في شخصية الإنسان المؤمن، الكثير من العناصر الأخلاقية التي أكّدها الإسلام، لأن الله تعالى لا يريد للإنسان المؤمن أن يكتفي بالعبادات ليدلّل على صدق إيمانه، بل يريد له أن يكون شخصيّة قويّة ثابتة عادلة منفتحة على الخير كلّه، وعلى الإنسان كله، من خلال انفتاحه على الله تعالى في كلّ ما حمّله الله من مسؤوليّة، بحيث يعتبر الإسلام الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر قاعدةً تتفرّع منها كلّ أخلاقية الإنسان في الحياة وفي علاقته بالإنسان الآخر.
الابتعاد عن الباطل:
ولهذا، وردت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله (ص) وعن الأئمة من أهل البيت (ع) ـ وهم ينطقون في حديثهم عن رسول الله ـ عن صفة الإنسان المؤمن، والعناصر الأساسية في شخصية الإنسان المسلم في علاقته بالناس، وفي موازنته لأوضاعه عندما يحب ويبغض، وعندما يكون قادراً على أن يضر وأن ينفع. ففي الحديث عن رسول الله (ص) برواية السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين (ع)، أن رسول الله (ص) قال: "ثلاث خصال من كنّ فيه استكمل الإيمان ـ كانت هذه الخصال دليلاً على إيمانه القوي الثابت ـ الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل"، إذا أحبّ شخصاً أو اتّبعه في أيّ موقع مسؤول وقيادي، فإنه لا يدخل حبه ورضاه في حكمه عليه، فلا يعطي من يحبّ أكثر مما يستحقّ، قد تحبّ شخصاً يمتلك صفات علم أو تقوى أو قوّة محدودة، فعليك أن تدرس حجم هذه الصّفات، لا أن ترفع من تحبه إلى السماء، بل تقتصر على صفاته وتصفه بحسب الدرجات التي يستحقها. وهذا المعنى يدخل في توازن المجتمع، لأن الإنسان الذي يملك أي صفة معينة، إذا أعطيناه أكثر مما يستحق من هذه الصفة، فإنه سوف يتحرك في المجتمع بأكثر من طاقته، وسوف يسيء إلى المجتمع بذلك، وهكذا في التقوى وفي السياسة والمجتمع وما الى ذلك.. فالمجتمع الذي يقدّر الناس الذين يعيشون فيه بالموازين، هو مجتمع يتحرك بطريقة موزونة، وهذا يدفعنا إلى دراسة حجم الأشخاص كما ندرس حجم أنفسنا، ومشكلة المجتمعات الشرقيّة، أنها تعطي الحكّام والسياسيين والشخصيات الاجتماعية، وحتى العلماء، أكثر من أحجامهم، وإلا من أين جاءتنا عبادة الشخصيّة؟ من خلال فكرة المبالغة وعدم التّوازن.
التمسّك بالحقّ:
والخصلة الثانية: "وإذا غضب لم يخرجه الغضب عن الحق"، قد تختلف مع شخص أو تعاديه، عادةً، وبحسب ذهنيتنا الانفعالية، أننا إذا غضبنا على شخص، فلا نقبل أن نقول فيه كلمة حقّ، بحيث ننزله إلى أسفل الأرضين، يجب أن نتوازن في الغضب، والتوازن هو أن تضع غضبك في جانب، ونظرتك إلى قيمته وموقعه وإمكانيّاته في جانب آخر، والله تعالى يحدّثنا عن هذه الفكرة في كتابه الكريم، ولكنّ القليل منا من يفتح عقله وقلبه للقرآن، يقول تعالى: {ولا يجرمنَّكُم شنآنُ قومٍ على ألَّا تعدلُوا اعدلُوا هوَ أقربُ للتَّقْوى}، بحيث لا تمنعك العلاقة السلبيّة مع الآخر من أن تعدل معه بالكلمة والحقوق.
التـّوازن:
أما الخصلة الثالثة، فهي: "وإذا قدر لم يتعاطَ ما ليس له". بعض الناس عندما لا يملك قدرة وقوة، تراه مسالماً من الدرجة الأولى، ولكن بمجرد أن يحصل على القوّة، بحيث يصبح مسلّحاً أو موظفاً أو ابن عشيرة كبيرة، مما يملك معه أن ينفع أو يضرّ، يضعف أمام حالة القدرة والقوّة الموجودة عنده، ويحاول أن يتعاطى بما ما ليس له حقّ، بحيث يجبر الناس على دفع الخوات، ويفرض عليهم شهواته، وهنا يُختبر إيمان الإنسان، لأنّ المؤمن هو الذي يتساوى عنده جانب القدرة وجانب العجز، وهي من علامات الإيمان.
وكأن النبيّ (ص) يقول: إنّ من عدل به رضاه عن قول الحقّ، وغضبه عن قول الحق، وقدرته عن التعاطي بالحقّ، فإنه ليس مؤمناً وإن صام وصلى، وهذه نقطة لا بدَّ من أن نؤكّدها في أنفسنا وأولادنا، لأنه ـ مع الأسف ـ نحن نتربى في المجتمع على أساس أن لا نعدل، وعلى بغض الحقّ وعدم الارتباط به، والإيمان هو الارتباط بالحقّ في جميع الحالات.
وهذا ما عبّر عنه الإمام زين العابدين(ع) في بعض أدعيته في الصحيفة السجادية: "اللّهمّ وارزقني التحفظ من الخطايا، والاحتراس من الزّلل في حال الرضى والغضب، حتى أكون بما يرد عليّ منهما بمنزلة سواء، عاملاً بطاعتك، مؤثراً لرضاك على ما سواهما، في الأولياء والأعداء، حتى يأمن عدوّي من ظلمي وجوري ـ ولاحظوا كلمة عدوّي، بحيث لا يخاف عدوّه من اختلافه معه ـ وييأس وليّي من ميلي وانحطاط هواي".
ومشكلتنا هي كذلك مع بعض الناس الذين يصلّون ويصومون ويذهبون الى الحج، وبعد ذلك يظلمون الضعفاء؟!
وفي الحديث عن الإمام زين العابدين (ع) في الصفات الذاتية للمؤمن، كيف يكوّن المؤمن شخصيته عندما يتكلم ويسكت ويواجه الزلازل الاجتماعية والسياسية، يقول (ع): "المؤمن يصمت ليسلم ـ عندما يسكت، فإنه يسكت في الحالات التي يخاف إذا تكلم فيها أن يعصي الله، أو أن يسيء إلى الناس في كلامه، فإن المؤمن يسكت حتى يسلم من المسؤوليّة عندما تحمّله الكلمة السلبيّة المسؤوليّة ـ وينطق ليغنم ـ يتحدث، لا لأنه يحب الكلام، بل ليحصل من نطقه على الغنيمة عند الله، عندما يكون كلامه وعظاً ونصحاً وإرشاداً وارتفاعاً بمستوى الناس من خلال ما يتحدّث به معهم ـ لا يحدّث أمانته الأصدقاء ـ يحفظ سرّ الناس، لأنّ السر أمانة عند صاحبه، بحيث لا يفشي أسرار الناس أمام أصدقائه ـ ولا يكتم شهادته من البعداء ـ لا يكتم شهادته لمن يحتاج إليها، وإن كان بعيداً عنه على مستوى القرابة أو الانتساب ـ ولا يعمل شيئاً من الخير رياءً ـ بل يعمل الخير تقرّباً إلى الله ـ ولا يتركه حياءً ـ لا يترك عمل الخير، لأنه يخجل من الناس أن ينتقدوه، بل يفعله حتى وإن انتقدوه ـ إن زُكّي خاف مما يقولون ـ إذا مدحه الناس في وجهه لم ينتفخ، بل يشعر بالخوف من الله من هذا المدح ـ ويستغفر الله لما لا يعلمون ـ وهذه تنقل عن الإمام أمير المؤمنين (ع) وهو المعصوم، أنه كان إذا مدحه أحد في وجهه قال: "إنّ الله أعلم بما في نفسي مني، وأنا أعلم بما في نفسي منك، اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون"، وكان النبي (ص) والأئمة (ع) يستغفرون الله من غير ذنب، باعتبار أنهم المعصومون بمعرفتهم بالله، ولكنّهم يتواضعون لله، لأنّ الاستغفار يختزن في داخله التواضع لله ـ لا يغرّه قول من جهله ـ لا يسقط أمام الناس الذين يشتمونه ويغتابونه، بل يتماسك لأنّه يعرف نفسه جيداً ـ ويخاف من إحصاء ما عمله".
من هو الشيعي؟!:
وفي مسألة من هو الشيعي، لأن بعض الناس يعتقدون أنّ حبّ عليّ حسنة لا تضرّ معها سيئة، فيكفي أن تحبّ الأئمة، وباستطاعتك أن تفعل "السبعة وذمتها" على حدّ التعبير الشعبي. في الحديث عن الإمام الصّادق (ع): "شيعتنا أهل الهدى وأهل التقى، وأهل الخير، وأهل الإيمان، وأهل الفتح والظفر". وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (ع): "إياك والسفلة ـ الذين يعصون الله ـ فإنما شيعة عليّ من عفَّ بطنه ـ لم يدخل في بطنه الأكل والشّراب الحرام ـ وفرجه ـ لم يستعمل فرجه في ما حرّمه الله ـ واشتدّ جهاده ـ جهاده لنفسه وجهاده في طاعة الله ـ وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر".
ما معنى هذه الرواية؟ معناها أن التشيّع هو الخطّ الإسلاميّ الأصيل، وقد ذكرنا أكثر من مرّة، أن التشيّع هو خطّ الإسلام، وأهل البيت (ع) هم الأمناء على هذا الخطّ، وهم أولياء الله وموضع الرسالة، ونقرأ في حديث الإمام الباقر (ع): "ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وكانوا يُعرفون بالتخضّع والتخشّع وصدق الحديث وأداء الأمانة، أفحسب الرجل أن يقول أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون فعّالاً، فرسول الله خير من عليّ، أفيكفي الرّجل أن يقول أحبّ رسول الله ثم لا يعمل بسنّته، من كان ولياً لله فهو لنا وليّ، ومن كان عدواً لله فهو لنا عدوّ، والله ما تنال ولايتنا إلا بالورع عن معاصي الله".
لا بدَّ لنا من أن نجلس مع أنفسنا لنفهمها ونربّيها على ما يحبه الله ويرضاه، لأنّنا قد نقدّم الأعذار لبعضنا البعض، ولكن عندما نقف أمام من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فأيّ عذر يمكن أن نقدِّم؟
من خطبة الجمعة بتاريخ 25 ذوالقعدة العام 1422هـ/ الموافق 8/2/2002م
في شخصية الإنسان المؤمن، الكثير من العناصر الأخلاقية التي أكّدها الإسلام، لأن الله تعالى لا يريد للإنسان المؤمن أن يكتفي بالعبادات ليدلّل على صدق إيمانه، بل يريد له أن يكون شخصيّة قويّة ثابتة عادلة منفتحة على الخير كلّه، وعلى الإنسان كله، من خلال انفتاحه على الله تعالى في كلّ ما حمّله الله من مسؤوليّة، بحيث يعتبر الإسلام الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر قاعدةً تتفرّع منها كلّ أخلاقية الإنسان في الحياة وفي علاقته بالإنسان الآخر.
الابتعاد عن الباطل:
ولهذا، وردت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله (ص) وعن الأئمة من أهل البيت (ع) ـ وهم ينطقون في حديثهم عن رسول الله ـ عن صفة الإنسان المؤمن، والعناصر الأساسية في شخصية الإنسان المسلم في علاقته بالناس، وفي موازنته لأوضاعه عندما يحب ويبغض، وعندما يكون قادراً على أن يضر وأن ينفع. ففي الحديث عن رسول الله (ص) برواية السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين (ع)، أن رسول الله (ص) قال: "ثلاث خصال من كنّ فيه استكمل الإيمان ـ كانت هذه الخصال دليلاً على إيمانه القوي الثابت ـ الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل"، إذا أحبّ شخصاً أو اتّبعه في أيّ موقع مسؤول وقيادي، فإنه لا يدخل حبه ورضاه في حكمه عليه، فلا يعطي من يحبّ أكثر مما يستحقّ، قد تحبّ شخصاً يمتلك صفات علم أو تقوى أو قوّة محدودة، فعليك أن تدرس حجم هذه الصّفات، لا أن ترفع من تحبه إلى السماء، بل تقتصر على صفاته وتصفه بحسب الدرجات التي يستحقها. وهذا المعنى يدخل في توازن المجتمع، لأن الإنسان الذي يملك أي صفة معينة، إذا أعطيناه أكثر مما يستحق من هذه الصفة، فإنه سوف يتحرك في المجتمع بأكثر من طاقته، وسوف يسيء إلى المجتمع بذلك، وهكذا في التقوى وفي السياسة والمجتمع وما الى ذلك.. فالمجتمع الذي يقدّر الناس الذين يعيشون فيه بالموازين، هو مجتمع يتحرك بطريقة موزونة، وهذا يدفعنا إلى دراسة حجم الأشخاص كما ندرس حجم أنفسنا، ومشكلة المجتمعات الشرقيّة، أنها تعطي الحكّام والسياسيين والشخصيات الاجتماعية، وحتى العلماء، أكثر من أحجامهم، وإلا من أين جاءتنا عبادة الشخصيّة؟ من خلال فكرة المبالغة وعدم التّوازن.
التمسّك بالحقّ:
والخصلة الثانية: "وإذا غضب لم يخرجه الغضب عن الحق"، قد تختلف مع شخص أو تعاديه، عادةً، وبحسب ذهنيتنا الانفعالية، أننا إذا غضبنا على شخص، فلا نقبل أن نقول فيه كلمة حقّ، بحيث ننزله إلى أسفل الأرضين، يجب أن نتوازن في الغضب، والتوازن هو أن تضع غضبك في جانب، ونظرتك إلى قيمته وموقعه وإمكانيّاته في جانب آخر، والله تعالى يحدّثنا عن هذه الفكرة في كتابه الكريم، ولكنّ القليل منا من يفتح عقله وقلبه للقرآن، يقول تعالى: {ولا يجرمنَّكُم شنآنُ قومٍ على ألَّا تعدلُوا اعدلُوا هوَ أقربُ للتَّقْوى}، بحيث لا تمنعك العلاقة السلبيّة مع الآخر من أن تعدل معه بالكلمة والحقوق.
التـّوازن:
أما الخصلة الثالثة، فهي: "وإذا قدر لم يتعاطَ ما ليس له". بعض الناس عندما لا يملك قدرة وقوة، تراه مسالماً من الدرجة الأولى، ولكن بمجرد أن يحصل على القوّة، بحيث يصبح مسلّحاً أو موظفاً أو ابن عشيرة كبيرة، مما يملك معه أن ينفع أو يضرّ، يضعف أمام حالة القدرة والقوّة الموجودة عنده، ويحاول أن يتعاطى بما ما ليس له حقّ، بحيث يجبر الناس على دفع الخوات، ويفرض عليهم شهواته، وهنا يُختبر إيمان الإنسان، لأنّ المؤمن هو الذي يتساوى عنده جانب القدرة وجانب العجز، وهي من علامات الإيمان.
وكأن النبيّ (ص) يقول: إنّ من عدل به رضاه عن قول الحقّ، وغضبه عن قول الحق، وقدرته عن التعاطي بالحقّ، فإنه ليس مؤمناً وإن صام وصلى، وهذه نقطة لا بدَّ من أن نؤكّدها في أنفسنا وأولادنا، لأنه ـ مع الأسف ـ نحن نتربى في المجتمع على أساس أن لا نعدل، وعلى بغض الحقّ وعدم الارتباط به، والإيمان هو الارتباط بالحقّ في جميع الحالات.
وهذا ما عبّر عنه الإمام زين العابدين(ع) في بعض أدعيته في الصحيفة السجادية: "اللّهمّ وارزقني التحفظ من الخطايا، والاحتراس من الزّلل في حال الرضى والغضب، حتى أكون بما يرد عليّ منهما بمنزلة سواء، عاملاً بطاعتك، مؤثراً لرضاك على ما سواهما، في الأولياء والأعداء، حتى يأمن عدوّي من ظلمي وجوري ـ ولاحظوا كلمة عدوّي، بحيث لا يخاف عدوّه من اختلافه معه ـ وييأس وليّي من ميلي وانحطاط هواي".
ومشكلتنا هي كذلك مع بعض الناس الذين يصلّون ويصومون ويذهبون الى الحج، وبعد ذلك يظلمون الضعفاء؟!
وفي الحديث عن الإمام زين العابدين (ع) في الصفات الذاتية للمؤمن، كيف يكوّن المؤمن شخصيته عندما يتكلم ويسكت ويواجه الزلازل الاجتماعية والسياسية، يقول (ع): "المؤمن يصمت ليسلم ـ عندما يسكت، فإنه يسكت في الحالات التي يخاف إذا تكلم فيها أن يعصي الله، أو أن يسيء إلى الناس في كلامه، فإن المؤمن يسكت حتى يسلم من المسؤوليّة عندما تحمّله الكلمة السلبيّة المسؤوليّة ـ وينطق ليغنم ـ يتحدث، لا لأنه يحب الكلام، بل ليحصل من نطقه على الغنيمة عند الله، عندما يكون كلامه وعظاً ونصحاً وإرشاداً وارتفاعاً بمستوى الناس من خلال ما يتحدّث به معهم ـ لا يحدّث أمانته الأصدقاء ـ يحفظ سرّ الناس، لأنّ السر أمانة عند صاحبه، بحيث لا يفشي أسرار الناس أمام أصدقائه ـ ولا يكتم شهادته من البعداء ـ لا يكتم شهادته لمن يحتاج إليها، وإن كان بعيداً عنه على مستوى القرابة أو الانتساب ـ ولا يعمل شيئاً من الخير رياءً ـ بل يعمل الخير تقرّباً إلى الله ـ ولا يتركه حياءً ـ لا يترك عمل الخير، لأنه يخجل من الناس أن ينتقدوه، بل يفعله حتى وإن انتقدوه ـ إن زُكّي خاف مما يقولون ـ إذا مدحه الناس في وجهه لم ينتفخ، بل يشعر بالخوف من الله من هذا المدح ـ ويستغفر الله لما لا يعلمون ـ وهذه تنقل عن الإمام أمير المؤمنين (ع) وهو المعصوم، أنه كان إذا مدحه أحد في وجهه قال: "إنّ الله أعلم بما في نفسي مني، وأنا أعلم بما في نفسي منك، اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون"، وكان النبي (ص) والأئمة (ع) يستغفرون الله من غير ذنب، باعتبار أنهم المعصومون بمعرفتهم بالله، ولكنّهم يتواضعون لله، لأنّ الاستغفار يختزن في داخله التواضع لله ـ لا يغرّه قول من جهله ـ لا يسقط أمام الناس الذين يشتمونه ويغتابونه، بل يتماسك لأنّه يعرف نفسه جيداً ـ ويخاف من إحصاء ما عمله".
من هو الشيعي؟!:
وفي مسألة من هو الشيعي، لأن بعض الناس يعتقدون أنّ حبّ عليّ حسنة لا تضرّ معها سيئة، فيكفي أن تحبّ الأئمة، وباستطاعتك أن تفعل "السبعة وذمتها" على حدّ التعبير الشعبي. في الحديث عن الإمام الصّادق (ع): "شيعتنا أهل الهدى وأهل التقى، وأهل الخير، وأهل الإيمان، وأهل الفتح والظفر". وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (ع): "إياك والسفلة ـ الذين يعصون الله ـ فإنما شيعة عليّ من عفَّ بطنه ـ لم يدخل في بطنه الأكل والشّراب الحرام ـ وفرجه ـ لم يستعمل فرجه في ما حرّمه الله ـ واشتدّ جهاده ـ جهاده لنفسه وجهاده في طاعة الله ـ وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر".
ما معنى هذه الرواية؟ معناها أن التشيّع هو الخطّ الإسلاميّ الأصيل، وقد ذكرنا أكثر من مرّة، أن التشيّع هو خطّ الإسلام، وأهل البيت (ع) هم الأمناء على هذا الخطّ، وهم أولياء الله وموضع الرسالة، ونقرأ في حديث الإمام الباقر (ع): "ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وكانوا يُعرفون بالتخضّع والتخشّع وصدق الحديث وأداء الأمانة، أفحسب الرجل أن يقول أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون فعّالاً، فرسول الله خير من عليّ، أفيكفي الرّجل أن يقول أحبّ رسول الله ثم لا يعمل بسنّته، من كان ولياً لله فهو لنا وليّ، ومن كان عدواً لله فهو لنا عدوّ، والله ما تنال ولايتنا إلا بالورع عن معاصي الله".
لا بدَّ لنا من أن نجلس مع أنفسنا لنفهمها ونربّيها على ما يحبه الله ويرضاه، لأنّنا قد نقدّم الأعذار لبعضنا البعض، ولكن عندما نقف أمام من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فأيّ عذر يمكن أن نقدِّم؟
من خطبة الجمعة بتاريخ 25 ذوالقعدة العام 1422هـ/ الموافق 8/2/2002م