كتابات
06/09/2022

الدَّولةُ في الإسلامِ وسيلةٌ وليسَتْ غايةً بذاتِها

الدَّولةُ في الإسلامِ وسيلةٌ وليسَتْ غايةً بذاتِها

لا بُدَّ لكلِّ دعوةٍ من الدَّعوات من خطٍّ تسير عليه، وهدفٍ تستهدفه، وطبيعةٍ تتميَّز بها.

فمن الدَّعوات ما لا يهدف إلى أن تكون الدَّعوة دينًا يُدان به، وفكرًا يتَّجه إليه العقل، وإيمانًا تحتضنه الرُّوح ويسكن إليه الضَّمير، بل كلُّ هدف [صاحبها] أن تكون دعوته عملًا يمارسه الآخرون، ونظامًا يخضعون لقوانينه وشرائع. فالمشكلة عند صاحب هذه الدَّعوة، هي في الطَّريقة الَّتي توصله إلى مرحلة التَّنفيذ. وإذاً، فلا مانع لديه من أن تعيش في حياة النَّاس دون أن يكون لهم في ذلك إرادةٌ أو اختيارٌ، ولا بُدَّ لمثل هذا من أن يسلك أيَّ طريقٍ يتيح له فرصة التَّنفيذ، ويهيِّئ له سبل العمل.

ومن الدَّعوات ما يهدف [صاحبها] إلى أن يجعل من دعوته قاعدةً روحيَّةً وفكريَّةً، قبل أن تكون قاعدةً قانونيَّةً، فهي عنده رسالةٌ قبل أن تكون قانونًا، ودينٌ قبل أن تكون مجرَّد فكرةٍ، وهي - إلى جانب ذلك - منهجُ فكرٍ يُتَّبع ويُحتذى، وينبوعُ روحٍ يسكن إليه العقل وترتاح لديه الرُّوح.

أمَّا مرحلة التَّنفيذ، وهي المرحلة الَّتي تجعل للدَّعوة إطار الدَّولة، فتنطلق من وعي الدَّعوة لواقعها ومرحلتها، في خطَّةٍ عمليَّةٍ مدروسةٍ تعالج المشاكل برفقٍ، وتدفع العدوان بقوَّةٍ.

والمشكلة الَّتي تعيش في ذهن صاحب هذه الدَّعوة، هي في الطَّريقة الَّتي يستطيع بها أن يجذب أكبر عددٍ ممكنٍ، في كمِّيَّته وكيفيَّته، إلى فكر الدَّعوة وإيمانها ومبادئها. وإذًا، فلا بُدَّ له من أن يفتِّش عن الطَّريق الَّتي تتيح له هذا الكسب، ولن يُقدَّر للقوَّة أو العنف أن تكون إحدى هذه الطُّرق الَّتي يفتِّش عنها، لأنَّها لا تستطيع أن تتَّجه بوسائلها إلى الفكر أو الرُّوح - وهما المجالان اللَّذان تريد الدَّعوة أن تحتلَّهما في حياة الإنسان -، وإنَّما تتَّجه تلك الوسائل إلى الجسد - وهو أحد المجالات التَّطبيقيَّة لمبادئ الدَّعوة - وهو ليس مجالًا للدَّعوة على أيِّ حالٍ؛ فلم يبقَ إلَّا الوسائل الَّتي يرتاح إليها الفكر، وتسكن لديها الرُّوح، فتهيِّئ للفكر مجالًا للبحث والنَّظر والتَّأمُّل، وللرُّوح سبيل الإيمان والعقيدة.

هذان نموذجان من النَّماذج الَّتي تتمثَّل فيها الدَّعوات، فما هي طبيعة دعوتنا الإسلاميَّة منهما؟ وأين تقف بين هذين النَّموذجين؟

يبدو لنا أنَّها لا بُدَّ من أن تقف مع الصِّنف الثَّاني للدَّعوات؛ فقد ألمحنا - في حديثٍ سابقٍ - إلى أنَّ الإسلام لم يأتِ ليبني دولةً لتكون غايةً بذاتها، وإنَّما جاء لينشر الدَّعوة إلى الله، ويبني على أساسها الدَّولة. فليست الدَّولة - لديه - هدفًا يُراد بلوغه على أيِّ حالٍ، بل هي وسيلةٌ لتركيز مفاهيم الدَّعوة وتجسيدها في حياة النَّاس. وإذًا، فلا بُدَّ من أن تكون الدَّعوة سابقةً لهذه المرحلة، لتكون مفاهيمها أساسًا للدَّولة الَّتي يُراد بناؤها في الحياة.

أمَّا كيف نستطيع إدراك هذه النَّتيجة حول طبيعة الدَّعوة الإسلاميَّة؟! فذلك ما يظهر لنا بوضوحٍ إذا درسنا واقع الإسلام وطبيعته؛ فليس الإسلام مجرَّد قانونٍ جافٍّ كبقيَّة القوانين الَّتي روعيت فيها فكرةٌ معيَّنةٌ، في بداية تشريعها، ولكنَّها سرعان ما انفصلت عن الفكرة، ولم يعد يربطها بها إلَّا ما يربط الشَّيء بمصدره، ولا شيء غير ذلك، ولهذا فإنَّ مهمَّة النَّاس تنتهي عند القيام بتنفيذها حرفيًّا دون تغييرٍ وتبديلٍ!

ليس الإسلام كذلك، بل هو دينٌ روعي فيه ما يُراعى في الدِّين من روحيَّةٍ تربط النِّظام بالعقيدة، والدَّعوة بالتَّشريع؛ فهو ليس نظامًا مجرَّدًا، وليس عقيدةً مجرَّدةً، وإنَّما هو عقيدةٌ ونظامٌ، يلتقيان في بداية الطَّريق، ولا ينفصلان بعد ذلك أبدًا.

والمسلم - على ضوء هذا - لا يستطيع أن ينفِّذ قانون الإسلام في حياته، إلَّا إذا التقى في مرحلة التَّنفيذ بأساس العقيدة ومصدر التَّشريع، فيتَّجه إلى الله بقلبه وهو يعمل، وبفكره وهو يفكِّر، وبروحه وكلِّ كيانه وهو يعبده.. فلا بُدَّ له - كمسلمٍ واعٍ - من الالتقاء بالله أوّلًا وأخيرًا.

أمَّا إذا انفصل عن الله في عمله، فلم يربط أعماله به، ولم يصلها بالله، فإنَّه لن يكون مسلمًا واعيًا، ولن يعود - في نهاية المطاف - ممتثلًا لأوامر الله ونواهيه الَّتي هي أوامر الإسلام ونواهيه.

*من كتاب "أسلوب الدّعوة في القرآن".

لا بُدَّ لكلِّ دعوةٍ من الدَّعوات من خطٍّ تسير عليه، وهدفٍ تستهدفه، وطبيعةٍ تتميَّز بها.

فمن الدَّعوات ما لا يهدف إلى أن تكون الدَّعوة دينًا يُدان به، وفكرًا يتَّجه إليه العقل، وإيمانًا تحتضنه الرُّوح ويسكن إليه الضَّمير، بل كلُّ هدف [صاحبها] أن تكون دعوته عملًا يمارسه الآخرون، ونظامًا يخضعون لقوانينه وشرائع. فالمشكلة عند صاحب هذه الدَّعوة، هي في الطَّريقة الَّتي توصله إلى مرحلة التَّنفيذ. وإذاً، فلا مانع لديه من أن تعيش في حياة النَّاس دون أن يكون لهم في ذلك إرادةٌ أو اختيارٌ، ولا بُدَّ لمثل هذا من أن يسلك أيَّ طريقٍ يتيح له فرصة التَّنفيذ، ويهيِّئ له سبل العمل.

ومن الدَّعوات ما يهدف [صاحبها] إلى أن يجعل من دعوته قاعدةً روحيَّةً وفكريَّةً، قبل أن تكون قاعدةً قانونيَّةً، فهي عنده رسالةٌ قبل أن تكون قانونًا، ودينٌ قبل أن تكون مجرَّد فكرةٍ، وهي - إلى جانب ذلك - منهجُ فكرٍ يُتَّبع ويُحتذى، وينبوعُ روحٍ يسكن إليه العقل وترتاح لديه الرُّوح.

أمَّا مرحلة التَّنفيذ، وهي المرحلة الَّتي تجعل للدَّعوة إطار الدَّولة، فتنطلق من وعي الدَّعوة لواقعها ومرحلتها، في خطَّةٍ عمليَّةٍ مدروسةٍ تعالج المشاكل برفقٍ، وتدفع العدوان بقوَّةٍ.

والمشكلة الَّتي تعيش في ذهن صاحب هذه الدَّعوة، هي في الطَّريقة الَّتي يستطيع بها أن يجذب أكبر عددٍ ممكنٍ، في كمِّيَّته وكيفيَّته، إلى فكر الدَّعوة وإيمانها ومبادئها. وإذًا، فلا بُدَّ له من أن يفتِّش عن الطَّريق الَّتي تتيح له هذا الكسب، ولن يُقدَّر للقوَّة أو العنف أن تكون إحدى هذه الطُّرق الَّتي يفتِّش عنها، لأنَّها لا تستطيع أن تتَّجه بوسائلها إلى الفكر أو الرُّوح - وهما المجالان اللَّذان تريد الدَّعوة أن تحتلَّهما في حياة الإنسان -، وإنَّما تتَّجه تلك الوسائل إلى الجسد - وهو أحد المجالات التَّطبيقيَّة لمبادئ الدَّعوة - وهو ليس مجالًا للدَّعوة على أيِّ حالٍ؛ فلم يبقَ إلَّا الوسائل الَّتي يرتاح إليها الفكر، وتسكن لديها الرُّوح، فتهيِّئ للفكر مجالًا للبحث والنَّظر والتَّأمُّل، وللرُّوح سبيل الإيمان والعقيدة.

هذان نموذجان من النَّماذج الَّتي تتمثَّل فيها الدَّعوات، فما هي طبيعة دعوتنا الإسلاميَّة منهما؟ وأين تقف بين هذين النَّموذجين؟

يبدو لنا أنَّها لا بُدَّ من أن تقف مع الصِّنف الثَّاني للدَّعوات؛ فقد ألمحنا - في حديثٍ سابقٍ - إلى أنَّ الإسلام لم يأتِ ليبني دولةً لتكون غايةً بذاتها، وإنَّما جاء لينشر الدَّعوة إلى الله، ويبني على أساسها الدَّولة. فليست الدَّولة - لديه - هدفًا يُراد بلوغه على أيِّ حالٍ، بل هي وسيلةٌ لتركيز مفاهيم الدَّعوة وتجسيدها في حياة النَّاس. وإذًا، فلا بُدَّ من أن تكون الدَّعوة سابقةً لهذه المرحلة، لتكون مفاهيمها أساسًا للدَّولة الَّتي يُراد بناؤها في الحياة.

أمَّا كيف نستطيع إدراك هذه النَّتيجة حول طبيعة الدَّعوة الإسلاميَّة؟! فذلك ما يظهر لنا بوضوحٍ إذا درسنا واقع الإسلام وطبيعته؛ فليس الإسلام مجرَّد قانونٍ جافٍّ كبقيَّة القوانين الَّتي روعيت فيها فكرةٌ معيَّنةٌ، في بداية تشريعها، ولكنَّها سرعان ما انفصلت عن الفكرة، ولم يعد يربطها بها إلَّا ما يربط الشَّيء بمصدره، ولا شيء غير ذلك، ولهذا فإنَّ مهمَّة النَّاس تنتهي عند القيام بتنفيذها حرفيًّا دون تغييرٍ وتبديلٍ!

ليس الإسلام كذلك، بل هو دينٌ روعي فيه ما يُراعى في الدِّين من روحيَّةٍ تربط النِّظام بالعقيدة، والدَّعوة بالتَّشريع؛ فهو ليس نظامًا مجرَّدًا، وليس عقيدةً مجرَّدةً، وإنَّما هو عقيدةٌ ونظامٌ، يلتقيان في بداية الطَّريق، ولا ينفصلان بعد ذلك أبدًا.

والمسلم - على ضوء هذا - لا يستطيع أن ينفِّذ قانون الإسلام في حياته، إلَّا إذا التقى في مرحلة التَّنفيذ بأساس العقيدة ومصدر التَّشريع، فيتَّجه إلى الله بقلبه وهو يعمل، وبفكره وهو يفكِّر، وبروحه وكلِّ كيانه وهو يعبده.. فلا بُدَّ له - كمسلمٍ واعٍ - من الالتقاء بالله أوّلًا وأخيرًا.

أمَّا إذا انفصل عن الله في عمله، فلم يربط أعماله به، ولم يصلها بالله، فإنَّه لن يكون مسلمًا واعيًا، ولن يعود - في نهاية المطاف - ممتثلًا لأوامر الله ونواهيه الَّتي هي أوامر الإسلام ونواهيه.

*من كتاب "أسلوب الدّعوة في القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية