[يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعائه في الصَّلاة على حملة العرش وكلِّ ملك مقرَّب:]
"وَميكائِيلُ ذُو الجَاهِ عِنْدَكَ والمَكَانِ الرَّفيعِ مِنْ طاعَتِكَ، وَجِبْرَئيلُ الأمينُ عَلى وحْيِكَ، المُطَاعُ في أهْلِ سَمَاواتِكَ، المَكِينُ لَدَيْكَ، المُقَرَّبُ عِنْدَكَ".
وهذا الملك (ميكائيل) يروى "أنّه موكل بأرزاق الأجساد والحكمة والمعرفة للنّفوس، وله أعوانٌ موكلون على جميع العالم، من شأنهم إحداث قوَّة النهوض في الأركان والمولدات وغيرها، التي بها الوصول إلى الغايات وبلوغ الكمال، كملائكة الرّياح والسّحب والأمطار والنّبات والحيوان والمعادن، فكلّ ذلك بأعوانه" .
وذلك هو مظهر الجاه عند الله، من خلال المكان الرفيع من طاعته له.
[أمَّا جبرئيل]، فهذا الملك مميَّز في دوره الكبير، باعتباره وسيطاً بين الله ورسله، فقد كان الأمين على الوحي في دقّة الحفظ وسلامة التّبليغ، كما أنّه - من خلال الدّعاء، وما ورد في بعض الأخبار - المطاع في ملائكة السَّماوات، فهم يصدرون عن أمره، ويرجعون إلى رأيه. ولكنّنا مع إيماننا بذلك، لا نعرف طبيعة هذا الموقع الملائكيّ السماويّ في طبيعة الدور وحركة المسؤولية وخطّ الطاعة، لأنّنا لا نملك سبيلاً إلى معرفته.
غير أنّنا نعرف، من خلال دوره الأرضي الرسالي، وموقعه الحركي السماوي، أنّه يملك المنـزلة العظيمة الرفيعة عند الله التي استحقّ بها هذا الموقع المميَّز، وموقع القرب الكبير لديه، وربما كان هذا الحديث عن جبرائيل في الدّعاء، إلماحاً إلى قوله تعالى في وصفه: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}[التكوير: 19-21].
وقد حدَّثنا الله عن بعض النَّاس- الذين جاء الحديث عنهم أنّهم اليهود - أنّهم يعادون جبرائيل، فقد قيل: إنَّ اليهود سألوا النبيَّ محمداً (ص): مَن الَّذي ينـزل عليك بالوحي الَّذي تدَّعيه؟ فقال: إنّه جبرائيل، فقالوا له: إنَّه عدوّنا الذي نبغضه، لأنّه ملك العذاب والحرب، ولذلك فلا يمكن أن نقبل بما يأتي به، ولو كان الذي يأتيك ميكال لآمنّا بك، لأنّه ملك اليسر والرخاء، فنـزلت الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَن كَانَ عَدُوّاً للهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ}[البقرة: 97 - 98].
* من كتاب "آفاق الرّوح"، ج1.