محاضرات
22/08/2024

التَّمسُّكُ بكتابِ الله واتّباعُ نهجِ الحوار

التَّمسُّكُ بكتابِ الله واتّباعُ نهجِ الحوار

يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا...}[آل عمران: 102 – 103].
يخاطب القرآن المسلمين الَّذين يعيشون في قلوبهم الاقتناع بالإسلام والإيمان به؛ إنَّه يدعوهم إلى كتاب الله، كما دعاهم رسول الله (ص) عندما قال: "إنِّي تاركٌ فيكم ما إنْ تمسَّكْتُم به لن تضلُّوا بعدي، أحدُهُما أعظمُ منَ الآخرِ: كتابُ اللهِ، حبلٌ ممدودٌ من السَّماءِ إلى الأرضِ، وعترتي أهلُ بيتي"، فلا بدَّ للمسلمين أن يرجعوا إلى كتاب الله في كلِّ ما يختلفون فيه. وقد ورد في بعض الآيات، أنَّ المسلمين إذا تنازعوا في شيء، فإنَّ عليهم أن يردّوه إلى الله وإلى الرَّسول {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[النِّساء: 59]، والردُّ إلى الرَّسول هو ردٌّ إلى كتاب الله، لأنَّ الله يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}[الحشر: 7].
التوحُّدُ على كتابِ الله
لذلك، لا بدَّ لنا أن نجتمع على كتاب الله، بأن نستنطقه، ونستنطق في خطِّه سنَّةَ رسول الله (ص)، إذا اختلفنا في مسألة الإمامة والخلافة، وإذا اختلفنا في مفهوم إسلاميّ، أو في حكم شرعيّ، أن لا تتحوَّل الخلافات فيما بيننا إلى عصبيَّات ذاتيَّة، بحيث تتحوَّل المذهبيَّة إلى حالة طائفيَّة كما لو كانت شيئاً خاصّاً ذاتيّاً غير الإسلام، بحيث يستغرق الإنسان في مذهبيَّته من دون وعي الخطِّ المذهبيّ، بل يعتبر جماعته عشيرةً من العشائر، بقطع النَّظر عن كلِّ المفاهيم الَّتي يقتضيها هذا المذهب أو ذاك المذهب. وبذلك يبدأ تكفير المسلمين بعضهم لبعض، وحرب المسلمين بعضهم ضدَّ بعض، مما يمكِّن الكافرين منهم.
الدَّعوةُ إلى نهجِ الحوار
إنَّ المشكلة الَّتي يعيشها المسلمون - وكلٌّ يقول قال الله، وقال رسول الله - هي أنَّهم لا يحاولون أن يلتقوا في لقاءات إسلاميَّة تنطلق من الحوار المباشر الَّذي يخاطب فيه بعضهم بعضاً، ويحاور فيه بعضهم بعضاً، ويعمل كلّ واحد منهم على أن يقدِّم حجَّته لتكون المسألة للأقوى، بل المسألة هي أنَّنا نتراشق بالاتهامات وبالتَّكفير، وما إلى ذلك، وهذا ما جعل واقع المسلمين التَّاريخي وواقعهم المعاصر واقع الشَّرذمة، وواقع التمزّق، وواقع الوصول إلى مواقع الهلاك، عندما تصادَر مجتمعاتهم، وتصادَر أرضهم، ويصادَر اقتصادهم، وما إلى ذلك.
إنَّ الله يريدنا إذا كنَّا جادّين في التزامنا بكتاب الله وبرسوله، أن نعيش بعقلٍ مفتوحٍ واعٍ، لنبحث ذلك كما لو كنَّا معاً نريد أن نصل إلى الحقيقة، يعني هناك فرق بين أن تحاور الآخر حتَّى تسجِّل عليه نقطة، أو حتّى تثبت ما عندك حتَّى لو كان ما عندك خطأ، أو أن يحاورك الآخر بهذه الرّوحيَّة، وبين أن تتحاورا لتصلا إلى الحقيقة! إنَّ الحوار الطَّبيعيَّ والموضوعيَّ، والحوار الَّذي يمكن أن يؤدِّي إلى نتيجة، هو أن يقف المتحاوران، حتَّى لو كان كلّ منهما يعتقد بما يلتزمه مائة في المائة، لكن في حالة الحوار، أن يكون كلّ منهما في موقف الباحث عن الحقيقة، بحيث يتعاونان معاً للوصول إليها.
وهذا ما علَّمه الله لرسوله في كتابه عندما أراد له أن يحاور الكفَّار، فكان يقول لهم: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[سبأ: 24]. فالنَّبيُّ (ص) في هذه الآية، يظهر - نعوذ بالله - وكأنَّه شاكٌّ في المسألة، لا يعرف إذا كان على هدى أو على ضلال، أو إذا كان الآخرون على هدى أو ضلال. فهل القضيَّة كذلك؟ والرَّسول (ص) الَّذي {جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}[الزّمر: 33]، والدَّاعية إلى الله، والدَّاعية إلى الحقِّ، والَّذي بعثه الله {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}[الجمعة: 2]، لا يمكن أن يكون شاكّاً ولو بنسبة الواحد إلى المليون. لكنَّ الله أراد للحوار الإسلاميّ أن يبتعد عن كلِّ الانفعالات الذَّاتيَّة عندما تخاطب الفريق الثَّاني، بحيث تخاطبه كما لو كنت شاكّاً في المسألة وتبحث عن الحقيقة، وأنت لست بشاكّ، لتجرَّه إلى أن يتقمَّص شخصيَّة الشَّاكِّ ليبحث عن الحقيقة، حتَّى يكون الحوار من الطَّرفين في أجواء التَّعاون على الوصول إلى الحقيقة، وإلَّا كانت المسألة مثل اللّعبة الرّياضيَّة، فهذا يريد تسجيل هدف على ذاك، وذاك يريد تسجيل هدف على هذا.
في الحوار الفكريّ، لا يوجد تسجيل هدفٍ من طرفٍ على آخر، بل الهدف هو الوصول إلى الحقّ والحقيقة، فإذا كنْتَ مقتنعاً بالحقّ، فينبغي أن تلجأَ إلى كلِّ الوسائل الفكريَّة والشعوريَّة والبيانيَّة الَّتي تفتح لك عقل الإنسان الآخر وقلبه، لأنَّك إذا واجهت الآخر بالتعصّب والسُّباب والشَّتائم والتَّكفير، فإنَّك تغلق ما كان مفتوحاً من قلبه، ونحن نريد أن نفتح ما كان مغلقاً من قلبه، نريد أن نفتح قلوب النَّاس على الحقّ، بالكلمة الطيِّبة، بالابتسامة الطيِّبة، بالأسلوب الطيِّب.
* من محاضرة عاشورائيَّة لسماحته، بتاريخ: 10/05/1997م.
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا...}[آل عمران: 102 – 103].
يخاطب القرآن المسلمين الَّذين يعيشون في قلوبهم الاقتناع بالإسلام والإيمان به؛ إنَّه يدعوهم إلى كتاب الله، كما دعاهم رسول الله (ص) عندما قال: "إنِّي تاركٌ فيكم ما إنْ تمسَّكْتُم به لن تضلُّوا بعدي، أحدُهُما أعظمُ منَ الآخرِ: كتابُ اللهِ، حبلٌ ممدودٌ من السَّماءِ إلى الأرضِ، وعترتي أهلُ بيتي"، فلا بدَّ للمسلمين أن يرجعوا إلى كتاب الله في كلِّ ما يختلفون فيه. وقد ورد في بعض الآيات، أنَّ المسلمين إذا تنازعوا في شيء، فإنَّ عليهم أن يردّوه إلى الله وإلى الرَّسول {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[النِّساء: 59]، والردُّ إلى الرَّسول هو ردٌّ إلى كتاب الله، لأنَّ الله يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}[الحشر: 7].
التوحُّدُ على كتابِ الله
لذلك، لا بدَّ لنا أن نجتمع على كتاب الله، بأن نستنطقه، ونستنطق في خطِّه سنَّةَ رسول الله (ص)، إذا اختلفنا في مسألة الإمامة والخلافة، وإذا اختلفنا في مفهوم إسلاميّ، أو في حكم شرعيّ، أن لا تتحوَّل الخلافات فيما بيننا إلى عصبيَّات ذاتيَّة، بحيث تتحوَّل المذهبيَّة إلى حالة طائفيَّة كما لو كانت شيئاً خاصّاً ذاتيّاً غير الإسلام، بحيث يستغرق الإنسان في مذهبيَّته من دون وعي الخطِّ المذهبيّ، بل يعتبر جماعته عشيرةً من العشائر، بقطع النَّظر عن كلِّ المفاهيم الَّتي يقتضيها هذا المذهب أو ذاك المذهب. وبذلك يبدأ تكفير المسلمين بعضهم لبعض، وحرب المسلمين بعضهم ضدَّ بعض، مما يمكِّن الكافرين منهم.
الدَّعوةُ إلى نهجِ الحوار
إنَّ المشكلة الَّتي يعيشها المسلمون - وكلٌّ يقول قال الله، وقال رسول الله - هي أنَّهم لا يحاولون أن يلتقوا في لقاءات إسلاميَّة تنطلق من الحوار المباشر الَّذي يخاطب فيه بعضهم بعضاً، ويحاور فيه بعضهم بعضاً، ويعمل كلّ واحد منهم على أن يقدِّم حجَّته لتكون المسألة للأقوى، بل المسألة هي أنَّنا نتراشق بالاتهامات وبالتَّكفير، وما إلى ذلك، وهذا ما جعل واقع المسلمين التَّاريخي وواقعهم المعاصر واقع الشَّرذمة، وواقع التمزّق، وواقع الوصول إلى مواقع الهلاك، عندما تصادَر مجتمعاتهم، وتصادَر أرضهم، ويصادَر اقتصادهم، وما إلى ذلك.
إنَّ الله يريدنا إذا كنَّا جادّين في التزامنا بكتاب الله وبرسوله، أن نعيش بعقلٍ مفتوحٍ واعٍ، لنبحث ذلك كما لو كنَّا معاً نريد أن نصل إلى الحقيقة، يعني هناك فرق بين أن تحاور الآخر حتَّى تسجِّل عليه نقطة، أو حتّى تثبت ما عندك حتَّى لو كان ما عندك خطأ، أو أن يحاورك الآخر بهذه الرّوحيَّة، وبين أن تتحاورا لتصلا إلى الحقيقة! إنَّ الحوار الطَّبيعيَّ والموضوعيَّ، والحوار الَّذي يمكن أن يؤدِّي إلى نتيجة، هو أن يقف المتحاوران، حتَّى لو كان كلّ منهما يعتقد بما يلتزمه مائة في المائة، لكن في حالة الحوار، أن يكون كلّ منهما في موقف الباحث عن الحقيقة، بحيث يتعاونان معاً للوصول إليها.
وهذا ما علَّمه الله لرسوله في كتابه عندما أراد له أن يحاور الكفَّار، فكان يقول لهم: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[سبأ: 24]. فالنَّبيُّ (ص) في هذه الآية، يظهر - نعوذ بالله - وكأنَّه شاكٌّ في المسألة، لا يعرف إذا كان على هدى أو على ضلال، أو إذا كان الآخرون على هدى أو ضلال. فهل القضيَّة كذلك؟ والرَّسول (ص) الَّذي {جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}[الزّمر: 33]، والدَّاعية إلى الله، والدَّاعية إلى الحقِّ، والَّذي بعثه الله {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}[الجمعة: 2]، لا يمكن أن يكون شاكّاً ولو بنسبة الواحد إلى المليون. لكنَّ الله أراد للحوار الإسلاميّ أن يبتعد عن كلِّ الانفعالات الذَّاتيَّة عندما تخاطب الفريق الثَّاني، بحيث تخاطبه كما لو كنت شاكّاً في المسألة وتبحث عن الحقيقة، وأنت لست بشاكّ، لتجرَّه إلى أن يتقمَّص شخصيَّة الشَّاكِّ ليبحث عن الحقيقة، حتَّى يكون الحوار من الطَّرفين في أجواء التَّعاون على الوصول إلى الحقيقة، وإلَّا كانت المسألة مثل اللّعبة الرّياضيَّة، فهذا يريد تسجيل هدف على ذاك، وذاك يريد تسجيل هدف على هذا.
في الحوار الفكريّ، لا يوجد تسجيل هدفٍ من طرفٍ على آخر، بل الهدف هو الوصول إلى الحقّ والحقيقة، فإذا كنْتَ مقتنعاً بالحقّ، فينبغي أن تلجأَ إلى كلِّ الوسائل الفكريَّة والشعوريَّة والبيانيَّة الَّتي تفتح لك عقل الإنسان الآخر وقلبه، لأنَّك إذا واجهت الآخر بالتعصّب والسُّباب والشَّتائم والتَّكفير، فإنَّك تغلق ما كان مفتوحاً من قلبه، ونحن نريد أن نفتح ما كان مغلقاً من قلبه، نريد أن نفتح قلوب النَّاس على الحقّ، بالكلمة الطيِّبة، بالابتسامة الطيِّبة، بالأسلوب الطيِّب.
* من محاضرة عاشورائيَّة لسماحته، بتاريخ: 10/05/1997م.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية