كتابات
19/05/2021

هل المسلم محرومٌ من مباهج الحياة؟!

هل المسلم محرومٌ من مباهج الحياة؟!

[يتردَّد على لسان البعض: أنَّ العقيدة الإسلاميّة تقيِّد حريّة الإنسان الشخصيَّة وتحرِّم عليه التمتُّع بمباهج الحياة. فهل للإسلام ردّ على هذا القول؟]

أمّا موقف الإسلام من الاستمتاع بالحياة، بما تحتويه من لذائذ وشهوات، وما تشتمل عليه من مباهج، فنستطيع أن نؤكّد ـــ من خلال النصوص الإسلاميّة ـــ الفكرة التالية:

إنَّ الإسلام يريد للإنسان أن يعيش في الحياة عيشة طبيعية، تتمثّل في إشباع الجوع الطبيعيّ للغرائز البشريّة التي أودعها الله فيه، فلم يخلقها الله ليقوم الإنسان بتجميدها، بل لتمارس دورها الطبيعي في عملية النموّ والحركة والحياة.

ولهذا، وقف الإسلام ضدّ الرهبانيّة وقفةً حاسمةً تلغي هذا الأسلوب من الإسلام رأساً، فجاء الحديث الشّريف ليقرّر بكلمة جازمة: "لا رهبانيّة في الإسلام"، لأنَّ الرهبانية تمثّل إغلاق النّوافذ التي يطلّ منها الإنسان على نِعم الله في الحياة.

وعلى ضوء هذه الفكرة، انطلقت الآيات الكريمة في القرآن، لتتحدَّث عن الطيّبات، وتدعو الإنسان إلى الأخذِ بها وعدم تحريمها على نفسه بأساليب عديدة، تشتدّ وتلين حسب اختلاف الجوّ الذي يُراد إيجاده للفكرة.

فنقرأ في سورة [الأعراف، الآية: 157] قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ...} في معرض الحديث عن الشِّرعةِ الأساسيّة التي ترتكز عليها الدّعوة التي جاء بها النبيّ محمّد (ص).

ونقرأ قوله تعالى: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ}[المائدة: 88]

{فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[النّحل: 114].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ للهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[البقرة: 172].

ثمَّ نقرأ بعد ذلك الآيات التي تنهى عن تحريم الإنسان الطيّبات على نفسه، كما في قوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[المائدة: 87].

ثمّ نقف مع الآية الكريمة التي توجّه الإنسان إلى أن يأخذ زينته عند كلّ مسجد، وتستنكر فكرة تحريم الزينة في الحياة والطيّبات من الرّزق:

{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[الأعراف: 31 ـــ 32].

وربّما نلمح الفكرة واضحة جليّة في القصّة التي يذكرها المفسِّرون في الأجواء التي نزلت فيها الآية المتقدِّمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ}... إلخ.

قال المفسّرون كما في مجمع البيان: جَلَسَ رسول الله يوماً، فذكر النار ووصف القيامة، فرقَّ الناس وبكوا، واجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي، واتّفقوا على أن يصوموا النّهار ويقوموا اللّيل ولا يناموا على الفراش ولا يأكلوا اللّحم ولا الودك ولا يقربوا النّساء ولا الطّيب، ويلبسوا المسوح ويرفضوا الدّنيا ويسيحوا في الأرض.

فبلغ ذلك رسول الله (ص)، فأرسل إليهم وقال لهم: ألم أنبّئكم أنّكم اتَّفقتم على كذا وكذا؟! قالوا: بلى يا رسول الله، وما أردنا إلّا الخير، فقال النبيّ (ص) إنّي لم أؤمر بذلك، ثمّ قال: "إنَّ لأنفسكم عليكم حقّاً، فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا، فإنّي أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللّحم والدَّسم وآتي النساء، ومَن رغب عن سنّتي فليس منّي".

ثمّ جمع الناس وخطبهم وقال: "ما بال أقوام حرّموا النّساء والطعام والطّيب والنوم وشهوات الدنيا؟! أما إنّي لستُ آمركم أن تكونوا قسّيسين ورهباناً، فإنّه ليس في ديني ترك اللّحم ولا النساء ولا اتّخاذ الصّوامع، إنَّ رهبانيّة أُمّتي الصّوم وسياحتهم الجهاد، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وحجُّوا واعتمروا وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وصوموا رمضان واستقيموا يستقم لكم، فإنَّما هلك مَن كان قبلكم بالتّشديد، شدُّوا على أنفسكم فشدّد الله عليهم...".

فنحن نلاحظ أنَّ النبيّ قد أعطى القضيّة أهميّة كبيرة، نظراً إلى أنّ هذا الفهم الخاطئ للموعظة وموقف الإنسان من مباهج الحياة، يؤثّر تأثيراً كبيراً في النظرة العامّة للحياة، بالتّالي، في الممارسة العمليّة في سلوك الإنسان المسلم إزاءها.

فلم يكتفِ النبيّ (ص) بإصلاح خطئهم وتوجيههم للخطّ الصّحيح، بل انطلق ليمنع تأثير هذه النظرة الضيّقة على الأُمّة، فانطلق يتحدَّث إليهم بشكلٍ عام ليركّز الفكرة الصّحيحة على المستوى العامّ للأُمّة دون تحديد.

وقد نجد ملامح هذا الموقف الصّلب إزاء الفهم الخاطئ الذي يدفع إلى السّلوك المنحرف على أساس هذا الفهم ـــ في حديث الإمام عليّ أمير المؤمنين (ع) الذي خاطب به عاصم بن زياد الذي لبس العباءة وتخلَّى عن الدنيا. فقد جاء في نهج البلاغة أنّه قال له:

"يا عُديّ نفسه، لقد استهام بك الخبيث! أمَا رحمت أهلك وولدك؟! أترى الله أحلَّ لك الطيّبات وهو يكره أن تأخذها؟! أنت أهون على الله من ذلك". ثمّ يحدّثنا الرضي (رض) في النهج أنّ عاصماً اعترضَ على الإمام (ع) مشيراً إلى سلوك الإمام العملي الرافض لمتع الحياة ولذائذها، قائلاً: يا أمير المؤمنين، هذا أنتَ في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك.

فقال له الإمام (ع): "ويحك، إنّي لستُ كأنت، إنَّ الله فرض على أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيَّغ(1) الفقير فقره".

وبهذا، حسم الإمام الموقف كلّه، فإنَّ سلوكه العمليّ خاضع لمركزه القياديّ الذي يفرض عليه أن يقيس نفسه بأضعف رعيّته، ليجد الفقير بالإمام أسوةً حَسَنَة، فيصبر على فقره ريثما تحلّ مشكلته.

*من كتاب "مفاهيم إسلاميّة عامّة".

[1]يتبيّغ: كي لا يهلكه فقره.

[يتردَّد على لسان البعض: أنَّ العقيدة الإسلاميّة تقيِّد حريّة الإنسان الشخصيَّة وتحرِّم عليه التمتُّع بمباهج الحياة. فهل للإسلام ردّ على هذا القول؟]

أمّا موقف الإسلام من الاستمتاع بالحياة، بما تحتويه من لذائذ وشهوات، وما تشتمل عليه من مباهج، فنستطيع أن نؤكّد ـــ من خلال النصوص الإسلاميّة ـــ الفكرة التالية:

إنَّ الإسلام يريد للإنسان أن يعيش في الحياة عيشة طبيعية، تتمثّل في إشباع الجوع الطبيعيّ للغرائز البشريّة التي أودعها الله فيه، فلم يخلقها الله ليقوم الإنسان بتجميدها، بل لتمارس دورها الطبيعي في عملية النموّ والحركة والحياة.

ولهذا، وقف الإسلام ضدّ الرهبانيّة وقفةً حاسمةً تلغي هذا الأسلوب من الإسلام رأساً، فجاء الحديث الشّريف ليقرّر بكلمة جازمة: "لا رهبانيّة في الإسلام"، لأنَّ الرهبانية تمثّل إغلاق النّوافذ التي يطلّ منها الإنسان على نِعم الله في الحياة.

وعلى ضوء هذه الفكرة، انطلقت الآيات الكريمة في القرآن، لتتحدَّث عن الطيّبات، وتدعو الإنسان إلى الأخذِ بها وعدم تحريمها على نفسه بأساليب عديدة، تشتدّ وتلين حسب اختلاف الجوّ الذي يُراد إيجاده للفكرة.

فنقرأ في سورة [الأعراف، الآية: 157] قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ...} في معرض الحديث عن الشِّرعةِ الأساسيّة التي ترتكز عليها الدّعوة التي جاء بها النبيّ محمّد (ص).

ونقرأ قوله تعالى: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ}[المائدة: 88]

{فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[النّحل: 114].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ للهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[البقرة: 172].

ثمَّ نقرأ بعد ذلك الآيات التي تنهى عن تحريم الإنسان الطيّبات على نفسه، كما في قوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[المائدة: 87].

ثمّ نقف مع الآية الكريمة التي توجّه الإنسان إلى أن يأخذ زينته عند كلّ مسجد، وتستنكر فكرة تحريم الزينة في الحياة والطيّبات من الرّزق:

{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[الأعراف: 31 ـــ 32].

وربّما نلمح الفكرة واضحة جليّة في القصّة التي يذكرها المفسِّرون في الأجواء التي نزلت فيها الآية المتقدِّمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ}... إلخ.

قال المفسّرون كما في مجمع البيان: جَلَسَ رسول الله يوماً، فذكر النار ووصف القيامة، فرقَّ الناس وبكوا، واجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي، واتّفقوا على أن يصوموا النّهار ويقوموا اللّيل ولا يناموا على الفراش ولا يأكلوا اللّحم ولا الودك ولا يقربوا النّساء ولا الطّيب، ويلبسوا المسوح ويرفضوا الدّنيا ويسيحوا في الأرض.

فبلغ ذلك رسول الله (ص)، فأرسل إليهم وقال لهم: ألم أنبّئكم أنّكم اتَّفقتم على كذا وكذا؟! قالوا: بلى يا رسول الله، وما أردنا إلّا الخير، فقال النبيّ (ص) إنّي لم أؤمر بذلك، ثمّ قال: "إنَّ لأنفسكم عليكم حقّاً، فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا، فإنّي أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللّحم والدَّسم وآتي النساء، ومَن رغب عن سنّتي فليس منّي".

ثمّ جمع الناس وخطبهم وقال: "ما بال أقوام حرّموا النّساء والطعام والطّيب والنوم وشهوات الدنيا؟! أما إنّي لستُ آمركم أن تكونوا قسّيسين ورهباناً، فإنّه ليس في ديني ترك اللّحم ولا النساء ولا اتّخاذ الصّوامع، إنَّ رهبانيّة أُمّتي الصّوم وسياحتهم الجهاد، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وحجُّوا واعتمروا وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وصوموا رمضان واستقيموا يستقم لكم، فإنَّما هلك مَن كان قبلكم بالتّشديد، شدُّوا على أنفسكم فشدّد الله عليهم...".

فنحن نلاحظ أنَّ النبيّ قد أعطى القضيّة أهميّة كبيرة، نظراً إلى أنّ هذا الفهم الخاطئ للموعظة وموقف الإنسان من مباهج الحياة، يؤثّر تأثيراً كبيراً في النظرة العامّة للحياة، بالتّالي، في الممارسة العمليّة في سلوك الإنسان المسلم إزاءها.

فلم يكتفِ النبيّ (ص) بإصلاح خطئهم وتوجيههم للخطّ الصّحيح، بل انطلق ليمنع تأثير هذه النظرة الضيّقة على الأُمّة، فانطلق يتحدَّث إليهم بشكلٍ عام ليركّز الفكرة الصّحيحة على المستوى العامّ للأُمّة دون تحديد.

وقد نجد ملامح هذا الموقف الصّلب إزاء الفهم الخاطئ الذي يدفع إلى السّلوك المنحرف على أساس هذا الفهم ـــ في حديث الإمام عليّ أمير المؤمنين (ع) الذي خاطب به عاصم بن زياد الذي لبس العباءة وتخلَّى عن الدنيا. فقد جاء في نهج البلاغة أنّه قال له:

"يا عُديّ نفسه، لقد استهام بك الخبيث! أمَا رحمت أهلك وولدك؟! أترى الله أحلَّ لك الطيّبات وهو يكره أن تأخذها؟! أنت أهون على الله من ذلك". ثمّ يحدّثنا الرضي (رض) في النهج أنّ عاصماً اعترضَ على الإمام (ع) مشيراً إلى سلوك الإمام العملي الرافض لمتع الحياة ولذائذها، قائلاً: يا أمير المؤمنين، هذا أنتَ في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك.

فقال له الإمام (ع): "ويحك، إنّي لستُ كأنت، إنَّ الله فرض على أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيَّغ(1) الفقير فقره".

وبهذا، حسم الإمام الموقف كلّه، فإنَّ سلوكه العمليّ خاضع لمركزه القياديّ الذي يفرض عليه أن يقيس نفسه بأضعف رعيّته، ليجد الفقير بالإمام أسوةً حَسَنَة، فيصبر على فقره ريثما تحلّ مشكلته.

*من كتاب "مفاهيم إسلاميّة عامّة".

[1]يتبيّغ: كي لا يهلكه فقره.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية