التوكّل [على الله] ليس معناه التَّواكل، ولكن هو أن تعمل بكلّ جهد، وبما يرتبط بقدرتك، ثم إذا استنفدت كلّ قوَّتك من خلال الوسائل الموجودة بين يديك، ووقفت أمام المستقبل تخاف من خفاياه وزواياه ومن مفاجاءاته، عند ذلك قل: "توكَّلت على الله"، وقل "يا ربّ، هذا ما أستطيع، أمّا الغيب فليس بيديّ، إنك وحدك الذي عندك مفاتح الغيب".
وقد جاء في الحديث عن الإمام جعفر الصَّادق (ع)، وهو يقرّب لنا فكرة التوكّل من خلال شخصيّة المتوكّل على الله، حتى نفهم من خلال الصّورة الواقعيّة الفرق بين "التوكّل"، و"التواكل"، في قوله تعالى: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}1: قال: "الزارعون"2.
فعندما ندرس الفلّاح، فهل تراه يقف أمام الأرض ليقول: توكَّلت على الله، لتُخرج الأرض حنطةً وشعيراً ونخلاً وتفّاحاً...؟! إنّ الفلّاح لا يصنع ذلك، بل يأتي إلى الأرض ليدرسها، ثم يحاول أن ينقّيها من كلّ ما فيها مما يمنع الزراعة، ثم يحرثها، ثم يلقي البذور فيها، ثم يسقيها، ثم يتعهَّدها من كلّ الطوارئ الَّتي يمكن أن تسيء إلى البذرة أو التربية وما إلى ذلك، ويهيّئ كلّ العناصر الطبيعيَّة الّتي يمكن أن تحقِّق الإنتاج، ثم يقف ليفكِّر، فقد تأتي رياح عاصفة أو ثلوج أو أمراض، وقد يأتي المستقبل ولا يعرف ما يخبّئه له، بل لقد هيّأ الأرض لكي تنتج بقدر ما يتعلَّق الأمر به، أمَّا هل تنتج أو لا تنتج؟ هل يأتي الغيب المستقبليّ بما يعطِّل حركة الإنتاج؟ إنَّه يقف أمام أرضه يقول لربِّه في منطق التوكّل: "يا ربّ، هذا كلّ ما أستطيع، وإني أتوكَّل عليك فيما لا أستطيع".
وبذلك، يمثّل التوكّل موقف الإنسان أمام المجهول، وهو يحمي الإنسان من القلق الَّذي يدمِّر نفسه، كما يحمي الإنسان من الاهتزازات النفسيَّة أمام الهواجس فيما يخبّئه المستقبل.
ولذلك، فإنَّ عنصر التوكّل، إضافةً إلى كونه عنصراً يعمِّق إحساسك بالإيمان، هو عنصر يعمِّق إحساسك بالثقة، ويطرد القلق، ويبعثك على الاطمئنان، لأنك تشعر بأنَّك في حياتك تعيش بعين ربِّك الَّتي لا تنام، وتحت ظلّه الوارف، وتحت رحمته الواسعة، ربّك الَّذي كلّفك بما تستطيع، وضمِن أن يهيّئ لك من خلال الحكمة ما لا تستطيع.
وعلى هذا، فالتوكّل ليس تواكلاً، فالتّواكل هو أن تجلس في بيتك من دون أن تقدِّم أيّ جهد، فيما تطلب من الله أن يحقّق لك ما تتمنى. ولقد ورد أنّ الذين يفكّرون بهذه الطّريقة، ويتعاملون بهذا الأسلوب، لا يستجيب الله دعاءهم، لأنَّه يقول لك: لقد هيَّأت لك الوسائل التي تمثِّل الشّروط لتهيئة الوسائل الأخرى في الغيب، فلماذا لم تعمل على أساس الأخذ بهذه الأسباب؟ وقد جعلت الحياة بحكمتي خاضعةُ للأسباب، فمن لا يزرع لا يحصد، ومن يزرع البطالة يحصد الجوع والفقر والضّياع، تماماً كما هو المثل الذي يقول: "من يزرع الرّيح يحصد العاصفة".
لهذا، فنحن، على ضوء الفهم الإسلاميّ للتوكّل، المتوكّلون ولسنا المتواكلين.
* من كتاب "النَّدوة"، ج4.
[1]التوبة: 151.
[2]ميزان الحكمة، ج2، ص 264.
التوكّل [على الله] ليس معناه التَّواكل، ولكن هو أن تعمل بكلّ جهد، وبما يرتبط بقدرتك، ثم إذا استنفدت كلّ قوَّتك من خلال الوسائل الموجودة بين يديك، ووقفت أمام المستقبل تخاف من خفاياه وزواياه ومن مفاجاءاته، عند ذلك قل: "توكَّلت على الله"، وقل "يا ربّ، هذا ما أستطيع، أمّا الغيب فليس بيديّ، إنك وحدك الذي عندك مفاتح الغيب".
وقد جاء في الحديث عن الإمام جعفر الصَّادق (ع)، وهو يقرّب لنا فكرة التوكّل من خلال شخصيّة المتوكّل على الله، حتى نفهم من خلال الصّورة الواقعيّة الفرق بين "التوكّل"، و"التواكل"، في قوله تعالى: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}1: قال: "الزارعون"2.
فعندما ندرس الفلّاح، فهل تراه يقف أمام الأرض ليقول: توكَّلت على الله، لتُخرج الأرض حنطةً وشعيراً ونخلاً وتفّاحاً...؟! إنّ الفلّاح لا يصنع ذلك، بل يأتي إلى الأرض ليدرسها، ثم يحاول أن ينقّيها من كلّ ما فيها مما يمنع الزراعة، ثم يحرثها، ثم يلقي البذور فيها، ثم يسقيها، ثم يتعهَّدها من كلّ الطوارئ الَّتي يمكن أن تسيء إلى البذرة أو التربية وما إلى ذلك، ويهيّئ كلّ العناصر الطبيعيَّة الّتي يمكن أن تحقِّق الإنتاج، ثم يقف ليفكِّر، فقد تأتي رياح عاصفة أو ثلوج أو أمراض، وقد يأتي المستقبل ولا يعرف ما يخبّئه له، بل لقد هيّأ الأرض لكي تنتج بقدر ما يتعلَّق الأمر به، أمَّا هل تنتج أو لا تنتج؟ هل يأتي الغيب المستقبليّ بما يعطِّل حركة الإنتاج؟ إنَّه يقف أمام أرضه يقول لربِّه في منطق التوكّل: "يا ربّ، هذا كلّ ما أستطيع، وإني أتوكَّل عليك فيما لا أستطيع".
وبذلك، يمثّل التوكّل موقف الإنسان أمام المجهول، وهو يحمي الإنسان من القلق الَّذي يدمِّر نفسه، كما يحمي الإنسان من الاهتزازات النفسيَّة أمام الهواجس فيما يخبّئه المستقبل.
ولذلك، فإنَّ عنصر التوكّل، إضافةً إلى كونه عنصراً يعمِّق إحساسك بالإيمان، هو عنصر يعمِّق إحساسك بالثقة، ويطرد القلق، ويبعثك على الاطمئنان، لأنك تشعر بأنَّك في حياتك تعيش بعين ربِّك الَّتي لا تنام، وتحت ظلّه الوارف، وتحت رحمته الواسعة، ربّك الَّذي كلّفك بما تستطيع، وضمِن أن يهيّئ لك من خلال الحكمة ما لا تستطيع.
وعلى هذا، فالتوكّل ليس تواكلاً، فالتّواكل هو أن تجلس في بيتك من دون أن تقدِّم أيّ جهد، فيما تطلب من الله أن يحقّق لك ما تتمنى. ولقد ورد أنّ الذين يفكّرون بهذه الطّريقة، ويتعاملون بهذا الأسلوب، لا يستجيب الله دعاءهم، لأنَّه يقول لك: لقد هيَّأت لك الوسائل التي تمثِّل الشّروط لتهيئة الوسائل الأخرى في الغيب، فلماذا لم تعمل على أساس الأخذ بهذه الأسباب؟ وقد جعلت الحياة بحكمتي خاضعةُ للأسباب، فمن لا يزرع لا يحصد، ومن يزرع البطالة يحصد الجوع والفقر والضّياع، تماماً كما هو المثل الذي يقول: "من يزرع الرّيح يحصد العاصفة".
لهذا، فنحن، على ضوء الفهم الإسلاميّ للتوكّل، المتوكّلون ولسنا المتواكلين.
* من كتاب "النَّدوة"، ج4.
[1]التوبة: 151.
[2]ميزان الحكمة، ج2، ص 264.