تنطلق الفكرة الدينيّة في الإسلام عن الإنسان من عنصرين أساسيّين:
الأوّل: دوره في الكون. إنّ القرآن الكريم يحدّثنا عن الدور الكبير الذي أعطاه الله للإنسان، وهو خلافته في الأرض، وتزويده بالقابليّة الكبيرة على وعي ما في الأرض؛ في سطحها وباطنها، وما في الفضاء؛ في أجوائه وكواكبه، من قوى وظواهر وموجودات، ممّا لم يمنحه الله لملائكته المقرّبين الذين يسبّحونه ويقدِّسونه.
ويمثّل هذا الدّور القياديّ أعلى مركز للقوَّة وضع الله الإنسان فيه. وأيّ دور أعظم من أن يتولّى الإنسان إدارة الكون في الأرض وقيادته ورعايته، على أساس القوانين والسّنن الطبيعية التي أودعها الله فيه، في إطار الرّسالات الإلهيّة التي وضعها الله له؟!
قال الله تعالى:
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ*وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ*قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ*قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}[البقرة: 30 ــ 33].
ثمّ نلاحظ الأمر الإلهيّ الموجَّه إلى الملائكة بالسّجود لآدم، تأكيداً لعظمة خلقه، وتدليلاً على المركز القويّ الذي جعله الله له، وأراد منه النّهوض فيه.
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[البقرة: 34].
الثاني: تسخير الكون له، وتذليله لقدراته، في جوانب:
أحدها: من حيث إنَّه مخلوق لأجله ولمنفعته. وبهذا نعرف أنَّ ذلك يوحي بالفكرة التي تعطي قدرته على استفادته من طاقاتها بأساليب مختلفة حسب الحاجة.
ثانيها: من حيث إمكانيّة اكتشافها، والتعرُّف إلى أسرارها؛ وذلك بالبحث الجادّ والتفكير العميق الّذي يتّجه في هذا السّبيل...
ثالثهما: تكريم الله للإنسان، واعتباره أفضل من كثير من المخلوقات، ما يجعلها تابعةً له، ومنقادةً لإرادته، كما قال الله سبحانه:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}[الإسراء: 70].
ثمّ تأتي الآيات الكثيرة لتدعو الإنسان إلى حمل مسؤوليّته في اكتشاف الحياة ومعرفة أسرارها بالدّعوة إلى التفكير فيها، من أجل مواجهة ظواهرها بعقليّة منفتحة واعية، تستعين بما تعرف على اكتشاف ما لا تعرف، لتتعامل مع الكون على أساس الوعي والمعرفة والعلم.
{قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..}[يونس: 101].
{وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً}[آل عمران: 191].
إنّ ذلك كلّه يجعلنا نصل إلى النّتيجة الحاسمة التي تقرّر أنَّ الإنسان يتمتّع بقوّة هائلة كبيرة، يستطيع من خلالها أن يكتشف الكون بقدراته الفكريّة والعمليّة. ثم يتعامل معه، من موقع القوّة على تسخير قوانينه المودعة فيه، لتحقيق إرادته في بناء الحياة، وتصنيعها على أساس حاجاته ومطامحه.
ذلك هو طابع التّفكير الدّينيّ في مفهومه للإنسان، في إطار مفهوم القوّة والضّعف.
*من كتاب "الإسلام ومنطق القوّة".