطاع رسول الله (ص) قبل نبوَّته أن يملك قلوب المشركين بالصِّدق والأمانة، فقد كان (ص) مستودع أماناتهم. والأمانة لا تعني أن تحفظ الوديعة فحسب، بل حتى لو كنت موظَّفاً، فإنَّ صاحب العمل يملك عليك ساعات عملك، فلا يمكن لك أن تسرق من هذه السَّاعات لتتَّفق مع بعض الموظَّفين المسؤولين أن يغضّوا النظر عن غيابك، ولا يجوز لك أن تأخذ إجازة مرضيَّة وأنت لست مريضاً، ولا يجوز لطبيب أن يعطي شهادةً لإنسان بالمرض وهو غير مريض فعلاً، وإلَّا فإنَّه خائن، ولا يجوز أن تزوّر ورقة الضَّمان فتأخذ منه وأنت لست مضموناً، أو تضمن على اسمك مَن ليس مضموناً، فإنَّ هذا كلّه خيانة.
وقد يزيِّن بعض الناس لأنفسهم الخيانة بحجَّة أنه إذا لم يأخذ هذه الأموال فسوف يأخذها غيره، ويستهينون بأموال الدولة، ولكن مال الدولة ليس مال رئيس الجمهوريّة أو رئيس الوزراء أو المجلس النيابي، بل هو مال النّاس، وأيّ سرقة أو خيانة فإنها ترتدّ سلباً على الناس، لأنَّ مشاريع الدولة إذا خُرّبت، فسوف يُعاد إصلاحها من الميزانيَّة، وليس من أموال هذا المسؤول أو ذاك... والمشكلة أنَّنا تعلّمنا كيف نحتال ونخدع ونكذب ونغشّ لتحصيل المال، هذا ليس ديناً، بل هو منكر...
إنَّ الله تعالى أراد للإنسان المؤمن أن يكون الإنسان الَّذي يفي بعهده ومسؤوليَّته، وأن يكون الأمين على نفسه ووطنه وأمَّته، ومن أكبر الخيانة خيانة الأمَّة والوطن، بأن يكون الإنسان جاسوساً لأعداء الأمَّة والوطن، بحيث يمكِّنهم من احتلال أرضه وظلم أهله، فهذا من الخيانة، ومصيره النَّار، وهذا هو حال كلِّ من يتعاون مع الظالمين ليقوّي ظلمهم، فعلى الإنسان المؤمن أن يتدبّر أمر نفسه قبل أن يقف بين يدي ربِّه، {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشّعراء: 88 – 89].
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 17 شوّال 1421 هـ/ الموافق: ١٢ كانون الثّاني ٢٠٠١ م.
[1] الأمالي، الشَّيخ الصَّدوق، ص 482.
[2] ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج1، ص 834.
[3] ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج1، ص 834.
[4] كنز العمّال، المتّقي الهندي، ص ۷۸۲۰ .
[5] ميزان الحكمة، محمَّد الريشهري، ج1، ص 834.
[6] الكافي، الشيخ الكليني، ج 5، ص 94.
[7] الكافي، ج5، ص 133.
ورد في الحديث عن رسول الله (ص): "أربع لا تدخل بيتاً واحدة منهنَّ إلّا خَرِب، ولم يُعمّر بالبَرَكة: الخيانة، والسرقة، وشرب الخمر، والزّنا"(1).
وفي الحديث عن رسول الله (ص): "ليس منَّا من خان الأمانة"(2)؛ أمانة المال والدين والعرض والحريَّة والحياة كلها. وفي حديث آخر: "ليس منّا من خان مسلماً في أهله وماله"(3)، "المكر والخديعة والخيانة في النار"(4)، من استعمل المكر في سلوكه مع الآخرين، والخديعة في تعامله معهم، ومن أقدم على خيانتهم، فإنَّه في النَّار، لأنّ هذه الخصال تؤدِّي بصاحبها إلى النار.
وفي حديث عليّ (ع) – وما أقلَّ من يسمعون كلام عليّ ومن يعرفونه ويرتفعون إلى مستواه! -: "إيَّاك والخيانة، فإنَّها شرّ معصية، فإنَّ الخائن لمعذَّب بالنَّار على خيانته"(5)...
وفي الرواية عن أحد أصحاب الإمام الباقر (ع) يقول: دخلت على أبي جعفر (ع) – وهي كنية الإمام محمَّد الباقر (ع) – وقلت له: جُعلت فداك، إني أريد أن ألازم مكَّة وعليّ دَيْن للمرجئة – وهي طائفة منحرفة عن خطِّ أهل البيت (ع) – فما تقول؟ فقال له الإمام الباقر (ع): "ارجع إلى مؤدّى دينك، وانظر أن تلقى الله عزَّ وجلَّ وليس عليك دَين، فإنَّ المؤمن لا يخون"(6). هبْ أنَّ هذا الشخص يختلف مذهبك عن مذهبه، أو يختلف دينك عن دينه، أو يختلف التزامك السياسي عن التزامه السياسي، القصة ليست قصة هذا الشخص من هو، ولكن القصَّة هي من أنت، فإذا كنت مؤمناً، فإنّ المؤمن لا يخون، لا يخون المسلمين ولا الكافرين. وورد في الحديث الشَّريف: "أدّوا الأمانة ولو إلى قاتل وِلد الأنبياء"(7)...
في ضوء هذا، أحبّ أن أنبِّه إلى نقطة مهمَّة، تتعلّق ببعض النَّاس الذين يذهبون إلى أمريكا وأوروبَّا، ويعتمدون على التسهيلات في الاستدانة، فيأخذون الأموال بطريقة وبأخرى، ويتهرّبون من أداء الدَّين. ومن المؤسف أنَّ البعض يعطي الفتاوى في هذه المسألة، بحجَّة أن هؤلاء كفّار ومستكبرون، فيربّون النَّاس على الخيانة، وهذا ما حصل في بلدنا أيَّام الحرب، عندما بدأ بعض الناس يسرقون غير المسلمين، ثم ما لبثوا أن سرقوا من غير المسلمين الشِّيعة، ولم يفلت فيما بعد المسلمون الشِّيعة من أياديهم، بحجَّة أنهم لا يدفعون الخمس، وكأنهم أصبحوا أولياء الخمس والحقوق الشرعيَّة!!
والإسلام يريد في مثل هذه القضايا أن يقطع رأس الخيانة، ويريد للإنسان المؤمن في أيّ مكان يحلّ فيه، أن يكون النموذج الذي يُضرَب به المثل في الأمانة، ليرغب النَّاس من خلال سلوكه بالإسلام، وقد استطاع رسول الله (ص) قبل نبوَّته أن يملك قلوب المشركين بالصِّدق والأمانة، فقد كان (ص) مستودع أماناتهم. والأمانة لا تعني أن تحفظ الوديعة فحسب، بل حتى لو كنت موظَّفاً، فإنَّ صاحب العمل يملك عليك ساعات عملك، فلا يمكن لك أن تسرق من هذه السَّاعات لتتَّفق مع بعض الموظَّفين المسؤولين أن يغضّوا النظر عن غيابك، ولا يجوز لك أن تأخذ إجازة مرضيَّة وأنت لست مريضاً، ولا يجوز لطبيب أن يعطي شهادةً لإنسان بالمرض وهو غير مريض فعلاً، وإلَّا فإنَّه خائن، ولا يجوز أن تزوّر ورقة الضَّمان فتأخذ منه وأنت لست مضموناً، أو تضمن على اسمك مَن ليس مضموناً، فإنَّ هذا كلّه خيانة.
وقد يزيِّن بعض الناس لأنفسهم الخيانة بحجَّة أنه إذا لم يأخذ هذه الأموال فسوف يأخذها غيره، ويستهينون بأموال الدولة، ولكن مال الدولة ليس مال رئيس الجمهوريّة أو رئيس الوزراء أو المجلس النيابي، بل هو مال النّاس، وأيّ سرقة أو خيانة فإنها ترتدّ سلباً على الناس، لأنَّ مشاريع الدولة إذا خُرّبت، فسوف يُعاد إصلاحها من الميزانيَّة، وليس من أموال هذا المسؤول أو ذاك... والمشكلة أنَّنا تعلّمنا كيف نحتال ونخدع ونكذب ونغشّ لتحصيل المال، هذا ليس ديناً، بل هو منكر...
إنَّ الله تعالى أراد للإنسان المؤمن أن يكون الإنسان الَّذي يفي بعهده ومسؤوليَّته، وأن يكون الأمين على نفسه ووطنه وأمَّته، ومن أكبر الخيانة خيانة الأمَّة والوطن، بأن يكون الإنسان جاسوساً لأعداء الأمَّة والوطن، بحيث يمكِّنهم من احتلال أرضه وظلم أهله، فهذا من الخيانة، ومصيره النَّار، وهذا هو حال كلِّ من يتعاون مع الظالمين ليقوّي ظلمهم، فعلى الإنسان المؤمن أن يتدبّر أمر نفسه قبل أن يقف بين يدي ربِّه، {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشّعراء: 88 – 89].
* من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 17 شوّال 1421 هـ/ الموافق: ١٢ كانون الثّاني ٢٠٠١ م.
[1] الأمالي، الشَّيخ الصَّدوق، ص 482.
[2] ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج1، ص 834.
[3] ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج1، ص 834.
[4] كنز العمّال، المتّقي الهندي، ص ۷۸۲۰ .
[5] ميزان الحكمة، محمَّد الريشهري، ج1، ص 834.
[6] الكافي، الشيخ الكليني، ج 5، ص 94.
[7] الكافي، ج5، ص 133.