الإرث [الذّي نرثه] ليس من الضروريّ أن يكون سلبياً دائماً، قد تكون فيه إيجابيّات، لكن لا بدَّ لنا من أن ندرس سلبيّاته وإيجابيّاته، لأنَّ إرثاً تركه لنا آباؤنا قد لا يكون له دورٌ في حساب حياتنا، لأنّه إرثُ زمنٍ ماضٍ انطلق من تجربة محدودة، وتحرَّك في أُفق محدود..
لذلك، ليس من الضروريّ أن نقدِّس التراث كيفما كان، بل أن ندرس التراث، لأنَّ التراثَ كان فكرَ أُناسٍ جرَّبوا، وقد تكون تجربتُهم خاضعةً للظروف الموضوعيّة التي كان يمثّلها زمنهم، ولذلك هم كسبوا فكراً، وعلينا أن نكسب فكراً آخر. ليس هذا حديثي، هذا حديث القرآن: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ}(1) لها ما كسبت من فكرٍ خاطئٍ أو مصيب، لها ما كسبت من عملٍ صالحٍ أو غير صالح، لها ما كسبت من هزائم أو من انتصارات، لها ما كسبت ممّا يبني الحياة أو ممّا يهدمُها، {وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ} لكلّ جيلٍ كسبُه، وليس من الضروريّ أن يكون كسبُ الأجيال السابقة هو كسبنا فيما تعطيه المسألة من إرث الأجيال.
علينا أن نكسب، وقد نكسب ما كسبوه، ولكن، لأنَّنا اقتنعنا بذلك، ولأنَّنا أردنا ذلك، لا لأنَّ الآخرين تركوا لنا ذلك. إنَّ القضيّة في عالم الانتماء وعالم الفكر، ليست هي أن يكون لك شيءٌ جديدٌ دائماً، ربّما يكون لك فكرُ الآخرين، لكن على أساس أنْ يتحوَّل ليكون فكرَك، أن تقتنع به أنت، لا لأنَّ الآخرين اقتنعوا به، وهكذا تكون المسألة في عملية التفاعل هي لنفكِّر معاً، ولا تكون المسألة فكِّروا لنا.. "فكِّروا لنا" يُلغي وجودَنا، "لنفكِّر معاً" يمنحنا عمْقَ هذا الوجود المتفاعل مع وجودٍ آخر.
لذلك، لا بدّ لجيل الشّباب أن يؤصِّل انتماءه، من حيث يؤصِّل فكره، ليربطه بعقله ووجدانه وبكلّ ثوابت الحقيقة في الحياة، ليكون الإنسان الأصيل، لأنَّه اختار فكره، ولم يتَّبع غيرَه، حتّى ولو كان فكره موافقاً لفكر غيره، ولتكون قضايا الحياة هي قضايا هذا الفكر وهذا الانتماء، ليتأصَّل الفكر في عمق الحياة، كما هو في عمق الإنسان، بهذا تكون لنا الأصالة حيثُ تكون لنا الإرادة، وحيث يكون لنا الاختيار، وعند ذلك، تكون الأصالة في مواجهة التبعيّة.. أن تتبع الآخرين، أن تكون مجرّد حركة تابعة لحركتهم تتمثَّلهم، ولكنّك لا تعيشهم.. وهذا ما يُركِّز عليه كلّ المُصلحين، أن تكون لك أصالتُك بألّا تكون التابع، لأنَّ الوجود التابع، هو الوجود الظلّ وليس الوجود، هو الصّدى، هو الشّبح، لا الحقيقة. وهذا لا يلتقي في أيّ جانب ممّا استحدثه الناس من العناوين في خصوصيّات الإنسان.
هذا أمرٌ يتّصل بإنسانيّتك، والشباب الذي يبدأ الحياة من حيث انتهى الآخرون، لا بدّ أن يؤصّل وجودَه، ويؤصّل فكره وانتماءه وحركته في الحياة. وبذلك، يحارب إن أراد أن يدخل ساحة الصّراع كلّ الذين يريدون أن يفرضوا عليه أنْ يكون تابعاً لهم، بمعنى لا إرادة له ولا اختيار، عند ذلك، تكون المسألة مسألة معركة الحريّة في أن نريد أو لا نريد، في أن نكون أو لا نكون.
*من كتاب "للإنسان والحياة".
الإرث [الذّي نرثه] ليس من الضروريّ أن يكون سلبياً دائماً، قد تكون فيه إيجابيّات، لكن لا بدَّ لنا من أن ندرس سلبيّاته وإيجابيّاته، لأنَّ إرثاً تركه لنا آباؤنا قد لا يكون له دورٌ في حساب حياتنا، لأنّه إرثُ زمنٍ ماضٍ انطلق من تجربة محدودة، وتحرَّك في أُفق محدود..
لذلك، ليس من الضروريّ أن نقدِّس التراث كيفما كان، بل أن ندرس التراث، لأنَّ التراثَ كان فكرَ أُناسٍ جرَّبوا، وقد تكون تجربتُهم خاضعةً للظروف الموضوعيّة التي كان يمثّلها زمنهم، ولذلك هم كسبوا فكراً، وعلينا أن نكسب فكراً آخر. ليس هذا حديثي، هذا حديث القرآن: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ}(1) لها ما كسبت من فكرٍ خاطئٍ أو مصيب، لها ما كسبت من عملٍ صالحٍ أو غير صالح، لها ما كسبت من هزائم أو من انتصارات، لها ما كسبت ممّا يبني الحياة أو ممّا يهدمُها، {وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ} لكلّ جيلٍ كسبُه، وليس من الضروريّ أن يكون كسبُ الأجيال السابقة هو كسبنا فيما تعطيه المسألة من إرث الأجيال.
علينا أن نكسب، وقد نكسب ما كسبوه، ولكن، لأنَّنا اقتنعنا بذلك، ولأنَّنا أردنا ذلك، لا لأنَّ الآخرين تركوا لنا ذلك. إنَّ القضيّة في عالم الانتماء وعالم الفكر، ليست هي أن يكون لك شيءٌ جديدٌ دائماً، ربّما يكون لك فكرُ الآخرين، لكن على أساس أنْ يتحوَّل ليكون فكرَك، أن تقتنع به أنت، لا لأنَّ الآخرين اقتنعوا به، وهكذا تكون المسألة في عملية التفاعل هي لنفكِّر معاً، ولا تكون المسألة فكِّروا لنا.. "فكِّروا لنا" يُلغي وجودَنا، "لنفكِّر معاً" يمنحنا عمْقَ هذا الوجود المتفاعل مع وجودٍ آخر.
لذلك، لا بدّ لجيل الشّباب أن يؤصِّل انتماءه، من حيث يؤصِّل فكره، ليربطه بعقله ووجدانه وبكلّ ثوابت الحقيقة في الحياة، ليكون الإنسان الأصيل، لأنَّه اختار فكره، ولم يتَّبع غيرَه، حتّى ولو كان فكره موافقاً لفكر غيره، ولتكون قضايا الحياة هي قضايا هذا الفكر وهذا الانتماء، ليتأصَّل الفكر في عمق الحياة، كما هو في عمق الإنسان، بهذا تكون لنا الأصالة حيثُ تكون لنا الإرادة، وحيث يكون لنا الاختيار، وعند ذلك، تكون الأصالة في مواجهة التبعيّة.. أن تتبع الآخرين، أن تكون مجرّد حركة تابعة لحركتهم تتمثَّلهم، ولكنّك لا تعيشهم.. وهذا ما يُركِّز عليه كلّ المُصلحين، أن تكون لك أصالتُك بألّا تكون التابع، لأنَّ الوجود التابع، هو الوجود الظلّ وليس الوجود، هو الصّدى، هو الشّبح، لا الحقيقة. وهذا لا يلتقي في أيّ جانب ممّا استحدثه الناس من العناوين في خصوصيّات الإنسان.
هذا أمرٌ يتّصل بإنسانيّتك، والشباب الذي يبدأ الحياة من حيث انتهى الآخرون، لا بدّ أن يؤصّل وجودَه، ويؤصّل فكره وانتماءه وحركته في الحياة. وبذلك، يحارب إن أراد أن يدخل ساحة الصّراع كلّ الذين يريدون أن يفرضوا عليه أنْ يكون تابعاً لهم، بمعنى لا إرادة له ولا اختيار، عند ذلك، تكون المسألة مسألة معركة الحريّة في أن نريد أو لا نريد، في أن نكون أو لا نكون.
*من كتاب "للإنسان والحياة".