[بعد الحديث عن الأسلوب الأوّل حول الطّريقة الّتي أدار فيها النبيّ العلاقة بين
النبوَّة والبشريَّة، يأتي الأسلوب الثّاني الّذي هو محاولة إدارة الحوار حول
الفكرة الّتي تتحدّى النّبوّة من خلال التصوّر المنحرف عن شخصه].
وتواجهنا في هذا الأسلوب الآيات الكريمة التي تتناول رفض رسالة النبيّ لصفته
البشريّة وطاقاته العادية:
{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ
لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ
كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن
تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُوراً * انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ
الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيل}[الفرقان: ٧ – ٩].
ويتابع القرآن الكريم الجانب الثّاني من الحوار، في السّورة نفسها، في قوله تعالى:
{وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ
الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً
أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِير}[الفرقان: ٢٠].
ونلتقي ـــ في هذا الاتجاه ـــ بالآيات الكريمة الّتي تعرض الخطأ وتحاول أن تناقشه:
{وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً *
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ
خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً
أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن
زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ
عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً
رَّسُولاً * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلَّا
أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَّسُولاً * قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ
مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ
مَلَكاً رَّسُول}[الإسراء: ٩٠ – ٩٥].
فنحن نلاحظ ـــ في هذه الآيات ـــ أنّهم واجهوا الرّسول بهذه المقترحات كأساس
لإثبات رسالته، من حيث إنّها تمثّل في مفهومهم ما ينبغي أن يتمتَّع به من القدرات
غير العاديّة. وكان الجواب الهادئ البسيط منطلقاً من تأكيد فكرة البشريّة التي
تتعارض مع هذه الاقتراحات، واعتبار الرّسالة ــــ بعد ذلك ـــ هي الصّفة الوحيدة
التي تميّزه عن الآخرين. ثم تقرّر الآية أنّ التصوّر الخاطئ ـــ في تاريخ الشعوب
التي عايشت النبوّات ـــ الذي يرفض فكرة الرسول ـــ البشر، شارك في منع الناس من
الإيمان، ثم تضع الفكرة في إطارها الطبيعيّ من جانبين:
الجانب الأوّل: هو استبعاد هذه الفكرة الخاطئة، لعدم استنادها إلى أساسٍ، والتأكيد
أنّ الأمر الطبيعيَّ هو أن يكون بشراً، كشرط ضروريّ لتحقيق الانسجام بين الرّسول
وأتباعه، لتكون العلاقة بينهما علاقة طبيعيّة، لأنَّ مهمّته ليست البلاغ فحسب؛ بل
التّجسيد الحيّ للفكرة في عمله،، إذ لو كان ملكاً، أو كان في مستوى أعلى من المستوى
البشريّ في طاقاته، لأمكن أن لا يعتبر الناس التطبيق العملي الذي كان يمارسه دليلاً
على واقعية الرسالة، وإمكانية تطبيقها من قِبَل الآخرين. وهذا ما عبّر عنه القرآن
الكريم بصورة واضحة، حيث اعتبر أنّ طبيعة الانسجام بين الرسول وأتباعه، توجب أن
يرسل الله إلى الأرض ملكاً رسولاً، في حال كان المجتمع الذي أرسل إليه في الأرض
مجتمع ملائكة.
الجانب الثاني: التركيز على خطأ الفكرة من زاوية أخرى، وهي أنّنا لا نشعر بضرورة
حصول الرّسول على قوّة غير عادية، لأنّ مهمّته ليست تغيير النظام المألوف للكون، أو
القيام بحركات استعراضية خارقة للعادة، ليلفت الأنظار إليه، أو ليزهوَ بالعظمة التي
تخشع لها القلوب والأبصار، ممّا يحوجه إلى القوّة من أجل تحقيق ذلك، بل مهمّته
الوحيدة هي الرّسالة؛ وشرطها الوحيد أن يتمتَّع بالطاقات التي توهِّله لتلقِّي تلك
الرّسالة بالوحي، ولحمل تلك الرّسالة وإبلاغها للناس، ثمّ القدرة العمليّة على
تطبيقها وقيادة الناس إلى ذلك. أمّا في غير ذلك، فإنّ القضيّة تخضع لتخطيط الله له،
من حيث ما يمنحه الله من معلومات، أو يمكِّنه من المعجزة.

[بعد الحديث عن الأسلوب الأوّل حول الطّريقة الّتي أدار فيها النبيّ العلاقة بين
النبوَّة والبشريَّة، يأتي الأسلوب الثّاني الّذي هو محاولة إدارة الحوار حول
الفكرة الّتي تتحدّى النّبوّة من خلال التصوّر المنحرف عن شخصه].
وتواجهنا في هذا الأسلوب الآيات الكريمة التي تتناول رفض رسالة النبيّ لصفته
البشريّة وطاقاته العادية:
{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ
لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ
كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن
تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُوراً * انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ
الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيل}[الفرقان: ٧ – ٩].
ويتابع القرآن الكريم الجانب الثّاني من الحوار، في السّورة نفسها، في قوله تعالى:
{وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ
الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً
أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِير}[الفرقان: ٢٠].
ونلتقي ـــ في هذا الاتجاه ـــ بالآيات الكريمة الّتي تعرض الخطأ وتحاول أن تناقشه:
{وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً *
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ
خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً
أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن
زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ
عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً
رَّسُولاً * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلَّا
أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَّسُولاً * قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ
مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ
مَلَكاً رَّسُول}[الإسراء: ٩٠ – ٩٥].
فنحن نلاحظ ـــ في هذه الآيات ـــ أنّهم واجهوا الرّسول بهذه المقترحات كأساس
لإثبات رسالته، من حيث إنّها تمثّل في مفهومهم ما ينبغي أن يتمتَّع به من القدرات
غير العاديّة. وكان الجواب الهادئ البسيط منطلقاً من تأكيد فكرة البشريّة التي
تتعارض مع هذه الاقتراحات، واعتبار الرّسالة ــــ بعد ذلك ـــ هي الصّفة الوحيدة
التي تميّزه عن الآخرين. ثم تقرّر الآية أنّ التصوّر الخاطئ ـــ في تاريخ الشعوب
التي عايشت النبوّات ـــ الذي يرفض فكرة الرسول ـــ البشر، شارك في منع الناس من
الإيمان، ثم تضع الفكرة في إطارها الطبيعيّ من جانبين:
الجانب الأوّل: هو استبعاد هذه الفكرة الخاطئة، لعدم استنادها إلى أساسٍ، والتأكيد
أنّ الأمر الطبيعيَّ هو أن يكون بشراً، كشرط ضروريّ لتحقيق الانسجام بين الرّسول
وأتباعه، لتكون العلاقة بينهما علاقة طبيعيّة، لأنَّ مهمّته ليست البلاغ فحسب؛ بل
التّجسيد الحيّ للفكرة في عمله،، إذ لو كان ملكاً، أو كان في مستوى أعلى من المستوى
البشريّ في طاقاته، لأمكن أن لا يعتبر الناس التطبيق العملي الذي كان يمارسه دليلاً
على واقعية الرسالة، وإمكانية تطبيقها من قِبَل الآخرين. وهذا ما عبّر عنه القرآن
الكريم بصورة واضحة، حيث اعتبر أنّ طبيعة الانسجام بين الرسول وأتباعه، توجب أن
يرسل الله إلى الأرض ملكاً رسولاً، في حال كان المجتمع الذي أرسل إليه في الأرض
مجتمع ملائكة.
الجانب الثاني: التركيز على خطأ الفكرة من زاوية أخرى، وهي أنّنا لا نشعر بضرورة
حصول الرّسول على قوّة غير عادية، لأنّ مهمّته ليست تغيير النظام المألوف للكون، أو
القيام بحركات استعراضية خارقة للعادة، ليلفت الأنظار إليه، أو ليزهوَ بالعظمة التي
تخشع لها القلوب والأبصار، ممّا يحوجه إلى القوّة من أجل تحقيق ذلك، بل مهمّته
الوحيدة هي الرّسالة؛ وشرطها الوحيد أن يتمتَّع بالطاقات التي توهِّله لتلقِّي تلك
الرّسالة بالوحي، ولحمل تلك الرّسالة وإبلاغها للناس، ثمّ القدرة العمليّة على
تطبيقها وقيادة الناس إلى ذلك. أمّا في غير ذلك، فإنّ القضيّة تخضع لتخطيط الله له،
من حيث ما يمنحه الله من معلومات، أو يمكِّنه من المعجزة.