نريد لهذه الأجواء التي نعيشها مع ميلاد السيّد المسيح (ع)، أن تملأَ قلوبنا
بالرّحمة وبالمحبّة وبالمسؤوليّة، وبالانطلاق في خدمة الله سبحانه وتعالى، وبالحوار
فيما نختلف حوله، وبالتعاون فيما نتَّفق عليه.
هكذا أراد الله لعيسى أن يبلّغ، وهكذا أراد الله لمحمَّد أن يبلّغ، وهكذا أراد الله
للأنبياء أن يبلّغوا، وهكذا أراد الله لنا نحن أتباع الأنبياء، أراد لنا أن لا نعيش
العصبيّة في انتماءاتنا، ولكن أن نعيش المسؤوليَّة في أفكارنا، ونعيش الانفتاح،
وننطلق من أجل أن نلتقي على القيم الأساسية التي يريد الله للحياة أن تحتضنها، وعلى
المبادئ الكبيرة التي يريد الله للنّاس أن يحملوها، أن نعيش في هذا المنطلق، وفي
هذا الجوّ، وهذا ما علّمنا القرآن أن ننطلق فيه.
عندما نلتقي بالآخرين الَّذين لا ينتمون إلى ما ننتمي إليه، فإنَّ القرآن الكريم في
الوقت الذي يقف ليناقش فكرهم، وليناقش بعض ما يعتبره انحرافاً عن الخطّ، لا يريد أن
يعقِّدها، وأن يجعل من الخلاف عقدةً تثير فينا المعاني الحاقدة، والمعاني الّتي
تثير العداوة، بل أرادنا القرآن أن نأخذ الأجواء الروحيّة والإيجابيّات، لنستطيع أن
نقترب، حتى يدفعنا القرب لأن نتجاور {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً
لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} يعيشون روحيّة السيّد
المسيح، ولا يعيشون روحية غيره {ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانً}
يعيشون المحبة والتسامح، ولا يعيشون العصبيّة والتعقيد {وَأَنَّهُمْ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ }[المائدة: 82]، يتواضعون للناس، ويتواضعون للحقيقة، وإذا عاش
الإنسان التواضع للنّاس، احترم الناس الذين يتّفقون معه والذين يختلفون معه، وإذا
عاش التواضع للحقيقة، لن يتعصَّب لفكر قد يثبت أنّه ليس الحقيقة، وإنما يلاحق
الحقيقة كيف تتحرّك وكيف تكون، وهذا ما كنا نقوله دائماً من موقع القرآن الّذي
يعلّمنا كيف يكون التعايش.
وفي الإسلام، حتى عندما يحكم الإسلام، الإسلام يؤمن بالتعايش مع أهل الديانات
الأخرى، ربما لا يؤمن بالتعايش مع المشركين، ولكنه يؤمن بالتعايش مع أهل الديانات
الأخرى. ولهذا رأينا كلّ بلاد المسلمين التي كانت تعيش تحت الحكم الإسلاميّ، سواء
كان حكماً صحيحاً أو حكماً غير صحيح، رأينا أنّه إلى جانب المسلمين، كان هناك
مجتمعات من أهل الكتاب، لم يضطهدوهم في عقيدتهم وفي دينهم.
ربما كانت تحدث كثير من المشاكل وكثير من الحروب، ولكن لم تكن من منطق الإسلام، بل
كانت من منطق الواقع الّذي نرى أنه يحصل بين المسلمين أنفسهم، وبين أهل الديانات
الأخرى أنفسهم.
الإسلام يؤمن بالتعايش، ويؤمن بالحوار، ويؤمن بأنَّ على الذين يتعايشون أن يقفوا مع
القضايا الّتي يؤمنون بها، ليتحاوروا فيما يختلفون فيه، وليتعاونوا فيما يتّفقون
عليه.
ولهذا، قال لهم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ}، هناك أشياء نلتقي حولها
وعلينا أن نقف عليها، أن لا نعبد إلّا الله، الإنجيل يتحدَّث عن توحيد الله،
والتوراة تتحدَّث عن توحيد الله، والقرآن يتحدَّث عن توحيد الله، ربما تفهمون
التوحيد بطريقة فلسفيّة، أو يفهمها بعضكم بطريقة أخرى، ولكنّكم تقولون عن أنفسكم
إنكم موحِّدون جميعاً، تعبدون الله ولا تعبدون غيره، حتى عندما تتعبَّدون للمسيح
(ع)، تتعبّدون على أساس أنّه الله وأنّه التجسيد لله، أنتم تقولون بالتّوحيد {وَلَا
نُشْرِكَ بِهِ شَيْئً}، أن لا نشرك به في الطّاعة، ولا نجعل القوى العظمى أو
الوسطى أو الصّغرى شركاء لله في عبوديتنا وطاعتنا.. لا نجعل الدول الكبرى شركاء لله
في عبوديتنا لها وطاعتنا لها، اعبدوا الله وحده، لا تعبدوا أمريكا، ولا تعبدوا
أوروبا، ولا تعبدوا روسيا، ولا تعبدوا إسرائيل، ولا تعبدوا كلّ هؤلاء الصغار الّذين
يعتبرون أنفسهم أرباباً من دون الله، سواء كانوا أرباباً محليين أو إقليميين أو
دوليين.
{وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ}[آل عمران: 64]،
لا يكن منكم إله صغير يريد أن يتجبّر على الناس ويدعوهم إلى نفسه من دون الله، ولا
يكن منّا إله صغير يريد أن يتجبّر على الناس ويدعو الناس إلى نفسه...
أن نعيش العبوديَّة لله، وأن نعيش الحريَّة أمام كلِّ القوى الطاغية والمتجبّرة
والحاقدة، والّتي تحاول أن تسحق المظلومين والمحرومين والضّعفاء في الكون من مواقع
قوّتها.
تعالوا لنكون القوى التي تستهدي روحيّتها من القيم، لتقف أمام القوَّة التي تحاول
أن تأخذ قوَّتها مِمّا تملكه من قوى ماديّة في حياتها.
*من كتاب "من أجل الإسلام".
نريد لهذه الأجواء التي نعيشها مع ميلاد السيّد المسيح (ع)، أن تملأَ قلوبنا
بالرّحمة وبالمحبّة وبالمسؤوليّة، وبالانطلاق في خدمة الله سبحانه وتعالى، وبالحوار
فيما نختلف حوله، وبالتعاون فيما نتَّفق عليه.
هكذا أراد الله لعيسى أن يبلّغ، وهكذا أراد الله لمحمَّد أن يبلّغ، وهكذا أراد الله
للأنبياء أن يبلّغوا، وهكذا أراد الله لنا نحن أتباع الأنبياء، أراد لنا أن لا نعيش
العصبيّة في انتماءاتنا، ولكن أن نعيش المسؤوليَّة في أفكارنا، ونعيش الانفتاح،
وننطلق من أجل أن نلتقي على القيم الأساسية التي يريد الله للحياة أن تحتضنها، وعلى
المبادئ الكبيرة التي يريد الله للنّاس أن يحملوها، أن نعيش في هذا المنطلق، وفي
هذا الجوّ، وهذا ما علّمنا القرآن أن ننطلق فيه.
عندما نلتقي بالآخرين الَّذين لا ينتمون إلى ما ننتمي إليه، فإنَّ القرآن الكريم في
الوقت الذي يقف ليناقش فكرهم، وليناقش بعض ما يعتبره انحرافاً عن الخطّ، لا يريد أن
يعقِّدها، وأن يجعل من الخلاف عقدةً تثير فينا المعاني الحاقدة، والمعاني الّتي
تثير العداوة، بل أرادنا القرآن أن نأخذ الأجواء الروحيّة والإيجابيّات، لنستطيع أن
نقترب، حتى يدفعنا القرب لأن نتجاور {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً
لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} يعيشون روحيّة السيّد
المسيح، ولا يعيشون روحية غيره {ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانً}
يعيشون المحبة والتسامح، ولا يعيشون العصبيّة والتعقيد {وَأَنَّهُمْ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ }[المائدة: 82]، يتواضعون للناس، ويتواضعون للحقيقة، وإذا عاش
الإنسان التواضع للنّاس، احترم الناس الذين يتّفقون معه والذين يختلفون معه، وإذا
عاش التواضع للحقيقة، لن يتعصَّب لفكر قد يثبت أنّه ليس الحقيقة، وإنما يلاحق
الحقيقة كيف تتحرّك وكيف تكون، وهذا ما كنا نقوله دائماً من موقع القرآن الّذي
يعلّمنا كيف يكون التعايش.
وفي الإسلام، حتى عندما يحكم الإسلام، الإسلام يؤمن بالتعايش مع أهل الديانات
الأخرى، ربما لا يؤمن بالتعايش مع المشركين، ولكنه يؤمن بالتعايش مع أهل الديانات
الأخرى. ولهذا رأينا كلّ بلاد المسلمين التي كانت تعيش تحت الحكم الإسلاميّ، سواء
كان حكماً صحيحاً أو حكماً غير صحيح، رأينا أنّه إلى جانب المسلمين، كان هناك
مجتمعات من أهل الكتاب، لم يضطهدوهم في عقيدتهم وفي دينهم.
ربما كانت تحدث كثير من المشاكل وكثير من الحروب، ولكن لم تكن من منطق الإسلام، بل
كانت من منطق الواقع الّذي نرى أنه يحصل بين المسلمين أنفسهم، وبين أهل الديانات
الأخرى أنفسهم.
الإسلام يؤمن بالتعايش، ويؤمن بالحوار، ويؤمن بأنَّ على الذين يتعايشون أن يقفوا مع
القضايا الّتي يؤمنون بها، ليتحاوروا فيما يختلفون فيه، وليتعاونوا فيما يتّفقون
عليه.
ولهذا، قال لهم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ}، هناك أشياء نلتقي حولها
وعلينا أن نقف عليها، أن لا نعبد إلّا الله، الإنجيل يتحدَّث عن توحيد الله،
والتوراة تتحدَّث عن توحيد الله، والقرآن يتحدَّث عن توحيد الله، ربما تفهمون
التوحيد بطريقة فلسفيّة، أو يفهمها بعضكم بطريقة أخرى، ولكنّكم تقولون عن أنفسكم
إنكم موحِّدون جميعاً، تعبدون الله ولا تعبدون غيره، حتى عندما تتعبَّدون للمسيح
(ع)، تتعبّدون على أساس أنّه الله وأنّه التجسيد لله، أنتم تقولون بالتّوحيد {وَلَا
نُشْرِكَ بِهِ شَيْئً}، أن لا نشرك به في الطّاعة، ولا نجعل القوى العظمى أو
الوسطى أو الصّغرى شركاء لله في عبوديتنا وطاعتنا.. لا نجعل الدول الكبرى شركاء لله
في عبوديتنا لها وطاعتنا لها، اعبدوا الله وحده، لا تعبدوا أمريكا، ولا تعبدوا
أوروبا، ولا تعبدوا روسيا، ولا تعبدوا إسرائيل، ولا تعبدوا كلّ هؤلاء الصغار الّذين
يعتبرون أنفسهم أرباباً من دون الله، سواء كانوا أرباباً محليين أو إقليميين أو
دوليين.
{وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ}[آل عمران: 64]،
لا يكن منكم إله صغير يريد أن يتجبّر على الناس ويدعوهم إلى نفسه من دون الله، ولا
يكن منّا إله صغير يريد أن يتجبّر على الناس ويدعو الناس إلى نفسه...
أن نعيش العبوديَّة لله، وأن نعيش الحريَّة أمام كلِّ القوى الطاغية والمتجبّرة
والحاقدة، والّتي تحاول أن تسحق المظلومين والمحرومين والضّعفاء في الكون من مواقع
قوّتها.
تعالوا لنكون القوى التي تستهدي روحيّتها من القيم، لتقف أمام القوَّة التي تحاول
أن تأخذ قوَّتها مِمّا تملكه من قوى ماديّة في حياتها.
*من كتاب "من أجل الإسلام".