كتابات
05/01/2021

كيف نتجنّب ذلّ النّفس؟!

كيف نتجنّب ذلّ النّفس؟!

إذا استطاع الإنسان أن يمسك زمام نفسه، فيخضع كلّ تصرّفاته ورغباته لمبادئه وعقيدته، أمكنه أن يخطو الخطوة الأولى في الاتجاه السّليم لحركة العزّة والكرامة في الحياة، فلا يقف في المواقف التي تجعله يشعر بالحاجة إلى الخضوع للآخرين، أو الانسحاق أمام رغباتهم أو شخصيّاتهم.

وقد نجد التّعبير الواقعيّ عن ذلك في كلمتين للإمام الصّادق (ع) أجاب بهما عن سؤالٍ واحد: كيف يذلّ الإنسان نفسه؟ قال: "أن يدخل فيما يعتذر منه، أو يتعرَّض لما لا يطيق".

أمّا الكلمة الأولى ـــ فتمثّل الموقف الذي يستسلم فيه الإنسان لبعض الرّغبات الذاتيّة فيتصرَّف بعض التصرّفات غير المسؤولة، فيؤيّد من لا يستحقّ التّأييد، أو يرفض مَن لا يستحقّ الرّفض، أو يتحرّك في بعض الاتّجاهات الخاطئة أو المنحرفة، أو يقف موقفاً سلبيّاً في بعض الحالات التي تفرض عليه مبادئه أن يتّخذ الموقف الإيجابي، أو يتكلّم بعض الكلمات التي لا يؤمن بها أو لا ينبغي له أن يتكلّم بها لأنّها تختلف مع عقيدته أو مع تهذيبه أو مع خطّ العدل والحقّ الذي يؤمن به، أو يقوم بأيّ مشروع لا ينسجم مع المصلحة العامّة، كلّ ذلك لقاء رغبة مستحكمة، أو نزوة عابرة، أو شهوة عارمة.

ثمّ ينطلق من جديد ليقف موقف المعتذر للآخرين، ليختلق الأعذار من جهة، أو ليطلب تقدير ظروفه من جهة أخرى، ليرضى عنه هذا، ولئلّا يغضب عليه ذاك، الأمر الّذي يجعله يشعر بانسحاق شخصيّته، عندما يضطرّ إلى أن يقف موقف المعتذر أمام الإنسان الذي يؤنّبه أو يحاسبه.

إنَّ الفكرة التي عالجها الإمام الصّادق (ع) تقول لك:

قبل أن تتَّخذ أيّ موقف في الحياة، فكِّر جيّداً؛ هل باستطاعتك تحمّل مسؤوليّته، وهل في قدرتك الدّفاع عنه أو لا؟ فإذا لم تجد في نفسك ذلك، فوفّر على نفسك مسؤوليّة الاعتذار، والوقوف أمام الآخرين موقف الخضوع من أجل أن يعطوك العذر على ما قمت به كرماً وحناناً.

إنَّ الإنسان القويّ العزيز في الإسلام، هو الذي يعمل بما يؤمن به، ويتحمَّل مسؤوليّة الدفاع عن موقفه، حتّى لو كان العالَم كلّه ضدّه، لأنّه يشعر ـــ مقدَّماً ـــ بأنّه موقف الحقّ.

أمّا الكلمة الثّانية التي تحدِّد للإنسان بعض مظاهر الذلّ في السّلوك: أن يتعرَّض لما لا يطيق.

وتتمثَّل في الأعمال والمشاريع التي يقدم عليها الإنسان، وهو يعرف أنّها فوق طاقته، ولذلك فهو يضطرّ معها ـــ في نهاية المطاف ـــ إلى الاستعانة بالآخرين، والخضوع لشروطهم وطلباتهم، من أجل إكمال المشروع وتخفيف أعبائه. وهذا سلوك يعرِّض الإنسان لمواقف الذلّ أمام الآخرين. وربّما نجد نماذج هذا السّلوك في الواقع الفرديّ والاجتماعيّ.

ففي المجال الفرديّ، نجد أمامنا هؤلاء الذين يدخلون في مشاريع عمرانيّة وصناعيّة تفوق رصيدهم الماليّ والمعنويّ، فيسقطون أخيراً تحت رحمة المرابين والمستغلّين، نتيجة عجز المشروع، وحاجته إلى مالٍ جديد لا يملكه صاحبه.

وربّما يكون من هؤلاء الذين يغريهم الشّراء بالتّقسيط لسهولته في بداية الأمر، ما يجعل الإنسان يشعر بأنّه قادر على توفير حاجاته المنزليّة والكماليّة بأسهل طريق، دون أن يحسب حساب المستقبل، عندما تبدأ مواعيد دفع الأقساط، وهنا تتجمَّع الأقساط من هنا وهناك، دون أن يستطيع سبيلاً إلى الوفاء، فيضطرّ إلى بذل ماء وجهه للمرابين، ليفرضوا عليه الفوائد التي يريدونها. وهكذا، يتحوّل إلى إنسانٍ يشتغل لهؤلاء المرابين ولمصلحتهم، دون أن يملك القدرة على الوفاء بفوائد المال فضلاً عن أصله، وقد يلجأ - بفعل ضغط هذا الواقع - إلى الرشوة والسرقة والخيانة والتجسّس.

فمن الذي أوقعه في ذلك كلّه؟

إنّه هو الذي أوقع نفسه في الذلّ، وظلم نفسه، عندما لم يدرس ميزانيّته ومقدار طاقته على الوفاء، فلم يصبر على رغبات نفسه ليفكِّر في تطبيق نظام المراحل على حاجته، ليستطيع تحقيقها بعزّة وكرامة.

وفي المجال الاجتماعيّ والدوليّ، نجد أمامنا الدول الصّغيرة التي ترهق نفسها بالدّيون الكبيرة من الدول الكبيرة، لتحقيق بعض المشاريع الحيويّة دفعة واحدة، دون أن تدرس الموارد الطبيعيّة وغيرها، ومدى إمكانيّاتها التي تمكّنها من الوفاء في المواعيد المحدّدة، فتكون النتيجة أن تضطرّ إلى الخضوع لسيطرة هذه الدول تدريجيّاً، عندما تحاول تلك الدول أن تضع أيديها على مصادر الثّروة، لتضمن لنفسها حماية ديونها، وبالتالي، تضع يدها على البلاد نفسها، لتحقّق لنفسها السّيطرة على تلك المصادر، فتسقط البلاد ضحيّة الأحابيل الاستعماريّة، عبر الديون غير المدروسة التي عرَّضت البلاد نفسها ـــ معها ـــ لما لا تطيق.

ولا يزال تاريخ الاستعمار القديم والحديث يقدّم لنا القصص الكثيرة عن البلاد التي سقطت تحت نير الاستعمار بحجّة الديون الاستعماريّة التي حاول الاستعمار أن يجعلها طريقاً إلى السّيطرة على تلك البلاد...

*من كتاب "مفاهيم إسلاميّة عامّة".

إذا استطاع الإنسان أن يمسك زمام نفسه، فيخضع كلّ تصرّفاته ورغباته لمبادئه وعقيدته، أمكنه أن يخطو الخطوة الأولى في الاتجاه السّليم لحركة العزّة والكرامة في الحياة، فلا يقف في المواقف التي تجعله يشعر بالحاجة إلى الخضوع للآخرين، أو الانسحاق أمام رغباتهم أو شخصيّاتهم.

وقد نجد التّعبير الواقعيّ عن ذلك في كلمتين للإمام الصّادق (ع) أجاب بهما عن سؤالٍ واحد: كيف يذلّ الإنسان نفسه؟ قال: "أن يدخل فيما يعتذر منه، أو يتعرَّض لما لا يطيق".

أمّا الكلمة الأولى ـــ فتمثّل الموقف الذي يستسلم فيه الإنسان لبعض الرّغبات الذاتيّة فيتصرَّف بعض التصرّفات غير المسؤولة، فيؤيّد من لا يستحقّ التّأييد، أو يرفض مَن لا يستحقّ الرّفض، أو يتحرّك في بعض الاتّجاهات الخاطئة أو المنحرفة، أو يقف موقفاً سلبيّاً في بعض الحالات التي تفرض عليه مبادئه أن يتّخذ الموقف الإيجابي، أو يتكلّم بعض الكلمات التي لا يؤمن بها أو لا ينبغي له أن يتكلّم بها لأنّها تختلف مع عقيدته أو مع تهذيبه أو مع خطّ العدل والحقّ الذي يؤمن به، أو يقوم بأيّ مشروع لا ينسجم مع المصلحة العامّة، كلّ ذلك لقاء رغبة مستحكمة، أو نزوة عابرة، أو شهوة عارمة.

ثمّ ينطلق من جديد ليقف موقف المعتذر للآخرين، ليختلق الأعذار من جهة، أو ليطلب تقدير ظروفه من جهة أخرى، ليرضى عنه هذا، ولئلّا يغضب عليه ذاك، الأمر الّذي يجعله يشعر بانسحاق شخصيّته، عندما يضطرّ إلى أن يقف موقف المعتذر أمام الإنسان الذي يؤنّبه أو يحاسبه.

إنَّ الفكرة التي عالجها الإمام الصّادق (ع) تقول لك:

قبل أن تتَّخذ أيّ موقف في الحياة، فكِّر جيّداً؛ هل باستطاعتك تحمّل مسؤوليّته، وهل في قدرتك الدّفاع عنه أو لا؟ فإذا لم تجد في نفسك ذلك، فوفّر على نفسك مسؤوليّة الاعتذار، والوقوف أمام الآخرين موقف الخضوع من أجل أن يعطوك العذر على ما قمت به كرماً وحناناً.

إنَّ الإنسان القويّ العزيز في الإسلام، هو الذي يعمل بما يؤمن به، ويتحمَّل مسؤوليّة الدفاع عن موقفه، حتّى لو كان العالَم كلّه ضدّه، لأنّه يشعر ـــ مقدَّماً ـــ بأنّه موقف الحقّ.

أمّا الكلمة الثّانية التي تحدِّد للإنسان بعض مظاهر الذلّ في السّلوك: أن يتعرَّض لما لا يطيق.

وتتمثَّل في الأعمال والمشاريع التي يقدم عليها الإنسان، وهو يعرف أنّها فوق طاقته، ولذلك فهو يضطرّ معها ـــ في نهاية المطاف ـــ إلى الاستعانة بالآخرين، والخضوع لشروطهم وطلباتهم، من أجل إكمال المشروع وتخفيف أعبائه. وهذا سلوك يعرِّض الإنسان لمواقف الذلّ أمام الآخرين. وربّما نجد نماذج هذا السّلوك في الواقع الفرديّ والاجتماعيّ.

ففي المجال الفرديّ، نجد أمامنا هؤلاء الذين يدخلون في مشاريع عمرانيّة وصناعيّة تفوق رصيدهم الماليّ والمعنويّ، فيسقطون أخيراً تحت رحمة المرابين والمستغلّين، نتيجة عجز المشروع، وحاجته إلى مالٍ جديد لا يملكه صاحبه.

وربّما يكون من هؤلاء الذين يغريهم الشّراء بالتّقسيط لسهولته في بداية الأمر، ما يجعل الإنسان يشعر بأنّه قادر على توفير حاجاته المنزليّة والكماليّة بأسهل طريق، دون أن يحسب حساب المستقبل، عندما تبدأ مواعيد دفع الأقساط، وهنا تتجمَّع الأقساط من هنا وهناك، دون أن يستطيع سبيلاً إلى الوفاء، فيضطرّ إلى بذل ماء وجهه للمرابين، ليفرضوا عليه الفوائد التي يريدونها. وهكذا، يتحوّل إلى إنسانٍ يشتغل لهؤلاء المرابين ولمصلحتهم، دون أن يملك القدرة على الوفاء بفوائد المال فضلاً عن أصله، وقد يلجأ - بفعل ضغط هذا الواقع - إلى الرشوة والسرقة والخيانة والتجسّس.

فمن الذي أوقعه في ذلك كلّه؟

إنّه هو الذي أوقع نفسه في الذلّ، وظلم نفسه، عندما لم يدرس ميزانيّته ومقدار طاقته على الوفاء، فلم يصبر على رغبات نفسه ليفكِّر في تطبيق نظام المراحل على حاجته، ليستطيع تحقيقها بعزّة وكرامة.

وفي المجال الاجتماعيّ والدوليّ، نجد أمامنا الدول الصّغيرة التي ترهق نفسها بالدّيون الكبيرة من الدول الكبيرة، لتحقيق بعض المشاريع الحيويّة دفعة واحدة، دون أن تدرس الموارد الطبيعيّة وغيرها، ومدى إمكانيّاتها التي تمكّنها من الوفاء في المواعيد المحدّدة، فتكون النتيجة أن تضطرّ إلى الخضوع لسيطرة هذه الدول تدريجيّاً، عندما تحاول تلك الدول أن تضع أيديها على مصادر الثّروة، لتضمن لنفسها حماية ديونها، وبالتالي، تضع يدها على البلاد نفسها، لتحقّق لنفسها السّيطرة على تلك المصادر، فتسقط البلاد ضحيّة الأحابيل الاستعماريّة، عبر الديون غير المدروسة التي عرَّضت البلاد نفسها ـــ معها ـــ لما لا تطيق.

ولا يزال تاريخ الاستعمار القديم والحديث يقدّم لنا القصص الكثيرة عن البلاد التي سقطت تحت نير الاستعمار بحجّة الديون الاستعماريّة التي حاول الاستعمار أن يجعلها طريقاً إلى السّيطرة على تلك البلاد...

*من كتاب "مفاهيم إسلاميّة عامّة".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية