إنّ رسالة الإسلام الأولى هي توحيد الله، من خلال أنَّ الإنسانيّة عندما تنفتح
على ربّ واحد، عالم، قادر، حكيم، رحمن رحيم، فإنها تستشعر السّكينة الرّوحيّة
والطمأنينة النفسيّة والانفتاح العقليّ بالدرجة نفسها التي تزول فيها من كلّ واقعها
كلمات الحيرة والضياع والتيه وغيرها. ذلك بأنّ الإنسان، هذا المخلوق الذي هو عرضة
للكثير من الاهتزازات النفسية والواقعية، والتي قد يواجه فيها أكثر من عنصر يأس هنا
وهناك، عندما يلتقي الله كقوّة صنعت الكون وهندسته على أفضل نظام، ورعت الإنسان في
كلّ مسيرته، ودبّرت أمره وهيّأت له كلّ الظّروف الملائمة لحياته، بقدر ما تتّسع له
المادّة من الحدود التي تلتقي فيها الإيجابيّات والسلبيّات، لتكون الإيجابيات أقوى
من السلبيات؛ هذا الإنسان يشعر عند ذلك بأنّ الحياة لا تعيش حالة الضّياع ولا حالة
اللا معنى، وإنما هي تختزن في داخلها معنى ينتشر في كلّ مفردات الكون، في بعده
الإنساني، وفي بعده الكوني الوجودي.
إنني أتصوّر أن الإيمان بالله يمثّل حاجة إنسانيّة حقيقيّة من الناحية النفسية
والعملية، بقطع النظر عن المسألة الفلسفيّة في صوابيّة هذا الإيمان وفي عدم صوابيته.
ونحن نعتقد أنّ مثل هذا الإيمان لا يحتاج إلى فلسفات كثيرة، وإنما يكفي للإنسان أن
ينطلق مع بساطته وعقليته وفطرته كي يؤمن بأنّ هذه الهندسة الكونيّة الدّقيقة التي
وضعت لكلّ شيء نظاماً، وصنعت لكلّ ظاهرة كونيّة سنّة، لا يمكن أن تكون مجرَّد
مصادفة رائعة في الفراغ، أو مجرّد مقدار من الحبر وضعته على جدار فصنع لوحة فنيّة.
إنّ المصادفة لا توجد نظاماً، ولا تصنع عمقاً للواقع.
إنّني أتصور أن الإنسان بحاجة إلى الإيمان بالله. ونحن لا نعتبر المسألة مسألة
مخدِّر يتناوله الإنسان فينسى أزماته في غيبوبته الروحيّة التي يحلّق بها في عالم
الغيب لينسى الواقع، بل إنّنا نعتقد أنّ الإيمان باللّٰه يربط الإنسان بالواقع أكثر،
باعتبار أنّ الواقع يمثّل خلق اللّٰه الذي جعل الله له مهمّة تتّصل بالإنسان نفسه،
كما جعل له مهمّة تتّصل بباقي المخلوقات كلّها.
ولهذا، فإنّ الإنسان المؤمن الذي يؤمن بأن الله ربّ العالمين، لا يتعقّد من العوالم
الأخرى، ولا يشعر بأنّه يخوض معها صراع الوجود، وإنما يشعر بتكامل مع العوالم
الأخرى، ويشعر بحاجته إلى أن يتفهّمها ويكتشف أسرارها وظواهرها.
لذلك، فإنّنا لا نقرّ تعبير صراع الإنسان مع الطّبيعة، وإنما نرى أنّ الإنسان صديق
الطبيعة، وأنّ الطبيعة صديقة الإنسان، والقضيّة هي أنّ على الإنسان أن يتعامل مع
صديقه بأن يفهمه أكثر، ويكتشفه أكثر، ويتحمّل سلبيّاته في مقابل ما يحصل عليه من
إيجابيّات مستقبليّة أكثر.
إنّني أعتقد أنّ رسالة الإسلام إلى العالم هي توحيد الله. والإسلام عندما يطرح
توحيد الله، فإنّه لا يطرحه على أنّه مجرّد كلمة دينيّة بعيدة عن العقل وعن الواقع،
بل إنّه يقف في موقع القويّ الذي يعتبر أنّ توحيد الله من الأمور التي يؤمن الإنسان
بها من خلال عقلنة الفكرة، لا من خلال إحساس الذّات فقط، كما أنّ لها في الواقع
تأثيراً كبيراً في هذا المجال؛ فهي لا تعزل الإنسان عن الواقع، وإنما تربطه به أكثر
من خلال ما يتحمّله من مسؤوليّة تجاهه.
*من كتاب "الإسلام وفلسطين".
إنّ رسالة الإسلام الأولى هي توحيد الله، من خلال أنَّ الإنسانيّة عندما تنفتح
على ربّ واحد، عالم، قادر، حكيم، رحمن رحيم، فإنها تستشعر السّكينة الرّوحيّة
والطمأنينة النفسيّة والانفتاح العقليّ بالدرجة نفسها التي تزول فيها من كلّ واقعها
كلمات الحيرة والضياع والتيه وغيرها. ذلك بأنّ الإنسان، هذا المخلوق الذي هو عرضة
للكثير من الاهتزازات النفسية والواقعية، والتي قد يواجه فيها أكثر من عنصر يأس هنا
وهناك، عندما يلتقي الله كقوّة صنعت الكون وهندسته على أفضل نظام، ورعت الإنسان في
كلّ مسيرته، ودبّرت أمره وهيّأت له كلّ الظّروف الملائمة لحياته، بقدر ما تتّسع له
المادّة من الحدود التي تلتقي فيها الإيجابيّات والسلبيّات، لتكون الإيجابيات أقوى
من السلبيات؛ هذا الإنسان يشعر عند ذلك بأنّ الحياة لا تعيش حالة الضّياع ولا حالة
اللا معنى، وإنما هي تختزن في داخلها معنى ينتشر في كلّ مفردات الكون، في بعده
الإنساني، وفي بعده الكوني الوجودي.
إنني أتصوّر أن الإيمان بالله يمثّل حاجة إنسانيّة حقيقيّة من الناحية النفسية
والعملية، بقطع النظر عن المسألة الفلسفيّة في صوابيّة هذا الإيمان وفي عدم صوابيته.
ونحن نعتقد أنّ مثل هذا الإيمان لا يحتاج إلى فلسفات كثيرة، وإنما يكفي للإنسان أن
ينطلق مع بساطته وعقليته وفطرته كي يؤمن بأنّ هذه الهندسة الكونيّة الدّقيقة التي
وضعت لكلّ شيء نظاماً، وصنعت لكلّ ظاهرة كونيّة سنّة، لا يمكن أن تكون مجرَّد
مصادفة رائعة في الفراغ، أو مجرّد مقدار من الحبر وضعته على جدار فصنع لوحة فنيّة.
إنّ المصادفة لا توجد نظاماً، ولا تصنع عمقاً للواقع.
إنّني أتصور أن الإنسان بحاجة إلى الإيمان بالله. ونحن لا نعتبر المسألة مسألة
مخدِّر يتناوله الإنسان فينسى أزماته في غيبوبته الروحيّة التي يحلّق بها في عالم
الغيب لينسى الواقع، بل إنّنا نعتقد أنّ الإيمان باللّٰه يربط الإنسان بالواقع أكثر،
باعتبار أنّ الواقع يمثّل خلق اللّٰه الذي جعل الله له مهمّة تتّصل بالإنسان نفسه،
كما جعل له مهمّة تتّصل بباقي المخلوقات كلّها.
ولهذا، فإنّ الإنسان المؤمن الذي يؤمن بأن الله ربّ العالمين، لا يتعقّد من العوالم
الأخرى، ولا يشعر بأنّه يخوض معها صراع الوجود، وإنما يشعر بتكامل مع العوالم
الأخرى، ويشعر بحاجته إلى أن يتفهّمها ويكتشف أسرارها وظواهرها.
لذلك، فإنّنا لا نقرّ تعبير صراع الإنسان مع الطّبيعة، وإنما نرى أنّ الإنسان صديق
الطبيعة، وأنّ الطبيعة صديقة الإنسان، والقضيّة هي أنّ على الإنسان أن يتعامل مع
صديقه بأن يفهمه أكثر، ويكتشفه أكثر، ويتحمّل سلبيّاته في مقابل ما يحصل عليه من
إيجابيّات مستقبليّة أكثر.
إنّني أعتقد أنّ رسالة الإسلام إلى العالم هي توحيد الله. والإسلام عندما يطرح
توحيد الله، فإنّه لا يطرحه على أنّه مجرّد كلمة دينيّة بعيدة عن العقل وعن الواقع،
بل إنّه يقف في موقع القويّ الذي يعتبر أنّ توحيد الله من الأمور التي يؤمن الإنسان
بها من خلال عقلنة الفكرة، لا من خلال إحساس الذّات فقط، كما أنّ لها في الواقع
تأثيراً كبيراً في هذا المجال؛ فهي لا تعزل الإنسان عن الواقع، وإنما تربطه به أكثر
من خلال ما يتحمّله من مسؤوليّة تجاهه.
*من كتاب "الإسلام وفلسطين".