كتابات
26/07/2020

امْنُن عليَّ بالحج والعمرة

امْنُن عليَّ بالحج والعمرة

[ورد في دعاء الإمام زين العابدين (ع) إذا سأل الله العافية، مما ورد في الصّحيفة السّجاديّة:]

"اللَّهُمَّ وَامْنُنْ عَلَيَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَزِيَارَةِ قَبْرِ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَرَحْمَتُكَ وَبَرَكَاتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَآلِ رَسُولِكَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ أَبَداً مَا أَبْقَيْتَنِي، فِي عَامِي هَذَا وَفِي كُلِّ عَام، وَاجْعَلْ ذَلِكَ مَقْبُولاً مَشْكُوراً مَذْكُوراً لَدَيْكَ، مَذْخُوراً عِنْدَكَ".

* * *

يا ربّ، لقد أردت من عبادك أن يحجّوا إلى بيتك الحرام الذي جعلته مثابةً للناس وأمناً، ليعيشوا في أجوائه روحيّة القرب إليك، من خلال مناسكهم المتنوّعة الموحية بمختلف ألوان الإيحاء، في إحرامهم الذي ينفتحون فيه على نوع من أنواع الصّيام الجسديّ الذي يتربى فيه المؤمنون على رياضة البدن على تحمّل المشقات، والابتعاد عن مظاهر الزينة والتّرف، والانضباط أمام أوامرك ونواهيك، والانفتاح على الخير في علاقاتهم بالإنسان والحيوان والنّبات، ليحصلوا على التّوازن الفردي والاجتماعي في حياتهم الخاصّة أو العامّة، كما يتربى هؤلاء على رياضة الرّوح في الانفتاح عليك، والابتهال إليك والاستجابة لك من عمق الإحساس بالعبوديّة، بإعلان التلبية الروحية والعقلية والبدنية التي تمثّل الذّوبان فيك في كلّ الآفاق المطلّة على مواقع رضاك، ليزدادوا بذلك قرباً إليك، وتطلّعاً للوصول إلى رحاب قدسك.

وفي طوافهم ببيتك الّذي يمثّل الرّمز الحركيّ للطّواف حول ساحات محبّتك، وآفاق رحمتك، ودروب هداك، وذلك من خلال ما يتمثّل فيه من معنى العبادة الخالصة في الرّكوع وفي السّجود والابتهال والدّعاء، لتطلّ على العبادة الواسعة الشاملة في كلّ ما أمرت به أو نهيت عنه في الخضوع الكلّيّ لك في مواقع محبّتك وسخطك.

وفي ساحات المواقف في عرفات والمشعر الحرام ومنى، حيث يعيشون التأملات الروحيّة الرائعة التي ينطلقون فيها مع أنفسهم بين يديك، ليزدادوا معرفةً بك ومحبّةً لك، واقتراباً وخوفاً منك، ورغبةًلما عندك، وابتعاداً عن الشّيطان الذي يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السّعير.

وفي كلّ حركة التحدي للشّيطان الذي يوسوس في صدورهم بوساوس الشرّ، ويخطّط لهم خطط الانحراف، ويقودهم إلى النّتائج السلبيّة على مستوى المصير، وذلك في عمليّة رجم رمزيّ يوحي بأكثر من حركة رجم لكلّ قوى الجريمة التي تصنع للإنسان مأساته، وتهدّم له حضارته، وتوجّهه نحو الهلاك والدّمار.

وفي كلّ اللّقاءات التي يلتقي فيها الناس من أطراف الأرض، ليشهدوا منافع لهم في قضاياهم العامّة المنفتحة على حركة الحريّة والعدالة والتّعاون والتّشاور وتبادل الخبرات الفكريّة والعمليّة في أوضاعهم المتنوّعة في شؤون حياتهم.

وشرّعت لنا العمرة التي تتحرّك ـ مع الحجّ ـ في نطاق بيتك، لتكون النسك المتحرّك الذي أردت لنا أن نقوم به في أيّ وقت، ووعدتنا الثّواب عليه، فليس له وقت معيّن كما هو وقت الحجّ، لأنك أحببت لعبادك أن ينفتحوا على بيتك المحرّم الذي يمثل البيت العالمي الإنساني للعبادة الذي يشير إلى كل بيوت العبادة المتفرقة في أنحاء البلاد، في عملية إيحاء بأنّه الذي يمثّل الوحدة الشمولية التي تلتقي عندها المساجد، حتى تتوحّد السياسة الروحية والفكرية والتبليغية والعملية في كلّ مواقعها ومجالاتها وآفاقها الصغيرة والكبيرة.

وهكذا كانت رحلة الحجّ والعمرة، رحلةً روحيّة واسعة الآفاق، متنوّعة الحركات، منفتحة الأبعاد على كلّ مواقع الخير في الحياة من خلال الانفتاح عليك.

وأردت لنا أن نزور رسولك، في ما أحببته لنا من ذلك، ليبقى حضوره فينا ميتاً من خلال استذكار سيرته حيّاً، لنقتدي به في أقواله وأعماله، حتى لا تكون سيرته فينا مجرّد تاريخ بعيد يبتعد بنا عنه في الإحساس بالأشياء البعيدة التي تجعلنا نعيش الغربة عنها، بل تكون بدلاً من ذلك ارتباطاً للذّكرى بمواقع حركته في مسجده وبيته، حيث كان يدعو النّاس إلى الله ويبشّرهم برحمةٍ منه ورضوان، وينذرهم بعذابه ويوجّههم إلى السّلامة في الدّنيا والآخرة، ويقودهم إلى صراط العزيز الحميد.

ونتمثّله ـ في ذلك كلّه ـ في أخلاقه العالية، وروحيّته السّامية، ونتعرّف أساليبه في حركة العلاقات الإنسانيّة، وفي ساحة الصّراع الرّساليّ في الحرب والسِّلم، لنعيش معه في روحه المحلّقة في رحاب الله، فلا يكون ـ في زيارتنا له ـ مجرّد جسد ميت نتوجّه إليه، بل يكون حياة رساليّة نتمثّلها في الذاكرة لنحركها في الواقع...

اللّهم امنن علينا بالحجّ والعمرة وزيارة قبر رسولك، في انطلاقة روحيّة تنفتح على محبّتك، وتتطلّب رضاك، وتنطلق نحو الآفاق البعيدة من معاني ربوبيّتك، لأزداد بذلك عبوديّة لك وقرباً منك، وانجذاباً إلى مواقع القدس لديك، واجعل ذلك نشاطي في كلّ عام، مما تتقبّله من أقوالي وأعمالي، وتشكره لي وتذكرني فيه برحمتك وتذخره عندك، لألتقيه في يوم لقائك ـ يا ربّ العالمين ـ.

*من كتاب "آفاق الروح"، ج 1.

[ورد في دعاء الإمام زين العابدين (ع) إذا سأل الله العافية، مما ورد في الصّحيفة السّجاديّة:]

"اللَّهُمَّ وَامْنُنْ عَلَيَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَزِيَارَةِ قَبْرِ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَرَحْمَتُكَ وَبَرَكَاتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَآلِ رَسُولِكَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ أَبَداً مَا أَبْقَيْتَنِي، فِي عَامِي هَذَا وَفِي كُلِّ عَام، وَاجْعَلْ ذَلِكَ مَقْبُولاً مَشْكُوراً مَذْكُوراً لَدَيْكَ، مَذْخُوراً عِنْدَكَ".

* * *

يا ربّ، لقد أردت من عبادك أن يحجّوا إلى بيتك الحرام الذي جعلته مثابةً للناس وأمناً، ليعيشوا في أجوائه روحيّة القرب إليك، من خلال مناسكهم المتنوّعة الموحية بمختلف ألوان الإيحاء، في إحرامهم الذي ينفتحون فيه على نوع من أنواع الصّيام الجسديّ الذي يتربى فيه المؤمنون على رياضة البدن على تحمّل المشقات، والابتعاد عن مظاهر الزينة والتّرف، والانضباط أمام أوامرك ونواهيك، والانفتاح على الخير في علاقاتهم بالإنسان والحيوان والنّبات، ليحصلوا على التّوازن الفردي والاجتماعي في حياتهم الخاصّة أو العامّة، كما يتربى هؤلاء على رياضة الرّوح في الانفتاح عليك، والابتهال إليك والاستجابة لك من عمق الإحساس بالعبوديّة، بإعلان التلبية الروحية والعقلية والبدنية التي تمثّل الذّوبان فيك في كلّ الآفاق المطلّة على مواقع رضاك، ليزدادوا بذلك قرباً إليك، وتطلّعاً للوصول إلى رحاب قدسك.

وفي طوافهم ببيتك الّذي يمثّل الرّمز الحركيّ للطّواف حول ساحات محبّتك، وآفاق رحمتك، ودروب هداك، وذلك من خلال ما يتمثّل فيه من معنى العبادة الخالصة في الرّكوع وفي السّجود والابتهال والدّعاء، لتطلّ على العبادة الواسعة الشاملة في كلّ ما أمرت به أو نهيت عنه في الخضوع الكلّيّ لك في مواقع محبّتك وسخطك.

وفي ساحات المواقف في عرفات والمشعر الحرام ومنى، حيث يعيشون التأملات الروحيّة الرائعة التي ينطلقون فيها مع أنفسهم بين يديك، ليزدادوا معرفةً بك ومحبّةً لك، واقتراباً وخوفاً منك، ورغبةًلما عندك، وابتعاداً عن الشّيطان الذي يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السّعير.

وفي كلّ حركة التحدي للشّيطان الذي يوسوس في صدورهم بوساوس الشرّ، ويخطّط لهم خطط الانحراف، ويقودهم إلى النّتائج السلبيّة على مستوى المصير، وذلك في عمليّة رجم رمزيّ يوحي بأكثر من حركة رجم لكلّ قوى الجريمة التي تصنع للإنسان مأساته، وتهدّم له حضارته، وتوجّهه نحو الهلاك والدّمار.

وفي كلّ اللّقاءات التي يلتقي فيها الناس من أطراف الأرض، ليشهدوا منافع لهم في قضاياهم العامّة المنفتحة على حركة الحريّة والعدالة والتّعاون والتّشاور وتبادل الخبرات الفكريّة والعمليّة في أوضاعهم المتنوّعة في شؤون حياتهم.

وشرّعت لنا العمرة التي تتحرّك ـ مع الحجّ ـ في نطاق بيتك، لتكون النسك المتحرّك الذي أردت لنا أن نقوم به في أيّ وقت، ووعدتنا الثّواب عليه، فليس له وقت معيّن كما هو وقت الحجّ، لأنك أحببت لعبادك أن ينفتحوا على بيتك المحرّم الذي يمثل البيت العالمي الإنساني للعبادة الذي يشير إلى كل بيوت العبادة المتفرقة في أنحاء البلاد، في عملية إيحاء بأنّه الذي يمثّل الوحدة الشمولية التي تلتقي عندها المساجد، حتى تتوحّد السياسة الروحية والفكرية والتبليغية والعملية في كلّ مواقعها ومجالاتها وآفاقها الصغيرة والكبيرة.

وهكذا كانت رحلة الحجّ والعمرة، رحلةً روحيّة واسعة الآفاق، متنوّعة الحركات، منفتحة الأبعاد على كلّ مواقع الخير في الحياة من خلال الانفتاح عليك.

وأردت لنا أن نزور رسولك، في ما أحببته لنا من ذلك، ليبقى حضوره فينا ميتاً من خلال استذكار سيرته حيّاً، لنقتدي به في أقواله وأعماله، حتى لا تكون سيرته فينا مجرّد تاريخ بعيد يبتعد بنا عنه في الإحساس بالأشياء البعيدة التي تجعلنا نعيش الغربة عنها، بل تكون بدلاً من ذلك ارتباطاً للذّكرى بمواقع حركته في مسجده وبيته، حيث كان يدعو النّاس إلى الله ويبشّرهم برحمةٍ منه ورضوان، وينذرهم بعذابه ويوجّههم إلى السّلامة في الدّنيا والآخرة، ويقودهم إلى صراط العزيز الحميد.

ونتمثّله ـ في ذلك كلّه ـ في أخلاقه العالية، وروحيّته السّامية، ونتعرّف أساليبه في حركة العلاقات الإنسانيّة، وفي ساحة الصّراع الرّساليّ في الحرب والسِّلم، لنعيش معه في روحه المحلّقة في رحاب الله، فلا يكون ـ في زيارتنا له ـ مجرّد جسد ميت نتوجّه إليه، بل يكون حياة رساليّة نتمثّلها في الذاكرة لنحركها في الواقع...

اللّهم امنن علينا بالحجّ والعمرة وزيارة قبر رسولك، في انطلاقة روحيّة تنفتح على محبّتك، وتتطلّب رضاك، وتنطلق نحو الآفاق البعيدة من معاني ربوبيّتك، لأزداد بذلك عبوديّة لك وقرباً منك، وانجذاباً إلى مواقع القدس لديك، واجعل ذلك نشاطي في كلّ عام، مما تتقبّله من أقوالي وأعمالي، وتشكره لي وتذكرني فيه برحمتك وتذخره عندك، لألتقيه في يوم لقائك ـ يا ربّ العالمين ـ.

*من كتاب "آفاق الروح"، ج 1.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية