في هذا الجوّ الإيماني الذي نريد أن نعيش فيه، لنتعلَّم النقد. والنقد الذّاتيّ، أن ننقد أنفسنا كأفراد في ما أخطأنا فيه وفي ما فرَّطنا فيه، وأن ننقد أنفسنا كجماعات في ما أخطأت فيه الجماعة وفي ما فرَّطت فيه، وأن تكون لدينا شجاعة مواجهة الخطأ والاعتراف به وشجاعة تغييره، ولا نكون من الذين يحاولون أن يخفوا أخطاءهم، أو يصوَّروا أخطاءهم على أنّها صواب، وسيّئاتهم على أنّها حسنات، حتّى إِنَّ بعضهم يحاول أن يجعل الخطأ مقدَّساً، وإذا أخذ الخطأ قدسيّةً في نفوس الناس، فكيف يمكن أن تستقرّ حياتهم؟...
لنتعلَّم في حياتنا أن ينقد بعضنا بعضاً "المؤمن مرآة المؤمن"1، "رَحِمَ الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي"2. أن لا تعتبر الإنسان الذي يأتيك ويذكر لكَ عيبك وخطأك عدوّاً لتبدأ بمحاربته، بل اعتبره صديقاً تعمل على أن تكرمه، لأنّه عرَّفك عيوبك التي ربّما تقضي عليك. هو يريد لك أن تحمي نفسك من عيبك، كما تحمي نفسك من عدوّك، وهو يرى منك ما لم تره من نفسك، ولذا يريدك أن تزيل القذى من أخلاقك، كما تزيل القذى من وجهك أو من عينك. لنتعلَّم النّقد، وأنّ النقد ليس عداوة، لننقد أنفسنا، ونطلب من النّاس أن ينقدونا، ولنفتح صدورنا للنّاقدين، ولنبتعد عن كلمات السّباب والشَّتائم والاتّهامات غير المسؤولة، ولنرتبط بالواقع في قضايانا.
إنَّ أيَّ إنسانٍ، مهما كانت درجته، فهو ليس أعلى من أن ينقد، وليس أعلى من أن ينبَّه، وليس أعلى من أن يوعَظ. لقد قالها عليّ بن أبي طالب (ع)، وهو آنذاك أمير المؤمنين ـــ أقدّم هذه الكلمات من عليّ (ع) إلى كلّ مَن ترتفع درجته في مواقع المسؤوليّة، سواء كانت مسؤوليّة شرعيّة أو غير شرعيّة، وهو يرى نفسه في ضخامة الشخصيّة، فلا يقبل أن يقول له أحد أخطأت أو ظلمت أو أسأت، بل يحبّ دائماً أن يقول له النّاس أصبت إذا أخطأ، وأحسنت إذا أساء، وعدلت إذا ظلم، ألا يشجّع الناس ذلك؟ ـــ أقولها لكم، وأقولها لنفسي في بعض مواقع الضّعف في ما أعيشه: إنَّنا لو أيَّدنا شخصاً وأحببناه وعظَّمناه، في أيّ موقع من مواقع القيادة أو المسؤوليّة، وجاء مَن يقول إنَّ صاحبكم أخطأ، فتعالوا نبحث عن خطئه، أو إنّ صاحبكم ظلم، فتعالوا نبحث عن ظلمه، أو إنّه أساء، فتعالوا نبحث عن إساءته، كيف تتصرَّفون؟ إنّكم ستثورون، بعضكم يسبّ النّاقد، والبعض يلقي عليه الحجارة، أو يفتح عليه النّار، أو قد يشتمه، من دون أن تفكّروا ماذا قال هذا الرّجل؟ وهل هو صحيح أم ليس بصحيح؟ إنَّنا نعبد أصناماً نقدّس فيها الخطأ والظّلم والإساءة.
قال عليّ (ع) للنّاس من حوله بعد أنْ صار حاكِماً: "لا تُكَلِّموني بما تكلَّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة"، لا تقولوا هذا أمير المؤمنين بيده السّيف الذي يستطيع أن يقتل، وعنده الحبس الذي يستطيع أن يسجن، وعنده الجماعات الذين يستطيعون أن يضربوا أو يقتلوا، لا تنظروا إليَّ هذه النظرة، "ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقٍّ قيل لي، ولا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي"، لا تعتقدوا أنّي أستثقل إذا قال لي شخص: يا عليّ، لقد تجنَّبت الحقّ، هذا هو الحقّ وقد انحرفت عنه، وهذا هو العدل فافعله، " فإنَّ من استثقل الحقّ أن يقال له، أو العدلَ أن يُعرَضَ عليه، كان العمل بهما أثقل عليه". الذي لا يطيق كلمة الحقّ، أو الذي لا يتحمَّلها، كيف يتحمّل أن يفعل الحقّ وأن يقيم العدل؟ إذا لم يتحمّل الكلمة، فكيف يتحمَّل الواقع؟ ثمّ قال لهم: "فلا تكفّوا عن مقالةٍ بحقّ، أو مشورة بعدل، فإنّي لستُ في نفسي بفوق أن أخطئ"3. يعني لا تنظروا إليَّ نظرتكم إلى مَن لا يخطئ، بل حاسبوني كما لو كنت مخطئاً.
لنعلِّم الأُمّة أن تنقد حكَّامها، ولنعلِّم الأُمّة أن تواجه المسؤولين فيها بالنَّقد البنَّاء، ونطلب من المسؤولين أن لا يعتبروا أنفسهم فوق النَّقد، بل أن يستمعوا إليه بكلّ طيبة وإخلاص، وأنْ يتحرَّكوا في خطِّ الله بعيداً من الجانب الذاتيّ في الحياة.
* من كتاب "الجمعة: منبر ومحراب".
[1]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 74، ص 271.
[2]نهج البلاغة، ج:2، باب:42، ص:319
[3]نهج البلاغة، ج:11، باب:210، ص:101.(
في هذا الجوّ الإيماني الذي نريد أن نعيش فيه، لنتعلَّم النقد. والنقد الذّاتيّ، أن ننقد أنفسنا كأفراد في ما أخطأنا فيه وفي ما فرَّطنا فيه، وأن ننقد أنفسنا كجماعات في ما أخطأت فيه الجماعة وفي ما فرَّطت فيه، وأن تكون لدينا شجاعة مواجهة الخطأ والاعتراف به وشجاعة تغييره، ولا نكون من الذين يحاولون أن يخفوا أخطاءهم، أو يصوَّروا أخطاءهم على أنّها صواب، وسيّئاتهم على أنّها حسنات، حتّى إِنَّ بعضهم يحاول أن يجعل الخطأ مقدَّساً، وإذا أخذ الخطأ قدسيّةً في نفوس الناس، فكيف يمكن أن تستقرّ حياتهم؟...
لنتعلَّم في حياتنا أن ينقد بعضنا بعضاً "المؤمن مرآة المؤمن"1، "رَحِمَ الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي"2. أن لا تعتبر الإنسان الذي يأتيك ويذكر لكَ عيبك وخطأك عدوّاً لتبدأ بمحاربته، بل اعتبره صديقاً تعمل على أن تكرمه، لأنّه عرَّفك عيوبك التي ربّما تقضي عليك. هو يريد لك أن تحمي نفسك من عيبك، كما تحمي نفسك من عدوّك، وهو يرى منك ما لم تره من نفسك، ولذا يريدك أن تزيل القذى من أخلاقك، كما تزيل القذى من وجهك أو من عينك. لنتعلَّم النّقد، وأنّ النقد ليس عداوة، لننقد أنفسنا، ونطلب من النّاس أن ينقدونا، ولنفتح صدورنا للنّاقدين، ولنبتعد عن كلمات السّباب والشَّتائم والاتّهامات غير المسؤولة، ولنرتبط بالواقع في قضايانا.
إنَّ أيَّ إنسانٍ، مهما كانت درجته، فهو ليس أعلى من أن ينقد، وليس أعلى من أن ينبَّه، وليس أعلى من أن يوعَظ. لقد قالها عليّ بن أبي طالب (ع)، وهو آنذاك أمير المؤمنين ـــ أقدّم هذه الكلمات من عليّ (ع) إلى كلّ مَن ترتفع درجته في مواقع المسؤوليّة، سواء كانت مسؤوليّة شرعيّة أو غير شرعيّة، وهو يرى نفسه في ضخامة الشخصيّة، فلا يقبل أن يقول له أحد أخطأت أو ظلمت أو أسأت، بل يحبّ دائماً أن يقول له النّاس أصبت إذا أخطأ، وأحسنت إذا أساء، وعدلت إذا ظلم، ألا يشجّع الناس ذلك؟ ـــ أقولها لكم، وأقولها لنفسي في بعض مواقع الضّعف في ما أعيشه: إنَّنا لو أيَّدنا شخصاً وأحببناه وعظَّمناه، في أيّ موقع من مواقع القيادة أو المسؤوليّة، وجاء مَن يقول إنَّ صاحبكم أخطأ، فتعالوا نبحث عن خطئه، أو إنّ صاحبكم ظلم، فتعالوا نبحث عن ظلمه، أو إنّه أساء، فتعالوا نبحث عن إساءته، كيف تتصرَّفون؟ إنّكم ستثورون، بعضكم يسبّ النّاقد، والبعض يلقي عليه الحجارة، أو يفتح عليه النّار، أو قد يشتمه، من دون أن تفكّروا ماذا قال هذا الرّجل؟ وهل هو صحيح أم ليس بصحيح؟ إنَّنا نعبد أصناماً نقدّس فيها الخطأ والظّلم والإساءة.
قال عليّ (ع) للنّاس من حوله بعد أنْ صار حاكِماً: "لا تُكَلِّموني بما تكلَّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة"، لا تقولوا هذا أمير المؤمنين بيده السّيف الذي يستطيع أن يقتل، وعنده الحبس الذي يستطيع أن يسجن، وعنده الجماعات الذين يستطيعون أن يضربوا أو يقتلوا، لا تنظروا إليَّ هذه النظرة، "ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقٍّ قيل لي، ولا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي"، لا تعتقدوا أنّي أستثقل إذا قال لي شخص: يا عليّ، لقد تجنَّبت الحقّ، هذا هو الحقّ وقد انحرفت عنه، وهذا هو العدل فافعله، " فإنَّ من استثقل الحقّ أن يقال له، أو العدلَ أن يُعرَضَ عليه، كان العمل بهما أثقل عليه". الذي لا يطيق كلمة الحقّ، أو الذي لا يتحمَّلها، كيف يتحمّل أن يفعل الحقّ وأن يقيم العدل؟ إذا لم يتحمّل الكلمة، فكيف يتحمَّل الواقع؟ ثمّ قال لهم: "فلا تكفّوا عن مقالةٍ بحقّ، أو مشورة بعدل، فإنّي لستُ في نفسي بفوق أن أخطئ"3. يعني لا تنظروا إليَّ نظرتكم إلى مَن لا يخطئ، بل حاسبوني كما لو كنت مخطئاً.
لنعلِّم الأُمّة أن تنقد حكَّامها، ولنعلِّم الأُمّة أن تواجه المسؤولين فيها بالنَّقد البنَّاء، ونطلب من المسؤولين أن لا يعتبروا أنفسهم فوق النَّقد، بل أن يستمعوا إليه بكلّ طيبة وإخلاص، وأنْ يتحرَّكوا في خطِّ الله بعيداً من الجانب الذاتيّ في الحياة.
* من كتاب "الجمعة: منبر ومحراب".
[1]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 74، ص 271.
[2]نهج البلاغة، ج:2، باب:42، ص:319
[3]نهج البلاغة، ج:11، باب:210، ص:101.(