كتابات
15/11/2020

التَّوبة تمنح الإنسان حبّ الله

التَّوبة تمنح الإنسان حبّ الله

نظر سبحانه إلى عباده بالرّحمة، وعرف أنَّهم قد يخطئون من حيث لا يشعرون، أو يُذنبون من حيث لا يريدون، وقد يقعون تحت تأثير التيّارات التي تضغط على مشاعرهم وأحاسيسهم، فقال لعباده: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْلا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ...}.

أوحىإلى رسوله (ص) أن يخاطب عباده، أنّكم عندما تخطئون، حتّى لو امتدَّ بكم الخطأ مسافة بعيدة، فإنّني أترك لكم فرصة أن تعودوا إلى الصّواب، وعندما تذنبون وتعصون، فإنِّي أترك لكم الفرصة أن تعودوا إلى التّوبة. لذلك، إذا عدتم إلى التّوبة، وانفتحتم على الصّواب، ورجعتم إليَّ واستقمتم في طريقكم، فإنَّ كلَّ آثار الذّنوب تُمحى عنكم، ولا يبقى في قلوبكم وواقعكم وماضيكم أيُّ أثَر، لأنَّ "الإسلام يَجُبُّ ما قبله"[1]، يخرج الإنسان من الذنب بالتّوبة كيوم ولدته أُمُّه، يكون بالذّنب مبغوضاً عند الله، فيتحوّل بالتّوبة محبوباً، والله يمنحه محبَّته، ومحبّة الله هي السّعادة كلُّها التي تفيض على قلبه كلَّ طُمأنينة، وعلى حياته كلَّ إشراق، وعلى شخصيّته كلَّ لطفٍ وقوَّة، فأيّ سعادة أعظم من أن يكون الإنسان محبوباً من ربِّه؟

نحن نعيش السَّعادة إذا أحبَّنا بعضُ المخلوقين الذين نجد عندهم ما نرغب فيه، أو يملكون بعض مواقع القوَّة، ويقول بعضنا لبعض وبالطّريقة الشعبيّة: "هنيئاً لفلان" يحبُّه فلان الكبير والعظيم. لكن هل يحبُّه الله؟ لذلك، ليس المهمّ محبّة النّاس، بل محبّة الله، فأمير المؤمنين عليٌّ (ع) بلغ أرقى محبّة لله تعالى، فيقول في دعائه، المعروف بدعاء كُميل: "فهبني يا إلهي صبرتُ على عذابك، فكيف أصبر على فراقك، وهبني يا إلهي صبرتُ على حرِّ نارِك، فكيف أصبر عن النّظر إلى كرامتك؟!". العاشقون يكتبون لمن يحبُّون قصائد، ولكنَّ عليّاً (ع) يكتب لله تعالى، فخاطب ربَّه بما مُفَاده: ليست مشكلتي العذاب ـــ وهو (ع) الذي لا يُعذَّب ـــ عذِّب جسدي بالنّار، فإحساسي بألم العذاب ليس مشكلة، ولكنَّ مشكلتي، يا ربّ، أنَّ العذاب يفصلني عنك، فأنا أتألّم لانفصالي عنك وفراقي لك أكثر ممّا أتألَّم بعذابك. دعْ جسمي يحترق بنارك، فليس ذلك مشكلة، ولكنَّ المشكلة، أنَّك عندما تُدخلني النّار، فإنَّك تُبْعِدُني عن موقع كرمك.. وهذا هو الحبُّ.

نحن نتحدّث عن حبّ الله، ولكن لا نعيش ذلك كشعور، أو كما يُحسُّ الإنسان بلفحة الحبّ عندما يحبُّ إنساناً آخر.. الأساس أن نحبَّ الله، لأنَّ كلَّ محبوبٍ يتساقط ويموت ونفقد الإحساس بحبِّه.

فلنتعلّم من عليٍّ (ع) كيفيّة حُبِّ الله، وهو يطلب من الله أن يجعل كلَّ أوقاته في اللّيل والنّهار "بذكرك معمورة، وبخدمتك موصولة، وأعمالي عندك مقبولة، حتّى تكون أعمالي وأورادي كلُّها وِرْداً واحداً، وحالي في خدمتك سرمداً".

إذاً، أهمية دور التّوبة، أنَّها تمنح الإنسان حبَّ الله، وتلغي له كلَّ التاريخ الشيطانيِّ الأسود، وهذا ما قاله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}[الشّورى: 25]، ويقول أيضاً: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة: 222]. وفي الحديث أيضاً عن الإمام الباقر (ع): "إنَّ الله يحبّ من عباده المُفْتَنَّ ـــ الذي عاش الفتنة في حياته وسقط فيها ـــ التوّاب".

* من كتاب "من عرفان القرآن". 


[1] شرح نهج البلاغة: ج20، باب413، ص10.

نظر سبحانه إلى عباده بالرّحمة، وعرف أنَّهم قد يخطئون من حيث لا يشعرون، أو يُذنبون من حيث لا يريدون، وقد يقعون تحت تأثير التيّارات التي تضغط على مشاعرهم وأحاسيسهم، فقال لعباده: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْلا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ...}.

أوحىإلى رسوله (ص) أن يخاطب عباده، أنّكم عندما تخطئون، حتّى لو امتدَّ بكم الخطأ مسافة بعيدة، فإنّني أترك لكم فرصة أن تعودوا إلى الصّواب، وعندما تذنبون وتعصون، فإنِّي أترك لكم الفرصة أن تعودوا إلى التّوبة. لذلك، إذا عدتم إلى التّوبة، وانفتحتم على الصّواب، ورجعتم إليَّ واستقمتم في طريقكم، فإنَّ كلَّ آثار الذّنوب تُمحى عنكم، ولا يبقى في قلوبكم وواقعكم وماضيكم أيُّ أثَر، لأنَّ "الإسلام يَجُبُّ ما قبله"[1]، يخرج الإنسان من الذنب بالتّوبة كيوم ولدته أُمُّه، يكون بالذّنب مبغوضاً عند الله، فيتحوّل بالتّوبة محبوباً، والله يمنحه محبَّته، ومحبّة الله هي السّعادة كلُّها التي تفيض على قلبه كلَّ طُمأنينة، وعلى حياته كلَّ إشراق، وعلى شخصيّته كلَّ لطفٍ وقوَّة، فأيّ سعادة أعظم من أن يكون الإنسان محبوباً من ربِّه؟

نحن نعيش السَّعادة إذا أحبَّنا بعضُ المخلوقين الذين نجد عندهم ما نرغب فيه، أو يملكون بعض مواقع القوَّة، ويقول بعضنا لبعض وبالطّريقة الشعبيّة: "هنيئاً لفلان" يحبُّه فلان الكبير والعظيم. لكن هل يحبُّه الله؟ لذلك، ليس المهمّ محبّة النّاس، بل محبّة الله، فأمير المؤمنين عليٌّ (ع) بلغ أرقى محبّة لله تعالى، فيقول في دعائه، المعروف بدعاء كُميل: "فهبني يا إلهي صبرتُ على عذابك، فكيف أصبر على فراقك، وهبني يا إلهي صبرتُ على حرِّ نارِك، فكيف أصبر عن النّظر إلى كرامتك؟!". العاشقون يكتبون لمن يحبُّون قصائد، ولكنَّ عليّاً (ع) يكتب لله تعالى، فخاطب ربَّه بما مُفَاده: ليست مشكلتي العذاب ـــ وهو (ع) الذي لا يُعذَّب ـــ عذِّب جسدي بالنّار، فإحساسي بألم العذاب ليس مشكلة، ولكنَّ مشكلتي، يا ربّ، أنَّ العذاب يفصلني عنك، فأنا أتألّم لانفصالي عنك وفراقي لك أكثر ممّا أتألَّم بعذابك. دعْ جسمي يحترق بنارك، فليس ذلك مشكلة، ولكنَّ المشكلة، أنَّك عندما تُدخلني النّار، فإنَّك تُبْعِدُني عن موقع كرمك.. وهذا هو الحبُّ.

نحن نتحدّث عن حبّ الله، ولكن لا نعيش ذلك كشعور، أو كما يُحسُّ الإنسان بلفحة الحبّ عندما يحبُّ إنساناً آخر.. الأساس أن نحبَّ الله، لأنَّ كلَّ محبوبٍ يتساقط ويموت ونفقد الإحساس بحبِّه.

فلنتعلّم من عليٍّ (ع) كيفيّة حُبِّ الله، وهو يطلب من الله أن يجعل كلَّ أوقاته في اللّيل والنّهار "بذكرك معمورة، وبخدمتك موصولة، وأعمالي عندك مقبولة، حتّى تكون أعمالي وأورادي كلُّها وِرْداً واحداً، وحالي في خدمتك سرمداً".

إذاً، أهمية دور التّوبة، أنَّها تمنح الإنسان حبَّ الله، وتلغي له كلَّ التاريخ الشيطانيِّ الأسود، وهذا ما قاله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}[الشّورى: 25]، ويقول أيضاً: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة: 222]. وفي الحديث أيضاً عن الإمام الباقر (ع): "إنَّ الله يحبّ من عباده المُفْتَنَّ ـــ الذي عاش الفتنة في حياته وسقط فيها ـــ التوّاب".

* من كتاب "من عرفان القرآن". 


[1] شرح نهج البلاغة: ج20، باب413، ص10.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية