كتابات
11/09/2022

لماذا يشعرُ بعضُ النّاسِ بالحسدِ؟!

لماذا يشعرُ بعضُ النّاسِ بالحسدِ؟!

في المنهج الإسلاميّ الأخلاقي، يريد الإسلام أن يركّز على ذهنية الإنسان المسلم في نظرته إلى الآخر، وفي انفتاحه على الآخر، بأن لا يكون عدوانياً حتى في ذهنيّته، لأنّ عدوانيته الذهنية تتحوّل غالباً إلى عدوانية في الواقع، فأنتَ عندما تفكّر أمام الآخر بطريقة غير إيجابية، فإنّك بذلك تتعامل معه على أساس أن تضعف إنسانيته، وأن تواجهه بنظرة العدوّ إلى العدوّ.

ومن بين هذه الأخلاق السلبيّة التي حاربها الإسلام واعتبرها خطيرة على إيمان الإنسان من جهة، وخطيرة على المجتمع من جهةٍ ثانية، هي "الحسد"، وقد تحدَّث الله عنه في أكثر من آية، كما تحدَّث عنه النبيّ (ص) والأئمّة من أهل بيته في أكثر من حديث.

والحسد، بحسب المصطلح، هو أن ينعم الله على أخيك بنعمة فتتمنّى زوالها عنه وانتقالها إليك، بحيث تتعقّد من نعمة الله التي ينعم بها على الآخرين، وترجو أن يزيلها الله عنه وأن ينقلها إليك.

هذا هو مفهوم الحسد، وهو الأخلاقية السلبية، وفي مقابل مفهوم الحسد، مفهوم "الغبطة"، وهو أن ينعم الله على أخيك، وتطلب منه أن يعطيك مثلها مع إبقائها لصاحبها. وهذا يمثِّل خطاً أخلاقيّاً إيجابيّاً يحبّه الله تعالى...

فما هي خلفيات الحسد، ولماذا يحسدُ الناس؟ وما هو الأساس في انطلاق الحسد من الإنسان؟

يذكر علماء الأخلاق في ذلك عدّة عناصر:

العنصر الأوَّل: العداوة والبغضاء، فالإنسان الَّذي يعيش العداوة لأيّ إنسان أو البغض له، فإنّه يعيش نفسيَّة تدميريّة تتجّه إلى كلِّ واقع هذا الإنسان ليتمنّى زوال أيّة نعمة عنه، وأيّ خير يمكن أن يعيش في داخله، باعتبار أنّه يتمنّى أن يكون الإنسان الآخر ساقطاً مدمَّراً في كلّ شيء، فقد تخلق العداوة والبغضاء في داخل نفس الإنسان عقدة الحسد ضدّ الإنسان الَّذي يعاديه، وهذا ما نلاحظه في الكثير من حالات العداوة، لأنَّ العدوَّ يحمل في داخل شخصيَّته نفسيَّة التدمير لعدوّه، كما يحاول أن يتحرّك من أجل أن يدمّر عدوّه في الواقع.

العنصر الثاني: التعزّز، أي الشعور بالعزّة والعظمة، بحيث يشعر الإنسان بأنه وحده الَّذي ينبغي أن تكون له الكرامة، وهو وحده الذي ينبغي أن تكون له الدَّرجة العليا والموقع المميَّز في المجتمع، فيدفعه ذلك إلى أن ينظر إلى الناس الذين يملكون العزّة والمواقع المميَّزة في المجتمع، ليتمنّى سقوطهم عن مواقعهم وزوال نعمتهم عنهم.

العنصر الثَّالث: (الكبر)، فعندما يجد الإنسان نفسه أنّه الأكبر والأعظم والأعلى، وليس هناك شخص في موقعه ومرتبته، فإنّ ذلك يدفعه إلى أن ينظر إلى كلّ الناس الذين يمثّلون هذه المواقع المتقدِّمة في المجتمع، ليتمنّى سقوطهم عنها وزوال نعمتهم فيها، وهذا ما نلاحظه في قول بعض المشركين عندما كانوا يستضعفون رسول الله (ص)، ويشعرون بالكبر أمامه، كما يشعرون بعظمة ذلك الشخص الآخر {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزّخرف: 31].

العنصر الرابع: (العجب) الذي يقتضي احتقار الآخر، والَّذي قد يدفع صاحبه إلى أن يتمنّى زوال النعمة عن الآخر.

العنصر الخامس: (الخوف من فوت المقاصد التي توصل إلى المقصود)، أي قد تكون لدى إنسان مشاريع وأهداف يريد أن يبلغها في الحياة، فيرى أنّ الآخرين الذين يملكون مركز قوّة يتصوّرون أنّ مشاريعه يمكن أن تقف ضدّ مشاريعهم، أو يملكون موقعاً اجتماعياً يمكن أن يؤثّر في مشروعهم أو في أطماعهم، فيعيشون عقدة الحسد وروح التدمير لهذا ولغيره.

العنصر السادس: (حبُّ الرئاسة وطلب الجاه)، وحبُّ التفرّد الذي يراد منه إزاحة كلّ الآخرين عن الساحة.

العنصر السابع: (خبث النفس) المعقّدة التي تعيش في داخل كيانها رفض الآخر والعقدة ضدّه.

وعلى هذا الأساس، فإنّ الحسد ينطلق من حالات إنسانية نفسية سلبية يجمعها شيء واحد، وهو عدم الثقة بالله سبحانه وتعالى، لأنّك إذا أردت أن يعطيك الله نعمة أعطاها لمثلك، فلماذا تتمنّى زوال هذه النعمة؛ هل إنّ الله سبحانه وتعالى أنعم بهذه النعمة وليس له بديلٌ منها أو مثيل؟! فعند ذلك، يمكن أن تقول يا ربِّ، لماذا أعطيت فلاناً ولم تعطني، وعندها يقول لك إنّي واسع عليم، أعطيك وأعطي الآخرين {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي}[الكهف: 109]، {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ}[النحل: 96]. فالله لا يعجزه شيء، فبإمكانك أن تتمنّى أن يعطيك الله مثلما أعطى فلاناً وأحسن ممّا أعطاه، دون أن تنتقص من نعمة فلان.

وينقل أنّ هناك أعرابياً جاء إلى رسول الله (ص) وقال: اسمح لي أن أدعو الله، قال: ادعُ، قال: "اللَّهمَّ اغفر لي ومحمّداً ولا تغفر لأحدٍ معنا"، قال له: "لقد حجَّرت واسعاً" ، فلو كانت المغفرة محدودة في دائرة ضيّقة، ولا تتّسع إلَّا لشخص واحد أو اثنين، فبإمكانك أن تدعو دعاءً محدوداً، ولكن الله يغفر للناس جميعاً، فلماذا تحجر المغفرة في هذه الدائرة الضيّقة؟!

ومن ناحية إيمانية ونفسية، لماذا تتمنى أن يزيل الله نعمة هذا الإنسان الذي قد تكون النعمة حاجة له في حياته، لماذا تتمنى أن تزول النعمة عنه لتنتقل إليك، والله تعالى قادر على أن يعطيك إياها مع إبقائها لدى الإنسان الآخر، لتعيش معه في نعمة الله وفي رحمة الله، ما دامت الحياة تتّسع لك وله ولا تضيق عنك وعنه وعن الآخرين؟!

هذا إضافةً إلى ما ذكرناه من أنَّ الحسد يمثِّل حالة سلبيَّة في الإيمان، لأنَّه يتحوَّل إلى نوع من أنواع الاعتراض على حكمة الله وعلى عدل الله ونعمة الله، وهذا باب إذا التفت إليه الإنسان، كان باب كفرٍ يمكن أن يؤدِّي في نهاية الأمر إلى الكفر الكبير.

* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.

في المنهج الإسلاميّ الأخلاقي، يريد الإسلام أن يركّز على ذهنية الإنسان المسلم في نظرته إلى الآخر، وفي انفتاحه على الآخر، بأن لا يكون عدوانياً حتى في ذهنيّته، لأنّ عدوانيته الذهنية تتحوّل غالباً إلى عدوانية في الواقع، فأنتَ عندما تفكّر أمام الآخر بطريقة غير إيجابية، فإنّك بذلك تتعامل معه على أساس أن تضعف إنسانيته، وأن تواجهه بنظرة العدوّ إلى العدوّ.

ومن بين هذه الأخلاق السلبيّة التي حاربها الإسلام واعتبرها خطيرة على إيمان الإنسان من جهة، وخطيرة على المجتمع من جهةٍ ثانية، هي "الحسد"، وقد تحدَّث الله عنه في أكثر من آية، كما تحدَّث عنه النبيّ (ص) والأئمّة من أهل بيته في أكثر من حديث.

والحسد، بحسب المصطلح، هو أن ينعم الله على أخيك بنعمة فتتمنّى زوالها عنه وانتقالها إليك، بحيث تتعقّد من نعمة الله التي ينعم بها على الآخرين، وترجو أن يزيلها الله عنه وأن ينقلها إليك.

هذا هو مفهوم الحسد، وهو الأخلاقية السلبية، وفي مقابل مفهوم الحسد، مفهوم "الغبطة"، وهو أن ينعم الله على أخيك، وتطلب منه أن يعطيك مثلها مع إبقائها لصاحبها. وهذا يمثِّل خطاً أخلاقيّاً إيجابيّاً يحبّه الله تعالى...

فما هي خلفيات الحسد، ولماذا يحسدُ الناس؟ وما هو الأساس في انطلاق الحسد من الإنسان؟

يذكر علماء الأخلاق في ذلك عدّة عناصر:

العنصر الأوَّل: العداوة والبغضاء، فالإنسان الَّذي يعيش العداوة لأيّ إنسان أو البغض له، فإنّه يعيش نفسيَّة تدميريّة تتجّه إلى كلِّ واقع هذا الإنسان ليتمنّى زوال أيّة نعمة عنه، وأيّ خير يمكن أن يعيش في داخله، باعتبار أنّه يتمنّى أن يكون الإنسان الآخر ساقطاً مدمَّراً في كلّ شيء، فقد تخلق العداوة والبغضاء في داخل نفس الإنسان عقدة الحسد ضدّ الإنسان الَّذي يعاديه، وهذا ما نلاحظه في الكثير من حالات العداوة، لأنَّ العدوَّ يحمل في داخل شخصيَّته نفسيَّة التدمير لعدوّه، كما يحاول أن يتحرّك من أجل أن يدمّر عدوّه في الواقع.

العنصر الثاني: التعزّز، أي الشعور بالعزّة والعظمة، بحيث يشعر الإنسان بأنه وحده الَّذي ينبغي أن تكون له الكرامة، وهو وحده الذي ينبغي أن تكون له الدَّرجة العليا والموقع المميَّز في المجتمع، فيدفعه ذلك إلى أن ينظر إلى الناس الذين يملكون العزّة والمواقع المميَّزة في المجتمع، ليتمنّى سقوطهم عن مواقعهم وزوال نعمتهم عنهم.

العنصر الثَّالث: (الكبر)، فعندما يجد الإنسان نفسه أنّه الأكبر والأعظم والأعلى، وليس هناك شخص في موقعه ومرتبته، فإنّ ذلك يدفعه إلى أن ينظر إلى كلّ الناس الذين يمثّلون هذه المواقع المتقدِّمة في المجتمع، ليتمنّى سقوطهم عنها وزوال نعمتهم فيها، وهذا ما نلاحظه في قول بعض المشركين عندما كانوا يستضعفون رسول الله (ص)، ويشعرون بالكبر أمامه، كما يشعرون بعظمة ذلك الشخص الآخر {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزّخرف: 31].

العنصر الرابع: (العجب) الذي يقتضي احتقار الآخر، والَّذي قد يدفع صاحبه إلى أن يتمنّى زوال النعمة عن الآخر.

العنصر الخامس: (الخوف من فوت المقاصد التي توصل إلى المقصود)، أي قد تكون لدى إنسان مشاريع وأهداف يريد أن يبلغها في الحياة، فيرى أنّ الآخرين الذين يملكون مركز قوّة يتصوّرون أنّ مشاريعه يمكن أن تقف ضدّ مشاريعهم، أو يملكون موقعاً اجتماعياً يمكن أن يؤثّر في مشروعهم أو في أطماعهم، فيعيشون عقدة الحسد وروح التدمير لهذا ولغيره.

العنصر السادس: (حبُّ الرئاسة وطلب الجاه)، وحبُّ التفرّد الذي يراد منه إزاحة كلّ الآخرين عن الساحة.

العنصر السابع: (خبث النفس) المعقّدة التي تعيش في داخل كيانها رفض الآخر والعقدة ضدّه.

وعلى هذا الأساس، فإنّ الحسد ينطلق من حالات إنسانية نفسية سلبية يجمعها شيء واحد، وهو عدم الثقة بالله سبحانه وتعالى، لأنّك إذا أردت أن يعطيك الله نعمة أعطاها لمثلك، فلماذا تتمنّى زوال هذه النعمة؛ هل إنّ الله سبحانه وتعالى أنعم بهذه النعمة وليس له بديلٌ منها أو مثيل؟! فعند ذلك، يمكن أن تقول يا ربِّ، لماذا أعطيت فلاناً ولم تعطني، وعندها يقول لك إنّي واسع عليم، أعطيك وأعطي الآخرين {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي}[الكهف: 109]، {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ}[النحل: 96]. فالله لا يعجزه شيء، فبإمكانك أن تتمنّى أن يعطيك الله مثلما أعطى فلاناً وأحسن ممّا أعطاه، دون أن تنتقص من نعمة فلان.

وينقل أنّ هناك أعرابياً جاء إلى رسول الله (ص) وقال: اسمح لي أن أدعو الله، قال: ادعُ، قال: "اللَّهمَّ اغفر لي ومحمّداً ولا تغفر لأحدٍ معنا"، قال له: "لقد حجَّرت واسعاً" ، فلو كانت المغفرة محدودة في دائرة ضيّقة، ولا تتّسع إلَّا لشخص واحد أو اثنين، فبإمكانك أن تدعو دعاءً محدوداً، ولكن الله يغفر للناس جميعاً، فلماذا تحجر المغفرة في هذه الدائرة الضيّقة؟!

ومن ناحية إيمانية ونفسية، لماذا تتمنى أن يزيل الله نعمة هذا الإنسان الذي قد تكون النعمة حاجة له في حياته، لماذا تتمنى أن تزول النعمة عنه لتنتقل إليك، والله تعالى قادر على أن يعطيك إياها مع إبقائها لدى الإنسان الآخر، لتعيش معه في نعمة الله وفي رحمة الله، ما دامت الحياة تتّسع لك وله ولا تضيق عنك وعنه وعن الآخرين؟!

هذا إضافةً إلى ما ذكرناه من أنَّ الحسد يمثِّل حالة سلبيَّة في الإيمان، لأنَّه يتحوَّل إلى نوع من أنواع الاعتراض على حكمة الله وعلى عدل الله ونعمة الله، وهذا باب إذا التفت إليه الإنسان، كان باب كفرٍ يمكن أن يؤدِّي في نهاية الأمر إلى الكفر الكبير.

* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية