كتابات
29/05/2022

العفوُ عن المسيء: ذلٌّ أم قوّةٌ وإنسانيّةٌ؟!

العفوُ عن المسيء: ذلٌّ أم قوّةٌ وإنسانيّةٌ؟!

ركّز الله سبحانه وتعالى الأخلاق الإسلاميَّة على خطّ التوازن، فلا يعني كونك صاحب حقّ أن تأخذ بحقّك كيفما تشاء، فالله أراد لك أن تعفو عمّن أساء إليك، هذا في القرآن الكريم.

أمّا في السنّة الشريفة، فهناك حديث يقول: "ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة؟ العفو عمّن ظلمك، وتصل مَنْ قطعك، والإحسان إلى مَن أساء إليك، وإعطاء مَن حرمك"1.

وهذه الخصال تمثّل عمق الأخلاق الإسلامية، فإنّك إذا كنت تعطي من أعطاك فهذه مبادلة، أو تصل مَنْ وصلك فهذه أيضاً مبادلة وعمليّة تجاريّة وليست أخلاقاً؛ إنّ الأخلاق تتمثّل وتتجلّى عندما يكون للطرف الثاني حقّ عليك، بل يكون ضدّ الحق، وهذا الذي عبّر عنه الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) في دعاء (مكارم الأخلاق)، وأنا أنصح بقراءته في كل يوم: "اللّهمَّ وسدّدني لأنْ أُعارِض مَنْ غشّني بالنّصح، وأجزي مَنْ هجرني بالبرّ، وأُثيب مَنْ حرمني بالبذل، وأُكافي مَنْ قاطعني بالصِّلة، وأُخالِف مَن اغتابني إلى حسن الذِّكر". هذه هي الأخلاق غير التجاريّة، وهي أن تعطي في الوقت الَّذي يمنعك الآخر.

والآن نأتي إلى الجائزة، فما هي جائزتك إذا كنت عافياً عن النّاس؛ تعفو عن زوجتك إذا أخطأت، وتعفو عن ولدك أو عن جارك وعن صديقك إذا أخطأوا، ما هي الجائزة المعدّة لك من قبل الله؟ لقد جاء في الحديث أنّه: "إذا أوقف العباد، نادى منادٍ: ليقم من أجره على الله وليدخل الجنَّة. قيل: من الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن الناس... ألم تسمعوا قوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ}"2.

ربما يتصوّر بعض الناس أنّ العفو يمثّل ذلًّا، وأنّ الإنسان الذي يعفو ضعيف في موقفه، جبان ذليل، والناس يلومونه بقولهم: أنتَ لم تأخذ حقّك، ضربك فلان فلم تضربه، وشتمك فلم تشتمه، فيما يقول الحديث: "عليكم بالعفو، فإنَّ العفو لا يزيد العبدَ إلَّا عزّاً، فتعافوا يعزّكم الله"3.

المسألة، إذاً، هي أنَّ الله سبحانه وتعالى يعطيك عزّاً من عنده، ونحن نعرف أنّ العزّ ليس من الناس: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران: 26].

وفي الحديث عن الصادق (ع): "يا سفيان، من أراد عزّا بلا عشيرة، وغنى بلا مال، وهيبة بلا سلطان، فلينتقل من ذلّ معصية الله إلى عزِّ طاعته"4.

وعلى هذا الأساس، ينبغي لنا أن ننطلق لنربي أنفسنا على هذا الخلق الإنساني الذي يفتح قلوب الناس عليك بدلاً من أن تغلقها عنك، والَّذي يمكن أن يحلّ المشكلة بدلاً من أن يعقّدها...

فمسألة العفو في الإسلام هي مسألة تتوازن مع مسألة الحقّ؛ الإسلام يعطيك الحقّ ويطلب منك أن تعفو عفو صاحب الحقّ عن حقّه، ويعدك الله بالأجر غير المحدود على عفوك.

وبهذا، يكون العفو في الإسلام إنسانيّة، عندما ينفتح على الناس الذين لا يضرّهم العفو، كما هو حال المجرمين الَّذين لا يزيدهم العفو إلَّا إصراراً على الاعتداء والإجرام. ويبقى الإسلام في أخلاقه واقعياً يدرس الإنسان في نقاط ضعفه ونقاط قوّته، فيجعله يعيش التوازن بين الحقّ وبين العفو، وهذا ما ينبغي لنا أن نعيشه وأن نتخلّق بأخلاق الله {فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً}[النساء: 149].

*من كتاب "النَّدوة"، ج2.

[1]الكافي، الشّيخ الكليني، ج2، ص 107.

[2]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج3، ص 208.

[3]ميزان الحكمة، ج3، ص 2013.

[4]تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص 376.

ركّز الله سبحانه وتعالى الأخلاق الإسلاميَّة على خطّ التوازن، فلا يعني كونك صاحب حقّ أن تأخذ بحقّك كيفما تشاء، فالله أراد لك أن تعفو عمّن أساء إليك، هذا في القرآن الكريم.

أمّا في السنّة الشريفة، فهناك حديث يقول: "ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة؟ العفو عمّن ظلمك، وتصل مَنْ قطعك، والإحسان إلى مَن أساء إليك، وإعطاء مَن حرمك"1.

وهذه الخصال تمثّل عمق الأخلاق الإسلامية، فإنّك إذا كنت تعطي من أعطاك فهذه مبادلة، أو تصل مَنْ وصلك فهذه أيضاً مبادلة وعمليّة تجاريّة وليست أخلاقاً؛ إنّ الأخلاق تتمثّل وتتجلّى عندما يكون للطرف الثاني حقّ عليك، بل يكون ضدّ الحق، وهذا الذي عبّر عنه الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) في دعاء (مكارم الأخلاق)، وأنا أنصح بقراءته في كل يوم: "اللّهمَّ وسدّدني لأنْ أُعارِض مَنْ غشّني بالنّصح، وأجزي مَنْ هجرني بالبرّ، وأُثيب مَنْ حرمني بالبذل، وأُكافي مَنْ قاطعني بالصِّلة، وأُخالِف مَن اغتابني إلى حسن الذِّكر". هذه هي الأخلاق غير التجاريّة، وهي أن تعطي في الوقت الَّذي يمنعك الآخر.

والآن نأتي إلى الجائزة، فما هي جائزتك إذا كنت عافياً عن النّاس؛ تعفو عن زوجتك إذا أخطأت، وتعفو عن ولدك أو عن جارك وعن صديقك إذا أخطأوا، ما هي الجائزة المعدّة لك من قبل الله؟ لقد جاء في الحديث أنّه: "إذا أوقف العباد، نادى منادٍ: ليقم من أجره على الله وليدخل الجنَّة. قيل: من الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن الناس... ألم تسمعوا قوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ}"2.

ربما يتصوّر بعض الناس أنّ العفو يمثّل ذلًّا، وأنّ الإنسان الذي يعفو ضعيف في موقفه، جبان ذليل، والناس يلومونه بقولهم: أنتَ لم تأخذ حقّك، ضربك فلان فلم تضربه، وشتمك فلم تشتمه، فيما يقول الحديث: "عليكم بالعفو، فإنَّ العفو لا يزيد العبدَ إلَّا عزّاً، فتعافوا يعزّكم الله"3.

المسألة، إذاً، هي أنَّ الله سبحانه وتعالى يعطيك عزّاً من عنده، ونحن نعرف أنّ العزّ ليس من الناس: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران: 26].

وفي الحديث عن الصادق (ع): "يا سفيان، من أراد عزّا بلا عشيرة، وغنى بلا مال، وهيبة بلا سلطان، فلينتقل من ذلّ معصية الله إلى عزِّ طاعته"4.

وعلى هذا الأساس، ينبغي لنا أن ننطلق لنربي أنفسنا على هذا الخلق الإنساني الذي يفتح قلوب الناس عليك بدلاً من أن تغلقها عنك، والَّذي يمكن أن يحلّ المشكلة بدلاً من أن يعقّدها...

فمسألة العفو في الإسلام هي مسألة تتوازن مع مسألة الحقّ؛ الإسلام يعطيك الحقّ ويطلب منك أن تعفو عفو صاحب الحقّ عن حقّه، ويعدك الله بالأجر غير المحدود على عفوك.

وبهذا، يكون العفو في الإسلام إنسانيّة، عندما ينفتح على الناس الذين لا يضرّهم العفو، كما هو حال المجرمين الَّذين لا يزيدهم العفو إلَّا إصراراً على الاعتداء والإجرام. ويبقى الإسلام في أخلاقه واقعياً يدرس الإنسان في نقاط ضعفه ونقاط قوّته، فيجعله يعيش التوازن بين الحقّ وبين العفو، وهذا ما ينبغي لنا أن نعيشه وأن نتخلّق بأخلاق الله {فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً}[النساء: 149].

*من كتاب "النَّدوة"، ج2.

[1]الكافي، الشّيخ الكليني، ج2، ص 107.

[2]ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج3، ص 208.

[3]ميزان الحكمة، ج3، ص 2013.

[4]تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص 376.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية