لطالما كانت المقاومة ضدّ الاحتلال الصّهيونيّ في لبنان محطَّ الاهتمام الأساس لسماحة العلّامة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله (رض)، ولم يترك مناسبةً أو فرصة إلّا وتحدّث عن دورها المحوريّ في مواجهة الاحتلال الّذي يحمل من الأطماع ما يشكّل تهديداً دائماً للبنان وشعبه، داعياً إلى احتضانها وحمايتها لتبقى قوّة للبلد.
ومن هذه المواقف، ما ورد في كتاب "وطن ممنوع من الصّرف"، حيث تحدّث عن المقاومة ودورها، ومما جاء فيه:
"إنّنا نعتقد أنّ المقاومة ركن من أركان السّلام اللّبناني، وهي ضمانة كبرى لهذا السَّلام، من خلال صونها للبلد، وحمايتها له من الاعتداءات والأطماع الإسرائيليّة، ومن خلال توازن الرّعب الذي فرضته على العدوّ بسبب ارتكابه حماقات جديدة في لبنان، وسلاح المقاومة ليس سلاحاً شيعيّاً موجَّهاً إلى بقية اللبنانيين، بل هو سلاح لردع إسرائيل...
إنَّ لبنان بحاجة إلى قوّة احتياطيّة ـــ إلى جانب الجيش اللّبناني ـــ لحمايته من إسرائيل، والمقاومة هي هذه القوّة الاحتياطيَّة، وهي الجيش اللبناني الشعبي للدّفاع عن لبنان...".
ويصيف سماحته: "المشكلة أنَّ الكثير من اللبنانيين ـــــ ولا أتحدّث عن فريق معيّن ـــــ لا يزالون يعتبرون أنَّ قوّة لبنان في ضعفه، ولا يزالون يعتبرون أنَّ إسرائيل لا تمثّل خطراً على لبنان، وأنّ اللّبنانيين لا يجوز أن يكونوا أقوياء أمام أيّ عدوان خارجيّ، ولذلك، فإنّ الكثيرين يتحدّثون بطريقة نفاقيَّة، عن مسألة رفض إسرائيل ورفض المصالحة معها، أو أنَّ لبنان سيكون آخر من يوقّع معاهدة صلح.
أنا أعتقد أنّ التعامل مع موضوع حسّاس ومصيريّ بهذا الشّكل يُعدّ نوعاً من النفاق السياسي. إنَّ الكثيرين ممّن يتحدّثون بهذه الطريقة، لو أُتيحت لهم الظروف العربية والدولية الملائمة، لبادروا إلى مصالحة إسرائيل اليوم قبل الغد، والدَّليل على ذلك، أنّ البعض من هؤلاء بادروا إلى الموافقة على اتّفاق 17 أيار، وأنّ الكثير منهم يوم كانوا في المجلس النيابيّ صوَّتوا لصالح هذا الاتفاق.
لذلك، أن يكون لبنان قويّاً أمام إسرائيل، فهذه مسألة مرفوضة عند الكثيرين، إنهم يخافون من أن يكونوا أقوياء...".
أمّا فيما يتعلّق بسلاح المقاومة، فيقول سماحته:
"إنّي لا أتصوَّر حلًّا آخر غير الحوار والتَّفاهم سبيلاً لإيجاد صيغة وطنيَّة مناسبة لمسألة سلاح المقاومة، لأنّ المبدأ الأوليّ أنَّ هذا السّلاح مرتبط بأزمة الشرق الأوسط، وهو ككلّ القضايا الأخرى المرتبطة بالصّراع العربي الإسرائيلي. وحين تتحدَّث الولايات المتحدة وإسرائيل ومجلس الأمن عن أنّ مزارع شبعا سورية، فهذا يعني أنّ هذه القضية لا تحلّ إلَّا عند حلّ النـزاع السوري ـــــ الإسرائيلي، وسلاح حزب الله هو جزء من هذا النـزاع.
والمقاومة تسأل كلّ الذين يتحدّثون عن نزع سلاحها واعتبارها ميليشيا: إذا تركنا السِّلاح وكشفنا بذلك أرضنا ووطننا أمام الإسرائيلين، فهل هناك ضمانات أنّ إسرائيل لن تخلق مبرّراً للعدوان على لبنان بعد ذلك... وما هي الضمانات لذلك... بمعنى آخر من يضمن عدم الاعتداء على لبنان من قِبَل الصهاينة إذا تركت سلاح الدفاع عن وطننا أمام تهديداته واطماعه؟!!
ليس هناك من يستطيع أن يقدِّم هذه الضمانات. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هل يملك الجيش اللّبناني بما يملك الآن من الأسلحة ومن القوّة ومن الموقف السياسي، أن يُقاتل إسرائيل؟!
هذا سؤال برسم المستقبل، وحين يصبح الجيش اللبناني عدّة وعدّاً وعقيدة قتالية قادراً على درء أخطار العدوان الصيونيّ، فلن نجد أحداً يزاحم هذا الجيش على دوره الوطنيّ، بل سيتعاون الجميع معه، وحتّى يحصل ذلك، فمن أكبر الأخطاء الاستراتيجيَّة الممكن أن ترتكب بحقّ لبنان وشعبه، هو تحقيق الحلم الإسرائيلي بمعاقبة حزب الله على طرده جيشها ذليلاً مكسوراً من لبنان يجرّ وراءه أذيال الخيبة والهزيمة".
*من كتاب "وطن ممنوع من الصّرف".