كتابات
10/11/2020

هل يغفر الله ذنوبنا الثّقال؟!

هل يغفر الله ذنوبنا الثّقال؟!

للذنوب التي يمارسها الإنسان في حياته، عندما يعصي ربَّه، تأثيرُها السلبيُّ فيه، حيث يعيش ثِقْل هذه الذّنوب في فكره، لأنّه يشعر دائماً بأنَّ حياته عاشت تحت ضغط أعماله السيّئة وتاريخه الّذي عصى فيه ربَّه، فتتركّز في نفسه عقدة اليأس من غفران الله، ولاسيّما إذا كان قد عاش فترةً طويلة من حياته في أجواء الذّنوب، وخصوصاً الكبيرة منها.

وقد عالج القرآن الكريم هذه المسألة، فقال سبحانه:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزّمر: 53].

الكثيرون من النّاس يُخَيَّلُ إليهم أنَّ الله لن يغفر لهم، وأنَّ ذنوبهم تبقى ثِقْلاً على أفكارهم وظهورهم، لأنَّهم عندما يفكِّرون في ربّهم، يتصوّرونه سبحانه، كما لو كان سلطاناً من سلاطين الدّنيا، أو قويّاً من الأقوياء يرهبه النّاسُ ويخافونه، لأنَّ هؤلاء السلاطين والأقوياء لا يغفرون الأخطاء، ولا يسامحون في كثيرٍ ممّا يقوم به النّاس ضدَّهم. ولذلك، فهم يتصوّرون أنّه سبحانه يعاملهم بما يعاملهم به هؤلاء السلاطين والأقوياء، فيضغط عليهم اليأس، تماماً كما لو أنَّ إنساناً أجرم جريمة كبيرة، فإنَّه يهرب من الأرض التي يعيش فيها أهل الضحيّة أو صاحب القوّة التي كانت الجريمة موجّهةً إليه، لأنّه يشعر بأنَّ جريمته تلاحقه من خلال القوى التي تريد إنزال العقاب به بسبب جريمته، فينطلق هارباً يائساً، وقد يؤدّي به ذلك إلى الانتحار، عندما يرى أنَّ جريمته تستوجب عقاباً يفضح أمره ويُسقطه من أعين النّاس.

وللذّنوب تأثير آخر في قلب الإنسان وإيحاءاتٌ في النفس، لأنَّ الذّنب ليس مجرّد عمل يعمله، فهو إذا سرق، فليست السّرقة تمثّل استيلاءً على مال إنسانٍ آخر وحَسْب، بل إنَّها تحمل معنى التجرّؤ على الله، وهذه الجرأة فيما قام به من سرقة أو قتل للنّفس المحترمة أو ما شابه ذلك، تترك تأثيرها في النفس، فتضعف إيمانه، لأنّ الإنسان كلّما تجرّأ على ربِّه أكثر، تمرّد أكثر وفَقَدَ إحساسه بعظمة ربِّه.

ولذلك، فإنَّ الكثيرين الذين يرتكبون الذّنوب والمعاصي يفقدون معنى روحيّة إيمانهم وإسلامهم، ولا يتحسَّسون الانفتاح على الله، بل إنّهم ينسون الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}[الحشر: 19]. فمن بين الأسباب التي تُنسي الإنسان ربَّه وتُغلق قلبَه على الله، كثرة الذّنوب. لهذا، ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع): "إذا أذنب الرَّجل، خرج في قلبه نكتةٌ سوداء، فإنْ تاب انمحت، وإنْ زاد زادت، حتّى تغلبَ على قلبه فلا يُفلح بعدها أبداً"[1].

إذاً، إذا تتالَت الذّنوب، اسودّ القلب وانتكس، وصار أعلاه أسفلَه، وأسفلُه أعلاه، بحيث يشاهد الأمور والأشياء معكوسة. وهذا ما نلاحظه عند كثيرٍ من الناس الذين يمتدّون في المعاصي، فتنقلب طريقة رؤيتهم للأمور، وهذا ما عرّفنا إيّاه رسول الله (ص)، حيث قال: "ما بالكم إذا فسدت نساؤُكم وفسق شبّانُّكم؟ قالوا: أويكونُ ذلك يا رسول الله؟ قال: كيف بكم إذا تركتم المعروف ونهيتم عن المنكر؟ قالوا: أوَ يكون ذلك يا رسول الله؟ قال: كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفاً والمعروف منكراً؟"[2].

فإذا كثر الفساد وانتشر الفسق، فإنَّ ذلك يصبح مألوفاً، وإذا ما أصبح مألوفاً، فإنَّه سيمثّل قِيَماً جديدة في حياة النّاس، وعلى هذا، يصبح الأمر بالمنكر مألوفاً، والنّهي عن المعروف غير المألوف.

* من كتاب "من عرفان القرآن".


[1]الكافي: ج2، ص270، رواية13.

[2]التهذيب: ج6، ص177، رواية8، باب22.

للذنوب التي يمارسها الإنسان في حياته، عندما يعصي ربَّه، تأثيرُها السلبيُّ فيه، حيث يعيش ثِقْل هذه الذّنوب في فكره، لأنّه يشعر دائماً بأنَّ حياته عاشت تحت ضغط أعماله السيّئة وتاريخه الّذي عصى فيه ربَّه، فتتركّز في نفسه عقدة اليأس من غفران الله، ولاسيّما إذا كان قد عاش فترةً طويلة من حياته في أجواء الذّنوب، وخصوصاً الكبيرة منها.

وقد عالج القرآن الكريم هذه المسألة، فقال سبحانه:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزّمر: 53].

الكثيرون من النّاس يُخَيَّلُ إليهم أنَّ الله لن يغفر لهم، وأنَّ ذنوبهم تبقى ثِقْلاً على أفكارهم وظهورهم، لأنَّهم عندما يفكِّرون في ربّهم، يتصوّرونه سبحانه، كما لو كان سلطاناً من سلاطين الدّنيا، أو قويّاً من الأقوياء يرهبه النّاسُ ويخافونه، لأنَّ هؤلاء السلاطين والأقوياء لا يغفرون الأخطاء، ولا يسامحون في كثيرٍ ممّا يقوم به النّاس ضدَّهم. ولذلك، فهم يتصوّرون أنّه سبحانه يعاملهم بما يعاملهم به هؤلاء السلاطين والأقوياء، فيضغط عليهم اليأس، تماماً كما لو أنَّ إنساناً أجرم جريمة كبيرة، فإنَّه يهرب من الأرض التي يعيش فيها أهل الضحيّة أو صاحب القوّة التي كانت الجريمة موجّهةً إليه، لأنّه يشعر بأنَّ جريمته تلاحقه من خلال القوى التي تريد إنزال العقاب به بسبب جريمته، فينطلق هارباً يائساً، وقد يؤدّي به ذلك إلى الانتحار، عندما يرى أنَّ جريمته تستوجب عقاباً يفضح أمره ويُسقطه من أعين النّاس.

وللذّنوب تأثير آخر في قلب الإنسان وإيحاءاتٌ في النفس، لأنَّ الذّنب ليس مجرّد عمل يعمله، فهو إذا سرق، فليست السّرقة تمثّل استيلاءً على مال إنسانٍ آخر وحَسْب، بل إنَّها تحمل معنى التجرّؤ على الله، وهذه الجرأة فيما قام به من سرقة أو قتل للنّفس المحترمة أو ما شابه ذلك، تترك تأثيرها في النفس، فتضعف إيمانه، لأنّ الإنسان كلّما تجرّأ على ربِّه أكثر، تمرّد أكثر وفَقَدَ إحساسه بعظمة ربِّه.

ولذلك، فإنَّ الكثيرين الذين يرتكبون الذّنوب والمعاصي يفقدون معنى روحيّة إيمانهم وإسلامهم، ولا يتحسَّسون الانفتاح على الله، بل إنّهم ينسون الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}[الحشر: 19]. فمن بين الأسباب التي تُنسي الإنسان ربَّه وتُغلق قلبَه على الله، كثرة الذّنوب. لهذا، ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع): "إذا أذنب الرَّجل، خرج في قلبه نكتةٌ سوداء، فإنْ تاب انمحت، وإنْ زاد زادت، حتّى تغلبَ على قلبه فلا يُفلح بعدها أبداً"[1].

إذاً، إذا تتالَت الذّنوب، اسودّ القلب وانتكس، وصار أعلاه أسفلَه، وأسفلُه أعلاه، بحيث يشاهد الأمور والأشياء معكوسة. وهذا ما نلاحظه عند كثيرٍ من الناس الذين يمتدّون في المعاصي، فتنقلب طريقة رؤيتهم للأمور، وهذا ما عرّفنا إيّاه رسول الله (ص)، حيث قال: "ما بالكم إذا فسدت نساؤُكم وفسق شبّانُّكم؟ قالوا: أويكونُ ذلك يا رسول الله؟ قال: كيف بكم إذا تركتم المعروف ونهيتم عن المنكر؟ قالوا: أوَ يكون ذلك يا رسول الله؟ قال: كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفاً والمعروف منكراً؟"[2].

فإذا كثر الفساد وانتشر الفسق، فإنَّ ذلك يصبح مألوفاً، وإذا ما أصبح مألوفاً، فإنَّه سيمثّل قِيَماً جديدة في حياة النّاس، وعلى هذا، يصبح الأمر بالمنكر مألوفاً، والنّهي عن المعروف غير المألوف.

* من كتاب "من عرفان القرآن".


[1]الكافي: ج2، ص270، رواية13.

[2]التهذيب: ج6، ص177، رواية8، باب22.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية