كتابات
14/12/2020

إبراهيم (ع) يجسّد الخطّ الرساليّ في تربية أبنائه

إبراهيم (ع) يجسّد الخطّ الرساليّ في تربية أبنائه

كان الإسلام عنوان الخطّ التربويّ الذي أراد إبراهيم (ع) من بنيه تَمَثُّل الدّين من خلاله، ويبدو أنّ هذا الخطّ التربويّ استطاع أن يجسِّد نفسه في موقع عمليّ في إسماعيل، وموقع حركيّ في يعقوب.

وعندما نقرأ قوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}[الصّافات: 101]، نرى أنّ إبراهيم كان يتطلّع إلى غلام بعد يأس، فأعطاه الله غلاماً حليماً وديعاً منفتح القلب، لا يتعقَّد ولا يتشنّج من أيّ حالة مثيرة أو عسيرة. {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ}، وهذه الكلمة توحي بأنّ إسماعيل كان يعيش مع أبيه بطريقة تشبه الالتصاق في المدّة التي قضاها معه، وهذا طبيعيّ في الإنسان عندما يرزق ولداً بعد يأس، ويبدو أنَّ إبراهيم أعطى كلّ قلبه، وكلّ إيمانه بربِّه، وكلّ هذا الوعي الروحيّ الذي يمتزج فيه الجانب الفكريّ والروحيّ والعباديّ والعمليّ، أعطاه لولده إسماعيل، بحيث تحوّل إسماعيل إلى حالة إسلاميّة فيما تعنيه الكلمة من إسلام لله تماماً كما هو الأب.

ومن هنا، كانت التجربة التي أراد الله سبحانه أن يحرّكها في حياة الأب والابن، من أجل أن يعطيَ القدوة في أعلى مواقعها، فيما تمثّله من الإسلام كلّه في الأب والابن، باعتبار أنَّ عاطفة الأب تعيش التحدّي بأن يذبح ولده، لا أن يشاهده والآخرون يذبحونه، بل أنْ يقوم هو بقتل عاطفته، وكلّ هذا الإحساس بالحنان والمحبَّة والذَّوبان، فيما تمثّله الأبوَّة بالنِّسبة إلى الولد الوحيد والحبيب.

وفي المقابل، فإنَّ إسماعيل وصل أيضاً إلى أقصى درجات التحدّي لحبّ الإنسان لنفسه، كما واجه الاثنان التحدّي من خلال إيمانهما الّذي يفرض عليهما الاستجابة لهذا التحدّي: أن يقتل الإنسان عاطفته تجاه ولده، وأن يقتل الإنسان شعوره تجاه نفسه، وقد نجحا في هذا التحدّي، وهذا ما نلاحظه في قوله تعالى:

{قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}.  ولم يتوقّف إسماعيل، فيما يوحي به النصّ القرآنيّ، أمام هذه المسألة ليتفكَّر أو يتدبَّر {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصّافّات: 102].

كلّ هذا يوحي إلينا أنّ إبراهيم (ع) قد نجح في أن يربّيَ ولده على هذه الدّرجة من الإسلام الروحيّ الذي يفقد فيه الإنسان إحساسه بنفسه أمام إرادة الله تعالى. ولعلّنا نستوحي من ذلك، أنّ إبراهيم (ع) لم ينطلق، ككثيرٍ من الآباء الذين يرزقهم الله الولد بعد يأس، في تدليله وإعطائه حرّيته التي يلهو بها ويعبث، بحيث تتحوَّل أخطاء الولد إلى مقدَّسات، وسيّئاته إلى حسنات، لجهة أنّ العاطفة الظامئة الجائعة لا تتحمّل أنْ يتألّم هذا الولد.

إنّنا نشعر بأنّ هناك استعداداً لدى إسماعيل، ونوعاً من الإخلاص في تجربة إبراهيم الرساليّة، بحيث لم ينظر إلى ولده بالمعنى الإنساني العاطفي، بل نظر إليه بالمعنى الرّساليّ؛ هذا إنسان لا بدَّ أن يتحرّك في الحياة كعبد لله، وكمخلصٍ لله سبحانه وتعالى، فعليَّ أن لا أجعل أبوّتي لولدي وبنوّته لي أساساً للاستغراق في الجانب الذّاتي من المسألة، بل عليَّ أن أعتبر أنَّه عبد الله، وعليَّ أن أؤكّد عبوديّته لله، وأنّه إنسان في المجتمع الإنسانيّ، ويجب أن أجعله إنساناً يثري تجربة الإنسان بالإيمان وبالاستقامة.

إنّ إبراهيم (ع) استطاع أن يمزج بين الشخصيّة الإنسانيّة فيما هي الأبوّة بالنّسبة إلى البنوّة، وفيما تفرضه من عاطفة، فجعل العاطفة تتحوّل إلى أن يرفع درجة هذا الولد عند الله سبحانه وتعالى، وإلى أن يقرّبه إلى الله ليحصل على فيوضات الله في رحمته وجنّته، وبين شخصيّته الرساليّة التي جعلها تتجّه إلى أن يكون رسولاً لولده، كما هو رسول للنّاس كافّةً، فلا يحاول، كما يفعل البعض، في جعل رسالته للنّاس بشرط أن تكون بعيدةً من عائلته وأولاده الّذين يطلق لهم حريّتهم.

*من كتاب "دنيا الشّباب". 

كان الإسلام عنوان الخطّ التربويّ الذي أراد إبراهيم (ع) من بنيه تَمَثُّل الدّين من خلاله، ويبدو أنّ هذا الخطّ التربويّ استطاع أن يجسِّد نفسه في موقع عمليّ في إسماعيل، وموقع حركيّ في يعقوب.

وعندما نقرأ قوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}[الصّافات: 101]، نرى أنّ إبراهيم كان يتطلّع إلى غلام بعد يأس، فأعطاه الله غلاماً حليماً وديعاً منفتح القلب، لا يتعقَّد ولا يتشنّج من أيّ حالة مثيرة أو عسيرة. {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ}، وهذه الكلمة توحي بأنّ إسماعيل كان يعيش مع أبيه بطريقة تشبه الالتصاق في المدّة التي قضاها معه، وهذا طبيعيّ في الإنسان عندما يرزق ولداً بعد يأس، ويبدو أنَّ إبراهيم أعطى كلّ قلبه، وكلّ إيمانه بربِّه، وكلّ هذا الوعي الروحيّ الذي يمتزج فيه الجانب الفكريّ والروحيّ والعباديّ والعمليّ، أعطاه لولده إسماعيل، بحيث تحوّل إسماعيل إلى حالة إسلاميّة فيما تعنيه الكلمة من إسلام لله تماماً كما هو الأب.

ومن هنا، كانت التجربة التي أراد الله سبحانه أن يحرّكها في حياة الأب والابن، من أجل أن يعطيَ القدوة في أعلى مواقعها، فيما تمثّله من الإسلام كلّه في الأب والابن، باعتبار أنَّ عاطفة الأب تعيش التحدّي بأن يذبح ولده، لا أن يشاهده والآخرون يذبحونه، بل أنْ يقوم هو بقتل عاطفته، وكلّ هذا الإحساس بالحنان والمحبَّة والذَّوبان، فيما تمثّله الأبوَّة بالنِّسبة إلى الولد الوحيد والحبيب.

وفي المقابل، فإنَّ إسماعيل وصل أيضاً إلى أقصى درجات التحدّي لحبّ الإنسان لنفسه، كما واجه الاثنان التحدّي من خلال إيمانهما الّذي يفرض عليهما الاستجابة لهذا التحدّي: أن يقتل الإنسان عاطفته تجاه ولده، وأن يقتل الإنسان شعوره تجاه نفسه، وقد نجحا في هذا التحدّي، وهذا ما نلاحظه في قوله تعالى:

{قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}.  ولم يتوقّف إسماعيل، فيما يوحي به النصّ القرآنيّ، أمام هذه المسألة ليتفكَّر أو يتدبَّر {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصّافّات: 102].

كلّ هذا يوحي إلينا أنّ إبراهيم (ع) قد نجح في أن يربّيَ ولده على هذه الدّرجة من الإسلام الروحيّ الذي يفقد فيه الإنسان إحساسه بنفسه أمام إرادة الله تعالى. ولعلّنا نستوحي من ذلك، أنّ إبراهيم (ع) لم ينطلق، ككثيرٍ من الآباء الذين يرزقهم الله الولد بعد يأس، في تدليله وإعطائه حرّيته التي يلهو بها ويعبث، بحيث تتحوَّل أخطاء الولد إلى مقدَّسات، وسيّئاته إلى حسنات، لجهة أنّ العاطفة الظامئة الجائعة لا تتحمّل أنْ يتألّم هذا الولد.

إنّنا نشعر بأنّ هناك استعداداً لدى إسماعيل، ونوعاً من الإخلاص في تجربة إبراهيم الرساليّة، بحيث لم ينظر إلى ولده بالمعنى الإنساني العاطفي، بل نظر إليه بالمعنى الرّساليّ؛ هذا إنسان لا بدَّ أن يتحرّك في الحياة كعبد لله، وكمخلصٍ لله سبحانه وتعالى، فعليَّ أن لا أجعل أبوّتي لولدي وبنوّته لي أساساً للاستغراق في الجانب الذّاتي من المسألة، بل عليَّ أن أعتبر أنَّه عبد الله، وعليَّ أن أؤكّد عبوديّته لله، وأنّه إنسان في المجتمع الإنسانيّ، ويجب أن أجعله إنساناً يثري تجربة الإنسان بالإيمان وبالاستقامة.

إنّ إبراهيم (ع) استطاع أن يمزج بين الشخصيّة الإنسانيّة فيما هي الأبوّة بالنّسبة إلى البنوّة، وفيما تفرضه من عاطفة، فجعل العاطفة تتحوّل إلى أن يرفع درجة هذا الولد عند الله سبحانه وتعالى، وإلى أن يقرّبه إلى الله ليحصل على فيوضات الله في رحمته وجنّته، وبين شخصيّته الرساليّة التي جعلها تتجّه إلى أن يكون رسولاً لولده، كما هو رسول للنّاس كافّةً، فلا يحاول، كما يفعل البعض، في جعل رسالته للنّاس بشرط أن تكون بعيدةً من عائلته وأولاده الّذين يطلق لهم حريّتهم.

*من كتاب "دنيا الشّباب". 

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية