انفتح السيّد الشّهيد محمّد باقر الصّدر في مرحلته الأولى على الأبحاث الأصوليَّة، وتأثَّر تأثّراً بالغاً بالمرحوم الشيخ محمد حسين الأصفهاني، المعروف بأصوليته الفلسفية، وكان يتباحث مع بعض الطلاب في النجف حول حاشيته على الكفاية، كما تأثر بالشيخ ضياء الدين العراقي، ثم انطلق بعد ذلك في درس أستاذنا السيّد أبي القاسم الخوئي، الَّذي كان يقدِّره تقديراً كبيراً، حتى إنَّه عندما كان يطرح أيَّ إشكال في الدرس، كان السيّد الخوئي (رحمه الله) يقرِّر إشكاله أمام التلامذة ويجيب عنه.
وهكذا كان يتحرَّك في الحوزة العلميَّة وهو في سنّ مبكرة جدّاً، وكان يُنظَر إليه كأستاذ لبعض كتب السّطوح الَّتي لا يدرسها إلَّا الأشخاص الذين يملكون الثقافة الأصوليَّة العميقة.
وهكذا بدأ درس الفلسفة عند أستاذها المعروف في النجف، الشيخ ملا صدرا البادكوبي، حتى إنَّ أخاه السيِّد إسماعيل الصَّدر، استبدل كتاب "الحدائق" الذي كان عندهم، بكتاب الأسفار لكي يدرس السيد محمد باقر الصدر هذا الكتاب.
إلى جانب كلّ ذلك، كان السيّد الصَّدر يشرف على التيار الإسلامي، وينظِّر للحركة الإسلاميَّة في ما كتبه من الأسس الإسلاميَّة، وكان الإسلاميّون، ومنهم الشيخ عارف البصري (رحمه الله) وآخرون، يلتقون معه ويجتمعون عنده ويستفيدون منه.
ولذلك، فإننا نعتقد أنه كان يمثّل القيادة الفكرية للحركة الإسلامية، وعندما حدث الانقلاب في العراق من خلال عبد الكريم قاسم، ونشأت جماعة العلماء في النجف الأشرف
كردّ فعل على المدِّ الأحمر، كان هو الَّذي يكتب بيانات جماعة العلماء في النجف الأشرف.
وقد قام بدور كبير في الردّ على الماركسيّة من خلال كتابه "فلسفتنا" ثم كتابه "اقتصادنا"،
ما أعطى الثقافة الإسلاميّة في العالم خطاً جديداً، لأنّه كان أوّل كاتب إسلامي يؤلِّف كتاباً في الاقتصاد الإسلامي بالطريقة العلمية التي تقارن بين الاقتصاد الرأسمالي والاقتصاد الماركسي والاقتصاد الإسلامي، ولا يزال المثقّفون المسلمون في العالم يستفيدون من كتاب "اقتصادنا"، ولم يحدث أن ألّف أيّ مفكّر إسلاميّ، حتى من المتخصّصين في مجال الاقتصاد، كتاباً جديداً يماثل هذا الكتاب.
إنَّ اغتيال السيِّد الشهيد وشقيقته العلويّة يمثّل جريمة كبرى تطاول العالم الإسلاميَّ كلّه. إننا نقول الآن، كما قلنا لكثير من إخواننا وأبنائنا من الدعاة الإسلاميّين السائرين على نهج الشَّهيد الصَّدر، والمنفتحين على فكره الإسلاميّ، إنّهم مسؤولون في العراق الجديد، أوّلاً بأن يطلقوا هذا الفكر الإسلامي في الواقع الشعبي، لأنَّ هناك خطة أمريكية غربيّة، وربما عربية، في إبعاد الإسلام عن أن يكون هو الطابع الذي يتحرك به العراق الجديد.
لذلك نقول لهم إنّ الإسلام أمانة الله في أعناقكم، وإنَّ عليكم أن لا تنشغلوا عن
الإسلام في كلّ حركتكم، وفي كلّ علاقتكم، وفي كلّ أوضاعكم.
الوحدة الإسلاميّة هي الخيار الوحيد لكم، ونعتقد أنَّ أيّ نوع من أنواع التمزّق على أساس
الطموحات الشخصيَّة هنا وهناك، أو على أساس الخلافات الهامشيَّة، سوف يكون
خيانة للإسلام كلّه وللعراق كلّه، وخيانة للسيّد الشّهيد الذي بذل حياته من أجل الإسلام.
ولذلك، فإنَّ الإخلاص لدمه الطَّاهر، هو أن تتوحَّدوا في فكره، وتتوحَّدوا في نهجه، وتتوحَّدوا في خطّه السياسيّ الَّذي يعتبر العراق مجرَّد قاعدة إسلاميَّة لا بدّ من أن تمتدَّ إلى العالم كلّه.
* من مقابلة لسماحته مع تلفزيون "المسار" العراقي، بتاريخ: 24/ 3/ 2009م.